الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق :منطق فك الارتباط

يونس الخشاب

2005 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


العراق : منطق فك الارتباط Iraq : The Logic of Disengagement
ادوارد .ن . لتواك Edward .N. Littwak
ترجمة : يونس الخشاب
الجزء الاخير


باصدقاء مثل هؤلاء


ايران ، من جانبها ، لديها الكثير مما تخشاه في حالة اندلاع الفوضى في العراق ، حيث ان ذلك سيثير لها اخطاراُ اكثر مما يوفره لها من فرص . وفي الوقت الحاضر ، وبسبب ان الايرانيين يعتقدون ان الولايات المتحدة مصممة على البقاء في العراق مهما حصل ،فان المتشديين في الحكومة الايرانية قد اطلقوا العنان لمتابعة ثأراتهم المعادية للامريكان بواسطة التخريب السياسي وبواسطة تسليح وتدريب ميليشيا الصدر وعن طريق تشجيع السوريين بدعم تسلل الارهابيين الاسلاميين الى العراق .
ان اندلاع الفوضى في العراق سوف لا تهدد استقرار ايران فحسب ، بل سوف تهدد سلامة اراضيها ايضاً . فالاقليات تشكل اكثر من نصف السكان ، ومع ذلك فان الحكومة الايرانية ليست حكومة تعددية على الاطلاق . انها تعمل على انها امبراطورية فارسية اقصائية تقمع كل الاقليات الاثنية وتفرض استعمال اللغة الفارسية حصراً في التعليم المدرسي العام ، وهي بهذا الاجراء تحكم على الآخرين بالأمية في لغتهم الأم . اضافة الى ذلك لا تضطهد هذه الحكومة البهائيين فحسب ، بل كل اولئك المسلمين الذين لا يتفقون معها . وباستثناء بعض الكرد والاذربايجانيين ، فان اي اقلية لم تتمرد تمرداُ فعالاً حتى الآن ، لكن الفوضى في العراق يمكن ان تغذي الولاءات الطائفية في ايران (خاصة بين العرب والاكراد ) . وعراق غارق في الفوضى سيوفر قواعد للمنشقين والمنفيين الايرانيين في وقت يكون فيه الدعم السياسي للنظام الديني قد تضاءل بشكل محسوس ، لتصبح سلطته الثورية والدينية شئ من مخلفات الماضي البعيد وليصبح استمرار تشديد قبضته على الحكم واستمراره فيه يعتمد وبشكل متزايد على القوة السافرة ـ والنظام يدرك ذلك .
وحالما تلتزم الولايات المتحدة بفك ارتباطها عن العراق ، لذلك ، فان حواراً حكيماً مناسباً مع حكام ايران يجب ان يكون مثمراً جداً. فلا تحتاج واشنطن لطلب الكثير من الايرانيين : فقط وضع حد للتخريب ، لتهريب السلاح ، ايقاف الدعايات المعادية ، ايقاف تسلل حزب الله الى العراق . ومنذ عام 1979 رغبت الولايات المتحدة بتقييد تسلط رجال الدين في الحكم ، غير ان واشنطن افتقدت الوسائل لتحقيق ذلك . اذ ان حتى التواجد الآني للقوات الامريكية على كلتا الحدود الشرقية والغربية كان له التأثير القليل على سلوك النظام الفعلي ، السلوك الذي عادة ما ينحرف عن سياساته المعلنة التي هي اكثر انفتاحاً. بيد ان ما عجزت دخول القوات العسكرية عن تحقيقه يمكن للانسحاب ان يحققه ، حيث سيكشف هشاشة النظام المتأصلة للمنشقين وتزايد عزلة النظام .
اما تركيا ،فانها كحليف يقف بعيداً ، يمكن تصنيفها في خانة مختلفة تماما. فبعد ان وضعت تركيا الصعوبات الاولية امام غزو العراق ، فانها عادت وساعدت المحتلين في امور مهمة . لكنها مع ذلك كان بامكانها عمل المزيد . والسبب هو ان السياسة التركية كانت قد بالغت في التركيز على دعم الاقلية التركمانية في العراق ، مدفوعة ليس بالتضامن القومي المشكوك بامره (حيث انهم اذربايجانيون وليسوا اتراك ) ولكن رغبة في اضعاف اكراد العراق . ويتمركز تركمان العراق في وحول مدينة كركوك . وامتلاكها يعني تامين السيطرة على جزء لا باس به من قدرة العراق النفطية . وبتقديم المساعدة العسكرية الى التركمان فان الحكومة التركية تساعد لهذا السبب التحالف المضاد للاكراد في كركوك والذي يضم السنة الناشطون في مقارعة الامريكان . ان ذلك يرقى الى عمل غير مباشر ضد الولايات المتحدة . وليس هناك من تبرير مسوغ لمثل هذه النشاطات التي زادت من حدة العنف الطائفي وسهلت من عمليات تخريب المنشآت النفطية .
ولا بد ان الحكومة التركية ، كالآخرين ، قد اجرت حساباتها بان الولايات المتحدة قد التزمت بالاحتلال عليه فان العبئ الاضافي الذي تضعه تركيا على كاهل استقرار العراق بدعمها للتركمان لن يحدث فرقاً . غير انه بفك الارتباط فان المفاوضات يمكن ويجب ان تبدأ لرؤية اي المفاضلات يمكن تبادلها بين واشنطن وانقرة لتأمين ان الانسحاب الامريكي يعود بالفائدة على المصالح التركية شرط ان تتوقف انقرة عن اثارة المشاكل في كردستان العراق .
وحتى الكويت ، التي يعتمد وجودها في حد ذاته على القوة العسكرية الامريكية تعمل الآن القليل جداً لمساعدة الاحتلال والحكومة العراقية المؤقتة. فجمعية الهلال الاحمر الكويتية كانت قد ارسلت عرضاً حمولة شاحنة من المواد الغذائية الى العراق مع الاعلان عن هبة مالية قدرها 60 مليون دولار ليس بالضرورة انه جرى تسليمها ، ولكن اذا ما اخذنا في نظر الاعتبار عوائد النفط الهائلة ، ناهيك عن العوائد الضخمة للمقاولين الكويتيين الثانويين من الذين يعملون في تنفيذ العقود اللوجستية للبنتاغون فان تلك المساعدات هي مجرد تفاهة.
ان كمية المساعدات الجدية التي يستطيع الكويتيون تقديمها يمكن لها ان تساعد الحكومة الانتقالية العراقية على بسط نفوذها وان تساعد حكومة ما بعد الانتخابات على حل خلافاتها وصمودها بوجه الهجمات التي تتعرض لها .ولا حاجة للتذكير بصدد تقديم تلك المساعدات انه اذا لم تستطع الولايات المتحدة فك الارتباط بشكل مقنع فسيكون الكويتيون أقرب الى الفوضى التي ستنشأ من العراق بعشرة آلاف ميل مقارنة بالامريكان .
اما فيما يخص النظام السعودي فان موقفه الغامض باستمرار قد تمثّلَ في العرض الذي تقدم به في تموز من عام 2003 حول امكانية تقديم قوات " اسلامية " للمساعدة في حماية العراق . وبدا العرض ، مع كل التطبيل الذي صاحبه ، عرضاً شجاعاً و كريماً معأ. لكن تبين بعدئذِ ان القوات المزمع ارسالها لم تكن قوات سعودية بالمرة ، بكلمة اخرى كان السعوديون يعدون بارسال قوات من بلاد اسلامية اخرى لم تحدد جنسياتها وان هذه القوات المفترضة سترسل بشرط ان عدداً مساوياً من القوات الامريكية يجري سحبها من العراق .
وفي مجال الفعل لا الكلمات الفارغة ، فان السعوديين لم يحاولوا في الواقع جعل الامور اكثر سوءاً للامريكيين وان يزيدوا الطين بلة ، غير انهم لم يكونوا عاملاً مساعداً ايضاً .وكما كان الامر مع الكويتيين فان عائداتهم النفطية المتفجرة كانت تمكنهم من منح هبات مالية معتبرة للحكومة العراقية قبل الانتخابات وبعدها . غير ان الرياض كان يمكن ان تعمل المزيد ، لكن كل الشواهد تشير الى ان المتطوعين السعوديين يتسللون الى العراق وباعداد كبيرة اكثر من اي جنسية اخرى . فهم ينضمون الى بقية الاسلاميين التي تقتل العديد من العراقيين وبعض الامريكيين . فالعراق والسعودية يشتركان في حدود لا توجد عبرها سوى القليل من دوريات الحراسة البطيئة ، اما مواقع السيطرة على الحدود فنادرة جداً وليست هناك من مراقبة جوية رغم سهولة تنفيذها حال طلبها . كما كان بامكان السعودية العمل اكثر من اجل الحد من تدفق الاموال من متحمسي الجهاد السعوديين ويبذلوا جهوداُ اكبر من اجل التصدي للفتاوى الدينية التي تحلل قتل الامريكان في العراق .
ان السلطات السعودية ، على اية حال ، لم تعمل كل الذي اتينا على ذكره ومع ذلك فان عراق فوضوي سيعرض النظام السعودي للخطر والذي هو في الاصل هشاً من الناحية الامنية ليس اقل الاخطار تزويد خصومهم بكل القواعد التي يحتاجونها ومانحين ايران اغراءً بمساحة اكبر لتوسعها . لذلك هنا ايضاً يبدو ان مفاوضات قاسية حول مشروطية انسحاب القوات الامريكية سوف تحمل معها تحسينات جوهرية .
في النهاية يمكن للنظام في سوريا ايضاً الانخراط في حوار المحادثات التي يمكن للولايات المتحدة تقديم شكلين من اشكال السيناريو :
الاول هو فك الارتباط المهيأ له والمُنفَذ من داخل العراق وخارجه والذي سيترك العراق لحكومة فعالة . اما السيناريو الثاني فهو كالاول ولكن تصاحبه اجراءات عقابية ضد سوريا اذا ما حاولت التخريب والذي سيكون اسهل بعد مغادرة الولايات المتحدة للعراق . فرغم كل ضجيجها الاعلامي ليس من المحتمل ان تغامر سوريا بمواجهة عسكرية خاصة ان ما مطلوب منها هو قليل جداً : غلق الحدود العراقية السورية امام الاصوليين وانهاء نشاط حزب الله في العراق ( الذي تموله ايران وتسمح به سوريا ) .

من بين كل جيران العراق كان الاردن فقط هو المتعاون الوحيد وبشكل صريح وبالمصادفة دون ان تساوم على مصالحها السيادية ذاتها .

المنطق النهائي لفك الارتباط

حتى لو فشلت هذه المفاوضات في الحصول على ما يمكن الحصول عليه ـ في الحقيقة حتى لو لم تثمر هذه المفاوضات عن شئ ـ فان فك الارتباط يجب ان يقع من باب الالتزام الاولي بالانسحاب .آخذين العداوة الاسلامية المرة بعين الاعتبار لتواجد القوات الامريكية والتي
تسمى " النصرانية الصليبية " من قبل أئمة الجوامع ، فان استمرار نشر هذه القوات باعداد كبيرة يمكن ان ينسف مشروعية اي حكومة
عراقية مدعومة امريكياً . وفي عراق اكثر شبهاً باسبانيا عام 1808 منه بالمانيا او اليابان بعد عام 1945 فان الديمقراطية التي يدعمها العراق محكوم عليها بانها مظهر خادع اكثر منها جوهر متحقق ، وان فرص هذه الديمقراطية في الحياة ستكون اعلى اذا ما تم تحييد الاسلاميين والقوميين والمتدخلين الاجانب اما بالديبلوماسية او بفك الارتباط . وان نترك وراءنا حامية عسكرية رئيسية سوف يثير اعمال عدائية متواصلة لكل من الامريكيين والديمقراطيين العراقيين . وحالما يغادر الجنود الامريكان المدن والقرى العراقية يمكن للبعض منها ان يبقى في مواقع عسكرية صحراوية بعيدة للدفاع في حالة اندلاع عمليات قتالية على نطاق واسع ضد الحكومة ، لكن حتى ذلك يمكن ان يحرض المعارضة كما حدث في السعودية .
ان استراتيجية فك الارتباط سوف تحتاج الى مهارات في تنفيذها بالتوازي مع مفاوضات كفوءة . غير ان نسبة الخطورة فيها حقيقة هي أقل من خيار في احتلال لا نهاية له ، وان الفوائد التي يمكن جنيها يمكن ان تدهش حتى الولايات المتحدة ، فخطورة عراق غارق في الفوضى هي اكبر بكثير لاولئك الذين في داخله او القريبين منه مقارنة بالولايات المتحدة . آن الآوان لحساب الفرق .
www. California Peace Action.htm








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس