الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة لقراءة نتائج الأنتخابات العراقية

نجيب المدفعي

2005 / 2 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أظهرت الأنتخابات العراقية، و قبلها عملية التحول السياسي- الاجتماعي الجارية حاليا في العراق، قدرات دينامية مختلفة لدى أطياف الشعب العراقي. فمنها مَن أدرك مكامن مفاتيح التغيير و كيفية التعامل معها و نجح ـ إلى حدٍ ما ـ في إدارة هذه المفاتيح لبدء عملية التغيير و تحريك البركة السياسية العراقية الراكدة منذ أمد طويل.

عكست عملية الإطاحة بنظام صدام و ما تلاها من أحداث، قدرات حضارية و فكرية متباينة لدى مختلف المفردات المكونة للطيف العراقي. لقد كان للفكر المتزمت دور يكاد يكون متماثلا في حدثين متشابهين تفصل بينهما أكثر من ثمانين عاما، و أقصد بذلك تشكيل الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي و إعادة تشكيلها في يومنا هذا.

ففي عشرينيات القرن الماضي اختارت المرجعيات الدينية (الشيعية) إقصاءً اختياريا عن المشاركة في صياغة شكل الدولة، و اليوم تختار المرجعية الدينية (السُنية) إقصاءً مماثلا لذاك. و إن كنت أميل إلى توصيف الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي عندما يقول:( ليس للسنة كبير) و يقصد مرجعية.

لا يمتلك المجتمع العراقي وعيا سياسيا متقدما يتيح له القدرة على صياغة نظام سياسي يتشكل من قدرة الفرد على تحديد تطلعاته و الانطلاق منها لإيجاد مشتركات مع الآخرين وصولا إلى تأليف الجماعات المدنية و الأحزاب السياسية. و السبب لا يعود إلى تدني القدرات العقلية أو اختلافها عن غيرهم من البشر، لكنه يعود لأسباب متعددة تضرب جذورها في أعماق التاريخ لسنا بصدد الحديث عنها.

من هنا كان للمؤسسة الدينية دورها في إحكام سلطتها على المجتمع، و لكن ما يؤخذ عليها عدم تنميتها للقدرات الفردية للإبداع و الإنجاز و الولوج إلى آفاق أوسع. فالمؤسسة الدينية حجّمت فضاء الحركة العقلية من خلال رسم خطوط حمراء تتماهى مع ما تريد فرضه من سلطة على المجتمع. إلا أن ما يُسجّل لها و خاصة (الشيعية) هو قدرتها على تقديم قيادة بديلة ـ في المُـلِمات ـ تُشكـِّل صمام أمان و بوصلة توجه جمهور الناس إلى ما يحافظ على سلامة المجتمع.

و مع انحسار القيادات السياسية و الاجتماعية العراقية خلال العقود الأخيرة بسبب استهدافها من قبل السلطة و سحق هذه السلطة للطبقة الوسطى لمنع ظهور قيادات جديدة، عادت المؤسسة الدينية إلى أخذ دورها ـ غير العلني ـ في التأثير على المجتمع. و قد ظهر هذا الدور إلى العلن بعد إزاحة المسبب في اختفاء كل أشكال القيادات تلك. فبعد التاسع من نيسان صار كل طيف من الأطياف العراقية يبحث عن قيادته البديلة.

فالكورد نجحوا ـ بعد مخاض أليم ـ في تشكيل هياكلهم السياسية على مدى اثني عشر عاما من التحرر من ربقة النظام المباد. و إن كانت هذه الهياكل السياسية قد وصلت عرجاء إلى خط الشروع في التاسع من نيسان، إلا أن إيقاع خطاها راح ينتظم بسرعة أكبر من بقية الأطياف. و هذا ما شهدناه من خلال وضوح الأهداف التي حددوها و رؤاهم حول شكل الدولة الجديدة.

و بالانتقال إلى المكون الرئيسي للشعب العراقي و هو العرب، نجد أن زوال المسبب أعلاه أفضى إلى تخبط في توجهاتهم، ظهر على شكل تجمعات و تكتلات، تدّعي أنها سياسية، و لا تضم بين جنباتها من السياسيين ـ المحترفين ـ إلا عددا لا يتجاوز الأصابع. و ليس أدل على ذلك من عدد الكيانات السياسية المسجلة لدى المفوضية العراقية للانتخابات، و التي لو تـُركت تعمل بشكل مستقل دون ائتلافات لحصل الكورد على ما يزيد على نصف مقاعد الجمعية الوطنية.

و لتوضيح المشهد أكثر، فلو أننا استبعدنا الائتلاف الكردستاني و بعض الكيانات الكوردية السياسية الأخرى لبقي لدينا أكثر من مئة كيان سياسي عربي. و باستبعاد عدد من صوتوا للقائمة الكردستانية و إجراء حسبة بسيطة لبقية المصوتين و المقاعد المتاحة، سنصل إلى نتيجة تقول أن أفضل ما سيحصل عليه كيان سياسي ما لن يزيد على خمسة عشر مقعدا في أحسن الأحوال. و هذا يستدعي وقتا مضافا لتكوين ائتلافات داخل الجمعية الوطنية، والتي لن تنجح في تشكيل كتلة برلمانية تضاهي الكتلة الكوردية، و بذا لن تكون لهذه الكيانات القدرة على صناعة القرار السياسي.

هنا برز دور المؤسسة الدينية (الشيعية) المتمثلة بالسيد السيستاني، الذي انتبه إلى عدم قدرة المتصدين للعملية السياسية على تجميع كلمتهم و رسم أهداف مشتركة لتطلعاتهم، وعدم قدرة هؤلاء على إقناع الناخب العراقي بالتوجه إلى صناديق الاقتراع بكثافة. فكان تدخله فعالا و إيجابيا من خلال تسخير السلطة الدينية لحث الناس باتجاه عملية وطنية و هي المشاركة في الانتخابات، و لا أظن السيد السيستاني تعاطف أو دعم قائمة انتخابية بعينها رغم كل ما قيل. و لتحديد هدف واضح للناخب يستهدفه عند تحركه إلى صناديق الاقتراع، صدرت إشارات و تلميحات لأتباع السيد السيستاني بأنه يؤيد القائمة 169. و أجد أن السيد السيستاني قد نجح في دفع عجلة التغيير السياسي في العراق من خلال سلطته الدينية، و هو أمرٌ حسن.

على الجانب الآخر من المكوِّن العربي للشعب العراقي، أي مَن لا يتبعون سلطة دينية بعينها و أهل (السُـنة)، تتضح الصورة المتقدمة أعلاه حيث تشتت أصوات ناخبيهم بما أدى إلى عدم حصول شخصيات سياسية ذات تاريخ، كالدكتور الباججي، و أحزاب لها جمهور عريض، كالحزب الإسلامي، على مقاعد في الجمعية الوطنية. يضاف إلى هذا، إعراض نسبة كبيرة من الناخبين (41%) عن التصويت، يُشكـِّل أهل (السُـنة) نسبة كبيرة منهم.

هل ستتعلم أطياف الشعب العراقي من الدرس الأول في الديمقراطية شيئا؟ و هل سيعيد مقاطعو الانتخابات النظر في موقفهم؟ و هل سيعيدون النظر في المعطيات التي يؤسسون عليها مواقفهم، والتي تعود إلى أيام الحرب الباردة؟ فالعالم يتحول و بسرعة و عليهم أن يعوا الدرس و يلحقوا بالركب و إلا فاتهم. و هم إذ ينخرطون في العملية السياسية، ينزعون فتيل لغم سيزرعونه في يومنا هذا لينفجر على الأجيال القادمة، في حال إمعانهم في مواقف غير مبنية على إدراك كل عناصر اللعبة السياسية محليا، إقليميا و دوليا.

و على الذين صوتوا في الانتخابات بدوافع دينية، إعادة النظر في موقفهم و بناءه في قابل الأيام على أهداف و مصالح و تطلعات واضحة، تتيح لهم محاسبة ممثليهم في الجمعية الوطنية و الحكومة المنتخبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوكرانيا: حسابات روسيا في خاركيف؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بوتين يُبعد شويغو من وزارة الدفاع.. تأكيد للفتور بين الحليفي




.. كيف باتت رفح عقدة في العلاقات الإسرائيلية - الأمريكية؟


.. النازحون من رفح يشكون من انعدام المواصلات أو الارتفاع الكبير




.. معلومات استخباراتية أميركية وإسرائيلية ترجح أن يحيى السنوار