الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإساءة للرسول، الإساءة للعالم

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2012 / 9 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


في تاريخ البشرية رموز كثيرة، لها احترامها لما قدمته للعالم على كل المستويات، ولكن هناك رموز لها هالة قدسية أكثر رسوخاً من بقية الرموز، وهي الرموز الدينية، وتزداد هذه الرموز قداسةً كلما ارتفعت مكانتها في سلم الديانات، إلى أن تصل إلى الرمز الأكثر قداسة في كل ديانة: رسول هذه الديانة، الذي أتى بها من الأصل، وبفضله انتشرت، وهو الذي يكون في وقت حضوره قد شرح تفاصيلها التي لم يشرحها الكتاب الذي أتى به هذا النبي من كلام الله، ولذا، فإنه يحظى بالتقديس الأعظم نتيجة صلته بالله، فهذه ميزة لا تتوفر للبشر في كل عصر، وبالتالي فإن من تحدث معه هذه المعجزة، يكون أقرب للتقديس من غيره.

لا أكتب هذا المقال لأدافع عن النبي الكريم محمد بن عبد الله، فهو ليس بحاجة إلى دفاعي الضعيف أمام مسبات تسيء إلى تاريخ الإنسانية أكثر مما تسيء إليه، هو الذي كان متسامحاً مع أعدائه أكثر مما كانوا متسامحين مع أنفسهم، ولكني أكتب لأذهب في اتجاه الأخلاق الإنسانية، تلك التي ترفض النيل من الرموز التي يتبعها عدد كبير من الناس، لما تمثله هذه الرموز على المستوى الإنساني والحضاري.

في رواية شيفرة ديفنشي، يكتشف بطل الرواية في نهايتها أن المسيح كان له إبنه من مريم المجدلية، ويكتشف الدليل القاطع على ذلك، ويعرف المكان الذي يوجد فيه هذا الدليل، لكنه بشكل عبقري وإنساني معاً يقرر ألا يكشف هذا السر قائلاً: لماذا أفسد إيمان الملايين الذين يشعرون بالراحة لمثل هذه الفكرة، وفعلاً تنتهي الرواية دون أن يكشف ما اكتشفه.

وفي معرض الحديث عن الفيلم المسيء للنبي محمد، وهي ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا، فمن قبل صنعت أفلام عديدة تسيء إلى الإسلام، وكُتبت روايات وتم إنتاج رسومات كثيرة تتهجم على روح الدين الإسلامي، وهذا الفيلم يعد امتداداً لتلك الظاهرة، فلماذا نشأت هذه الظاهرة من الأساس؟ ولماذا يحاولون تشويه أحد الديانات الرئيسية الثلاث في العالم؟ ولماذا من الأصل تتم التعبئة الدينية في كل دين ضد الديانة الأخرى؟ فهل فعلا الحقد المتولد في الديانات على الديانات الأخرى له ما يبرره؟ وهل يكفي مثلاً أن نقول إن المسيحية متسامحة كي يسلك المسيحيون سلوكاً متسامحاً؟ وهل يكفي أن نقول إن الإسلام يحترم الديانات الأخرى ليقوم المسلمون باحترام الديانات الأخرى؟

الفيلم الأخير الذي تعرض للنبي محمد، لم يكن فيلماً مبنياً على وجهة نظر، بل كان فيلماً حاقداً بشكل واضح، يسخر من النبي المسلم ومن طريقته في أداء الرسالة، ومن تعدد زوجاته، بل إن الرسالة هي اختلاق من الأساس كما يشير الفيلم، وكذلك يوصي أتباعه بأخذ كل ما هو ليس مسلم وبيع الأولاد والنساء اللواتي يزدن عن حاجتهم في الأسواق، فهل هذا فعل إسلامي حقاً؟

أريد العودة قليلاً إلى العهد القديم، التوراة، وماذا يقول رب الجنود في سفر صموئيل: "هكذا يقولُ ربُّ الجنودِ: إني قد افتقدتُ ما عمِلَ عماليقُ بإسرائيلَ حينَ وقفَ له في الطريقِ عند صعودِهِ مِنْ مصرَ، فالآنَ اذهبْ واضرِبْ عماليقَ وحرِّمُوا كلَّ ما له ولا تعفُ عنهمْ بل اقتلْ رجُلاً وامرأةً وطفلاً ورضيعاً بَقَرَاً وغنماً جملاً وحماراً" التوراة، سفر صموئيل الأول الإصحاح الخامس عشر، ماذا يمكن أن نسمي هذا؟ بالطبع لا أريد أن أشرح ما هو واضح من الإصحاح السابق، وهل يقارن هذا بأقسى آية تدعو إلى القتال في القرآن الكريم؟. وبالمقابل، أين يقع هذا من تحذير النبي لصحابته وهم ذاهبون إلى الحرب: لا تقتلوا طفلاً ولا امرأة، ولا تروّعوا آمناً، ولا تقطعوا شجرة...

وهل يقارن زواج النبي محمد بما فعله داوود بنسائه ومحظياته اللواتي اختلف فيهن العدّ لكن أقلّ عدد ذكر عنهن كان سبعمئة، وليس ثلاثة عشر كما قيل عن النبي، وهذا مذكور في التوارة نفسها، نعم إنها التوراة التاريخية التي وضعها أحبار اليهود بعد وفاة موسى بثمانية قرون حسب اعتراف مؤرخيهم الجدد، ولكن هذا أدعى لأن يكون هذا التاريخ مصفى من الأخطاء التي ارتكبها أنبياء بني إسرائيل، لكن يبدو أن هذا يشكل فخراً لهم وإلا لما كانوا أوردوه في توراةٍ وضعت بعد وفاةِ نبيهم.

شيء آخر مهم، على الغرب نفسه الالتفات إليه، لماذا يعترف الإسلام بجميع الديانات، وبحق أصحابها في ممارسة شعائرهم، وذلك في أساس الدين الإسلامي، ولا يحدثني أحد عن سلوكيات هنا وهناك، فيما لا تعترف الديانات الأخرى بحق الإسلام في الوجود؟ لماذا عليّ أن أؤمن بديانات قتلت أنبياءها جميعاً تقريباً حسبما يقول أتباعها عن أنفسهم، فيما لا يؤمنون هم بحقي في الوجود من الأساس؟

في كتاب عالم النفس النمساوي كارل غوستاف يونغ "الأصول الوثنية في الديانة المسيحية" يوضح يونغ كم الممارسات التي دخلت إلى الديانة المسيحية من خارجها، بما فيها خشبة الصليب التي يصلي لها المسيحيون وقد صلب نبيهم افتراضياً عليها، ويوضح كذلك كيف دخلت شجرة عيد الميلاد إلى صلب طقوس الديانة المسيحية، في الوقت الذي يدّعي متشددو هذه الديانة أن هذا كله حدث مع المسيح نفسه، فمن يصدق نفسه في هذا، كيف يمكن له أن يصدق الآخرين؟


لكن العرب والمسلمين أنفسهم عليهم الانتباه إلى أن فكرة الإساءة إلى النبي والإسلام لا تحتاج إلى فيلم واضح كهذا، ففي معظم أفلام هوليود تقدم صورة نمطية عن العربي والمسلم فيما لا نرد نحن بأي طريقة غير السباب والشتائم، بل ولم يعجبنا حين قدم المخرج الأمريكي سبيلبرغ فيلم مملكة السماء، وقدم صلاح الدين الأيوبي بتلك الصورة التاريخية الرائعة، فقلنا: صلاح الدين كان أفضل من ذلك، ولم يعجبنا كذلك الفيلم الذي قدمه دينزل واشنطن عن حياة مالكوم إكس الذي نشر الإسلام في أمريكا فترة الستينيات، وبالمقابل لم ننتج فيلماً يحظى باحترام العالم، وفيلم الرسالة ومسلسل عمر بن الخطاب، وإن كانا يشكلان عملين مهمين، إلا أن التاريخ الطويل والمال المتدفق في العالم العربي والإسلامي يسمح في تصوري بعمل الكثير والكثير ليتم خدمة الفكرة الإسلامية بدلاً من السماح لأفلامهم فقط بغزو العقل الأوروبي والأمريكي، فمن يتبنى نظرةً واحدة، لا يمكن لومه حين لا يشاهد النصف الآخر من وجهة النظر كي يقارن ويقرر.

وأعود إلى الفيلم، وعلاقته بالديمقراطية وحرية الرأي، هذه الثيمة التي تشهرها المنظومات الغربية في وجوهنا كلما صدر عمل يسيء إلينا كعرب، فإذا كانت الديمقراطية تعني أن نسيء إلى كل من لا نحبهم، أو حتى إلى أعدائنا، فدعوني أتساءل: أليس من الديمقراطية الحديث عن الهولوكوست؟ أليس من الديمقراطية الحديث عن علاقة اليهود بقتل المسيح؟ أليس من الديمقراطية الحديث عن مقتل راشيل كوري؟ أليس من الديمقراطية الحديث عن الأسلحة النووية في إسرائيل وأمريكا؟ أليست ديمقراطيةً أن نفتح ملف العصور الوسطى والحروب الصليبية؟ أليس من الديمقراطية مراجعة السلوك اليهودي في أوروبا خلال القرون الثلاثة الأخيرة قبل نقل مشكلتهم إلى فلسطين؟ أليس من الديمقراطية مناقشة علاقة الصهيونية باليهودية؟ أليس من الديمقراطية مناقشة تفاصيل الحادي عشر من سبتمبر؟ أم هي ديمقراطية القوي وعدم قدرة الضعيف على الدفاع عن نفسه؟

يمكن للسلطات في أمريكا والغرب أن تسمح تحت بند الديمقراطية باستمرار مثل هذه الأعمال التي تسيء إلى مشاعر المسلمين ورموزهم، ولكن ليس عليها أن تسأل بعد ذلك عن سبب الكراهية التي تتعمق تجاهها من قبل العرب والمسلمين، فسؤال مثل هذا سيكون ساذجاً ويشبه سؤال: ما الذي أغضبك حين اغتصبتُ أمك؟

الرابع عشر من أيلول 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلمة باطل يراد بها باطل 1
جبين عاري بلا أسماء ( 2012 / 9 / 15 - 00:43 )
مقال مليء بالمغالطات والأكاذيب والتدليس.. على سبيل المثال فقط تقول ان محمد نهى عن قتل الأطفال (من لم تنبت له شعر عانة) والنساء في حين كان يقاسمهم مع عصابته كسبايا وجواري وعبيد.. بل أجاز لهم مفاخذتهن حتى حيضة الاستبراء

تقول كذلك (لماذا يعترف الإسلام بجميع الديانات، وبحق أصحابها في ممارسة شعائرهم،) .. هذا غير صحيح اطلاقا فالاسلام يكفر جميع أتباع الديانات الأخرى ويتوعدهم بالعذاب والجحيم ويحرض على قتالهم وكراهيتهم والدعاء عليهم.. أما ممارسة الشعائر فهذا أيضا دجل وبهتان فجزيرة العرب ومشعوذيها يمنعون أصحاب الديانات الأخرى من ممارسة شعائرهم

يتبع


2 - كلمة باطل يراد بها باطل 2
جبين عاري بلا أسماء ( 2012 / 9 / 15 - 00:46 )
الاشكالية ليست هنا .. موقفك هذا متوقع.. فمن يعيش في ظلمة الوعي لن يرى الحقيقة أبدا.. الاشكالية الحقيقية هي في ردة الفعل العنيفة والبربرية والهمجية لدهماء وقطعان المسلمين كلما توجه أحدهم بنقد ساخر إلى محمد.. تبريرات الكتاب المسلمين لهذه السلوكيات والتصرفات الدنيئة هي أقبح من الفعل نفسه.. المصوغات التي تقدمونها بكل تخندقاتها واحتراباتها وتحيزاتها تجسد أزمة الفكر المشوه  لديكم

ولنفترض جدلا وهبلا وعبطا ان هناك ثمة خالق لهذا الكون وأن محمد مرسل من عنده للعالمين.. وقام أحدهم بالسخرية منه.. هل يبرر ذلك كل هذا العنف والتشنج والعدائية التي قام بها المسلمون 


3 - مشكلة شخصية
خالد جمعة ( 2012 / 9 / 15 - 00:50 )
يبدو أنك لا تفرق بين ممارسات الأفراد وموقف الدين منه، هذا أولاً، وثانيا، المشكلة الأساسية ليست في مقولات مجتزأة تستعملها لإثبات وجهة نظرك، فإذا كنت ترى بأن عرض الفيلم هو شكل ديمقراطي من أشكال التعبير، فهذا شأنك، فالفيلم مسيء لكل القيم، وهو يعبث بمشاعر ملياري مسلم حين تتم الإساءة إلى رسولهم، فلا يحلم الفيلم أي قيم فكرية، وسؤالي الأخير لماذا لم ترد على ما جاء في التوراة والذي أوردته بالنص؟


4 - على راحتك
خالد جمعة ( 2012 / 9 / 15 - 00:59 )
إذا كنت تعتبر أن أسلوبك هذا في النقاش هو أسلوب تقدمي وعلمي بهذه الألفاظ الجميلة التي تستخدمها، فأنا كمتخلف، وكمتخندق في معسكر المتعفنين لا أرغب بالرد عليك، وبالمناسبة حتى لو كنت لا تؤمن بوجود خالق، وهذا حقك، فإن سلوكك الإنساني موضع تساؤل بغض النظر عن ايمانك من عدمه، فأنا أعرف الكثير ممن لا يؤمنون بالله لكنهم أكثر إنسانية


5 - وجهان لعملة واحدة
جبين عاري بلا أسماء ( 2012 / 9 / 15 - 02:20 )
وانا كذلك لا أرغب في خوض أي نقاش معك يا عزيزي لأنه حتما سيتحول إلى جدال فارغ لعدة اعتبارات أهمها إن الوعي عندما يختمر باليقين يعتل وتغدو قدرته على التعاطي مع الشواهد والحجج المنطقية قاصرة إن لم تكن مشوهة

عرجت مرة أخرى على مقالك فقط لكي أعلق على سؤالك لي لماذا لم أرد على ما جاء في التوراة وذكرته بالنص

يا سيدي.. الاسلام ليس سوى نسخة صحراوية من اليهودية المدراشية.. كلاهما سيان بالنسبة لي

يهوه والله ليسا سوى وجهان لعملة واحدة

تحياتي 

اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في