الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الشيوعية أم أزمة الرأسمالية؟

أنور نجم الدين

2012 / 9 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



قبل دخول الرأسمالية أزماتها الخانقة في المستوى الأممي، سيعيدون الاقتصاديين والأيديولوجيين والسياسيين، حكاياتهم القديمة حول المجتمع البرجوازي بوصفه آخر محطة للتقدم البشري، فلا مجال بعد للتقدم، فالرأسمالية هي نهاية التاريخ. والحديث عن مجتمع آخر -مجتمع شيوعي- ليس سوى أوهام الأغبياء. والتاريخ قدم دلائل كثيرة عن وهمية الشيوعية، فالرأسمالية يجب المحافظة عليها بوصفها أكثر النظام أخلاقية في التاريخ.
أما الرأسمالية نفسها -وهي تعبير عن قوى إنتاجية عالمية متقدمة- هي التي ستضع بين فترة وأخرى، حاجزًا أمام الإنتاج الرأسمالي- إنتاج رأس المال. فالقوى الإنتاجية الرأسمالية، وسيلة للإسراع من تراكم رأس المال وإعادة إنتاجه بأسرع ما يمكن. أما العلاقات الإنتاجية التي تُنْتِج رأس المال ضمنها، تميل دومًا إلى إغلاق أبواب الإنتاج. وعندئذ تصاحب الإنتاج توقفات مفاجئة والأزمات في سلسلة العمليات الإنتاجية. فالأزمات صفة أبدية للمجتمع الرأسمالي. وهي فترة تخاطر فيها الرأسمالية بحياة البشرية كلها.

وهكذا، فالتقدم في القوى الإنتاجية الرأسمالية ذاتها، يتنازع وطرائق الإنتاج البرجواية، فطريقة الإنتاج وإدارتها، هي التي يجب إعادة تنظيمها لا القوى الإنتاجية المتعاظمة. فالتناقض الداخلي للإنتاج الرأسمالي يأتي من النمو غير المنظم للقوى الإنتاجية، الأمر الذي يؤدي إلى تزايد غير محدود لإنتاج رأس المال، فالإنتاج يجعل من رأس المال هدفًا محددًا لذاته، والقوى الإنتاجية مع العلوم الطبيعية التي هي جزء منها، تتقدم لأجلها فقط. فالتناقض إذن، يقع بين النمو الأبدي للإنتاج وغايته المحدودة، تثمير رأس المال، أي بين العلاقات الإنتاجية البرجوازية المحدودة والمهام التاريخي للقوى الإنتاجية المتطورة التي لا تقبل ألبتة، حدود الأقطاعية أو الرأسمالية بصفته آخر محطة للتقدم البشري.

وهكذا، فمن المزيد من تركيز رأس المال، تواجه الرأسمالية الاختلال الاقتصادي والأزمات. ولأجل إعادة التوازن المختل، ستكون الرأسمالية مضطرة لتنويم قسم من رأس المال، وتدمير قسم آخر منه. والمزاحمة هي التي تقرر حجم هذا التدمير بما فيه تدمير كتلة الفائض البشري -الأيدي العاملة الفائضة. فالحل الرأسمالي إذن، هو تدمير قيمة رأس المال ما يقابل جزءًا أعظم من رأس المال الفائض ثُم الفائض في أيدي العاملة. فالحروب على العموم، والحربان العالمية الأولى والثانية على الأخص، هما الأشد تعبيرًا في واقعنا عن تدمير هذا الفائض الإنتاجي والبشري، فالفائض البشري مثل الفائض الإنتاجي، يجلب أيضًا وباءً اجتماعيًّا للرأسمالية العالمية -البطالة بالملايين مثلا، فتدمير هذا الفائض البشري، جزء من عملية تدمير الفوائض وثم إعادة توازن المختل.

وهنا تبدأ الشيوعية بتوجيه انتقادها للإنتاج البرجوازي، فمن وجهة النظر المادية التاريخية، ستتراكم كل القوى الاجتماعية هنا، لتجاوز الحالة الإنتاجية التي يمكن تحويلها إلى نمط جديد للإنتاج بدل حدوث الفوائض والاضطرار إلى تدميرها. ففي كل هذه النزاعات الداخلية للإنتاج، تكون عناصر ولادة أسلوب إنتاجي جديد، كامنة في أحشاء الرأسمالية. وما هذا الأسلوبُ إن لم يكن الأسلوبَ الشيوعيَّ في الإنتاج؟
أما الرأسمالية بوصفها أكثر الطبقات رجعيةً في التاريخ في الوقت الحاضر، فستحتفظ بنفس الأسلوب القديم في الإنتاج مهما كلف الأمر البشرية. والدليل هو وصول ضحايا البشرية إلى أكثر من 50 مليون إنسان في مجازر الحرب الرأسمالية العالمية الثانية. فماذا نسمي ذلك؟
هل ممكن أن نسميه أزمة الرأسمالية العالمية أم لا؟ هل تواجه بالفعل الرأسمالية العالمية أزمات خانقة لا يمكن الخروج منها دون المجازفة بحياة البشرية كلها؟ وما الحل؛ هل هو إعادة التوازن المختل من خلال تدمير الفوائض والتحضير لأزمة أشمل وأعم من كل ما سبقتها من الأزمات في التاريخ، أو تجاوز حدود الإنتاج الرأسمالي؟

إن الطريقة الآمنة لإنتاج منظم، بعيد كل البعد عن كل أشكال الاختلال الاقتصادي، هو إنتاج شيوعي. ومادامت الرأسمالية لا يمكنها القضاء على أزماتها الدورية، فعليها، عاجلا أم آجلا، إفساح المجال لأسلوب إنتاجي جديد، كوموني في العمل والتوزيع والاستهلاك.

وهكذا، فحتى إذا جرى الاتفاق بيننا وبين هؤلاء الذين يتحدثون عن الشيوعية بوصفها أحلامًا سعيدة وخيالاً رومنسيًّا للإنسان المظلوم، أو يتحدثون عن أزمة الشيوعية وبوصفها حركة غيرَ قادرةٍ على استعادة قواها الاجتماعية لمجابهة الرأسمالية، فلا يعني ذلك أن الرأسمالية نظام على البشرية الاحتفاظ به بصورة أزلية، فالتطور المستمر للقوى الإنتاجية يتناقض مع بقاء الاقتصاديات المتناقضة في التاريخ. فالإنتاج الاجتماعي يجب أن يُنَظَّم بحيث يسيطر البشر على كل اختلال في التوازن الاقتصادي والأزمات. وفي التركيب الاجتماعي للنظام الرأسمالي بوصفه نظامًا تعاونيًّا في العمل، نجد تركيبًا جديدًا للنظام الاجتماعي، وهذا النظام نتاج طريقة شيوعية في الإنتاج والإدارة. فالشيوعية هي التي تجد علاقة إنتاجية جديدة تطابق القوى المتعاظمة للإنتاج. فليست الشيوعية هي التي في أزمة، بل الشيوعية هي التي مكلفة تاريخيا، بإيجاد مَنْفَذ لخروج البشر من الأزمات، فالمسؤول عن الأزمات ونتائجها المأساوية، ليس السماء أو الطبيعة، كما يقال، بل شكل تنظيم الاجتماعي للعلاقات الإنتاجية التي تتضمن علاقات التوزيع والاستهلاك البرجوازي. فالإنسان هو المسئول عن هذا التنظيم، ففي القضاء على الأساس المختل للاقتصاد البرجوازي، نجد أساس تنظيم جديد للإنتاج، بعيد كل البعد عن اختلال التوازن والأزمات، وهذا التنظيم لا يمكن أن يكون سوى التنظيم الشيوعي للإنتاج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا شغيلة اليد والفكر وكومونيوا العالم اتحدوا
فؤاد محمد محمود ( 2012 / 9 / 11 - 21:49 )
الرفيق العزيز انور تحية
اعتقد ان ازمة اشيوعية هي كثرة الايديولجيات والابتدعاد عن الطريق الكونوني
خذطريق لينين والايدلوجيات الاحرى كالملوية والكاسترويةوالاشتراكيات القومية والوطنية
والكورية والكبودسة لقد اخروا الولادة اكثر من مئة سنه مع الخسائر المادية والمعنوية والبشرية
اعانقكم


2 - الرفيق فؤاد محمد
انور نجم الدين ( 2012 / 9 / 12 - 04:35 )
الرفيق فؤاد محمد

شكرا لمرورك ولملاحظاتك.
تحياتي الحارة

اخر الافلام

.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع


.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم




.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.


.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا




.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية