الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عند نهاية حافات الرأفه

حامد حمودي عباس

2012 / 9 / 13
الارهاب, الحرب والسلام


ليس غريبا أن تظهر معالم الدمار على مدينة عربية بفعل نيران طيران العدو ، وأحيانا كثيرة بفعل الطيران الصديق .. ليس غريبا أن تنقل لنا وكالات الانباء صور أشلاء آدمية تنتشر في ساحة عامه عند سوق شعبي عربي ، مزقتها حراب الجند أو التفجيرات المجهولة المصدر .. ليس غريبا أن ينوي وطن ما ، في ارض الله العربية ، أن يحرق ابنائه مع سبق الاصرار والترصد ، وليس غريبا أن يقوم مسخ من دوائر الأمن برمي جسد بشري حي ، من فوق سطح عمارة ليتفسخ على اسفلت الشارع المحاذي ، انتقاما من المواطنة البائسة .. فنحن أصبحنا بحكم العاده ، لا يهزنا منظر معفر بالدم ، لكوننا نحمل على اكتافنا منذ طفولتنا سهام الاحتراب ، لا يقلقنا شيء غير السلام ، وقد حفرت في ثنايا عقولنا أحرف تعني كلماتها باننا اعداء لكل شيء ، لأننا نخشى كل شيء ..
كل صور الفناء تلك ، لا تهز فينا أي عرق ، ولا يرف لها جفن ..
ولكن ...
أن تلوح على أفق عالمنا المخيف ، صورة امرأة تتلفح بالسواد ، وقد انكفأت على بطنها لتحمي طفلها من رصاص جيش النظام ، أو الجيش الحر ، أو الجن الازرق ، في بلد هبت فيه رياح القبور ، لينفذ فيهما الاعدام العشوائي مع ثلة من الصبية القاصرين ، فهذا معناه أن الرأفة الانسانية قد بلغت نهاياتها في هذا الجزء من العالم ..
لقد كانت ، بتقديري ، في الخامسة والثلاثين من العمر ، مكتنزة الجسم ، ترتدي جبة سوداء ، وتلف رأسها برباط هو الآخر اسود .. ارجلها زحفت تحت جسدها وكأنها تريد إغلاق جميع المنافذ بوجه الموت عن وليدها ، ولا ضير في أن تنتهي حياتها هي كما يريد لها الوحوش ..
ماذا ياترى كانت تلك المرأة تضن ، لو بقي وليدها حيا ليواجه عالمه بدونها ، حتى تقوم بمحاولة حمايته بروحها وجسدها وبهذه الطريقة الشرسه ؟ .. لماذا لم تقم بعرضه معها ليطاله الرصاص كي تضمن نهاية تغنيه عن العذاب ؟ .. انه حتما سيواجه سهام الربيع الجديد في بلاده لو حلت مواسمه .. وبالتأكيد فانه سوف لن يجد مؤسسة رسمية او شعبية تقدم له رعاية يجدها سواه من أطفال الارض البعيده .. من يدري ؟ .. فلربما سيساق الى صفوف الجيش مثلا وبقرار من الباب العالي يوم يبلغ الثامنة عشر من العمر ، حينها .. قد يسقط على خطوط النار في حرب محتملة قادمة ، وبين فنائه الحالي والقادم ، هو انه سيحضى بلافتة تسبق اسمه فيها كلمة .. ( شهيد ) ..
كانت صورة مفزعة لدواخلي جميعها حينما قام احدهم برفع جثة تلك المرأة الحالمة في رقدة الأمومه ، ليزيح جسدها المثقل بهموم الدنيا كلها .. فلم يستطع ، لقد كانت ملتصقة بظهر الطفل وبكل قوة الكون .. ورأسه الصغير يبرز منتصفه من تحت صدرها المشحون بحنان الأمومه .. عاونه آخر حيث تمكنا معا من فصل الجثتين عن بعضهما وبصعوبة كبيره ..
لا اعرف سيدتي الى أين انتهوا بك بعد ذلك ، ولا اعرف الى أين ذهبوا بوليدك القتيل ؟ .. غير أنني هممت حينها بالصراخ والخروج الى عرض الشارع ، حاملا قميص امرأة ، أية امرأه ، ملوحا به في فضاء الدنيا ، هاتفا بالموت لجميع حكومات الوطن العربي بلا استثناء ..
تخيلت بأنني اصيح وعلى رؤوس الاشهاد .. فلتسقط هياكل من لا زالوا يركبون على حافة سنام جمال الصحراء ، وينشرون الفزع الابدي بين الابرياء في وطني .. تسقط جميع أحكام العرافين .. ولتمت كل الدساتير العربية المسكونة بالأرضه ، تنخر فيها لتجعلها أقرب لطلسمات الشعوذة .. الدساتير التي باتت ممهورة بمهور أكلها صدأ التاريخ ، وعافتها سنن الزمن الحديث ..
تثور حفيظة العالم لموت حيوان قبل منيته .. فمن يثأر لدمك سيدتي وقد نالت منك رصاصات الغدر لا خوفا منك ، فانت ضعيفة بحكم نواميسهم لكونك امرأه ، وكونك امرأة لوحده سيجعل من موتك على ايديهم أسهل من السهل .. انهم قتلوك وطفلك لكي يرعبوا خصومهم فحسب ، ولكي يطبقوا شريعة أسلافهم الاجلاف ، بان ضرب الضعيف سيجعل من القوي مرعوبا فينتصروا ، ويعزفوا سمفونيات الحروب .. عندها ستنتفخ حناجرهم لتعظيم مسخ جديد ..
نامي سيدتي قريرة العين ، ولا تخافي على طفلك لانه معك .. نامي ولا تبهرك الحياة مع من لا ترتجف اصابعهم من الضغط على زناد القتل ، لينهمر الرصاص على هامة طفل .

حامد حمودي عباس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال جميل
الحكيم البابلي ( 2012 / 9 / 13 - 12:20 )
العزيز حامد حمودي عباس
مقال إنساني كبير ، لي عودة أخرى للتعليق
تحياتي


2 - صدقت استاذ حامد
مرثا فرنسيس ( 2012 / 9 / 13 - 16:57 )
نعم استاذ، إن الرأفة الإنسانية قد بلغت نهايتها
اصبح الضغط على الزناد اسهل من الحوار العقلاني واصبح تداول الأسلحة اكثر من تبادل التحية
.لم يعد الإنسان يتأثر من مشاهد الدماء والقتل حتى لو كان الضحايا اطفالا لا ناقة لهم ولا جمل
لم نعد في زمن ردئ فقط ولكنني اشعر وكأننا نعيش في غابة ليس لها حدود وكل مافيها حيوانات مفترسة جائعة لا تشعر ولا تحس الا بالبحث عن الفريسة، واعتذر للحيوانات فهم اكثر شفقة ورأفة من انسان الزمن الردئ
محبتي واحترامي


3 - كيف ينامون ليلهم ؟
الحكيم البابلي ( 2012 / 9 / 13 - 23:59 )
صديقي العزيز حامد حمودي
نقلتَ لنا المشهد وكأننا كُنا هناك ، شكراً
المآساة الحقيقية هي أن تتحول بعض الأمور مثل القتل والإغتصاب والتدمير والحرق والتمثيل بالجثة والنهب العلني والقتل الجماعي والقتل على الهوية إلى مشاهد عادية يومية لا تُثير إحساس وعاطفة أحد ، وهو مؤشر خطير يؤذن بإقتراب الإنسان من حيونته البدائية الفطرية التي تحاول سحبه على الدوام للعودة به إلى عصر الكهف
حكى لي أبن أخي بعد هجرته إلى أميركا قبل سنوات ، قال أن الشعب العراقي أثناء الحرب العراقية الإيرانية كان يقف فوق سطوح المنازل يتفرج على الطائرات وهي تمرق وتقصف بينما المدفعية المضادة للطائرت تنفث حممها ليس بعيداً عن سكان المحلة
هذه صورة للحياة اليومية التي الَفَها الناس ولم تعد تعني لهم الكثير ، كذلك هي التفجيرات والمفخخات ، حيث ينتهي كل شيئ بعد ساعة أو نصف ساعة ويُسكب الماء فوق أرضية ورصيف الشارع لإزالة اللون الأحمر ، ويعود الكل إلى ممارسة حياتهم العجيبة تلك
سؤالي هو : الإرهابي أو المسخ الذي ضغطت سبابته على الزناد ليحصد روح الأم وولدها ... هل له أطفال ؟
يقال أن هناك خيط خفيف إيحائي أحمر بين الأنسنة والحيونة
تحياتي


4 - العزيز حامد المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 9 / 14 - 03:32 )
تحيه وتقدير
صرخة تهتز لها الجوارح لكنها في وادي ذي خراب
يلوثون الجمال في الحياة بجيفهم التي تبربوا فيها منذ قرون ويتوارثونها
واقول لاخي الحكيم البابلي نعم له طفل يعلمه ان يفخر ببوطلات ابيه المعتوه ليستمر الحقد و يتوارث والا بماذا تفسر التعايش مع تلك الجيف منذ قرون
شكرا اخي حامد على هذه الصرخه المدويه في ضمير الشرفاء الغير مسموعه في اذان الحقد و التي اضاغها التكبير وضوضاء المنابر و الماذن


5 - الصديقه مرثا فرنسيس
حامد حمودي عباس ( 2012 / 9 / 14 - 05:07 )
كما نعرف نحن ، من ابتلي برهافة الحس ، ان القتل ليس بالرصاص او حبال المشانق فحسب ، وانما بكل وسيلة تميت آدمية الانسان ، فتجعله لا فرق بينه وبين الدابة التي تشاركه الحياة على هذه الارض .. الانسان في بلادنا يقتل في يومه الف مره ، الى ان يموت موتته الاخيره .. شكرا على مساهمتك القيمه


6 - صديقي الحكيم
حامد حمودي عباس ( 2012 / 9 / 14 - 05:16 )
انك حينما يتاح لك الوقوف على رصيف شارع هنا ، لتطالع آثار انفجار بعد وقوعه مباشرة ، فسوف تتخيل بالضبط كيف هي طريقة اعداد أفلام حروب ما قبل التاريخ .. الفرق الوحيد بين مناظر تلك الحروب وما هو امامك من مشهد ، هو ان الجثث حينذاك تبقى نظيفة على ساحة المعركه ، في حين تراها الان ممزقة لا يميز بعضها بعضا سوى انها مجرد اشلاء ممزقه ، لا يهاب الصبية من جمع اجزائها ورميها على شكل أكوام في عربات بيع الخضار .. دمت لي صديقا عزيزا وبعيدا عن هموم الموت بالانفجارات


7 - زميلي الاستاذ عبد الرضا جاسم
حامد حمودي عباس ( 2012 / 9 / 14 - 05:22 )
شكرا على مرورك .. وصفي للواقع يبقى ناقصا أمام هول ما جرى ويجري في بلادنا العامرة بكل شيء له صلة بالموت .. سنحتاج زمنا طويلا جدا كي تجتث آثار تربية زرعت في أصول اجيال بكاملها ، تعلمت كيف تنثر ملامح الفناء ، ولا تعرف للورود لونا


8 - الأستاذ حامد حمودي عباس المحترم
ليندا كبرييل ( 2012 / 9 / 14 - 08:19 )
صدقني يا أستاذ حامد قبل أن أقرأ تعليق الأخت الكريمة في الفيسبوك كنت أردد نفس الكلام لنفسي ، وها أنذا أشاركها ولا أستغرب أن يكون الكثيرون قرفوا من جنس بشري لا يتوانى عن استهداف الناس الأبرياء . كنا نقول ما يحصل في العراق لم يجر في أي بلد عربي ، وها هي آلة الحرب تحصد الأرواح بكل شراسة ، في كل مكان من ( وطننا العربي ؟؟ ) نعم العادة امتصت مشاعرنا فما عدنا نبكي لهذه المشاهد المخيفة . تحياتي لصوتك الإنساني ومشاعرك المرهفة


9 - سيدتي ليندا
حامد حمودي عباس ( 2012 / 9 / 14 - 14:35 )
ستبقى آلة الحرب تدور في بلادنا ، حتى ولو اعتقدنا بانها توقفت لحين .. فنحن جبلنا على ان نصنع لانفسنا واوطاننا حروبا ننشد على وقعها اناشيد الموت .. وهذا هو قدرنا .. شكرا على التعقيب

اخر الافلام

.. إسرائيل تحذر من -صيف ساخن- في ظل التوتر على حدود لبنان | #غر


.. البيت الأبيض: إسرائيل وحماس وصلا إلى مرحلة متقدمة فى محادثات




.. تشاؤم إسرائيلي بشأن مفاوضات الهدنة وواشنطن تبدي تفاؤلا حذرا


.. هل يشهد لبنان صيفا ساخنا كما تحذر إسرائيل؟ أم تنجح الجهود ال




.. بسبب تهديد نتيناهو.. غزيون يفككون خيامهم استعدادا للنزوح من