الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شاعرتان كرديتان تكتبان بالعربية وتشتركان بمجموعة شعرية واحدة

حسين سليمان
كاتب وناقد سوري مقيم في الولايات المتحدة الامريكية

2012 / 9 / 13
الادب والفن


شاعرتان كرديتان تكتبان بالعربية وتشتركان بمجموعة شعرية واحدة.
اشتركت سوزان سامي جميل مع أفين إبراهيم في اصدار مجموعة شعرية تحت اسم (ترنيمتان لمنفى واحد) وتم طبع المجموعة في لبنان بدار العارف في نهاية حزيران من هذا العام. وهو اشتراك نادر، فقلما تشترك شاعرتان باصدار مجموعة شعرية واحدة، خاصة وكل منهما لها طريقتها ورؤيتها في الكتابة ونظرتها الخاصة الى العالم وكيفية معالجته وابداعه في قصيدة. وهما على كل حال كأنهما تنتهجان طريق واحد حيث الرؤية عموما في قصائدهما هي داخلية تشابه الى حد ما طرق المتصوفة والمتأملين الذين يكتبون شذرات ونصوصا متفرقة تتشرذم مرة وتتحد أخرى. وهذه الطرائق في الكتابة تزيد من المجهول على حساب المعلوم فتتحرك في قلب المتلقي تساؤلات عن المعنى الذي يقصده الشاعر، إلى أين يريد الذهاب بنا وإلى ماذا يشير؟ هذا الغموض يلعب دوراً أساسياً في عملية التلاحم مع المتلقي والذي يفتح له بوابة واسعة لصنع المعنى والإشارة إليه. في هذه الأعمال من يقول الشعر ويكتبه هو المتلقي وليس الشاعر.
المعاني التي عاشت في الماضي على سطح القصيدة وكانت تخرج واضحة بينة حين قراءتها تغوص اليوم كي تعيش في الداخل متحولة مظلمة ترتدي ألف رداء.
أين هي القصيدة وأين هو الشعر؟ كثيرا ما نتساءل هذا السؤال عن القصيدة الحديثة التي ألغت الاوزان والموسيقى والأبحر. القصيدة اليوم هي السفينة التي هجرت البحر وراحت تمشي على رمال متحركة، تتحرك وتندفع بها. لا علم للسفان أين تذهب وأين تستقر. وهذا مايجعل كتابتها كتابة عسر. الشاعر الحديث لا تنفتح عينه على الوقع الخارجي بل على عالمه النفسي العميق المضطرب، ولهذا نرى قربا من عالم التصوف وعالم الرائيين الذين يكتبون بالرموز والطلاسم.
"حين أنهكني المدُّ في العبور إلى الضفة الأخرى - أطفأت قناديلي جلها وابتسمت - لن تخمد الصرخة فيّ - ستعمد إلى اختراق الفضاء"
هذا المقطع الشعري من قصيدة حفنة من قلق" للشاعرة سوزان سامي جميل يوضح لنا الكلام السابق. تحاول أن تعبر المياه نحو ضفة لا تدري أين موقعها. وهذا الموقع المجهول يتنامى ويكبر في الداخل حتى يأتي المد وليس الموج ( والمد هنا متضمن في الموج) كي يعمل على الصد والكسر ولهذا نرى المعنية في هذا المقطع الشعري تطفيء القناديل وتجلجل الظلمة لكنها مع كل ذلك لا تبكي ولا تصاب بالخوف بل تبتسم. ( اطفأت قناديلي جلها وابتسمت) تبتسم ذلك لأن هناك صرخة ستخرج منها مخترقة الفضاء. في هذا المقطع تشرك الشاعرة عاملين واحساسين وهما الرؤية البصرية والصوت فإن لم ينجح أولهما فسينجح ثانيهما، وهي بعد أن أتعبها المد ومحاولة العبور تتوقف لتخرج صرختها المدوية تخرق فيها الفضاء ذلك كي تقول، إن لا تراني فإنك تسمعني.
هذه الأساليب غير المباشرة والتي تسأل القارئ أو المستمع المشاركة في إدراك المعنى والإمساك به هي اساليب كتابية تطالب القارئ أن يكون أيجابيا في التفاعل مع النص وليس سلبيا كما يحدث حين نسمع القصيدة العربية القديمة. وقصيدة سوزان هي قصيدة تساؤل تفعل فيها الذات فعلا حقيقيا يكون العالم حولها مختزلا إلى كلية نفسية.
أما قصيدة الشاعرة أفين ابراهيم، فهي قصيدة ليل وظلمة وأمل لا يرى، إنها قصيدة العتمة، قصيدة تبدأ حياتها حين تغيب الشمس ويهبط الليل الذي يحمل عوالم العزلة والانشقاقات معه. يقف منها المتلقي مشغولا بعالم غريب عناصره متكاثرة تكاد تكون عناصرا لا لحمة فيها ولا منحى، خلق من فوضى وتناثر وتشييع حيث النور المطفأ والنجوم الكابية ما أن تصل بنورها الأرض حتى تختفي وتتبدد. شعرها قادم من الأعماق السحيقة حين لم يكن هناك نظام متعارف عليه ولا قواعد، هي حصان البراري وقد انطلق من مربضه بطاقة العنفوان ولا توقفه العوائق.
"في منتصف اللحظة أوقفني عمر نادم
عصفور وعشر قطرات ماطرة - قطار الخفافيش وأجنحتي الحائرة - تزف الخطايا بزغاريد الحلم ... - اتسعي اتسعي يا ظلمة " من قصيدة الاموات لا يرقصون.
نقرأ هنا: عمر نادم، وقطار خفافيش، واجنحة حائرة، وخطايا الحلم وظلمة.
وهذه الكلمات تشير إلى الكهوف العميقة المعزولة عن العالم، كهوف مشتتة غير موصولة لكنها في الواقع مقامة على حجر أساس واحد وهو النواح الصامت المجهول. نواح قد أضاع الميت، أو أنه نواح على ميت قد نفخت فيه الحياة مرة أخرى، نواح بدأ ولن ينتهي. وهي صفة تشير إلى العالم الذي يعيش في الجانب الآخر – قصيدتها تكشف النصف غير المرئي - ربما الوجه الآخر للقمر الذي لن يدير وجهه لنا. الشعر الغامض يرينا ماهي الأعماق وأين هي الآمال المحبطة والتي لا تستطيع الحياة أن تحييها لنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07