الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القذافي حيّا !

سهر العامري

2012 / 9 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


القذافي حيّا ! سهر العامري
لم تكن النتيجة التي تمخضت عنها الانتخابات الأخيرة في ليبيا مفاجئة بالنسبة لي ، وذلك بسبب من أنني أعرف مقدار الكم الهائل من الوسائل التربوية المختلفة التي كانت تحض على معاداة أمريكا ، والغرب بشكل عام ، تلك الوسائل التي حرص معمر القذافي على أن يتبناها طوال عقود من حكمه ، فعلى سبيل المثال لا الحصر درّست أنا كتابا ذا مضمون فلسفي لطالبات ليبيات في معهد عال ٍللمدرسات لا يبتعد كثيرا عن كتاب فلسفي ينحو منحى ماركسيا درسّته أنا كذلك لطلاب السنة المنتهية من المرحلة الثانوية في جمهورية اليمن الديمقراطية وقتها ، ولازلت أذكر ذاك الصباح الذي جاءني به طلاب الصف المنتهي من إحدى الثانويات في الجزائر حين كنت أعمل مدرسا هناك ، جاءوا لي متسائلين : كيف اتفقت أنت والأستاذ الفرنسي ، الذي يدرسنا باللغة الفرنسية ، بالطروحات الفلسفية التي تتناول بعضا من جوانب الحياة والطبيعة والكون ؟
من السؤال المذكور عرفت ، ومن دون سابق معرفة بالأستاذ الفرنسي ، أنه ماركسي الهوى مثلي ، وعلى هذا يمكنني القول : إن أجيالا ليبية تربت على ثقافة هذا العصر تبتعد كثيرا عن الثقافة السالفة التي تنادي بها الجماعات الإسلامية المعتدلة منها ، مثلما تريد تلك الدوائر الغربية ، والسلفية مثلما لا تريد ذاك تلك الدوائر . ومن هنا جاءت نتيجة الانتخابات في ليبيا على عكس ما جاءت به تلك الانتخابات في كل من تونس ومصر رغم أن المجتمع المصري والمجتمع التونسي أكثر درجة في تطوره المادي ، ففوز الحركة الليبرالية في انتخابات ليبيا مرده لتلك الثقافة التي هي حصيلة أعوام من التربية المدرسية ، ومن وسائل الإعلام المختلفة التي عرفتها الحقبة القذافية والتي مهدت لفوز تلك الحركة ، وعلى العكس من الحملة الإيمانية في عهد صدام التي مهدت لفوز الحركة الدينية المعتدلة بالمقياس الأمريكي.
ذاك وجه ، والوجه الآخر الذي يظهر للقذافي هنا هو الهجوم الذي شُن على القنصلية الليبية في بنغازي ، والذي أدى الى مقتل السفير الأمريكي وعدد من طاقم تلك القنصلية ، فالهجوم ذاك انطلقت رصاصاته من أيادي تربية معاداة أمريكا على زمن القذافي قبل أن تنطلق من أيادي المهاجمين ، ويمكن للسيدة هيلاري كلينتون أن تزيل حيرتها التي تجسدت في تساؤلها : كيف يمكن لشعب ساعدناه في التخلص من الدكتاتورية أن يقوم بمهاجمة سفارتنا ؟ من خلال تقريّها لأسباب تلك الحادثة عن كثب .
ورب قائل يقول : إن أمريكا هي التي عملت على إقصاء الحركة الدينية الليبية عن الفوز في تلك الانتخابات لصالح الحركة الليبرالية الليبية ! ومع ذلك يظل وجه القذافي مطلا بسنواته الأربعين التي أمضى الكثير منها في حرب مع المتلبسين بالدين من الليبيين الذين تنكرت لهم أمريكا اليوم بعد أن كانوا أصدقاء حميمين لها ، فهي تبحث اليوم عن متدينين معتدلين يسيرون الحكم في بلدانهم مثلما تريد هي ، ويحافظون على مصالحها مثلما يحافظون على سفارتها بما تضمه من سجلات لعملائها ، وكذلك لعقود شركاتها النفطية ، فأكثر ما أغاظ الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته هو استيلاء المهاجمين الليبيين على سجلات عملاء دائرة المخابرات الأمريكية من الليبيين وعلى عقود الشركات النفطية الأمريكية ، تلك السجلات والعقود التي حملها المهاجمون معهم.
ومثلما لم ترد أمريكا وصول المتدينين المتطرفين في ليبيا أرادت كذلك عدم وصولهم في مصر ، ولهذا حرصت على أن يستلم الاخوان المسلمون الحكم فيها بدلا من الحركة السلفية ، فالإخوان المسلمون تاريخيا هم صناعة أمريكية الى هذا الحد أو ذاك ، وهم في ذلك يشاطرون أخوانا لهم في بقية البلدان العربية والإسلامية ، فهم الآن من وجهة النظر الأمريكية يمثلون حركة دينية معتدلة شأنهم في ذلك شأن حزب الدعوة الحاكم في العراق ، فهو بالنسبة لأمريكا يمثل حركة اعتدال إذا ما قيس بالتيار الصدري مثلا.
صفق الأمريكان طويلا للتيار القومي العربي طويلا منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ، ولكنهم جدوا في السنوات الأخيرة ، وخاصة بعد حربهم الجهادية في أفغانستان ، أن القوميين العرب يلفظون أنفاسهم ، وما عليهم إلا التوجه الى أخدانهم القدماء من بين المتدينين ، وحلفائهم في النضال ضد الشيوعية والاتحاد السوفيتي ، لكن بعد زوال الاتحاد السوفيتي ، وخفوت الشيوعية لم تحتج الدوائر الأمبريالية في أمريكا الى مقاتلين متدينين أشداء مثلما هي الحال مع جنودهم السابقين في منظمة القاعدة ، فتوجهوا صوب حركات دينية نشأت تحت رعايتهم ، استلمت الحكم في بلدانها تحت الشعار الأمريكي : الاعتدال ، وهذا ما ثار حفيظة المتدينين السلفيين الذين قادوا حملة الهجوم على السفارات الأمريكية في مصر ، وتونس ، واليمن ، والسودان ، وفي بلدان غير عربية أخرى ، ولكن الشرارة الأولى انطلقت من ليبيا للعوامل التي ذكرتها من قبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام


.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف




.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام


.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا




.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال