الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحشاشون الجدد

تميم منصور

2012 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية



قال العقلاء: "التغني بالماضي وحده لا يوقظ الموتى من قبورهم، بل الوعي بالتخلف الراهن هو أول خطوات التقدم". وقال الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين: "إن أمة تلتهم أفضل أبطالها وتستهين بقدرات رجالها تصبح في لحظة ما فريسة لأسوئهم وضحية لأكثرهم جحوداً في لحظة ما".
إن أعمال القتل والتخريب وتدمير البنية التحتية داخل أكثر من قطر عربي واحد، خاصة في سوريا والعراق, بمنهجية مدروسة، هذه الأعمال تثلج صدور آل عثمان ومعهم كل السلفيين الوهابيين وأسيادهم في تل أبيب وواشنطن ولندن وباريس، فكل ما يقوم به هؤلاء الأشرار في هذه الأيام لا يختلف في شيء عما كانت تقوم به فرق الحشاشين من قتل وسفك للدماء وتخريب وتدمير داخل الدولة العباسية والفاطمية. التشابه بين حشاشي اليوم والحشاشين في الماضي يكاد يكون مطابقاً من حيث الهدف والتحضير والتهيئة وغسل الأدمغة ، ونثر وتوفير الوعود غير الواقعية الكاذبة, وكأن الجنة ضيعة من ضياع هؤلاء الدجالين القتلة، أو عقاراً من عقاراتهم الموجودة في الدول الأوروبية.
يلتقي الحشاشون الجدد مع آبائهم الحشاشين الذين عرفوا في العصور الوسطى أمام خط واحد وهدف واحد، هذا الهدف هو سفك الدماء وقتل اكبر عدد من المواطنين- كما يحدث اليوم في سوريا والعراق واليمن وليبيا. ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية لا بد من إعداد الوقود الكافي من الرجال أو حتى من النساء لتنفيذ الاعتداء على مؤسسات الدولة وقتل الأبرياء, بواسطة وضع السيارات المفخخة في الأماكن العامة, دون رحمة ودون أي رادع إنساني أو أخلاقي، لأنهم يكفرون كل شيء. لا يفرقون بين موقع عسكري أو مسجد أو مستشفى أو مدرسة. لقد تم تدمير أكثر من ألفي مدرسة في سوريا وحدها حتى الآن، وحتى معاهد الأبحاث لم تسلم من جرائمهم، عدا عن قتل العلماء والمثقفين والأكاديميين الذين يعتبرون أعمدة الأمة. وتكررت صور القتل الأنتقامي العشوائي أيضاً بالعراق, حيث الدم المباح تحوّل إلى وجبات يومية لم تعد تهز شعرة في رأس المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، بل يزداد القتل شهوة يوماً بعد يوم، واليمن على طريق الدم تسير وتنتفخ جراحها.
لقد عمد الحشاشون في العصور الوسطى إلى إعداد وتجهيز هؤلاء القتلة على مراحل. كانوا يعزلونهم في أماكن خاصة أعدت لذلك للقيام بالأعمال الانتحارية، وفي مقدمة هذه الأماكن إحدى القلاع المعروفة والواقعة في شمال بلاد فارس، وكانت تسمى "قلعة الموت". كانت هذه القلعة تحتوي على حدائق غناء متنوعة ملأى بأشجار الفاكهة، وعلى قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل. كان شيوخ هذه الفرقة يوهمون ضحاياهم بأن هذه هي الجنة، لا يدخلها الا المجاهدون الانتحاريون. وفي داخل هذه القلعة كانوا يقدمون لهم مخدر الحشيش ثم يتركونهم نياماً، وعندما يفيقون يعتقدون بأنهم موجودون بالجنة. كانوا يقومون بتخديرهم مرات عديدة، ويشبعون شهواتهم من المباهج. وبعد ذلك يتم إخراجهم من الحدائق وإرسالهم للقيام بأعمال انتحارية, على اعتبار أن الجنة بانتظارهم..!
بهذه الطريقة وهذا الأسلوب الشيطاني تمكنوا من اغتيال العديد من القادة المسلمين. وقد حاولوا الاعتداء على القائد البطل صلاح الدين الأيوبي ثلاث مرات على الأقل. أما الأساليب والطرق, التي يستخدمها حشاشو هذه الأيام في تجهيز القتلة والسفاحين, فهي لا تختلف عن تلك الأساليب والطرق التي استعملها آباؤهم من الحشاشين القدامى. والأب الروحي لهذه الطرق والأساليب هو غطاء الدين, والفراغ الفكري والاجتماعي, والفقر والجهل الذي يعاني منه هؤلاء الضحايا.
لقد استبدلوا مخدر الحشيش الذي تم تناوله في "قلعة الموت" بأنواع متطورة من الحبوب المخدرة يتناولها كل أولئك الذين اعدوا لهذا الجهاد الانتحاري غير الشرعي. وباستثناء التخدير الكيماوي، هناك وسائل وطرق من شأنها السيطرة على الحشاشين الجدد، حيث يتم تجييرهم لخدمة جماعات وفرق سلفية أصولية ذابت تحت مسميات مختلفة. وما إرهابيو القاعدة سوى فصيل من هذه الفصائل. ومن هذه الطرق الرشاوى المالية التي ينثرها أمراء النفط السعودي والقطري إلى تجار الإسلام السياسي.
واستطاع هؤلاء التجار والسماسرة احتواء وشراء شيوخ الفتنة, الذين سارعوا لاستصدار الفتاوى باسم الدين لتبرير تدمير الحضارة والإجهاز على اللبيرالية والمدنية الإنسانية المتطورة والحديثة, خاصة سوريا والعراق واليمن وغيرها من الأقطار العربية. ولم يكن من الصعب ركوب عقول هؤلاء الجهلة وتصدير الفكر الظلامي لهم, فتحولوا إلى طاعون سلفي متعطش لسفك الدماء. ومن بين طرق التخدير الأخرى, لتسخير فرق من الحشاشين الجدد, تجنيد العشرات من الفضائيات التجارية والحكومية المدعومة هي الأخرى بدنس أموال النفط الخليجية. إضافة إلى تسخير العشرات من الصحف الصفراء ومثل هذا العدد من المجتهدين والمحللين السياسيين. ومن بين هؤلاء من كانوا يعتبرون أنفسهم بالأمس القريب اقرب المقربين لحماة الديار ومن كبار رواد الفكر القومي. فكيف يلتقي ماضي وحاضر وفكر هؤلاء مع نهج الحشاشين الجدد؟!! إن هذا يؤكد بأنهم كانوا مدسوسين ومرتزقة وطابورا خامسا داخل حركة التحرر القومي. والأعجب أن هؤلاء قد شطبوا فلسطين وأرض المقدس والأقصى وثالث الحرمين والعدو الصهيوني والاحتلال والاستيطان من قواميسهم، ولم يذكروا الجهاد في سبيل تحرير فلسطين. ولم يتطرقوا إلى فساد زعماء الأمة الذين تناسوا واجب الجهاد ورفع شأن الأمة الإسلامية, وغرقوا في المتع الحسية وتبذير الأموال التي هي في الأساس ملك للمواطن العربي. لم أعرف حتى الآن ما معنى انتحاري يفجر نفسه في شارع أو سوق في بغداد أو أي مكان في العراق, يذهب ضحيته الأطفال والنساء والشباب، أو يفجر رجل نفسه في جنازة أو مدرسة أو مصنع أو محطة كهرباء في سوريا. هل يعلم هؤلاء, الذين يفجرون أنفسهم بطريقة تبعث على الفوضى الدينية, حتى أنهم يلقون الترحيب من الوهابيين والقطريين وغيرهم من قوائم التشجيع الانتحاري، أن الانتحاريين الفلسطينيين حين كانوا يقاومون الاحتلال بتفجير أنفسهم في الباصات والأماكن العامة الإسرائيلية كان علمائهم وفتاواهم الدينية ضدهم, بل حاربوا هذا الأسلوب وأطلقوا عليه ألقابا عديدة منها الوحشية..؟!
إن دور جميع وسائل الأعلام المشبوهة هو مصادرة ضمائر وتعبئة نفوس الحشاشين الجدد لوقف عجلة التطور القومي, وتدمير التراث, وتشويه التاريخ العربي, وتغيير مبدأ الإسلام (من السلام عليكم إلى السلاح عليكم).
كما ساهمت وسائل الإعلام هذه في صنع فئات مضللة بين الشباب في أكثر من قطر عربي واحد، فانحرف هؤلاء الشباب في مفهومهم عن محور الأحاديث النبوية الشريفة التي تقول "لا دين لمن لا عقل له", وبأن الإسلام جعل العقل للدين أصلاً وللدنيا عماداً، وبأن فضل العلم خير من فضل العبادة. إنهم يجهلون بأن العبادة شأن يخص الإنسان الفرد وربه، فلا يجوز لمخلوق أن يدخل فيه أو يجعل منه معياراً لتقييم مكانة الآخرين. فهل عودة الحشاشون الجدد وضعتنا أمام حقبة زمنية عاصفة وظاهرة تاريخية خاصة؟ هل سيضيف التاريخ إلى أرشيفاته أن ما سمي بالربيع العربي أزاح اللثام أيضا عن فرق الحشاشين الجدد, الذين يمارسون سياسة الأرض المحروقة في سوريا وفي العراق، ويدمرون المواقع التراثية في ليبيا وينهبون أموالها، ويعتدون على حرية المرأة في تونس وفي مصر, ويحاولون إقامة إمارات لهم في اليمن وفي شمال لبنان؟! إذا كان التاريخ يعيد نفسه- كما يقولون فيا ويلنا من هكذا تاريخ..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الصين.. بوتين بحاجة لدعم كيم | #سوشال_سكاي


.. 9 دول حدّثت أسلحتها النووية وتأهبت.. وخوف من كارثة مقبلة




.. الجيش الإسرائيلي: نسيطر على 70% من مدينة رفح


.. غارة تستهدف منزلاً ببلدة ميس الجبل جنوبي لبنان




.. قراءة عسكرية| ما غاية التوغل الإسرائيلي غرب وجنوب مدينة رفح؟