الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص قصيرة جدا

ياسين لمقدم

2012 / 9 / 15
الادب والفن


ريش الحمام*
يرابض على الجهة الغربية الجنوبية للمدينة، يحرصها منذ الأزل، يقف هناك بشموخ واعتزاز، يشهد على كل تواريخها، ويعرف كل الرجال الذين صنعوا الأحداث بها. هائل ومتسامق، ويتلوى في خنوع عند قدمه الوادي. أعطى من ظهره عشبا كثيرا للرعاة حين جادت عليه السماء من أنوائها. وبنيت البيوت من حجارته، وكان ملاذا لطالبي الوحدة، أو للعاشقين . ومن عليائه يتلصص الفضوليون على النسوة اللواتي كن ينظفن الملابس بجانب الوادي الذي كان غزير الماء والسمك. يرحل الجميع ويأبى أن يرحل.


السويرتي*
لهم بناية خشبية تقف على دعائم فولاذية قوية، تنفتح أبوابها إلى الأعلى فتظهر رفوف متسقة وضعت عليها أواني مطبخية مختلفة وصحون زجاجية وساعات حائطية، وتتسوطها عجلة دوارة تأشر على مجموعة من الأرقام المحظوظة في كل جولة قمار. وتتقدم البناية الخشبية منصة عريضة يتحرك عليها بهمة منشط يخاطب الجمهور عبر مكبرات للصوت ومنها يسلم الهدايا للفائزين أو مقابها المادي. وبين الجولات يرقص عليها رجل نحيف يلبس ثياب الشيخات. وكان بين اللاعبين بدوي يضع على رأسه طربوشا ذي كرة صوفية متهدلة في أعلاه، وفي غفلة منه قام شاب بإيقاد النار فيها فإستصرخ الناس البدوي حتى لا يتأذى فأزاح عنه الطاقية المشتعلة ثم توجه مزمجرا إلى الضاحكين منه ليطرحهم جميعا أرضا دونما هوادة، فتضيع أمسية القمار بين الفوضى.


السيكليس*
يجلس القرفصاء خلال عمله دون أن تتعب ركبتاه، وفي شفتيه سيجارة سوداء يدير بين يديه عجلات الدراجات يتحسس مكان ثقوبها وقد يستعين إلى ذلك بدلو من الماء يدخل فيه العجلة المثقوبة فتشي الفقاعات الهوائية عن مكان التسرب. وكانت له مجموعة من الدراجات الهوائية المتهالكة ويؤجرها للزبائن من الفتيان والشباب ليتلهوا بها، وأخرى جيدة يخصصها للزبناء المحترمين ليقطعوا بها مسافات طويلة إلى البوادي أو لزيارة المقابر البعيدة. ولكن تعبدت الطرقات فلم تعد تنعطب العجلات، و كثرت وسائل النقل فنقص عمله وقل دخله، فصار يبحث عن مصادر أخرى للرزق حتى ولو كانت متعبة و ولا تناسب كبر سنه.


الكسال *
منذ أكثر من ثلاثين سنة وهو يزاول هذه الحرفة المضنية داخل نفس الحمام العمومي، مرت بين يديه أجساد رجال مختلفة كد في تنظيفها وإزالة الأوساخ عنها، أجساد ثخينة وأخرى هزيلة، أجساد معتلة وأخرى قوية. يقضي مع الزبون الكريم أكثر من ساعة في لهيب الحمام وتعرقات الأجساد ولا يفارقه حتى يغادر إلى قاعة الملابس. وقد يكتفي مع البعض بتنظيف الظهر فقط بمقابل زهيد أو بدونه. الآن وقد ضعف بصره بسبب البخار الساخن وتخشبت مفاصيله لتعرضه المتكرر لنوبات البرد لم يعد يقوى على عمله الأول فصار مسؤولا عن إيقاد النار في مرجل التسخين.
.
.----------------------------------------
*ريش الحمام : جبل
*السيكليس : العجلاتي
*السويرتي : قافلة قمار مرتحلة
*الشيخات : الراقصات
*الكسال : منظف الأجساد بالحمامات الشعبية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل