الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورات الشعوب العربية وعلمانية أردوغان

منعم زيدان صويص

2012 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


عندما اشتعلت الثورات الشعبية العربية الحديثة سرت موجة تفاؤل بين المفكرين والمثقفين العرب ذوي التفكير الحروالغيرة والقلق على شعوبهم بأن هذه الأنتفاضات ستقود إلى شكل من أشكال العلمانية وفصل تدريجى بين الدين والسياسة، لإيمانهم بأن هذا الفصل سيوحد الشعوب العربية على إختلاف مذاهبها ودياناتها وطوائفها ويثقفها وينورها، فالجميع سيكونون مخلصين لأوطانهم وسيعملون على تحقيق مصالحهم وقضاياهم المشتركة، ولن يُسمح للسياسة أن تشوه المبادىء الدينية وتخضعها للأساليب السياسية الملتويه وأخلاقيات السياسيين. لكن الخوف بدأ يتسرب إلى قلوب الكثيرين الذين شعروا أن الشباب المستنيرين الذين أشعلوا تلك الثورات، وخاصة في مصر وسوريا، وحتى في تونس، أجبروا على التراجع إلى الخلف تاركين الساحة للمنغلقين. لم يكن هؤلاء المنغلقون في بداية هذه الثورات يصرحون برغبتهم في السيطرة على الأوضاع، لا في تونس ولا في مصر. كلنا نذكر تصريحات راشد الغنوشي عندما وصل من المنفى وأنكر أن الإسلاميين يريدون دولة دينية بل قال أنهم يؤيدون دولة ديمقراطية، وتبعه الإخوان في مصر الذين أخفوا في البداية مخططاتم ونيتهم للإستئثار بالسلطة إلى أن زار الشيخ يوسف القرضاوي القاهره وأعلن تأييده للإنتفاضة وسيطرة الإسلام السياسي عل مصر. ويكاد الناس ينسون الآن أن الشباب المنفتحين هم الذين أشعلو الثورة وقدموا لشباب العالم نموذجا رائعا في التوق للحرية والتجديد والوقوف في وجه الدكتاتوريين والظلاميين. وها نحن الآن نرى الإسلام السياسي يفتك في الشعوب العربيه في سوريا والعراق، ونتوقع، والحالة هذه، أن تعم الفوضى والإرهاب كل بلدان الربيع العربي إلى ما شاء الله.

وكان أكبر دليل على عودة الجهل والتعصب هو ردود فعل الإسلام السياسي على تصريحات الزعيم التركي رجب طيب اردغان قبل سنة من الآن الذي دعا فيها المصريين والشعوب العربية الأخرى الى تبني أنظمة سياسية علمانية. وجن جنون هؤلاء الذين طالما ابدوا اعجابهم بالزعيم التركي لأنه يقود حزبا اسلاميا حاكما ويقف ضد أسرائيل وقادتها، ورحبوا به بقوه وحماس في بداية جولته بالمنطقة لينقلبوا رأسا على عقب بعد يوم او يومين ويصدروا التصريحات الغاضبة ضدة ويتهموه بالتدخل في شؤون الشعب المصري، وحذروا "من سعي بلاده للهيمنة على منطقة الشرق الاوسط" وهم الذين طالما دعوا إلي إحياء الخلافه ممثلة في تركيا، فهم يريدون خلافة جاهله، لا خلافة متفتحة.

إذا لم تتحقق مطالب مثل مطالب اردغان فما الفائدة من كل هذه الثورات والمذابح وانهار الدماء؟ لقد صرح اردغان في مناسبات عديدة سابقة ان تركيا دولة علمانيه، ويظهرأن الإسلاميين ظنوا أنه يمزح ولم يأخذوا كلامه على محمل الجد. غير أن تصريحاته في مقابلة مع قناة مصرية في أيلول 2011 كانت واضحة تماما لا لبس فيها. قال أردوغان: "أقول للشعب المصري ألا يكون قلقا من العلمانية، وأظن أنه سيفهما بشكل مختلف بعد تصريحي هذا." وقال أن الدولة العلمانية لا تعنى دولة اللادين، داعيا الى دولة مدنية تقوم على احترام جميع الأديان، وقال أن العلمانية الحديثة لا تتعارض مع الدين بل يجب عليها أن تتعايش معه. وقال أيضا: "أنا لست علمانيا بل مسلما ولكنني رئيس وزراء لدولة علمانية، مشددا على أنه لا تعارض بين الإسلام والعلمانية بمفهومها الحديث." وقال: "ان العلمانية معناها وقوف الدولة على مسافة متساوية من جميع الأديان، أما الأشخاص فليس من الضروري ان يكونوا علمانيين. يستطيعون أن يكونوا متدينين أو ضد الدين أو من أديان أخرى، فهذا شيء طبيعي."

وقال: "أنا أؤمن بأن المصريين سوف يقيًمون هذا الموضوع بكل جدية في هذه الفترة الانتقالية وما بعدها خصوصا ما يتعلق بالديمقراطية ومسيرتها، وسوف يكتشفون أن الدولة العلمانية لا تنشر اللادين ولكنها تحترم كل الأديان." وقال ايضا: " فحتى الذي لا يؤمن بالدين يجب على الدولة أن تحترمه. وإذا تم وضع تلك الضمانات فهذه هي الدولة العلمانية." وقال: "رجب طيب أردوغان ليس علمانيا وإنما مسلم ولكنه رئيس وزراء دولة علمانية ويفعل ما توجبه هذه الدولة." إذا لم يكن هذا الكلام معناه فصل الدين عن الدولة فماذا عساه ان يكون؟ إن كثيرا من وسائل الإعلام العربيه نقلت كلام اردغان ولكن قليلين جدا علقوا عليه أوحللوه تحليلا حرا وإيجابيا وغير منحاز او متعصب.

قبل حوالي مئة عام فرض مصطفى كمال اتاتورك العلمانية بالقوة على شعبه ، فقد الغى الخلافة بعد الحرب العالمية الأولى ، مخيبا آمال الكثيرين من المسلمين ، خاصة في شبه القارة الهنديه، والذين كانوا ينظرون للخلافة كرمز لوحدة المسلمين، ولتركيا كزعيمة لهم، مع أن الاتراك العثمانيين لم يضيفوا اي شيء ثقافي أو متمدن للحضارة الإسلامية خلال القرون العديدة من خلافتهم وانما ساعدوا في انتشارالجهل وسببوا كراهية الأوروبيين للمسلمين. ونتيجة لإلغاء الخلافة عام 1924 اتهم كثير من العرب والمسلمين أتاتورك بالكفر والخيانة للإسلام، وبعضهم قال انه يهودي وانه جزء من مؤامره حاكها "يهود الدولما" في تركيا لتدمير المسلمين بإبعادهم عن دينهم. وليتصور القارىء كيف أيد حزب المؤتمر الهندي وزعيمه الماهاتما غاندي مطالب المسلمين في الهند بإستمرار الخلافة ليربحهم الى جانبه في النضال ضد حكام الهند من المستعمرين الأنجليز. لقد تسلم العثمانيون الخلافه مئات السنين فلم يفيدوا العالم الإسلامي في شي.

ولكن مقاربة اردغان للموضوع ارقى وانضج من مقاربة اتاتورك، فالدين جزء من ثقافة المجتمع ويؤثر على ضمائر الناس ولا يستطيع السياسيون ان يتجاهلوه لان هذا يفقدهم تأييد كثير من العامة. لقد ألغى أتاتورك مثلا، من ضمن ما ألغى، لبس الطربوش الذي يتميز به الأتراك، وهذا الأجراء لم يكن حكيما او ضروريا، فالطربوش جزء من ثقافتم، وتبنّى الأحرف اللاتينية لكتابة اللغة التركية، وكان هذا بشكل أو بآخر إحتقارا للأمة العربية. ولكن تصريحات اردغان تناسب العصر الحالي، عصر الإنفتاح والديمقراطية وحرية الشعوب.

فقبل تصريحات اردوغان كانت الدعوه لفصل الدين عن الدوله تقتصر على بعض المثقفين والكتاب وقليل من السياسيين، ولكن تصريحاتهم لم تحدث أي أثر يذكر. فعلى سبيل المثال طالب رجل الدين الشيعي العراقي الشاب إياد جمال الدين في مؤتمر عقد في بغداد بعد اسبوع واحد فقط من سقوط نظام صدام حسين -- ولا يزال يطالب -- بفصل الدين عن السياسة وذلك للحفاظ على نقاء الدين وحمايته من أحابيل السياسيين والإنتهازيين والإرهابيين كما قال، ولكن المؤتمرين تجاهلوا ما قاله جمال الدين لان أحدا منهم لم يستطع أن يؤيده بوجود الملالي والشيوخ الذين كانوا يملاون القاعة والذين كانوا يخططون للحصول على مكاسب سياسية فى العراق. وانتهت الأمور كما نعلم إلى انقسامت على أسس دينيه ومذهبيه متعددة حسب تعدد التفسيرات الدينية المختلفة، ونتج عن ذلك كل المآسي التي نشهدها في العراق الآن. وكان أسوأ نتيجة للغزو الأمريكي للعراق هو إلغا نظام صدام الدكتاتورى العلماني، وما المذابح والفوضى التي تشهدها سوريا الآن إلا عينة مما سيحدث في المستقبل إذا سيطرالإسلام السياسي على البلاد لأنه من الواضح الآن أن الإسلام السياسي تربة خصبة للمنظمات الإرهابية.

لقد كانت ردود فعل وسائل الإعلام العربية والكتاب والمثقفين العرب على تصريحات اردغان محدودة جدا. فمحطة الجزيرة التلفزيونيه، التي غيرت وجهتها بعد ما سمى بالربيع العربي، لا تزال تعتمد الإثاره، وتتجنب اي محاولة جادة لتثقيف المجتمع والناس ولتنويرهم والإشارة إلى بواطن ضعفهم، لأنها تخاف أن تفقد شعبيتها. لا شك ان قناة الجزيرة اقوى قناة ناطقة بالعربية ولها تأثير هائل على الناس -- وهذا ما يجعلنا نهتم بها كل هذا الإهتمام -- ولكنها يمكن أن تكون الأعظم والأفضل وأن تحدث إنقلابات وتحولات هائله في تفكير الشعوب العربية لو أنها عدٌلت من سياستها التحريرية التدميرية. لماذا لم تخصص هذه المحطه، التي تزعم انها تؤيد ثورات الشعوب العربية "لتحقيق الحريه والعدالة والتقدم،" برامج اجتماعية انتقادية لتثقيف الناس وحثهم على الإستماع لوجهة النظر الأخرى وشرح فوائد العلمانيه؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال