الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من لا يربيه شعبه.. كونداليزا تعرف تؤدبه!

هويدا طه

2005 / 2 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عادة ما يُعلن عن المواقف السياسية الحاسمة لمعظم دول العالم، في(مؤتمر صحفي)، تنقله التليفزيونات غالبا على الهواء مباشرة، يظهر فيه عدوان لدودان أو صديقان حميمان واقفيّن أمام بضع عشرات من ميكروفونات وكالات الأنباء المختلفة، وهما يبتسمان، ويستخدمان مفردات لطيفة للتعبير عن مواقف صارمة، أو عبارات دبلوماسية ناعمة لوصف مواقف متباينة، وإذا كانت هناك مؤتمرات صحفية لا يهتم بها الناس أو لا تنقلها قنوات التليفزيون لعدم أهميتها، فإن هناك مؤتمرات أخرى قد تعود أهميتها إلى مكانة الدول التي يعبر عنها المتحدثون، أو تعود أهميتها إلى ندرة المعلومات المتاحة لوسائل الإعلام من دولهم، لكن هناك مؤتمرات عادة ما تكون(جذابة)ولها شعبية ويقبل الناس على متابعتها، بسبب ما هو معروف مسبقاً عن(شخصية)المتحدث، مثل المؤتمرات الصحفية لمحبوب الملايين محمد سعيد الصحاف أيام الحرب على العراق! التي كان يتهافت عليها- ليس فقط الصحفيون- بل وشعوب العالم عربا وعجما، لمعرفة الجميع أن الزمان لن يجود بمثل هكذا متحدث قبل قرن آخر من الزمن! وأيضا مؤتمرات الفيلسوف الأخضر معمر القذافي! خاصة تلك السابقة مباشرة أو اللاحقة مباشرة للقمم العربية! لكن أي مؤتمر صحفي يجمع- هذه الأيام- بين مسئول عربي ووزيرة الخارجية الأمريكية الجديدة كونداليزا رايس، هو حقا مؤتمر جدير بمراقبة تفاصيله، بدءً بما يقال- دبلوماسياً كان أو جافاً- وحتى حركات يدي وخلجات وجه كلٍ منهما، فالمشاهد العربي يختزن خبرة سابقة مع وزيرة الخارجية الأسبق مادلين أولبرايت، التي كان المسئولون العرب من أصغر سفير إلى أسمى ملك وأفخم رئيس يرتجفون أمامها، لا افتتاناً بها بالطبع، إذ كانت تشبه(الساحرة الشريرة)في مخيالنا الشعبي(مع الاحترام الكامل- حقيقة ً- لإمكانياتها وشهاداتها العلمية رفيعة المستوى، التي من العيب حقا أن تقارن بشهادات التعليم الإلزامي لبعض نظرائها العرب!)، لذلك فالمؤتمر الصحفي الذي جمع منذ أيام بين الوزيرة السمراء الهيفاء كونداليزا رايس، وأحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري، كان جديراً بالمتابعة، إذ أن أي مسئول مصري ينوب عن الرئيس مبارك في المحافل الدولية هذه الأيام، هو مسئول تعس بائس مسكين! لأنه كلما زار مكاناً، حَمّله مضيفوه رسائل إلى رئيسه، من نوع تلك الرسائل التي يتصبب عرقه عندما يسمعها، فليس الشعب المصري وحده من ضجر وسئم وراح يصرخ بأعلى صوته في الشوارع بهتافه المعبر"كفاية كفاية... إحنا وصلنا للنهاية"، إنما المجتمع الدولي أيضا، في عصر متسارع تصبح فيه الأحداث الجسام مملة.. بعد وقوعها بساعات، سئم هو الآخر التعامل مع نفس الرئيس منذ ربع قرن، وفجع عندما لمس منه إصراراً مدهشاً على الشروع في ربع آخر! فراح يُحّمل مندوبه المسكين رسائل(ناصحة)بأدب جم، أن قُل لرئيسك"كفاية.. متزودهاش"! في البداية كانت تلك الرسائل تأتي في صورة عبارات مهذبة مثل:ينبغي على مصر أن تقود العالم العربي إلى طريق الديمقراطية، على مصر أن تبدأ إصلاحات ديمقراطية، إن مصر تستحق نظاما تعددياً، نأمل أن نرى قريبا انتخابات نزيهة في مصر... إلى آخر تلك العبارات الرقيقة، كم هم مهذبون هؤلاء المسئولون الدوليون! لكن الدولة العظمى في العالم، التي علمّت البشرية السرعة وأدخلتها في عصر اللهاث، ما كان منها إلا أن ضجرت وسئمت ونفذ صبرها، خاصة بعد أن استنفذ فخامة الرئيس الغرض منه، وأصبحت الحاجة إليه الآن.. كالحاجة لكمبيوتر الجيل الأول.. الذي كان يعمل بالفحم! فكان أن تلقفت كونداليزا رايس أبو الغيط البائس، في مؤتمر صحفي ظلت عيناه فيه زائغتين، وراح يتمايل يميناً ويساراً كأنه يبدل وقوفه على رجليه، يحاول التهرب من أي سؤال يختص بمسألة الديمقراطية في مصر، ويلقي تبعة اعتقال رئيس حزب الغد المعتقل أيمن نور على القضاء المصري المسكين، ويبحث وهو يتصبب عرقاً عن عبارات عائمة تنجيه من حصار أسئلة الصحفيين عن نية رئيسه التجديد، بينما كانت كونداليزا ثابتة كالنخلة، يفهم كل لبيبٍ أنها تعلن في هذا المؤتمر أن بلادها قررت حسم الأمر، لكن المتابع للصحف والقنوات التليفزيونية الأمريكية، يعرف منها أن ما قيل في المؤتمر الصحفي كان من عينة(الرسائل المهذبة)، أما ما قالته رايس للوزير التعس ولم تنقله كاميرات التليفزيون، فقد نقلته تلك الصحف، التي شنت حملة واسعة على ما أسمته(ديكتاتور مصر)، بل واستخدمت الشعار الذي دشنه الشعب المصري(لا.. للتمديد والتوريث)! – أي أن الشعب المصري استطاع أن يُدّول شعاره ويمنحه بعدا عالميا!- ووصفت مقالات مختلفة في الصحف الأمريكية الدور الجديد للوزيرة رايس، وصفاً يمكن اختصاره بالقول.. إن هؤلاء الذين لا يفهمون الرسائل المهذبة، ستبدأ كونداليزا رايس معهم.. مهمة تأديبية.. بعد أن اكتشفت مؤخرا...... إن الأدب مش نافع!!

** موعد في المهجر.. برنامج هادئ جميل:
الإبداع يموت في تربة بلادنا المسمومة بالقهر والخرافة
البرامج الحوارية.. أنواع، فهناك مجموعة برامج على الفضائيات العربية من ذلك النوع الذي يسبب للبعض(غثياناً)، بما تحتويه من ثقل ظل مقدميها وضيوفها، أو ما تهتم به من تفاهات، وهناك برامج- قد تكون شهيرة- ولها شعبية، لكنها من ذلك النوع الذي يحدث ضجيجاً، ضجيج يسمونه(جعجعة بلا طحين)، وبينهما طيف واسع من برامج تمر وتصبح(عادة)عند كلا الطرفين، القناة التي تنتجها، والمشاهد الذي يتلقاها، دون أن يتوقف عندها البعض، لتأمل الدافع وراء إنتاجها، أو الأثر من وراء تلقيها، من بين تلك البرامج التي تبدو عادية هادئة برنامج"موعد في المهجر"على قناة الجزيرة، وهو يعتمد على تصوير لقاء مع شخصيات عربية من أي بلد عربي، رجالاً ونساءً، هاجروا في مطلع شبابهم، غالباً إلى أوروبا أو أمريكا أو كندا، وحققوا نجاحاً ملحوظاً- عملياً أو علمياً- وكونوا أسراً واستقروا هناك، وينقل البرنامج من خلال الحوار معهم تجربتهم في الهجرة من بلدهم الأصلي، الدوافع والصعوبات التي واجهتهم، والنقلة الحضارية والثقافية والمادية التي شعروا بها، وغير ذلك من ملامح تلك التجربة الثرية التي عاشوها، ويصور منازلهم ومقار عملهم وأبناءهم وأزواجهم أو زوجاتهم ، والذين يكونون غالباً من جنسياتٍ مختلفة، من بلدٍ عربي آخر أو من بلد المهجر، وكيف تم التزاوج الثقافي بين هذين الشتيتين، وإلى جانب الحنين إلى ذكريات النشأة في بلدانهم الأصلية، والذي يبدو قاسماً مشتركاً بين كل الضيوف، هناك أيضا نقلا لانطباعاتهم عن أوطانهم بعد أن زاروها للمرة الأولى بعد سنوات وسنوات من الغربة، ومرة أخرى.. القاسم المشترك بينهم جميعاً.. هو الأسف والحزن والحسرة على ما آلت إليه! ومن الشخصيات التي لا تنسى هدوئها وعمق تجربتها، وعرضها هذا البرنامج الجميل، ذلك القاضي الكهل، البريطاني من أصل فلسطيني، والذي بدت عباراته عن القدس- التي عرفها صبياً منذ عشرات السنين- مشحونة بشجن كبير، وتزامنت كلماته عنها مع نظرات عميقة للغاية، يهيئ إليك أن أشجار القدس وأزقتها العتيقة التي قرأت عنها تتراءى من خلالها في عينيه، وهناك حلقات نفذت مع شخصيات تثير حزنك على وطنك العربي الكبير، الذي كان أملاً لم يتحقق أبداً، كحلقة الدكتور أحمد زويل الأمريكي الفائز بجائزة نوبل في الكيمياء، وحلقة الدكتور فاروق الباز، عالم الجيولوجيا في وكالة ناسا الأمريكية، وحلقة الدكتور نبيل إسماعيل، البروفيسور في جامعة كونكورديا في كندا، وصاحب اختراعات مسجلة باسمه، وهؤلاء من أصل مصري، ومن الصعيد تحديداً! وحلقة مع صاحب دار نشر الهمبرا في السويد وهو من أصل مختلط مصري/لبناني، وحلقات عديدة مع نساء عراقيات ولبنانيات، وغيرهم كثيرون، في كل حلقة أو كل تجربة تتابعها معهم، تستنتج أن ذلك النجاح ما كان ليتحقق أبداً لو أن حياته أو حياتها استمرت بشكل عادي في البلد الأم كغيره من الملايين فيها، لماذا؟! هناك شيء(سام)في بلادنا.. يقتل الإبداع، يقتل التوق البشري الطبيعي إلى المعرفة، يقتل الأمل، يقتل الحماس، يغتال المواهب، يثبط الهمة، ويشيع اليأس، ويفقد الإنسان قدرته على الابتكار، هناك فقر ينخر العظام، وهناك قهر وقمع يسلب الكرامة، ويحرم الإنسان العربي من الحرية، التي بدونها لا يبدع إنسان على الأرض علما ولا أدبا ولا فنا، هناك ثقافة الخوف والذعر من البطش بكل من يحاول أن يغني خارج السرب، أي سرب؟! هذه كلمة لطيفة غير مناسبة.. بل القطيع! والبطش هذا ليس بطش(العسكر)فقط، فليست النظم السياسية المجرمة فقط هي ما يقتلنا في بلادنا، بل ثقافة المجتمع المتهالكة، التي تسمم عقولنا، وتوقف نموها، وتبطش بكل جريء يتمرد على هذا السكون الذي نعيشه، ثقافة يفوح منها الإيمان بالخرافة، والخوارق، ثقافة تتعامل مع قوانين الطبيعة والجاذبية الأرضية ومدارات الكواكب بعقلية دينية، تتوهم السماء قائمة على أعمدة! والملائكة مشغولة بأي قدم ٍ دخلنا الحمام! ثقافة تعتبر الشرف عضوا جسديا بين أفخاذ النساء، وتعتبر السيف أصدق أنباء من الكتب! وتتمسك بسخافات يسمونها(العادات والقيم والتقاليد)، لماذا ينبغي علينا أن نحافظ على تلك القيم البالية؟ لماذا لا نهدمها كما هدمها آخرون.. فانطلقوا أحرارا وأبدعوا، إن تجارب الهجرة- أو الفرار- من أوطاننا السامة.. منحت المهاجرين فرصة للتمرد، وفرصة الاختلاط بأمم تمردت.. فصنعت المستحيل، برنامج موعد في المهجر.. يرسل رسالة لمن يقدر على فهمها من المشاهدين العرب، رسالة قد يكون مضمونها..... تمردوا.. أو.. موتوا!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الضفة الغربية المحتلة: سياسة إسرائيلية ممنهجة لجعل حياة ا


.. إسرائيل تصادر أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية منذ اتفاقيات




.. مشاركة كبيرة متوقعة في الانتخابات التشريعية البريطانية


.. غزة.. أطفال شردهم القصف الإسرائيلي ونازحون ينزحون من جديد




.. ماذا قدم حزب المحافظين للبريطانيين وما مصيره؟