الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى ننتهي من ظاهرة الحواسم

ماجد فيادي

2012 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


كثيرة هي الملفات التي تقدم الى هيئة النزاهة والمفتش العام، المتهمون فيها موظفين كبار ينتمون لاحزاب سياسية تقود البلد، هذه الشخصيات جاءت الى مناصبها بعد سقوط الصنم واحتلال العراق نتيجة المحاصصة التي تشكلت عليها الحكومات المتعاقبة بعد 2003. لكن تبقى نماذجاً لم تقدم الى الجهات الرقابية، باعتبارها لا ترتقي الى مرتبة انتهاكات قانونية، مثلاً يقول رئيس مجلس أحد المحافظات أن مشاريعاً أعطيت الى شركات محلية كنا نعتقد أنها ذات خبرة في مجال البناء والطرق والجسور، لكنها بعد أن جربت اتضح فشلها في تنفيذ تلك المشاريع، يقول أحد الوزراء بسبب الارهاب لم تتقدم الشركات العالمية لتنفيذ مشاريع البنى التحتية فاجبرنا على الشركات المحلية التي لا تمتلك المعدات المتطورة لتنفيذ اعمالها، فكانت النتيجة سلبية، مسئول ثالث يقول بسبب عدم توفر الارضية المؤهلة لتنفيذ المشروع ساهمنا بمعدات دائرتنا لدعم أحد الشركات الاجنبية لتنفيذ مشروعها في بغداد، لجنة الطاقة في البرلمان تتهم مسئول فوق العادة بتوقيع عقود تتعارض والقانون العراقي بملايين الدولارات، وكيل وزير التجارة يقول أن الاموال المخصصة لمفردات الحصة التموينية نفذت لشراء كامل ما تحتاجه البطاقة التموينية، في حين يشتكي المواطن من عدم حصوله على نصف المفردات ولاشهر عدة، وزير الاسكان يقول أن اربعة آلاف وحدة سكنية جاهزة منذ سنتين لا يمكن توزيعها على المواطنين، لان المحافظات والوزارات المعنية بتزويد اسماء المواطنين المستحقين لها لم تزودهم بها، مدارس الطين لاتزال تحتضن الطلبة وتبادل التهم لا يزال بين وزارة التربية ومجالس المحافظات، وزير الزراعة يطلق حملة نخلة لكل بيت، تكلف الدولة العديد من الملايين، في الوقت الذي تزداد فيه المساحات الصحراوية، تراجع سعر الصرف للدينار العراقي نتيجة سحب العملة الصعبة لتغطية حاجة دولتين جارتين تعانيان من عقوبات بنكية عالمية.
الامثلة كثيرة ويطول تعدادها، كلها تدور في نفس الحلقة انتهاك مصالح الشعب العراقي، طبعاً اغلبهم يتحججون أنها افعال غير مقصودة وأن معوقات تقف أمامهم تمنعهم من إتخاذ اللازم، أما بسبب نقص القوانين أو انتشار الفساد أو قيام الارهاب في تعطيل المشاريع المهمة، هناك من يتحجج بالتعقيدات التي تسير بها المعاملات الحكومية حتى صار عدد من الموظفين الشرفاء يتجنبون القيام بواجبهم خوفاً من اتهامهم بالفساد والتزوير، فجاءت المطالبة بتخفيف دور الجهات الرقابية.
في نهاية المطاف لا زلنا أمام نفس السيد المسئول منذ عشرة سنوات، وما زال الاداء نفسه، والحجج يعاد تكرارها في كل مرة، فهل هي حالة مستعصية على الحلول، اذا ما علمنا أن المسئول ينتمي الى الاحزاب التي تشكل الكتل الكبيرة في البرلمان، ما يعني تحملها مسئولية تشريع القوانين ومحاسبة المقصرين وتقديم البديل المناسب الذي يتجنب أخطاء سلفه. هي حالة غريبة في تجاهل هذه الاحزاب لما يطرحه المتابعون من مشاكل وما تقدمه الجهات الرقابية من مخالفات بالاصرار على نفس الوجوه في ادارة الدفة، أحد العراقيين المقيمين في المانيا يعمل سائق تكسي منذ هروبه من بطش الدكتاتور رغم حمله شهادة الهندسة، وبعد ما يقارب العشرين عاماً على وجوده فيها، عاد للعراق ليعين مديراً لدائرة في إحدى الوزارات، لا لشيئ الا أنه ينتمي لحزب حاكم، عراقي آخر في برلين يعمل منذ ثمانينيات القرن الماضي صاحب مطعم، يشغل اليوم منصب مستشار اكبر مسئول في الدولة لشؤون الاعمار( مع احترامي لكل مهنة شريفة).
السؤال الذي يطرح، هل المخالفات التي لم تقدم للجهات الرقابية وابقت العراق في حالة تخلف خدمي وفساد اداري ومالي غير مقصودة ؟؟؟ في علم القانون هناك قاعدة تشير ”أن من يخالف القانون لا يعفى من العقوبة بسبب ظروفه الخاصة“ ورغم ذلك فانتهاكات المسئولين لمصالح الشعب العراقي ما تزال تمارس على قدم وساق، بعد كل ما تكشف من الخبايا، ما يعني أن حدوثها تحت ذريعة الظروف، انما هي موضع شك، فما نعيشه اليوم من تعاظم لطبقة الرأسماليين العراقيين الجدد يجعل من السؤال أكبر حجماً، خاصة ونائب محافظ البنك المركزي العراقي السيد مظهر محمد صالح يقول ”ظهرت في العراق طبقة رأسماليين مخيفة“ هذه الطبقة تتحكم بالسوق دون وجود للمنتج العراقي.
الى جانب السؤال السابق لا بد من المقارنة بين ثلاثة مؤشرات، حجم ما يصدره العراق من النفط، حجم ما تقدمه الحكومة من خدمات متردية للمواطنين، حجم طبقة الرأسماليين الجدد التي لا نعرف اصول أموالها، وللربط بين هذه المؤشرات فإن عوائد النفط في تزايد مستمر بحكم تزايد الصادرات وارتفاع سعر البرميل، ما يستوجب تقديم خدمات افضل وتوفير فرص عمل وفتح الباب أمام الشركات الاجنبية في إعمار البنى التحتية، لكن الواقع يقول غير ذلك، في تردي الخدمات وشحة فرص العمل وعزوف الشركات الاجنبية من دخول البلد، كنا في عهد الدكتاتور نعاني من سيطرة أزلام النظام على السوق، خاصة العائلة الحاكمة، واليوم ظهرت طبقة جديدة من الرأسماليين تتحكم بالسوق العراقي دون أن نعرف مصادر أموالها ولماذا ترتبط بالاحزاب الحاكمة، وهي تمنع تشريع القوانين التي تحد من الانفلات في تعاظم ارباحها دون أن تدفع الضرائب للدولة أو تتوقف عن استيراد البضاعة الرديئة وبيعها باسعار خرافية، هذه المقارنة تشير أن المخالفات التي يرتكبها المسئولين في الحكومة ليست بحسن النية أو لظروف العمل المعقدة، انما هي مخطط لها.
لا اعرف الى متى يبقى العراق بدون قوانين كمارك وسيطرة نوعية وقانون نفط وغاز وقانون أحزاب وقانون الضمان الاجتماعي، والى متى نعمل بقوانين مجلس قيادة الثورة المنحل. والى متى يبقى بتكليف شرعي نفس المسئول رغم كل مخالفاته القانونية، والى متى نسمع نفس الاعذار دون أن يبادر احد لحلها. والى متى كلما يزداد الفقراء فقراً يزداد الاغنياء مالاً. متى ننتهي من ظاهرة الحواسم؟؟؟


نشر في جريدة التيار الديمقراطي العدد 17 بتصرف من المحرر تحت عنوان

لا تتذرعون بالصعوبات .. كلكم فاسدون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ظواهر
علي فهد ياسين ( 2012 / 9 / 8 - 07:11 )
متى ننتهي من ظاهرة الحواسم ؟
عندما تنتهي قيادة العشائر

اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع