الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيون وخيال ..

حامد حمودي عباس

2012 / 9 / 16
الادب والفن


عادة ما أشعر بالاختناق حينما يضطرني عمل ما لأن أكون في مكان يزدحم فيه الناس .. غير أنني في ذلك اليوم ، كنت أشعر ، رغم الازدحام الشديد ، بأنني أحلق فوق المكان .. أطوف بجسدي ليس بعيدا عن هامات بشر يدفع بعضهم بعضا ، ويستجيبون وبحركة عشوائية لنداءات الباعة ، وهم يعلنون عن جودة بضاعتهم من خضار وفواكه وكل شيء تشتهيه النفس .
ألأصوات تختلط ، فتضيع معانيها لتصبح أشبه بفرقعات لعب الاطفال ليلة المولد .. انها وبجميع تفاصيلها هي إعلان عن حاجة .. البائع يعلن عن بضاعته ، والزبون يتوسل ان يمنحه البائع فرصة تخفيض السعر .. الاطفال يدخلون على المشهد بقوة ، يندس أحدهم بين ساقي الرجل او المرأة على حد سواء ، ورأسه منزاح الى الخلف ليواجه الزبون كي يشتري منه كيسا لحمل البضائع .. الذباب لم تفته فرصة المشاركة ، فراح يهاجم وبكل حرية ما يروق له في السوق ، حيث لا حواجز تمنعه من التمتع بطيب ما يراه أمامه من طعام ..
أكثر المتواجدين في السوق هم من النساء .. كيانات يلفها السواد ، تتحرك بانسيابية لا تترك مجالا للنفاذ من بينها الا بصعوبه .. جميعهن يرتدين عباءات سوداء ليغطين شرفهن المحفوف بالمخاطر .. وقد كنت من شدة الزحام ، تضرب يدي أو كتفي جسد أحداهن ، فيداخلني احساس بالخوف .. قد تلتفت لي تلك الكتلة السوداء لتلطمني على وجهي بتهمة التحرش ، حينها سوف لن يتخلى الغيارى من الرجال عن المساهمة في الدفاع عن الغيرة العربية المعتدى عليها ، وحينها ايضا سوف لن أعود لبيتي بما كلفت به من عيش ..
وفجأة .. تخليت عن عادتي في تسجيل ما يحيط بي من حياة .. لأختصر معالم كل شيء بعيون راحت تعترضني بصمت مثير للحواس ، وتوارد الخواطر الجميله .
كل العيون التي واجهتني حينها ، كانت انثويه .. أو أنني لم أكن أرى غير عيون النساء ..
عيون .. عيون .. أجهزت عليها عتمة المكان ، لتكسبها لونا واحدا لا يزاحمه لون آخر .. البعض من تلك العيون كانت تصدمني برعشة لذيذة تأخذني الى أسر يعطل في جسدي حرية الحركة للحظات .. بريق غريب ، محاط بجفون لا تترك مجالا للشك ، بأن للجمال مواصفات لم تذكرها مقاييس الاحتكام في محافل اختيار ملكات الجمال .. من قال بأن معيارا للجمال اكثر من جمال العيون ؟ ..
كل العيون التي صادفتني تنتمي لصنف الفقراء .. ومع هذا فهي طرية تملؤها حرية الحركه .. انها تجول بين الجفون ككرات تهزها طاقة خفية لا يعيقها شيء ، فتبدو ككائنات اسطورية تنثر في المحيط أحاسيس الرغبة بمقاومة اليأس ، وتؤجج الحاجة لاشباع حالة الجوع السرمدي ، لدا اولئك المحرومين من صعود سفوح جبال الحرية ..
خيوط الشمس المنسابة بحذر الى ظلمة المكان ، تسطو احيانا على بعض العيون الملتهبة بفعل شبق لا تهدؤه كل مسكنات الدنيا ، فتظهر الوانها الحقيقية كطيف سحري أخاذ ..
من هذه التي تقف بجانبي وانا اقلب حبات الطماطم عند هذا الركن القصي من السوق ؟ .. لم تثرني كفها الكانزة للون السمرة .. انني في شوق لأن تلتفت لي كي أرى عيونها عن قرب .. جميل ان لا يرتدي الفقراء نظارات المترفين حتى يتاح للمجانين أمثالي بالنظر الى العيون الفاتنه .. انها غنيمة ثمينة أن تعتريك دغدغة عيون انثى ، لتزيح عن كاهلك هموم العمر في لحظة عابره .. التفتي الي سيدتي .. أرجوك .. لا تحرميني من التحليق في فضاء السحر .. فانت وحدك من تجعلني قريب من ألوان قوس قزح .. التفتي .. ولا تخافي .. فأنا محض خيالات أطفال .. تبكيني شتلة ورد أذبلها الجفاف ..
ترى .. كم عين من هذه العيون المبهره ، قبلتها شفاه رجل حتى ولو بالحلال ، ليروي فيها عطشها لأن تطفيء نار الشوق الموقدة ؟ .. كم واحدة منها داعبت جفونها أنامل ذكورية يحركها الحنان ، ويقطر منها شهد الهوى ، لينزاح عنها تعب العمر ولو لدقائق ؟ ..
نبهني هاتفي الجوال ، بأن هناك من ينتظر نهاية مهمتي ليمارس طقوس الغداء .. لينتهي وصلي مع خيالاتي العذبة ، في سوق الخضار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا تتوقف عن التحليق
فاتن واصل ( 2012 / 9 / 16 - 14:29 )
ليخط قلمك هذى الروائع.. ولو لزم الامر ان تنساب بين الاجساد مسجلا مختلف المشاعر الانسانية ، وأن تنسحب بين أزرعهم وأصابعهم ... انت كاتب من نوع فريد وتأملاتك فى الحياة مفعمة بالجنون ، تأخذنا الى سراديب وأسرار قلما سبرنا أغوارها .. وهناك سر أبوح به اليك ، النساء يسعدهن هذا النوع من السطو على المشاعر التى تتسرب من وراء العيون، فاستمر فى السطو وأطلق لخيالك العنان طالما لم تهن أنوثتهن ورأيت الانسانة خلف الساتر الاسود دون ان تستبيح الجسد.


2 - الأستاذ حامد حمودي عباس المحترم
ليندا كبرييل ( 2012 / 9 / 16 - 16:22 )
لقطة واحدة عابرة في السوق استطعت من خلالها أن تنقل لنا مشاعرك برشاقة أسلوبك الأدبي الجميل . كيفما عبرت .. أنت جميل يا أستاذ حامد،تعبيرك من النوع الذي يدخل القلب بلا استئذان، هنيئاً للمرأة التي تنظر في عيونها، فإنك تصدّر لها الحياة
وصفك لمشاعرك نحو المرأة راق وعذب ،ترتفع بقارئك إلى لحظات يشعر بصدقها وعفويتها، نحن أمام فنان يكتب بلسان بالغ وقلب طفل
نعم .. ما أجملك


3 - سيدتي فاتن
حامد حمودي عباس ( 2012 / 9 / 16 - 19:15 )
سأعمل بالوصيه .. وسوف ابقى في حدود جنوني لأسجل اعذب الخيال .. اشكرك سيدتي على أحاسيسك الجميله ، ودمتي صافية العيون


4 - سيدتي ليندا
حامد حمودي عباس ( 2012 / 9 / 16 - 19:42 )
كم سعدت بكلماتك الحلوه .. انها مبعث للروح كي ينحسر عنها الجفاف .. شكرا لك سيدتي على الاطراء الجميل

اخر الافلام

.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة