الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار المصاطب

اطياف رشيد

2012 / 9 / 8
الادب والفن


قاسم مطرود
تعد كتابات قاسم مطرود من التجارب المسرحيه المهمه التي قدمت نفسها كأضافة متميزة ذات بصمة خاصة في اختيار الشكل والمضمون . فهو يعنى بالتجديد بداًمن العنونه الشعريه للنصوص (كما في للروح نوافذ اخرىو الجرافات لا تعرف الحزن ) بالاضافة الى جدة الموضوعات التي يطرحها .وفي مسرحية المصاطب يقدم مطرود نموذج مميز وطرح جميل لقضيه كثير ما تناولها الادب الا وهي ضياع الانسان في مجهول عبثي ورتابة قاتله هذه الدراسه هي جزء من دراسه منشورة عن النص المسرحي العراقي احببت ان اعيد نشرها تحية لروح الراحل المبدع قاسم مطرود

حوار المصاطب والشكل المسرحي
يقدم مطرود نصه على انه سيناريو مسرحيه ، والسيناريوهو (قوس الفعل الدرامي) وهو كل التفاصيل المسرحيه قبل ان يدخل الحوار اليها . وبما ان نص حوار المصاطب هو شكل نهائي لا ينوي المؤلف ادخال هذا العنصر / الحوار اليه ،فهو اذن نص نهائي وليس مشروع او مخطط اولي لكتابه اخرى . وهو يقترب من نص البانتو مايم و مستفيدا من التحول في الفنون والاداب الى الصوره المختزله والمكثفه ، يبدؤه بعلامة أولى وهي منح الصفة البشريه الأكثر حيوية وهي الحوار الى شئ جامد – المصاطب- ثم يتبعه بتقديم للشخصيات معرفا اياها ب( الرجل الأول والرجل الثاني _العازف _ والرجل الثالث _اكبرهم سناً) وانهم رجال في سن التقاعد .وينتقل الى عناصر المكان ليسميها بتكوينات الشكل المسرحي فيوزعها بحيث يربط الخشبه بقاعة المتفرجين بدءاً بمظلة الحافلات التي يكون ضلعان منها ينزلان الى قاعة المتفرجين ،وارقام الحافلات التي يريد أن تكون معروفه بالنسبة للمتفرج وتخص مدينته ، ثم عمود الاشارة الضوئيه الذي ما ان يشتعل باللون الأخضر حتى يسمح بدخول المتفرجين الى القاعه /محطة انتظار الحافلات . وعند اكتمال دخولهم تتحول الأشارة الضوئيه الى الاحمر . ويبدأالنص من خلال اطلالتين ،اطلالة اولى واطلالة ثانيه .
تتكون الاولى من تسعة مشاهد لتأتي الثانيه والتي هي بخمس مشاهد لتكمل تسلسل الاطلالة الاولى .فهي استمرار ولكنه استمرار مصحوب بالنقص _ نقص في احد الشخصيات (شخصية الثاني العازف )_ ونقص زمني بدلالة فرق اربعة مشاهد عن الاطلالة الاولى .
الاطلالة هنا تقابل الفصل في النص المسرحي الكلاسيكي .والاطلالة الاسم من (اطلَّ وهو في اللغة اشرف )فمن يطل على من في حوار المصاطب.
_ المتفرجون بوصفهم فاعلين في النص
في النص (يتابع الرجل الاول دخول المتفرجين ...)ويتابع هنا بمنزلة المسيطر والمسؤل على مجرى الاحداث والمشرف عليها ...فهو يشرف على دخول المتفرجين في عالم مشترك بينهما عالم الرجل الاول / الحكايه ،وعالم الداخلين اليها ،فيشتركون في قطعه صامته من الحياة تكشف عن هواجس انسانيه تمثلتها كل من الشخصيات الثلاث . والاشتراك هنا هو عكس اللعبة المسرحيه التي تقتضي ان يكون احد طرفيها متفرجا بل هو في حوار المصاطب فاعل ومنتج للمعنى اكثر منه متلقيا سلبيا لوقائع النص.

الزمن المسرحي :

زمن حدوث هاتين الاطلالتينى غير محدد ،
لا يذكره المؤلف ،فهما اطلالتان على الداخل ولا يعنيه الزمن الخارجي .و ياتي التعريف بهذا الزمن الداخلي من خلال مكونات النص نفسه ،فهو اولا: الزمن الشخصي للشخصيات هو سن الاعتزال عن العمل والتوقف عن تقديم أي فعل انتاجي للاخرين ،ومن ثم هو التوقف عما يديم الحيوية فيهم، وهم في حالة من الرتابة لدرجة ان المؤلف وضيع حوارا المصاطب كناية عن حوار الجماد. والزمن للاخر هو ما تدل عليه الجملة بين للاطلالتين (يمكن ان تلعب الاضاءة دورا في التعبير بأننا انتهينا من يوم ودخلنا في يوم اخر ) . اذن هما يومان ..وفي يومين كم تتبدل احوال المرء وتسوء .ونقص عدد مشاهد الاطلالة الثانيه عن الاولى هو تعبير عن تقلص دائم وخسران في احد اهم عناصر الحياة ،الانسان .

الشخصيه المسرحيه
.............................
الرجل الاول
يكتفي قاسم مطرود بالا شارة للشخصية الا ولى ب(الرجل الاول) وهورغم تقديمه المتصدر غير اته لم يتطرق لشئ عنه ..ومن خلال البحث في النص امكننا التعرف الى هويته ورسم ملامح شخصيته .فألاول الذي يتابع حركة العالم بشئ من الرتابة والملل وهو الأكثر اهتماما بالتفاصيل . اذ يهئ الادوات _وربما اسباب الحياة _للثاني حين يفك سلاسل الصندوق الذي يحتوي على آلة موسيقيه وعلبة صغيره ،الأدات الحيدة التي تحدث صوتا معبرا مقيده بالسلاسل الى المصطبة . وهو يقلق على وضع العلبة الصغيرة في مكان ملائم. كذلك هو يطيل النظر الى الورقة التي كان يكورها ويحولها من يد ليد وهو تدور في سلة النفايات حتى تستقر .او هو يخرج سيجارة (يتأملها ،يشمها ،يدخنها ...)وهو الاكثر ارتباطا بالفضاء المكاني من حيث الحركة فيه والتعامل معه (كما في تعامله مع الاشارة الضوئيه في تحولاتها مره تخص الحافلات ومره كأضاءه عاديه يستخدمها لقرآءة الجريدة ) وبتأكيد الجمل الفعليه التي يذكرها المؤلف (يتابع حركة الداخلين ) (يخرج الصندوق ) ( يفك السلاسل ) ( يمسك السيجارة كالسيف ) . وكذلك نتبين ملامح شخصيته حتى في أعادة وتكرار أفعاله في الأطلالة الثانيه لا يؤثر فيه تقدم الزمن كما يؤثر في الشخصيتان الاخريان ،فهو خارج الزمن من حيث تأثيره فيه فهو كشخص لا يتنازل عن استثناءه رغم التململ والترقب مشخصا نظره للسماء بين فترة واخرى (كأنه ينتظر نزول شئ من السماء ) .

الرجل الثاني
...................
الرجل الثاني ، العازف وهو محور النص ،كل شئ يدور حوله ،ويهيأ من اجله .يظهر في المشهد الثالث( يمشي كالسلحفاة) كثير العطاس ،يمسح انفه بمنديل ورقي ،يرفع يده لتحية الاول دون النظر اليه ..انها مسألة روتينيه ربما تعاد وتتكرر لعشرات المرات ، هذا الشخص المسن وبطئ الحرة هو العازف الذي هيأالأول من اجله الألة الموسيقية ،اطلقها من سلاسلها ونظفها ووضع له العلبه الصغيره .في مكان مناسب .
هذا العازف المسن يباشر العزف غير انه يحمل ذات القلق على تلك العلبة الصغيرة ،علبة الهبات ،خشية ان لا يراها احد. فيقطع العزف ويتجه لها مغيرا مكانها ويعود الى آلته ليعزف قطعة أخرى لا علاقة لها بالأولى .وبعد العطاس يعزف قطعة ثالثة مختلفة ايضا . الحانه المختلفة لكل حالة عزف خاص ولكن وبسبب من عدم انزال (السماء )ما (يملأ) تلك العلبة فأن حركته تصبح اكثر بطئا لشعوره بالخيبة وسرعان ما ينهض بشكل مفاجئ يعزف جيئة وذهابا عزفا سريعا قلقا وهو يتابع الشارع (وكأنه ينتظر قدوم الحافلة )وكأن عزفه( يأتي من مكان بعيد) .غير ان لاشئ جديد لذا يقرر المغادرة (ليبقى السكون بطل المكان)ويترك أثره ،اثرا ما ،يذكر به ويديم العلاقة الروتينية لبتي كانت قد بدأت تتحول الى شئ من الحميميه بينه وبين الاول والثاني .تلك العلاقة التي كان يغلفها الألية والرتابة والتكرار . وهذا الأثر هو ايقاد شمعة وتركها بالقرب من العلبة الفارغة ، ليخرج من جهة اليسار _الجهة المعاكسة لحهة خروج الأول والثالث _ ليخرج من مسرح الحياة خاسرا مثقلا بالخيبات ،رغم طول الأنتظار ،ورغم اهتمام الاول ومتابعته ،وبعد ان عزف قطعته الأخيره (شبه الحزينة )وسلم آلته للثالث ،خرج (وكأنه خسر العالم)

الرجل الثالث _ أكبرهم سنا
...................................... صاحب الجريدة ، حامل الأخبار والقصص والذكريات ،والمثقل بالهموم تزداد حركته بطأ مع تقدم الزمن المسرحي ،ملّ الاخبار لدرجة أنه رمى بالجريدة في سلة النفايات مستمرا بالتدخين وبالشعور بالملل.تبدو علاقته بالأخرين باردة واليه ثم ما تلبث أن تتوطد بعد رحيل الثاني اذ (يشاركه الحزن )على خسرانه وخيباته مع ازدياد بطء حركته وشيخوخته وتزداد تبعيته للأول في حركات القلق والحزن لرحيل الثاني . يحاول استحضاره من خلال وضع الشمعه على المصطبه ،في مكانه الفارغ ويحاول أن يعزف بدلا عنه (الا انه يصدر أصواتا مزعجة فيتوقف ) .تنطفئ الشمعه فيحاول الأول والثالث اشعالها بعد ثلاث محاولات ينجحان ،يتأمل احدهما الأخر وبحزن (يفترقان ويخرجان الى المدخل الذي دخلا منه ) لتختفي الأضاءة وتيقى الشمعه المشتعله وحدها والقطعه الأخيره التي عزفها الثاني هما سيدا المكان .

تفوق السرد على الحوار
...........................
إن اختيار المؤ لف للشكل المسرحي الذي وضع فيه فكرته حيث أقصى الحوار ،فرض عليه ان يتبع نظاما بنائيا يتمكن فيه من الكشف عن رؤاه ضمن سياقات لغوية مفيدا من الجمل ألاسميه والفعلية الواصفة .ومن خلال هذه السياقات اللغوية يكشف عن طبيعة الشخصيات ،حالاتها وحركاتها وأفعالها .ويكشف عن الفضاء المكاني والزماني للنص .
فالوصف للفعل والحركة هو سرد مختزل على شكل صوره تتضمن إيماءات وإشارات وحركات وأصوات وأضاءه على لسان راو وحيد هو المؤلف.

وبالنظر إلى هذه الأفعال نجدها على نوعين :
الاول_ هو افعال خاصة بالشخصيات تؤدي اغراض توصيفيه مثل (يخرج علبة السجائر ،يتأملها ، يشمها ،يرص التتن ، يدس العلبة، .....)
الثانيه _ مادلت على المشهد مثل (تعود الاضاءه ،يتضاءل ضؤها ،تبقى الشمعه مشتعله ، تعتيم ).
وبالاضافة الى هذا فقد ادت الافعال هنا وظيفة استثنائيه ،فهي تقوم مقام الحوار .
وفي كلا المجموعتين السابقتين يتشكل النص كمجموعه من العلاقات لتحديد تفاصيل الحدث . وهذه العلامات تقترب من تلك التي يتضمنها ( النص الثانوي) الذي يتضمن ارشادات المؤلف في النص المسرحي الكلاسيكي .وفي حوار المصاطب يتداخل هذا النص الثانوي مع الشكل المسرحي المقترح ليشكل النسيج الداخلي للنص ليطلق دلالاته دون الحاجه الى الحوار وفي المشهد الاول تصوير مميز لتداخل النص الثانوي مع الشكل المسرحي :
(ما ان يكتمل دخول المتفرجين تتحول الاشارة الضوئيه الى اللون الاحمر . وبهدوء ينحني الى الصندوق ،يفك القفل ،ويزيح السلسلة ،يفتحه ويخرج منه الة موسيقيه ،كمان اوناي او اركديون مع قطعة قماش لينظف بها الالة الموسيقيه وما ان يكمل تنظيفها يضعها وسط المصطبه )ويمثل هذا الجزء المقتبس كيف تتشكل بنية النص الدلالية لأنها الأساس في تكوينه وتشكله وتحت مسمى (سيناريو )المتقدم على (مسرحي )لأثبات هوية النص كشكل تجريبي جديد.

النبي العاجز
......................
في حوار المصاطب نشهد انطاقا للصمت وندخل هالم من (اللامسميات )في عموميات .وهو اختزال للحياة بشكل حركه ،وهذ الاختزالتصوير زائدا تعميق لما يعانيه الانسان من توحد وغربة ولا جدوى .صدمةله وهو يحدق بالعالم المسرع الجنون غريب وانتظار للاتي ، الانتظار المتكرر الذي يثقل كاهل النتظرين المتطلعين الى ارقام الحافلات التي لم تاتي بما هو متامل منها ومن ركابها الذين لا يدخلون عالمهم (عالم الشخصيات ) فيبطئ هذا الانتظار العقيم من حركتهم تمهيدا للشلل التام على الرغم من وجود المتابع والممتلك للقوه ( الرجل الاول ) الا انها قوة مقيدة ومشروطة بالسماء .معطلة لا تملك الا ان تنظر الى السماء ، كالنبي العاجز ، ينتظر معجزة من السماء تمنحه القوه ليتحلحل وضع الرتابة وتحرك الجمود وتعوض الخيبات بشئ من الأمل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع