الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انترنت

نبيل جديد

2012 / 9 / 15
الادب والفن


أفسدتني زوجتي سريعا ،فتعلمت الاسترخاء ،والإنصات ، وصرت أحد الصيصان التي تستظل بجناحيها المتهدلين حتى الأرض : فبعد أن كنت مشاكسا شرسا لا يهدأ عن الانتقاد السياسي و الاقتصادي و الجنسي ؛ قامت بوضع الخطوط الحمراء أمامي مع مجيء كل ولد ، ثم أكدت أن الحياة مليئة بالمتع الصغيرة ، التي تبدأ من ابتسامة رضا منها ، ولا تنتهي عند ضحكة مصوتة من أحد أطفالنا ، وبرهنت أن الاعتقال لأي سبب ليس بطولة ، لا سيما في مجتمع يمكنه زجّك السجن لسبب تافه ، أو حتى ... دون سبب ، وصرخت : أي نموذج تناضل من أجله يا رجل ؟!.. ففي أكثر المجتمعات ديمقراطية في العالم يمكن لشرطي أن يدس عشرة غرامات مخدرات ضمن أمتعة أي بريء ، وبعدها يقرأ عليه حقوقه المدنية ، ثم يكبله بالأصفاد .
و قبل أن تشق الفأس الرأس ، وجدتني محاطا بدائرة حمراء ، تتضمن تشكيلة أحاديث : مطبخ الجيران ، غسيلهم ، نفاياتهم ، علامات الأولاد المدرسية ، وألبستهم وجمالهم ... ولما كنت لا أجيد النميمة ، و لا أفهم بالأناقة ، ومعنى الذوق عندي يختلف عن مذاق الطعام ، لذت بالصمت ، مع بعض الثورات التي كانت تنتابني حينا بعد حين ، لكنها ما لبثت أن تباعدت ووهنت ، فسجنت في أعماقي : المتهور ... ونتيجة لبلوغي الخمسين ، ويقيني أن العد التنازلي لحياتي قد بدأ ، رحت أتقيد بالنظام الشكلي بدقة : فالقمامة لها موعد ، و تجاوز الشارات الضوئية ، والدور على الفرن و أمام كوى المؤسسات الرسمية ، واحترام اللباس الكاكي بأنواعه ، والارتياب بالزي المدني ... إضافة لأشياء أخرى متعددة يأتي في نهايتها : غض البصر وان كنت أرسل _ من تحت لتحت _ نظرات فاحصة تبدو كأنها البحث عن مسلك لخطواتي ، عند ممارستي للمشي : الحل الذي اخترعه الأطباء لمن هم في سني كوسيلة للابتعاد عن الثرثرة و التدخين . و لم يكن مسيري تسكعا ، بل اختراقا للشوارع والأرصفة ووجوه الناس الغريبة الملامح ، كأنني على موعد ، أو أقصد هدفا محددا ، حتى اللحظة التي فاجأتني " المرأة التفاحة " ، عندها ، لم أستطع كبح خطواتي عن التباطؤ و أخذ مظهر التسكع لثوان قليلة أمام إحدى الواجهات ، ثم الانعطاف المفاجئ ، و ملاحقة التفاحة دون وقار ، وكأن اللقطة الخاطفة للوجه _ مع استكمال الصورة من الخلف _ كانت كافية لتحديد عمرها تماما ، بل ويوم مولدها ، ولحظة زواجها ، ووقت طلاقها ، وسبب حرمانها من الأطفال ، و هوسها بالأناقة ، و إفراطها بالنظافة ، وعملها ، أحمر الشفاه ، وصباغ الأظافر ، نوعية العطر ، وملمس الأصابع اللدنة اللطيفة .
وهكذا سايرت مشيها ، و أنا أضيف بعض التفاصيل كل خطوة ، و المسافة الفاصلة بيننا تتقلص _ ماديا وروحيا _ فأعرفها أكثر ، و تشعر بأنفاسي ، لكن كبرياءها تمنعها من الارتباك أو الالتفات أو تغيير الاتجاه ، مما ضاعف جرأتي ، فلامستها ، وبرفق شديد لملمت شعرها بكفيّ ، وضممت خدّيها ، دغدغت شفتيها ، وباتت عيناها في عيني ، فطفقت أرفع سترتها ... ورحنا ...
... في لحظة ما , شعرت بكف حديدية تطبق على معصمي ، وتلفني بقوة ، فيصبح "الشخص " مع ذراعي خلف ظهري ، وبيده الأخرى أمام عيني شاشة صغيرة ، تعرض غرفة تغطي جدرانها زهرة كالستائر ، وحمامة كالسرير يحتويني مع تفاحة كالسيدة ، في وضع أصبح محرجا لأن " الشخص " يشاركني رؤيته ، وخرج فحيحه من خلف أذني : أهذا ما تحلم به ؟ .. امش دون مقاومة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر