الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الربيع العربي بين الخريف التركي والصيف الايراني

فريد يحي

2012 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


كتب رجل الدولة البريطاني الراحل ونستون تشرشل ذات مرة: "إن أفضل طريقة لصناعة التاريخ هي ان تكتبه،هذا ما تحاول أن تفعله كل من تركيا وايران،فيما يخص "تاريخ" الثورات العربية الأخيرة....ولكن كل بطريقته،متجاهلين الكتابة العربية لهذا التاريخ،والتي "ما زال الوقت مبكرا جدا للمعرفة" كما قال رئيس مجلس الدولة الصيني السابق "تشو ان لاى" في رده الشهير على سؤال "هنري كيسنجر" وزير الخارجية الامريكي ،زمن الرئيس نيكسون ، حول تأثيرات الثورة الفرنسية في تاريخ العالم ،كلاهما ( الايرانيون والاتراك )يحاولان ان يكونا المحرك الاقليمي، وطرف الجذب،عبر اختراع الالهمات وتسميات وادعاءات بالأبوة ،غاضين البصر عن ولادة هذا المولود من رحم عربي،وبصناعة عربية خالصة.

المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، رجل إيران القوى،أشاد بالثورات التي حدثت مؤخرا في عدد من الدول العربية واصفا بأنها "الاستيقاظ الإسلامي" ذات "الأهداف والتوجه الإسلامي". أما الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد،فقد صرح بأن الهام انتفاضات مصر وتونس كان نتيجة "التحدي الإيراني ضد القوى الغربية".
الايرانيون يتذكرون هذا "الاستيقاظ الإسلامي"، بثورة إيران ضد الشاه في العام 1979. ورسالة "الخميني "إلى الشعب الإيراني التي قال فيها بأن ايران تحققت فيها "الصحوة الإسلامية"، وببساطة سيلحق بها العالم العربي.

ولكن الايرانيين حسب اعتقادي ، من الواضح انهم يعانون من مشكلة في التفكير،كما ان كلام "الخميني "بشأن "الصحوة الاسلامية"،لم افتقد الي الدقة ،فلقد تبلورت الثورة العام 1979ضد الشاه ،ليست فقط جراء "الصحوة الإسلامية"، ولكن الحقيقة أن حركة الاحتجاج الواسعة النطاق قد شملت مجموعات واسعة من جماعات المعارضة، ابتدأ من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والماركسيين القوميين، الإسلاميين إلى الليبراليين والإسلاميين الخمينيين. لينصهروا مع الطبقة المتوسطة العلمانية، خالقين ظلالا من الديمقراطية،وبقدر ما توحدت هذه الحركات تحت راية المعارضة للشاه الا أن هذا الاتحاد سرعان ما تكسر نتيجة حرب أهلية مصغرة بعد النصر. ليتبع ذلك حكم ارهاب، فلقد تحول حلفاء الثورة السابقين بنادقهم تجاه بعضهم البعض. لتنتصر قوات آية الله الخميني في الصراع على السلطة خلال مرحلة ما بعد الثورة.

ولكن ما يغيب عن قادة إيران ان محمد البوعزيزي، بائع الخضار التونسي الذي اشعل النار في نفسه بعد سلسلة من الإهانات المتكررة على أيدي مسؤولي البلديات الجشعين،لم يرد الا شيء واحد: كرامة ثم كرامة، ولم يتطرق الي ذهنه فكر عقائدي سياسي أو ديني، فكتابة تاريخ الثورات العربية ،لم يحتوي الا على عنوان واحد ووحيد وهو "محاولة تحقيق الكرامة الإنسانية"
أما أنقرة فدائما ما كان لها تأثير قليل على العالم العربي ،لا يخفى على الناظر،حتى ولو أن الساسة الاتراك كانوا مسرورين بالاستماع الي حكايات ولع العرب بمشاهدة المسلسلات التركية ،ومقارنة "جمال عبدالناصر"بــ"أردوغان"،الا أن العثمانيين الجدد ،قد توصلوا الي نتيجة مفادها، أنه من الصعب عليهم إدارة سياسات منطقة الشرق الاوسط والعالم العربي ،كما تيسر للسلاطين الذين قبلهم ،حتى مع توفر قدرا من النفوذ في الوقت الحالي ،نتيجة الانحطاط العربي.

المتتبع بدقة لن يجد صعوبة تذكر ،في أن الانتفاضات العربية قد صممت خصيصا ل"تركيا الجديدة" ، التي صارت تمارس نفوذ واضح في الشرق الأوسط. فمنذ أن جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة قبل تسع سنوات تقريبا، وانقرة لا تولي جهد في التودد لبعض الدول العربية ،لغرض اقامة علاقات دافئة معها ،والفوز برضائها،بداية بالموقف المبدئي تجاه غزة نهاية باستخدام هيبتها لحل المشاكل في لبنان، والعراق، وسوريا. متبعة جهودا منسقة من الشرق الي الجنوب لتحسين وتوسيع مجال علاقاتها مع الملايين من العرب والوقوف معهم في سبيل المطالبة بحريتهم ،موضحين النموذج التركي كمثال للتطور الديمقراطي عبر الانتقال من دولة علمانية الي دولة مسلمة .
الثورات العربية بدأت فعلا بشكل جيد جدا بالنسبة لتركيا. وقد كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من اول زعماء العالم في مطالبة الرؤساء السابقين لهذه الدول وبالأخص مصر في الالتفات الي رغبات الشعب بالتنحي.الدور البراغماتي لقادة العدالة والتنمية، وعلى راسهم "اردوغان" والواضح من خلال الانتقال السريع من موقف مؤيد للرؤساء الي موقف مؤيد للمتظاهرين، جاء نتيجة حسابات سياسية مبنية على التنافس الإقليمي بين أنقرة و القاهرة . فلقد وجد "اردوغان"المتحصل على جائزة القذافي الدولية لحقوق الإنسان، انه من الصعوبة بمكان أن يقطع العلاقات بشكل حاسم مع القدافي،خاصة وان هناك ما يقارب من 30000 تركي يعملون على 1.5 مليار دولار من مشاريع البناء طرف الحكومة الليبية، فلقد كانت هناك ضرورة اقتصادية واضحة للحفاظ على علاقات جيدة. حتى ان "اردوغان" في يوم 28 فبراير2011 ،وعندما بدأ حلف الاطلسي يناقش في أواخر فبراير احتمال فرض منطقة حظر جوي، صرح بحدة في غرفة التجارة التركية الألمانية للتجارة والصناعة قائلا "ان تدخل حلف الناتو في ليبيا غير وارد، ونحن ضد شيء من هذا القبيل في الواقع. ليصبح بعدها الموقف التركي غريب حقا، فبمجرد أن وافقت الجامعة العربية على منطقة حظر الطيران، أعرب "اردوغان" دعمه لحظر استخدام القوة الجوية بينما رفض في نفس الوقت "التدخل الأجنبي في ليبيا بوصفها بلد صديق وشقيق"، ولتظل أنقرة متناقضة تجاه استخدام القذافي للقوة ضد شعبه، على الرغم من أن الأتراك أنفسهم كانوا الرواد في مجال توفير المساعدات الإنسانية لليبيا، الا انهم رفضوا باستمرار استخدام القوة لحماية المقاتلين والمصنفين حسب وصفها على انهم متمردين، وتأييد وقف اطلاق النار بوساطة تركية ،حتى يتمكن القذافي بعدها أن يبدأ عملية الإصلاح السياسي،ليبقى الامر على ما هو عليه حتى الثالث من مايو حينها وامام حشد من الصحفيين في اسطنبول يعلن "اردوغان" بأنه يود أن يرى الزعيم الليبي حسب وصفه أن يتنحى فورا عن السلطة ويغادر من أجل مصلحته الخاصة، ومن أجل مستقبل بلاده".

ويبدو الان أن تركيا تشارك في رقص دبلوماسي مماثل فيما يتعلق بسوريا. فقد كانتا أنقرة ودمشق جيران العداوة نتيجة الصراع على تدفق مصب نهر الفرات، بالإضافة الي الدعم السوري للإرهابيين من حزب العمال الكردستاني، والذي استهدف الدولة التركية في حملة لغرض الاستقلال. لتأتي فترة حزب العدالة والتنمية، وتتحسن العلاقات بين البلدين بشكل كبير. فالسوريون والأتراك لم يعدوا بحاجة إلى تأشيرات للسفر بين كل بلد، وأصبحت تركيا الشريك التجاري الأكبر لسوريا. ومع تفاعل الاحداث في سوريا ،نجد ان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو يحذر من "تدويل" الاضطرابات التي ستؤدي إلى "نتائج غير مرغوب فيها." أهمها، من خلال وجهة نظر تركية، هي سقوط الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، فالأتراك لديهم الكثير من القلق، عندما يتعلق الأمر باستقرار سوريا ،و على وجه الخصوص المنطقة الكردية المضطربة إلى الجنوب من تركيا. بالإضافة أيضا الي النكسة لاستراتيجية أنقرة في الشرق الأوسط، والتي سعت دوما الي خلق علاقات دافئة مع دمشق ، ونظرا لهذه المصالح، فمن غير المرجح أن الأتراك سوف يتخلون عن الاسد مثلما تخلوا عن القذافي.

في الوقت الذي ينشر فيه الاسد قواته ودباباته ضد المتظاهرين المسالمين في الشوارع ،نجد الخارجية التركية بدلا من ذلك تنصح الرئيس السوري الى "تنفيذ [الإصلاحات] دون مزيد من التأخير" معربة عن ارتياحها لاحقا لجهود الاسد، في بعث الإصلاحات الديمقراطية" ، متناسية انها تدعم ديكتاتور ضد رغبة الحليفين الأكثر أهمية، فضلا عن إرادة الشعب السوري.

من بين الاساطير العديدة للربيع العربي، نجد هناك اسطورة تحطم دور السياسة الخارجية التركية في عهد حزب العدالة والتنمية ،إذ كان المسؤولون في أنقرة يعتقدون بأن الدبلوماسية التركية على مدى العقد الماضي، وبالرغم من اعتراضات واشنطن في كثير من الاحيان، فلقد كان لها دور ايجابي وحاسم تجاه الصراعات والمشاكل من البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، ولكن الحقيقة والتي لابد ان يعرفها الاترك، بأن الخطاب المتسم بالفخر، لا يعكس سوى التناقضات ونقاط الضعف الموجودة في مرتكز سياستها الخارجية،"فاردوغان "،و "داود اوغل"و، ومستشاريهم، حسب اعتقادي صاروا يدركون صعوبة السيطرة على الشرق الأوسط.
لربما كان من الاسهل، أن يكون الدور التركي مؤثرا في العالم العربي، الذي كان يتسم بموت سياسي، وشواغر من القيادات، فعندما حانت في خطوة غير مسبوقة لحظة التغيير الاقليمي، هرعت الجموع تجتاح مدن وشوارع العالم العربي، تسقط السلطة، وتنادي بالديمقراطية، لنجد بأن الاتراك قد تعاملوا مع الحدث بسياسة خرقاء، وجبن واضح وأساليب براغماتية أفقدتهم هذا التأثير.

مع اختلافي الكبير والواضح مع سياسات "الاخوان المسلمين"،الا أن الرئيس "مرسي"،وفي خطابه في مؤتمر دول عدم الانجياز"،لربما اراد أن يكتب تاريخ للثورات العربية ...وبلغة عربية،ولا زالت "مصر"تشكل محور اقليمي لا يمكن تجاهله،قد يفوق الدور الايراني والتركي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تغلّبت عليك ثقافة الحكام
سامي بن بلعيد ( 2012 / 9 / 8 - 02:40 )
الناس امام عالم جديد وانت نايم مع أصداء الماضي

اخر الافلام

.. -علموا أولادكم البرمجة-..جدل في مصر بعد تصريحات السيسي


.. قافلة مساعدات إنسانية من الأردن إلى قطاع غزة • فرانس 24




.. الشرطة الأمريكية تداهم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب


.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24




.. بلينكن يلتقي من جديد مع نتنياهو.. ما أهداف اللقاء المعلنة؟