الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الناقد المغربي الدكتور فريد الزاهي

نورالدين علوش

2012 / 9 / 13
مقابلات و حوارات


اجراه نورالدين علوش)
مرحبا بكم على هذا الوقع
الجزء الاول:
بداية من هو الدكتور فريد الزاهي؟
أصعب الصعاب وأعسرها أن أتحدث عن نفسي وأعْرفها وأعرِّف بها، لا من باب التواضع الخادع ولكن أساسا لأني لا أعرفها جيدا ولا أتمكن منها إلا في حاضرها المتحرك. لذا أترك لك وللآخرين هذه المهمة فأنت أولى بها لأنك ستتعفيني من مرآة نرسيس....

باعتباركم من الناقدين الكبار في العالم العربي، ما هو وضع النقد العربي اليوم؟
أنا من الذين لا يحبون كلمتيْ نقد وناقد ولا يستحسنونها لأنها غدت ربيبة لكافة أنواع اللبس والغموض، ولأنها تجمع في داخلها أصنافا من الكتابة غير متوازنة ولا تملك الإستراتيجية الفكرية نفسها. لذا اسمح لي مع بارث أن أعتبر أن ثمة الكتاب وثمة الكَتبة. الكاتب وهو يمارس الكتابة حتى على كتب أخرى لغيره من الكتاب والمبدعين (روائيين كانوا أو شعراء أو فنانين) يكون ندّا لهم ويضيف لهم من عندياته وينتج نصا قابلا للقراءة والمتعة في غياب النصوص التي يشتغل عليها، لأنه يتملك موضوعه ويستبطنه ويجعله من رأسماله الفكري والتحليلي.
وأنت تعلم أني بدأت ناقدا أدبيا وسينمائيا في أواخر الثمانينيات (حتى لا أتحدث منذ البدايات في أواخر السبعينيات) ثم بدأ اهتمامي ينصب على الفنون البصرية ويتركز حولها. والحقيقة أن هذا التركيز جاء نتيجة للخلل الذي لاحظته في مجال النقد والدراسات الأدبية بحيث إن عددا من يعتبرون أنفسهم نقادا للأدب صاروا عدديا أكثر من كتاب الأدب الذين يكتبون عنهم. هذا التضخم في الدراسات الأدبية جاء نتيجة للإجهاز على الفلسفة والعلوم الإنسانية في الجامعة المغربية في بدايات الثمانينيات، والحظوة التي تمتعت بها الدراسات البنيوية (التي جُرّدت لدينا من بعدها الفلسفي) والتي جاءت لتصير لدينا بمثابة تعويض...
بالمقابل نجد في مجال الفنون قصورا كبيرا في الدراسات والأبحاث والمتابعات. وهو أمر يعود إلى الاختلاف الجوهري بين اللغة البصرية واللغة الكتابية من ناحية وإلى ضعف موروثنا البصري مقارنة مع موروثنا اللغوي، وإلى مصاعب دخول الصورة إلى وعينا النقدي والفكري. إن ما يكتب عن الفنون البصرية العربية قليل وغالبه مطبوع بالحس الأدبي أكثر منه بالوعي الجمالي. وهي وضعية ناجمة عن ضعف التعليم الفني والجمالي في العالم العربي، خاصة بالمغرب، والخلط في الكثير من المؤسسات التعليمية خاصة بمصر وتونس مثلا بين تعليم الفنون وتعليم تاريخ الفن والجماليات، مما يحول الكثير من الفنانين "الفاشلين" إلى نقاد وكتاب أكثر فشلا....

يعتبر مشروعكم النقدي من بين المشاريع النقدية العربية التي تحظى بأهمية كبيرة ؛فما هي الخطوط العريضة لهذا المشروع وها هي مراحل تبلوره المنهجي والموضوعاتي؟
إنه مشروع متواضع كان ينبني على البحث في ثلاثية هي الصورة والجسد والمتخيل في الثقافة العربية. وقد أفرز هذا البحث العديد من الدراسات المنشورة بالعربية والفرنسية. وهو ثالوث متواشج فكريا لأن العلاقة الوطيدة بين الجسد والصورة تعود للغة والتاريخ والأسطورة أيضا، مثلها في ذلك مثل علاقة الصورة بالمتخيل (بحيث نجدهما يشتقان من المصدر نفسه في لغات كثيرة). وهكذا يكون الجانب المنهجي والموضوعاتي مترابطين منذ البداية ولا يعيشان ضربا من الانفصام. ذلك أن هذه الدراسة والبحث يتطلبان تداخلا في المباحث من فلسفة وأنثربولوجيا ثقافية وتحليل نفسي وغيرها واشتغالا جماعيا لم تتوفر الشروط الموضوعية له.
كان كتاب الخطيبي "la Blessure du nom propre" (1974) المترجم سنة 1980 بعنوان: الاسم العربي الجريح، الفضل في إطلاق هذا النوع من الدراسة الذي يعتبر الجسد علامة وصورة. وكانت الدراسات التي قمت بها في هذا السياق من الدراسات الاولى والمؤسسة في اللغة العربية علما أن الاهتمام كان قد انصب قبل ذلك ومن وجهة نظر إيديولوجية وأدبية صرفة في الغالب على قضايا جزئية وعلائقية كالجنس لا على قضايا أنثربولوجية وفلسفية كالجسد والصورة والمتخيل.
هذه الإرهاصات لا يمكن لفرد ولا لباحث واحد أن يبلورها لأن موضوعاتها عديدة وخلفياتها ومتنوعة ومنهجياتها متداخلة. وما نشرناه لا يمكن أن يشكل إلا مدخلا لهذا الموضوع (الجسد والصورة والمقدس، النص والجسد والتأويل، جسد الآخر (بالفرنسية) وكتاب في الموضوع نفسه قيد النشر) وغيرها من الدراسات المتفرقة هنا وهناك. بيد أن هذا المشروع (كما تسميه) قد تبلور في مجال الكتابات والدراسات الجمالية والفنية التي أقوم بم بها وأنشرها من عقدين من الزمن، سواء في المجلات المتخصصة أو في الكاتالوغات أو كتب من قبيل: العين والمرآة، الصورة والحداثة والبصرية (بالعربية)؛ من نظرة لأخرى، الفن ووسائطه بالمغرب؛ مواقف وتأليف، كتابات عن الفن (باللغة الفرنسة)، كما في الترجمات العديدة المتخصصة التي نشرتها وخاصة منها: حياة الصورة وموتها لريجيس دوبري، وتأمل العالم لمشيل مافيزولي، والسحر والدين في إفريقيا الشمالية لإدمون دوطي، والخيال الخلاق في تصوف ابن عربي لهنري كوربان، حتى أقتصر على هذه العناوين فقط.

هناك من الباحثين من يعتبر أن النقد العربي والتنظير له متقدم جدا في المغرب العربي ( كيليطو، برادة، الداهي، بارة ... ) على عكس ما هو موجود في المشرق هل هذا صحيح ؟
يبدو من سياق كلامك ومن الأسماء التي ذكرت أنك تعني النقد الأدبي. وسيكون جوابي أكثر سعة من سؤالك. لننطلق بدءً من أن النقد الأدبي في العالم العربي قد شكل البؤرة التي اختزلت النقص والقصور في مجال الدراسات في مجال العلوم الإنسانية. فكان هو اللاقط السريع للتطورات الفكرية في الغرب وللاتجاهات الجديدة في مجال العلوم الإنسانية. ولذلك أسباب وعلل تتعلق كلها بغياب الديمقراطية لعقود طويلة في العالم العربي ولضعف الممارسة الفكرية في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية. بيد أن الكثير من التضخم في هذا المضمار جعل النشاط في هذا المجال يغطي على الفقر في الدراسات الاجتماعية والإنسانية، وصار الناقد والروائي مثلا يختزلان مفهوم الكاتب والمثقف والباحث. والحال أن الناقد الأدبي وسيط جمالي حتى وهو يمارس التنظير لأن ذلك التنظير يستمده من النصوص؛ لا أكثر ولا أقل أما الباحث الاجتماعي فهو إضافة إلى دور الوساطة يحلل نصا من طبيعة أخرى ويؤشر لتحولات ولعلائق ذات طبيعة مركبة وذات رهانات اجتماعية وبشرية وسياسية.
وحتى أجيب على سؤالك بطريقة مباشرة أقول إن المغرب قد طور قدراته النظرية في مجال الكتابة الأدبية والاجتماعية والفكرية بشكل حثيث جعله يغدو مرجعا متميزا من نوع خاص. لنبدأ بعبد الله العروي ونظريته في التخلف التاريخي والعقل والحرية التي لا تزال راهنة خاصة في الوقت الحالي؛ ولنعرج على عبد الكبير الخطيبي الذي كانت كتاباته عن الاختلاف والهوية والجسد والفن منارا لا يزال يهتدي به الباحثون والمفكرون، ولن ننسى الجابري وعقلانيته وكليطو وأبحاثه الذكية والمدهشة في الثقافة العربية، وفي مجال الفكر الإسلامي تحقيقات جمال الدين العلوي لابن رشد ودراسات المصباحي لهذا الأخير.... قبل أن نصل للأسماء التي ذكرتها وغيرها....
هل ثمة تميز مغربي؟ لا أقول بذلك. أقول فقط إن العالم العربي انتبه إلى أن ثمة بالمغرب كتاب ومفكرون ومترجمون وباحثون بالعربية وبالفرنسية يشكلون مرجعا لا يمكن تفاديه ويطورون ويبلورون فكرا ذا أهمية خاصة سواء في حيثياته أم في امتداداته وآفاقه. وهذا الانتباه قد حول بؤرة المركزية الثقافية (المشرقية) وجعلها تنزاح شيئا فشيئا لتصبح بؤرا متعددة يشكل المغرب العربي إحدى مناراتها المضيئة.

كيف تنظر إلى إشكالية العلاقة الثقافية بين المشرق والمغرب ؟
تبعا لما ذكرت سابقا، أعتبر بكل بساطة أن المغرب العربي عموما والمغرب بالأخص صار يحتل في السنين الأخيرة موقعا متميزا في الخريطة الثقافة العربية. وما لا يعرفه الكثيرون، هو أن الفنون التشكيلية المغربية بدأت هذه الريادة في السبعينيات، وظلت إلى جانب الفن المصري والعراقي من أقوى التعبيرات الثقافية العربية. واليوم بعد تفكك المركزية المصرية في مجال السينما والمسرح بل وحتى التلفزيون، صارت السينما المغربية تنتج ضعف ما تنتجه السينما المصرية. المنتج المغربي صار اليوم مطلوبا ومرجعيا في جميع المجالات، فكرا وأديا وترجمة. بيد أن هذه التحولات إن كانت قد زحزحت منذ أواخر التسعينيات العلاقة بين المشرق والمغرب فإنها مع ذلك لا تزال بحاجة إلى العمل على تيسير تداول الكتاب. فالكتاب المشرقي مثلا يصل بسهولة إلى المغرب فيما أن الكتاب المغربي لا يزال يعاني من مشكلات التوزيع. والكتاب الذين يقرأون أكثر هم من ينشرون في دور نشر مشرقية تحظى بالتوزيع العربي. فتوازن العلائق الثقافية وإن كان قد تحقق إلى حد ما، لا يزال بحاجة لبنيات تبادل تمكن القارئ العربي من بلوغ المنتج الثقافي بسهولة.


الجزء الثاني:

تشتغلون كثيرا على الترجمة فما وضعها في العالم العربي ؟
تعرف الترجمة في العالم العربي تحولات مطردة تتمثل في الوعي بأهميتها الثقافية والحضارية. فبعد أن كانت كما يقال الابن الضال للثقافة العربية صارت تحظى باهتمام المؤسسات. والترجمة كما تعرف صنعة مثلها مثل كل الصنائع الوسائطية. فهي بحاجة لمنتجين وعبّارين يتقاضون أجرا معينا ويكونون قادرين على ممارسة وساطتهم الفاعلة والنشيطة. لهذا بدأنا في السنين الأخيرة نرى اهتماما كبيرا بها يحولها إلى مؤسسات نشيطة. في مصر أولا مع المشروع القومي للترجمة والذي كان رائدا في هذا المضمار، ثم مع مشروع المنظمة العربية الذي يعتبر ضخما وطموحا وذا مستوى فكري وثقافي هام، ثم مع مشروع كلمة بأبو ظبي الذي يعتبر مشروعا يهتم بالقارئ عموما وبنشر الثقافة أيضا لدى الناشئة.
هذه المشاريع منحت مكانة جديدة للمترجم وللترجمة ووفرت للمترجمين الهواة إمكانية الاحتراف خاصة مع الرهانات الجديدة التي أدخلها مشروع كلمة سواء من حيث اختيار أجود المترجمين أو من حيث التعويضات التي تمنح لهم.
الترجمة في هذه الوضعية سائرة لكي تغدو محركا فعالا للثقافة وممارسة محمودة ومحترمة ووسيطا للتفاعل الثقافي الذي يغني عن السرقات الأدبية وغيرها من أشكال الاستحواذ.

لازلنا نعتمد في الترجمة على مجهودات شخصية ولم نرق بعد إلى مؤسسات لها خطة عمل واضحة فما هي العراقيل التي تمنعنا من التقدم في عملية الترجمة؟
فعلا، لا يزال المغرب من بين البلدان الأكثر تخلفا في مجال الاهتمام بالترجمة ومأسستها. فعدا تلك الجائزة الضامرة للترجمة في إطار جائزة المغرب للكتاب (وهي جائزة لا تضيف للكتاب الفائز شيئا يذكرا ولا تفعل تداوله أو تمنحه قيمة مضافة) يبدو أن الترجمة بالمغرب لا تهم أي جهة، مع أن المغرب يحتضن أهم المترجمين العرب وأكثرهم ثقة وإبداعا وعمقا خاصة من اللغة الفرنسية وإليها.


نعاني من إشكالية تعدد المصطلحات المترجمة خاصة بين المغرب والمشرق فما السبيل لتجاوز هذه المشكل والعمل على توحيد الجهود العربية ؟
هذا مشكل من صلب عملية الترجمة. وهو يصبح إشكاليا حين يتم الانتقال من لغة إلى أخرى لا تنتميان للأسرة اللغة نفسها. ولا يمكن تجاوزه بشكل بسيط إلا بالتعريب. بيد أن التعريب تعبير عن عجز اللغة عن امتلاك المصطلح. فكلمة إيديولوجيا وأنثربولوجيا وجغرافيا وغيرها مثلا تسهل التواصل، غير أنها في الآن نفسه لا يمكن أن تعمم وإلا صار العمل الاصطلاحي لاغيا.
أعتقد أن الاختلاف في ترجمة المصطلح هو أمر صحي أيضا لأن المصطلح لا يسمى مصطلحا إلا إذا اصطلح عليه الجميع وتواضعوا عليه. وذلك أمر يخص دينامكية التداول المصطلحي وقدرة المصطلح على الإقناع شكلا ومحتوى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. دعم صريح للجيش ومساندة خفية للدعم


.. رياض منصور: تغمرنا السعادة بمظاهرات الجامعات الأمريكية.. ماذ




.. استمرار موجة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في الجامعات


.. هدنة غزة.. ما هو مقترح إسرائيل الذي أشاد به بلينكن؟




.. مراسل الجزيرة: استشهاد طفلين بقصف إسرائيلي على مخيم الشابورة