الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال الإدماج والإقصاء داخل النظام السياسي بالمغرب

مصطفى عنترة

2005 / 2 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


شكل سؤال الجمع بين المتناقضات وحسن تدبيرها براعة النظام السياسي بالمغرب، إذ لم تخل العديد من الكتابات السياسية المهتمة بالمغرب من الاجتهاد من اجل ملامسة أحد جوانبه. فثنائية المخزن والسيبة التي تحيل بدورها على الإدماج والإقصاء، المركز والهامش، الشرعية واللاشرعية.. طبعت النسق السياسي ببلادنا، وتجسدت بشكل واضح في مسرح الأحداث السياسية التي عاشها المغرب والأمثلة في هذا الباب عديدة ذلك أن المتأمل للحياة السياسية يقف عند وجود دوائر مخصصة لإدماج الفاعلين غير الرافضين لقواعد اللعبة السياسية، كما يلمس وجود موارد مادية وأخرى رمزية يستفيد منها هؤلاء المدمجون وفق أدوار ووظائف محددة، كما يلمس في ذات السياق دوائر الإقصاء التي تهم هؤلاء المشككين في قواعد اللعبة وفق الشروط السياسية المرسومة، وهذا الإقصاء يأخذ مستويات مختلفة المواقف المعبر عنها من قبل الفاعلين.
فالفئة الثانية تدخل ضمن هؤلاء الذي تم طردهم خارج الحقل السياسي الرسمي، أما الفئة الأولى فهي مدمجة داخل الحقل السياسي الرسمي حسب مستويات معينة،
والحقيقة أن النظام السياسي لجأ تاريخيا إلى أسلوب الإدماج والإقصاء في علاقته بالطبقة السياسية من أجل تجديد شرعيته كلما اقتضت الحاجة إلى ذلك، إذ كان يقرب منه نخبا معينة إذا وجد فيها إمكانيات تساعده على استمراره، ويبعد الأخرى التي تستنفذ ما لها من إمكانيات تفيد مسألة تجديد الشرعية وهكذا دواليك تشهد الحياة السياسية دينامية، تعيد تشكيل تراتبية جديدة للفاعلين ومواقعهم وتحركاتهم. ويعتمد النظام السياسي في هذا السياق على العامل الاقتصادي كقاعدة مادية لتمويل كل التسويات التي يقوم بها في هذا الاتجاه أو ذاك ويمكن حصر بعض هذه الموارد في الممتلكات العقارية، الرخص والمنح، التعيين في المناصب السياسية.. وهي موارد تمكن النظام السياسي من تجديد قواعده الاجتماعية عند الضرورة، ولعل مثال العلاقة التي ميزت تاريخيا النظام بالحركة الاتحادية نموذج لقراءة ثنائية الإقصاء والإدماج. هذه الحركة التي كان لها في البداية مشروع مجتمعي مناقض لذلك الذي كانت تتصوره الملكية، مع الاعتماد على خيارات واختيارات غير سلمية لترجمته على أرض الواقع، وقد خاضت فصائل سياسية عدة معارك قوية ضد المخزن لينتهي الأمر بأحد فصائلها الأساسية إلى الإدماج غير المشروط في اللعبة السياسية. نفس الأمر تتبعناه في علاقة الحركة الإسلامية المحدثة من قبل النظام لضرب اليسار الماركسي اللينيني، ذلك أن فصيلا هاما داخلها، انتهى به الأمر إلى تبني ثقافة المشاركة والإدماج داخل الحقل السياسي الرسمي، وهو الذي نجده ممثلا اليوم في حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح الموالية له.. نفس الأمر ميز النظام السياسي في علاقته بالنخب الاقتصادية، ذلك أن الدولة عندنا في المغرب هي تقوم بخلق الطبقات وليس العكس كما هو متعارف عليه في أدبيات كارل ماركس، ففي الستينات شهدنا بروز طبقة معينة استفادت من السياسة المتبعة بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم وهي السياسة التي همت العالم القروي بعد تجميد الإصلاح الفلاحي الجذري الذي كان يطالب به صاحب "الاختيار الثوري"، ثم سرعان ما تم إحداث طبقة اجتماعية أخرى إثر تبني سياسة "المغربة" وارتفاع عائدات الفوسفاط.. كذلك ساعدت عمليات الخوصصة وتشجيع المبادرة الحرة من فرز طبقة اجتماعية استفادت من عمليات بيع مؤسسات القطاع العام "المفلسة" في سنوات الثمانينات بعد دخول البنك العالمي وصندوق النقد الدولي على الخط وفرض سياسة التقويم الهيكلي ذات الحصيلة الاجتماعية الكارثية..
وهكذا كان النظام يغير سياسته وفق أهداف المرحلة وخاصة عندما يعرف أزمة خانقة في شرعيته.. فمعارضو الأمس أصبحوا اليوم في موقع الحكم أي في موقع تدبير الشأن العام، وهؤلاء الآخرين قد يبعدوا غدا بعد أداء الوظائف المحددة لهم، ويبقى المستفيد الأول هو النظام بعد تجديد شرعيته.. فعبد الرحمان اليوسفي المعارض القوي لنظام الحسن الثاني في العقود الثلاثة الأولى بعد الاستقلال، أصبح وزيرا أولا لحكومة "التناوب التوافقي" وفق شروط سياسية قيل حولها الكثير.. أما أبراهام السرفاتي صاحب الطروحات الماركسية الجذرية فقد تحولت به الأيام إلى مستشار في إحدى مؤسسات زمن الملك محمد السادس، وقبله الفقيه محمد البصري صاحب تنظيم "الاختيار الثوري" أبدى رغبته المعبر عنها في أحد اللقاءات التلفزية بالقناة الثانية قبيل وفاة الحسن الثاني في أن يكون جنديا في خدمة العرش، واليوم نتابع فصول مسلسل المصالحة عبر هيأة الإنصاف والمصالحة بقيادة إدريس بنزكري، الرئيس المؤسس للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف..
إن خاصية النظام السياسي هو سعيه الحثيث إلى إدماج النخب قصد تجديد قواعده الاجتماعية وتقوية شرعيته.. وفق ترتيبات تخدم مصالحه الجوهرية والدائمة.. كما أنه في بحث دائم عن حصر وضبط الفضاءات الاجتماعية غير المدمجة والاستعداد لمقاومة كل البؤر الرافضة واختيار التوقيت الدقيق لإدماج المستوفي للشروط المرسومة.. مع الإشارة في هذا الصدد إلى أن النظام لا يقطع بالمجموعات المعارضة الرافضة صلته بها على اعتبار أن منطقه السياسي ليس فيه عدو محدد أو صديق دائم والأمثلة في هذا الإطار متعددة لأنه ببساطة سيحتاجها غدا ليقتات منها حين تطرح لديه أزمة الشرعية التي قد تهدد استمرار كيانه.. فالنظام نجده قد أدمج أصدقاء عبد الإله بنكيران داخل الحقل السياسي الرسمي، وحقق من خلال تجربة المشاركة أهدافا لعبت لصالحه داخليا وخارجيا فيما ترك فصائل سياسية إسلامية أخرى خارجه في قاعة الانتظار كجماعة العدل والإحسان إلى حين توفير شروط إدماجها، نفس الشأن ينطبق على الحركة اليسارية، حيث نجد "النهج الديمقراطي" مازال مبعدا يعاني من سياسة الحصار المفروضة عليه نتيجة مواقفه الراديكالية آخرها المحنة التي عاشها رفاق عبد الله الحريف للحصول على فضاء لتنظيم المؤتمر في حين اندمج "المستقلون الديمقراطيون" وشق هام داخل الحركة من أجل الديمقراطية وفعاليات سياسية مستقلة وفصيل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي في إطار حزب اليسار الاشتراكي الموحد نفس الشأن ينطبق على تنظيمات المجتمع المدني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استدعاء الهيئة الناخبة في الجزائر للانتخابات الرئاسية


.. الانتخابات الأوروبية: أي تداعيات لفوز اليمين الفرنسي المتطرف




.. الانتخابات الأوروبية: كيف استهدفتها حملات التضليل الروسية؟


.. مجلس الأمن يقر مشروع قرار أميركي بشأن التهدئة في قطاع غزة بـ




.. القيادي بحماس محمود مرداوي لسكاي نيوز عربية: نرفض أي حل يجتز