الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعب حي تكلم بلغة السلام، فماذا ستقدم الحكومة؟

ثائر كريم

2005 / 2 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في مقالي الاخير في المدى وقبل ايام معدودة من الانتخابات توقعت شيئا عن ارادة التحدي التي باتت تكتض في صلب ضمائر العراقيين. عكست شعوري عن ان الارهاب في العراق لن يدمر بلدا راح "ينهض فيه مهمشوا الامس بالملايين وبجرأة منقطعة النظير لقبول التحدي الارهابي والتوجه لصناديق الاقتراع".
كان شعوري ان الشعب الصامت (والصابر) سينهض ليقترع رغم ان الحملة الانتخابية للقوى السياسية كانت تدور او تدار بالخفاء. سيتوجه الناس لصناديق الاقتراع رغم انهم لا يعرفون الكثير عن مواقف االكيانات السياسية المتنافسة ولا برامجها. سيمضي الناس رغم ان جلهم لم ير ما يغني من الخدمات العامة.
كانت الخدمات العامة، بالعكس، تتدهور من يوم الى آخر قبل موعد الانتخابات. واستفحلت ازمة الكهرباء ونقص المياه والبطالة والمضايقات الامنية والتقييدات الاخرى الى ابعد الحدود. ووصل الضيم والعنف والقلق الاجتماعي الى مدياته القصوى. ومع هذا (او بالاحرى بفعل ذلك) سيدعم الناس العملية السياسية بالانتخابات.
ما الذي يجعل الناس، اذن، ان يخاطروا بحياتهم ويذهبون الى مراكز الاقتراع؟ ولكن، قبل كل شىء، ما الذي حدث يوم الانتخابات؟
ما حدث في يوم الانتخابات لم يكن يخطر ببالي، ابدا. لم يدر بخلدي ان العراقيين سيتوجهون لصناديق الاقتراع رغم قنابل الهاون والمورتز التي تساقطت على رؤوسهم. هنا وهناك. وسيذهبون تحت تهديد سيارت التفخيخ ومخاطر الانتحاريين ورصاص القناصة الطائش. لم تكن في مخيلتي ان النساء الحوامل والشيوخ الكبار والمقعدين سيحثون الخطى لرمي ورقة الاقتراع في صندوقها وليخرجوا من مركز التصويت رافعين اياديهم عاليا، ليرى من يريد ان يرى اصبع الابهم ملطخا باللون البني. علامة التعميد الروحي. واشارة النصر الكبير على الخوف الذي في الانفس قبل الخوف من الخارج.
ماذا كان لسان حال العراقيين يردد سوى: انتخبنا! رغما عن الارهاب والموت: انتخبنا! رغم التهديد بالقتل والبطش: انتخبنا! رغم الفقر وضنك العيش: انتخبنا! رغم الخدمات العامة المنهارة: انتخبنا!. رغم ضعف الحكومة وفساد اكثر اجهزة دولتها: انتخبنا! رغم ابتلاءنا بالفساد الحكومي المستشري حتى النخاع: انتخبنا! رغم الدم المسفوح والذي سيسفح، ايضا.
انتخبنا بسبق الاصرار!
ساهم العراقيون بكل مكوناتهم الاجتماعية في العملية الانتخابية. كلهم بلا استثناء. وان تراوحت نسب المشاركة بين منطقة وأخرى. ولولا الارهاب المضروب بكثافة على بعض المناطق مثل بعض مدن الانبار وديالى لارتفع مستوى المشاركة الانتخابية ارتفاعا ملحوظا.
كان منطق لسان حال العراقيين واضحا وواحدا: نحن ابناء هذا البلد ونحن مستقبله. نحن في الموصل والبصرة واربيل والفلوجة والكوت والهيت وزاخو. كلنا معا وكلنا هو العراق.
في جانب منه، عكس هذا الموقف التوحيدي لفعل الانتماء الوطني اجماعا وطنيا سمعه الناس، والحق يقال، من افواه معظم قادة الكيانات السياسية المشاركة في العملية الانتخابية. ورغم ندرتها، اظهرت الاجتماعات والندوات الانتخابية المنعقدة قبل يوم الانتخابات، اجماعا وطنيا منقطع النظير بين جل رؤساء الاحزاب والتنظيمات السياسية. ظهر الاسلامي السني والشيعي جنبا الى جنب مع القومي العروبي والكردي والشيوعي والاشتراكي، المديني مع ابن العشيرة، الرجل مع المراة، الزعيم الروحي مع العلماني. كلهم على قاعدة الوطن للجميع. العراق لكل مكوناته.
كلهم نطقوا بالعراق فوق الطوائف والاديان والايديولوجيات والعشائر. كلهم نطقوا بالعراق التعددي. وكلهم وعدو بالمساهمة في العراق الحر، الواحد والمتعدد. العراق الكل بكليته والكل باجزاءه الكلية بذاتها. لا جزء فوق الكل ولا كل بدون اجزاء. الكل المتكون من اجزاءه والكل المنفتح على اجزاءه. العراق هو الشكل والاطار والاجزاء هي محتواه وجوهره.
اشعر انه قد ابتدأت بيوم الانتخابات مسيرة تكوين الهوية العراقية الجديدة. هوية التعدد الحر في الاطار المشترك الواحد.
واذ تكلم العراقيون باعلى حناجرهم وعلى حد السيف بلغة الوحدة التعددية وصوت السلام ومنطق الهوية الوطنية فانهم ضربوا الكرة بعيدا في ملعب القوى السياسية السائدة والحكومة الانتقالية، خصوصا. وهذه الحقيقة ينبغي وعي معناها العميق مبكرا.
فالمطلوب الان حكومة ترتفع الى مستوى الموقف البطولي الذي وقفه العراقيون، لنفس المستوى على الاقل. حكومه تستحق هذا الاقدام الانتخابي غير المسبوق. هي مسؤولية الحكومة الجديدة. مسؤوليتها في تعزيز سياقات الهوية التعددية. مسؤوليتها ومسوؤلية كل القوى السياسية الملتفة حولها في انتاج دستور يعكس بكل حذافيره منطق الهوية العراقية الجديدة. منطق الامة العراقية. ومسؤوليتها، ايضا وفي نفس الوقت، في المحافظة على ارواح الناس وحمايتهم والدفاع عن حقوقهم. مسوؤليتها، اذن، عن ترسيخ مؤسسات دولة القانون الامنية والبوليسية. يوميا وبلا كلل واسترخاء. مسؤوليتها عن بذل الغالي والرخيص لتوفير الامن والخدمات الاساسية، الكهرباء والماء وفرص العمل. مسؤوليتها عن كل ذلك بالتوازي مع مسؤولية انتاج دستور الدولة العراقية الوطنية. دستور الدولة الاتحادية والتعددية والحرة .
ان وعي اوجه المسؤولية الوطنية الكبرى الملقاة على اعباء الحكومة الانتقالية تتتطلب، ايضا، ادراك عواقب فشلها.
العاقبة الاولى- بل الطامة الكبرى- فقدان مصداقية الناس. لايمكن توقع استمرار الدعم الشعبي الذي حصلت عليه القوى المشاركة في العملية السياسية الى ما لا نهاية. بل من الجائر تمني دعم الناس على البياض. ان ممارسة الحق الانتخابي للناس مرتبطة اولا وقبل كل شىء باختيارهم للقوى التي تريد صنع الخير للبلاد ومدى التزامها ودرجة جدية مساعيها في تنفيذ ذلك. واذا لم يتحقق هذا الخير- على الاقل بوجوهه الدنيا من دستور وطني ديمقراطي وامن وخدمات اساسية- فان جل الناس سترفع ابهامها(ولكن معكوسة للاسفل وليس للاعلى) ضدها.
العاقبة الثانية حرب اهلية مؤكدة. فلقد صبر الناس وصّبروا انفسهم على الضيم في دعم العملية السياسية وترك قضية حماية امن الناس الى مؤسسات الدولة الجديدة ودفعوا خيرة شبابهم لينخرط فيها. واصر جل مثقفي العراق وسياسييه بوعي عالي على ابعاد شبح الحرب الاهلية عن بلادنا (المبتلية اصلا بالحروب واللااستقرار). بيد ان هناك فرق بين تمني الشىء ومطبات الارهاب المآساوية التي تسعى قواه الظلامية من الاصولية الاسلامية والبعثية الصدامية ايقاع الناس الابرياء بها. البلاد محاصرة داخليا من قوى السلفية الدينية المتعصبة وبقايا نظام الشمولية الطائفية.
العاقبة الثالثة هيجان مدني عارم. بصم ملايين العراقيين على ورقة انجاح العملية الانتخابية واغلبهم لا يمتلك ما يسد رمق العيش وحياة عوائلهم. ملايين مهمشة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. ملايين تسال عن معنى هذا البؤس في بلد الخير. ملايين ستسال- لا محالة- عن معنى التغيير ان كان لا يغني ولا يسمن. ملايين تسمع وترى ان خيرات العراق تتبخر بلا معنى.
لا اعتقد ان هذه الملايين ستصمت طويلا امام هذا الفقر، فقر في الاكل والمآوى، فقر في الشوراع، في القرى، في المدارس في كل مكان. فقر واسع في بلد الغنى. ليس من الصعوبة على اي نخب طامحة للسلطة وتمتلك من الحنكة والبديهية ما يكفي ان تعبأ هذه الملايين في حركة سياسية تهز البلاد هزا لاتحمد عواقبها ابدا.
الكرة في ملعبكم ايتها السيدات وايها السادة: الحكومة الجديدة اولا وكل القوى السياسية والثقافية الملتفة حولها، ثانيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشهد مرعب يظهر ما حدث لشاحنة حاولت عبور نهر جارف في كينيا


.. شبح كورونا.. -أسترازينيكا- تعترف بآثار جانبية للقاحها | #الظ




.. تسبب الحريق في مقتله.. مسن مخمور يشعل النار في قاعة رقص في #


.. شاهد| كاميرا أمنية توثق عملية الطعن التي نفذها السائح التركي




.. الموت يهدد مرضى الفشل الكلوي بعد تدمير الاحتلال بمنى غسيل ال