الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رئيس الاركان الاسرائيلي ينعى السياسة

اسماء اغبارية زحالقة

2002 / 10 / 2
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


كيف تحول رئيس هيئة الاركان الى المتحدث السياسي الرئيسي في اسرائيل؟ الواقع ان تصريحات يعالون تعبر عن طبيعة المرحلة الحالية التي فقدت فيها السبل السياسية والدبلوماسية دورها واستبدلتها السبل العسكرية والعنيفة على الصعيد العالمي والمحلي.
 

اسماء اغبارية

 

هكذا كتب اليكس فيشمان، المعلق السياسي في صحيفة "يديعوت احرونوت" (9 تموز)، لدى تسلم موشيه يعالون رئاسة هيئة اركان الجيش الاسرائيلي: "انه الرجل الذي يدير اخطر واكثر المشاريع تكلفة في اسرائيل، وهو الذي عليه ان يقدم التقارير في حالات فشل العمليات العسكرية. لذلك عليه ان يتدخل في بلورة السياسة وليس ان ينتظر تلقي التعليمات. ولذلك ايضا عليه ان يعبر عن آرائه علناً وبصوت عال، حتى لو لم يحظ رأيه باعجاب هذا السياسي او ذاك، وحتى لو وُجّهت له الانتقادات. تدخله هذا ليس حق، انه واجب". بعد اقل من شهرين يبدو ان يعالون نفّذ حرفيا هذا التقدير.

في اجتماع للحاخامين، وفي مقابلة اجراها الصحافي آري شابيط لملحق صحيفة "هآرتس" (30 آب)، اعطى رئيس هيئة الاركان تصوره لماهية الصراع العربي الاسرائيلي. في نظره الخطر الفلسطيني اصبح مصدر خطر وجودي و"سرطاني" على اسرائيل، واهم حرب في تاريخ الدولة اليهودية بعد حرب ال1948، ولحسم المواجهة لا بد من إفهام كل فلسطيني ان الارهاب لن يقود لتحقيق انجازات سياسية. وحتى ذلك الحين لا يجب على اسرائيل الانسحاب من اي شبر في المناطق الفلسطينية كيلا يفسر هذا كاستسلام وضعف امام سلاح الارهاب.

اثارت هذه التصريحات جدلا واسعا في اسرائيل اولا بسبب مضمونها ومعانيها الاستراتيجية بالنسبة لسبل مواجهة الصراع التاريخي، وثانيا لمجرد التصريح بها الذي اعتبر تجاوزا للصلاحيات وتدخلا من رجل عسكري في صنع السياسة، مما اعتبر تهديدا لاسس الديمقراطية.

 

انتهاء عهد السياسة

كيف تحول رئيس هيئة الاركان الى المتحدث السياسي الرئيسي في اسرائيل؟ الواقع ان تصريحات يعالون لا تعبر عن رغبة شخصية للتدخل في السياسة، بل عن طبيعة المرحلة الحالية التي فقدت فيها السبل السياسية والدبلوماسية دورها واستبدلتها السبل العسكرية والعنيفة على الصعيد العالمي وتحديدا التوعد الامريكي للعراق بالهجوم عليه واسقاط نظامه، الامر الذي يترك بلا شك تأثيره على السياسة المحلية.

عملية "السور الواقي" ثم "الطريق الحازم" تعني انتهاء عهد الشركاء، وبداية عهد يأتي فيه الطرف الاضعف مهزوما تماما. وكان هدف العملية الاولى القضاء على السلطة وهدف الثانية القضاء على المقاومة الاسلامية، وفي هذا الوضع لا حاجة لاستراتيجية سياسية.

رغم كون يعالون مسؤولا عن جيش قوي ومتطور فهو لا يواجه جيشا بل شعبا، ومن هنا يفقد الاسلوب العسكري فاعليته في حسم المعركة، وتحل محله السياسة القمعية لقهر الارادة السياسية للشعب المقاوم. الوسيلة لتركيع الشعب الفلسطيني حسب يعالون هي من خلال تغيير عقلية ونفسية الفلسطينيين حتى يدركوا ان الارهاب لن يجلب اي نتيجة.

مقولة "اعطوا الجيش ان ينتصر" – لم تعد شعار اليمين المتطرف في اسرائيل بل اصبحت البرنامج الرئيسي الذي يحدد السياسة ويطالب باخضاع الحكومة وكامل مؤسسات الدولة لتنفيذه. وبما ان اسرائيل امام خطر وجودي، فان اي تنازل او انسحاب من مستوطنة "في ظل الارهاب والعنف يقوّي الارهاب والعنف، ويهددنا بالخطر"، واي نقد في صحيفة سيفسر فورا كخيانة سيدفع الاسرائيليين ثمنها وستخدم بالضرورة الاعداء.

الثقة التي يتكلم بها يعالون مستمدة من الحكومة الاسرائيلية نفسها ورئيسها اريئل شارون الذي صرح في عدة مناسبات بتأييده لتصريحات يعالون. ان تدخل رئيس هيئة الاركان في السياسة يعبر في الواقع عن الفراغ السياسي الذي خلقه انهيار نظام اوسلو، وفقدان اليسار الاسرائيلي اية رؤية للتعايش مع الفلسطينيين، وانقضاء عهد السلطة الفلسطينية كشريك سياسي لاسرائيل.

المشكلة انه حتى لو افهمت اسرائيل كل فلسطيني ان الارهاب لن يجدي، مهمة بحد ذاتها مستحيلة، فماذا سيكون من بعد؟ لا احد يقدم الجواب. والواقع انه ليس هناك جواب.

 

جذر المشكلة: العرب لا يقبلوننا

جذر المشكلة في رأي رئيس الاركان: "ليس الاحتلال بل عدم اعتراف العرب بحق دولة اسرائيل في الوجود كدولة يهودية". بالنسبة له القيادة الفلسطينية كلها ترفض الوجود الاسرائيلي ورئيس السلطة، ياسر عرفات، نفسه لا يزال متمسكا بنظرية القضاء على اسرائيل على مراحل: "ايلول 1993 (اوسلو) كان بالنسبة للقيادة الفلسطينية حصان طروادة من خلاله دخلوا الاراضي الفلسطينية ليحاربونا من الداخل، وايلول 2000 (تاريخ اندلاع الانتفاضة) كان موعد الخروج من بطن الحصان".

لا شك ان هذا التصريح ينسجم تماما مع توجه الحكومة الاسرائيلية والادارة الامريكية التي قررت عدم التعامل مع القيادة الفلسطينية الحالية وتهميش عرفات بعد ان فشل في حماية مصالحهما.

ولكن تجدر الاشارة الى ان الادعاء ان العرب لا يقبلون باسرائيل ليس جديدا، بل يرافق صانعي السياسة الاسرائيليين منذ بدء الصراع. اتفاق اوسلو لم يكن انحرافا او تغييرا لهذا النهج، بالعكس. فقد كان هذا الاتفاق محاولة لاحتواء العرب، وكان احتفاظ اسرائيل لنفسها بالسيادة العليا وابقاء العرب منحطين على كل الاصعدة، نابعا من خوفها الدائم بانها اذا اعطتهم ان يحكموا فسيطردوها من الشرق الاوسط.

ولا بد من القول ان المخاوف الاسرائيلية مؤسسة على حقيقة ان الصهيونية هي في جوهرها ومجرد تعريفها ايديولوجية تفوقية قائمة على الاستيطان وقمع شعب آخر، ولها طموحات في التفوق الاقليمي ايضا. وفي هذه الحالة لن يتم لاسرائيل فرض هذا التصور الا بالقوة لان اي شعب آخر بطبيعة الحال لن يقبل ان يكون منحطا باختياره.

الفشل في تمرير اتفاق اوسلو، والفراغ الكبير في مجال الحلول السياسية وعدم وجود شريك في الطرف الفلسطيني مستعد وقادر على التعاون معها في تمرير سياستها، اعاد اسرائيل من جديد وبغير ارادتها اطلاقا الى احتلال المناطق الفلسطينية، لتجد نفسها امام قنبلة اجتماعية من ستة ملايين فلسطيني عليها ان تتحمل مسؤوليتهم، هذا هو مصدر الخطر الوجودي على اسرائيل، وهذا ما يفسر عسكرة النظام في اسرائيل في ظل غياب الحلول السياسية. 

 الصبار آب 2002 عدد 155

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تزايد اهتمام المغرب وإسبانيا بتنفيذ مشروع الربط القاري بينهم


.. انقسام داخل إسرائيل بشأن العملية العسكرية البرية في رفح




.. الجيش الإسرائيلي يصدر مزيدا من أوامر التهجير لسكان رفح


.. تصاعد وتيرة الغارات الإسرائيلية على وسط قطاع غزة




.. مشاهد لعاصفة شمسية -شديدة- ضربت الأرض لأول مرة منذ 21 عاماً