الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنات العيلة دمى كلاسيكية

جقل الواوي

2012 / 9 / 11
الصحافة والاعلام



في مسلسل بنات العيلة تجمع الكاتبة رانيا بيطار مجموعة من "القصص القصيرة" المنفصلة، كل بطلاتها أو ضحاياها نساء ،و تربط فيما بين النسوة بحلقة قرابة عائلية ، و لتزيد ترابط الشخصيات شبه المستقلة حبكت حادثة الرسالة الغامضة و المرسلة المجهولة . ظنت الكاتبة أن ربطا من هذا النوع يمكن أن يخلق مناخا دراميا مناسبا لتلتقي فيه الشخصيات و تتفاعل مع بعضها لتكون رواية متماسكة. لم تنجح الخدعة و قد ظهر بوضوع تباعد الشخصيات و إنفصالها عن واقع الجو المريب الذي يجب أن تفرضه الرسالة "الرابط". و لم تفلح حيلة القرابه العائلية إلا بتبرير المشاهد التي تظهر فيها بطلات العيلة لتحكي كل واحدة للأخرى عن معاناتها الشخصية دون أن تتاح الفرصة لأي شخصية أن تكون فاعلا في سياق درامي لشخصية أخرى. و قد تبدو هشاشة فكرة الرسالة في غيابها الطويل عن حلقات المسلسل فلم تشكل هما إلا "لثراء دبسي" الخالة التي أظهرت قلقها من مضمون الرسالة في بضعة مشاهد متباعدة جدا.و قد ظهرت حيرة الكاتبة رانيا بيطار حيال الرسالة فلجأت التي التخلص من هذا الخط الدرامي قبيل نهاية المسلسل بعدة حلقات بعد أن ورطت فيه شخصيات غير رئيسية و أنتهى دون ان يضيف شيئا غير عدة مشاهد لم تكن ضرورية
.
عصف الجو "الأنثوي" بالمسلسل كتابة و أخراج و بطولة و أختارت الكاتبة وسطا من "المخمل" لتتحرك فيه بنات العيلة، و بذلت مجهودا لتختار وظائف مرموقة لبطلاتها لتضمن لهن مكانا إجتماعيا مريحا، حيث أن معظم بنات العيلة تعملن "ليحققن ذواتهن" بإعتبارهن يحملن جميعا ذات القاعدة الذهبية التي تقول "المصاري ما بتهم"، و قد يتبادر الى الذهن أن معتنق مثل هذا المبدأ "محشي مصاري". و هذا ما أوحت به الكاتبة و كرستة المخرجة في الديكور و الملابس و السيارات. مطربة مشهورة ، كاتبة سيناريو رئيسة تحرير،مذيعة، مديرة صالون للتجميل، مضيفة جوية، طبيبه، سيدة ثرية تغدق على زوجها، و هكذا...ضمن هذا الجو تحركت بناء العيلة و بنت علاقاتها و صراعاتها،كان جو الثراء خلفية مسيطرة على المشهد و كان جزءا أساسيا من الدراما أضفى واقعية على بعض الشخصيات، رنا، "صفاء سلطان" و كان ضروريا ليظهر موقفها الدرامي الصحيح، و لكنه كان وبالا على "نسرين طافش" فقد ظهرت تافه و سطحية بدون أن يكون ذلك مقصودا عندما حملها السيناريو فوق طاقتها، بأن جعلها مذيعة صباحية و محررة في المساء و رغم ثقل المهمة "الثقافية" بدت الشخصية خاوية جوفاء بتعلقها الأعمى بنصائح والدتها و حبها الغريب لرجل يبدو أنه بلطجي.
.
لكل سيدة من بنات العيلة هم أنثوي أو أكثر يسّير حياتها بمعزل عن بنات خالاتها، رئيسة التحرير عليا "كنده علوش" الزوجه السابقة لرجل غني ترث ملايينه و تتربع بعبوس مصطنع خلف مكتب رئيس التحرير لمجلة نسائية تعيد إكتشاف حبها القديم للمذيع "المستقيم" وسيم "قيس الشيخ نجيب" الذي يحول برنامج تسلية يدعى صباح الخير الى صرخة تصدح بالحقيقة في وجه الفساد، ظهور بارد لكنده علوش لم يلائمها الجلوس خلف طاولة رئيس التحرير كما جاء إنفعالها المتكرر من بنات أختها ليليا "تولين بكري" جافا لا يناسب سيدة بحاجة الى ممارسة الأنوثة لبعض الوقت و الأمومة جزاء منها،كذلك كان حضور قيس الشيخ نجيب كامدا بجفاف نظرته و برود حركاته و هي سمة في أداء قيس مهما كانت الشخصية التي يؤديها.
المذيعة الصباحية و المحررة في جريدة بنت خالتها سارة “نسرين طافش” أنثى واقعية بفضل نصائح والدتها و من شدة الواقعية ترتبط بصاحب مطعم ذو شكل غير مريح و عقلية عصملية يترجمها على شكل أركيلة لا تكاد تفارق يده ،و ثقافة الحرملك جزء من تكوينه النفسي،لم تلحظ خطيبته المشرفة على برامج ثقافية و توعوية هذا النقاط و أستسلمت لنصائح أمها وواقعية مزيفة لا نرى منها إلا مكياج متقن و ملابس تظهر قوام الأنثى المثيرة، و كان علينا أن ننتظر ثلاثة و ثلاثين حلقة و فوقها مقالب موفق "باسم ياخور" لتعود نسرين طافش الى رشدها. مقالب باسم ياخور الذي يحاول الإنتقام منها لقسوة نصائحها الواقعية التي تذيعها في برنامجها الصباحي و قد حرمته إحدى تلك النصائح من خطيبته التي يحب. و لكن كما هو متوقع و كما يحصل في كل أفلام الثمانينات تتحول الرغبة بالإنتقام الى حب صادق..
إبنة الخالة التي تمتهن كتابة السيناريوهات هبة "ديمة الجندي" أنثى حالمة لا تجد أمامها سوى الورق الأبيض الذي تكتب فوقه سيناريوهاتها تبثه لواعجها، تعاني من إهمال زوجها فتتعلق بشرفة جارها الفنان غير القادر على النطق و فجأة مغ نهاية المسلسل يحمل الفنان الصامت لوحاته و كراسية و يغادر الحي و هو يرمق الشرفة التي تقف عليها حبيبته و دموعها تنحدر بغزارة فوق خديها. نهاية بهذا الشكل فرضتها التابوهات التي تحكم دراما رمضات رضخت لها الكاتبة و قدمت نموذجا مشوها من قصص الحب و الحرمان و أنتهى كما يرغب الضمير الشعبي العام. .
الأنثى التي تركت أكبر أثر في المسلسل كانت رنا "صفاء سلطان" بأداء غير متكلف برىء مؤمن بالدور ،السيدة التي أحبت و سامحت حبيبها و قَبٍلت إبنته، وجدت نفسها بمواجهة غول يهدد أنوثتها التي نجحت في إثباتها بكل إحتراف طوال حلقات المسلسل، و لكن السيناريو لم يترك القصة تنساب بعذوبة عندما قاطعها مرارا بإلباس الطفلة الصغيرة ابنة الزوج لبوس "الخالة مرت الأب" و عندما أفتعل بعض المشاهد الميلودرامية غير الضرورية بعد إكتشاف الإصابة بالمرض.لم تكن شخصية الطفلة مقنعه و لم يكن تحولها العاطفي العنيف مقنعا ايضا فبدت كائنا دراميا مفبركا
.
أما الطبيبة شهد "كنده حنا" المتعلقة بأبراج الفلك و بالأطفال و باليافعين أيضا لم تظهر من الطب أكثر من الرداء الأبيض و السماعة أمضت معظم مشاهدها و عيونها نصف مغمضة، تهيم حبا برئيسها الطبيب ذو الذقن غير الحليقة و تنسجم بتآلف عجيب مع أبنته، و هنا مرة أخرى تستعين رانيا بيطار بتراث الثمانينات لتحبك هذه القصة التي لا تناسب الشخصية و لا تناسب كنده علوش و لا تناسب الطب.
ميرفت "نظلة الرواس" السيدة ذات الملامح القاسية تتصرف بقسوة و خبث و لا تتردد في حبك المؤامرات و تتحدث بطريقة الأشرار التقليدية تضعف أمام زوجها و تتحمل صفعاته و لكنها في النهاية تخرج من جلدها
لتحبك مؤامرة بوليسية من طراز "أرسين لوبين" لتتخلص من زوجها الخائن و عشيقته الساقطة بضربة واحدة.
تتفوق علا "قمر خلف" بحضورها الذي يحاكي موسم التفاح و دورها المميز فتتحرك بكل ثقة و تختار عشاقها بتفتح المضيفة الجوية، تخرج مع الكهل المكتمل الرجولة ثم تتركه لتستعرض شباب رجلها الجديد و لكن السيناريو الذي يصر على التصرف بعقلية الثمانينات يحول القصة و الدور الى خرده عندما وضع المشاهدين في موقف محرج لنكتشف بأن الكهل هو والد الشاب فتقف قمر خلف بعيون زائغة محاولة أن تسترجعع في ذاكرتها كيف كانت تتصرق سهير رمزي في مثلل هذه المواقف. شقيقة علا المطربة ميرا "هويدا" لديها قصة هي الأخرى تمل من الشهرة و حصار المعجبين و تترك هؤلاء جميعا لتحب ابن الجيران و من سوء حظ المطربة فابن الجيران متزوج و زوجته ترقد في المستشفى في غيبوبة تامة. يدير ظهره بكل نبل لانامل المطربة الممدوة إليه بحب ليتفرغ للجلوس بجانب سرير زوجته الغائبة عن الوعي، تغرق المطربة في دموعها من فرط إعجابها بهذا الحب النبيل.قصة تجبرك على قرص دماغك لتتذكر من كم سنة تجاوزت الدراما السورية مثل هذه القصص المحطمة..
في قصة ملفتة للنظر و عالية السقف يحكي السيناريو قصة ريتا“ديمة قندلفت” الفتاة المسيحية التي تزوجت مسلما رغما عن أهلها و عانت من عنت شقيقها كما عانت منه شقيقتها الثانية “مرام علي” .رشت هذه القصة نكهة شهية على المسلسل كلة و رفعت مستواه و تألقت ديمة قندلفت في الدور و كدنا أن نصدق بأنها متزوجة من مسلم و هنا كان السيناريو مختلفا عندما فارق حقبة الثمانينات و فارق أي حقبة ليكون مخلصا للقصة التي يسردها فعرضت بطريقة ملفته للنظر حتى بدت حقيقية لعل أداء مرام علي نغص من حلاوة القصة لأنها بدت “دبقة” في حبها و لزجه عندما تزوجت بعكس زوجها الشاب الذي كان موفقا و خفف وجوده في معظم مشاهدها من ظلها الثقيل

من ضمن القصص الكثيرة التي يتعرض لها المسلسل قصة ليليا "تولين البكري" و الحكاية القديمة المتحيزة للذكور، تنجب ليليا لزوجها أربع بنات و لا ينفع الطب و لا وصفات السحر و لا تلاوة القرآن و تستمر ليليا بإنجاب البنات و نكاية بالمشاهدين ينتج آخر حمل لها توأم بنات "بعيون الشيطان".و صبا الطبيبة زميلة شهد في المستشفى تقضي وقتها بإنتظار زوج طلقها و في أمل واه تعيش في بيت أهله و لكن بتحيز واضح من الكاتبة ضد الزوج الذي عاد أخيرا تجعلها تعيش قصة حب مع مدرس إبنتها فتترك زوجها العائد متابطة ابنتها التي تنسجم بشكل تلقائي مع زوج أمها و حادثة من هذا النوع تكررت مرتين على الأقل هذا المسلسل.

كثرة القصص المنثورة على حلقات المسلسل لم تعطه الغنى الدرامي المطلوب بل كانت سببا في ظهور التسطح على بعض الشخصيات بعدم تخصص الوقت الكافي لعرضها، و هي مشكلة حاولت الكاتبة تجنبها بمط المسلسل بضع حلقات فوق الثلاثين و أعتقد أنها كانت بحاجة الى عشرين حلقة آخرى لتتمكن من التوغل عميقا في كل الشخصيات لإعطائها حقها المطلوب. و بدورها لم تبذل المخرجة الجهد المطلوب لإضفاء اللمسة الإخراجية اللازمة لإخفاء عيب سطحية بعض القصص و الشخصيات و قد كان ذلك متاحا بالتخفيف من مبالغات نظلي الرواس، و تجاهل عمليات إعداد البرنامج الصباحي الناجح و قد ظهر كأنه مجموعة "حكم" ترتجلها نسرين طافش كل صباح. حالة من هذا النوع تعطي مجالا للممثل أن يتحرك ليظهر مقدراته و قد اثبتت قمر خلف و ديمة قندلفت و الى درجة جيدة صفاء سلطان حضورا مميزا و قد أعطى وجودهن قيمة أعلى للدور،أما كندا علوش فقد ظلمت نفسها بقبولها مثل هذا الدور و يجب أن تلام لسوء الإختيار خاصة و خبرتها كافية لتمييز الدور المناسب و هو فوق الورق. أما نسرين طافش فقد بدت رغم إبتساماتها و ضحكتها التي تختم بها غالب مشاهدها متعالية على الكاميرا و على الحوار و أحيانا على زملائها في المشهد بدت مصطنعة تمثل دورها "بالشوكة و السكين" كمن يخاف أن تبتل ملابسها. فيما رواح الجميع في مكانه. أما الأداور الرجالية فقد كانت قصيرة و بشكل مقصود و لكن ذلك لم يفسح المجال للنساء للعب دور أكبر فقد ظهرن جميعا و دون إستثناء كظل لرجل.

استعانت الكاتبه بإرث قديم في تشكيل قصصها و قد حافظت على القديم كما هو فلم تنفض الغبار عنه و قد أقتبست مشاهد كاملة من أفلام الثمانينات الميلودرامية فجاء التكرار ثقيلا عانت منه الشخصيات و رضخت له كثير منها و تماهت المخرجة مع القصص الكلاسيكية فقدمت لها اطر مترفة و ألوان كثيرة تتوزع في خلفية كل مشهد لم تساعد الألوان الكثيرة في تنظيف الغبار عن قصص قديمة بل بدت كعلب هدايا مشبوهة تخاف أن تفتحها و إن فتحتها سيصيبك الإحباط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصب خيام اعتصام دعما لغزة في الجامعات البريطانية لأول مرة


.. -حمام دم ومجاعة-.. تحذيرات من عواقب كارثية إنسانية بعد اجتي




.. مستوطنون يتلفون محتويات شاحنات المساعدات المتوجهة إلى غزة


.. الشرطة الألمانية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لغزة بجامعة برلين




.. غوتيريش يحذر من التدعيات الكارثية لأي هجوم عسكري إسرائيلي عل