الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ست زفرات صغيرة

باسم النبريص

2012 / 9 / 7
الادب والفن


(رفقة)

اليوم, عملتها رفقة, وماتت.
أولادها كانوا منفس فتيان المخيم. يطعزونهم فتحلو الدنيا للحظات.
بناتها كانوا فاكهة المراهقين الجائعين لابتسامة أو إيماءة, مِن على باب الدار.
أما هي, كانت مصدر المرح والفرح الوحيد في بيئة تشعر باختلال الناموس إن فرحت.
اليوم, أنا عاتب جداً.
بل قُل: غاضب على مَن يخطف الجميل البرىء, ويطيل عمرَ الأدنياء.

(خوسيه)

يوم التقيته بغزة, هو القادم من الجزيرة الأيبيرية, ومن دم أفريقي بعيد, فتنني موقفه. قلت لمن يعرفونني: هذا هو الأصلب في الحق, في عموم أوروبا. وربما إلى عقود كثيرة قادمة.
حادثته وحادثني, وأثرنا جواً من الحماس والبهجة, بين كوكبة من كبار أدباء العالم, فيها واحد مثله حاصل على النوبل.
رأيته وسمعته وهو يتكلّم بالموبايل مع مراسلة أكبر صحف الجزيرة. رأيته وسمعته وهو يردّ على ثعلب إسرائيل الهرِم وعلى مثقفيها الصغار.
وآن تركته, وأنا متيقن أنني لن أراه ثانية, قلت لمن يعرفونني: هذا أبدع وأصلب من قابلت, وقد قابلت الكثير.
وفي الليل المتأخّر, حين فتح حاجز أبو هولي الرهيب, عدت للمنزل ولبدت في فراش الشتاء, مستعيداً ومستمتعاً بحدث اللقاء العظيم, لكن دون راحة.
ظللت أتقلّب للصبح, وبي تبكيت ضمير. ذلك أنني رأيته آن دخل علينا القاعة, من منظر جانبي, ففكّرت فوراً بجدّنا القرد.
اليوم, وقد مرّت سنتان على وفاته, مازلت غير قادر على غفران ذلك لنفسي.
اليوم, وبعد سنتين, وخمس وعشر قادمات, أقول إنني حزين جداً.
ذلك أنّ جبلاً تصدّع .. كبير الإنسانية في زمن القرود, مات.

(أخي)

أخي حين بدأ يشمّ نفَسه, واتاه العضال. وأنا الذي لطالما أحسنت الظنّ بعدل السماء, كنت كل ليلة, بعد أن ينام البيت, أنتظر إشارة منها.
كنت في الحقيقة لا أرى فوق شيئاً. كانت مئات الليالي تنقضي, وأنا أسمع فقط طنين وزنين طائراتهم التي بلا طيّار. أشكّ في أصل الحكاية, ثم أستغفرّ, وأعود للظنّ الحسن.
مضت ألوف الليالي الآن.
أخي شبع موتاً, وأنا شبعت من "الحقيقة" أيضاً. فكان لا بدّ ممّا ليس عنه بدّ:
"الإلحاد".

(صراخ)

أن تكون لك أمّ واسمها منيرة. وأن يكون اسمها على وسع المُسمّى وبراحه الطليق. ثم أن تضيء بفعلها وحنانها وصلابتها قعر الليالي الظلماء. هي التي ترمّلت وحُمّلت النير في العمر النضير. ثم أن تموت في حضنك وهي في الرابعة والثمانين, بعد ثلاثة أيام من الاحتضار الصامت, وقد كانت شحيحة الكلام طول عمرها.
ثم .. أن تتذكّرها وأنت الآن في برشلونة. وتتذكّر رفضها المطلق لفكرة سفرك وهي على سرير الموت, لا كلاماً, بل إشاراتٍ وهمهمات.
أن يحدث كلّ هذا لك, قبل مضي سبعة شهور على رحيلها, فقل لي ـ يا أخي ـ أرجوك: ماذا تفعل؟
وقل لي ـ يا أخي ـ أرجوك: هل صاحبك معذور أم مذنب, حين يرقد في غسق الفجر البرشلوني الموحش, وبه رغبة قديمة في الصراخ؟
والله يا أخي, إنّ كلّ ثقافته لم تنفع. كلّ تأمّله, كلّ موضوعيّته, كلّ خيبته.
والله يا أخي لا ينفعه إلاّ الصراخ.
وها هو يفعل.

(فرح)

اليوم, أكلت 40 غراماً من الخبز, ودخّنت أربعين مثلها من التبغ.
وفي المساء, اجتمعنا في مطعم برشلوني بين البرجين, فقال الطبيب السوري: كم غراماً يكفيك من الخبز والتبغ كل يوم؟
أخبرته بالحقيقة, وكان في طور البحث عن حلّ لمعضلة معدتي الأبدية, فاندهش.
وأنا, في الواقع, اندهشت بدوري من دهشته.
قال: يا رجل!
قلت: يا طبيب!
وضحكنا, ثم دخلنا مباشرة في جحيم الوضع السوري. فخجلت, أمام حدث جلل كهذا, من معاودة الحديث عن شأن شخصي تافه.
في الليل, حين عدت وحيداً للشقة الخالية, انتقمتْ معدتي من خجلي. وسمعتها وهي تكركع وتقول: يظنّوننا مصدر شقائهم, والعكس هو الصحيح.
ثم سمعتها وهي تتترّع وتقول:
واقع الحال أنّ اثنتين تشقيان بالمثقف: معدته وزوجته.
بعدها نمت وأنا أكثر يقيناً باضمحلال مصادر الفرح البشري.

(استمناء)

من كثرة ما شاف نسوان في برشلونة, ما عاد يشوف امرأة. لاوعه حظّه فأسكنه في حي مكتظّ بالسائحات العاريات. وللمفارقة فاسم حيّه: "حيّ البورن" ومنه خطوتان وتصل متحف بيكاسو. وخطوة واحدة وتدخل الكنيسة أمّ الأعمدة والأقواس. حيث يتباوس العشاق على درج بوابتها, والقسيس الكاثوليكي يلمح و يطنّش.
هناك, ظل يرى ويتابع حتى احولّت عيناه. وحتى قرّر, بعد انقضاء شهرين, أنّ يتفادى النزول من أصله. إنّما على مين؟ خلاصة الجمال الأوروبي, تحاصره في الليالي وحتى النهارات. وتطالب بحقّها الكامل بالغواية. وهو, الخمسيني مدمن الكتب, والجّدُّ ذو الحفيدتين, وصاحب الشكل العام الرصين مخبراً ومنظراً, قرّر ألاّ ينحني لعاطفةٍ من هذا الدّرك, وبالذات في هذا العمر. وأن يتشبّث بحكمة من أفنى عمره بين تلال الكتب. لذا, وبناءً على ما سبق, لم يستمنِ طوال شهرين, سوى ست عشرة مرّة. فهل عليه حرج؟
قبل أن تحكموا, حطّوا حالكم محلّه, ووسّعوا مخيّلتكم, كي تستطيع تخيّل نهر الجمال العاري بتفاصيله التي ولا أعتى المخيّلات.
وبشيء من النزاهة, أتخيّلكم الآن تقولون: لو كنا مكانه لعملنا كل يوم. ليس عليه حرج!
أما كاتب هذه الزّفرة فيخالفكم: عليه حرج ونُص. لا يجوز الاستمناء وسط غابة الأفخاذ هذه. ليش؟
برشلونة ناقصة نسوان؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا