الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيد الجعفري بين التناقضات و التحديات

هشام عقراوي

2005 / 2 / 26
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


بعد ترشيح السيد أبراهيم الجعفري لرئاسة أول حكومة عراقية منتخبة، ولأن قائمة الائتلاف العراقي الموحد حصلت على أغلبية الاصوات فمن الطبيعي أن يعتقد المرء ان الجعفري سيكون الرجل الاول في العراق على الاقل للاشهر العشرة القادمة. وصول قائمة الائتلاف العراقي الى هذا القرار لم يكن سهلا و أستغرق وقتا أطول من اللازم وهذا يدل على شدة الخلاف و المنافسه داخل هذه القائمة و الى المعادلة الصعبيه التي كان من المفروض عليهم أيجاد حل مناسب لها و النتيجة كانت أبراهيم الجعفري.
المعركة الاصعب للجعفري في سباق الوصول الى القيادة كانت مع الجلبي على عكس التوقعات، حيث كان من المفروض أن يكون الخلاف الاقوى بين المجلس الاعلى و حزب الدعوة و ليس بين الجلبي و الجعفري. عدم بروز تنافس قوي بين حزب الدعوة و المجلس الاعلى لا يعني عدم رغبة مرشحي المجلس بأستلام منصب رئاسة الوزراء بل لديها علاقة بالتقارب السياسي و المبدأي بين الحزبين و بألتزام الاثنين بتوجيهات المرجعية. هذا أن لم تكن المنافسه التي خرجت الى السطح بين الجلبي و الجعفري ومصودة و الغرض منها جس نبض أمريكا و قوى المنطقه و أجبارهم على تقبل الجعفري ولم تكن تعكس الجو الداخلي لهذه القائمة، و هذا ما ستثبته الايام القادمة.
سياسيا اي تنافس حقيقي بين الاحزاب يؤدي الى تقسيم السلطات و فوز المتنافسين بجزء من الكعكة. فلو كان التنافس بين الجعفري و الجلبي حقيقيا و كانت النتيجة فوز الجعفري، فأنه من الطبيعي أن يعوض الجلبي بمنصب أخر و سلطة أخرى وألا فأن هذا التحالف سينهار و سيخرج الجلبي من التحالف. بقاء الجلبي ضمن قائمة الائتلاف من دون أعطاءه أي منصب فعال يعني ليس هناك خلاف بين الجلبي و الجعفري.
فوز الجعفري بتأييد السيستاني و باقي قوى قائمة الائتلاف ، أهلته لهذا المنصب و لكي يتمكن من التحرك بحرية و بقوة وجب عليه أنهاء أي خلاف (أن كان موجودا) بينه و بين الجلبي اولا ومن ثم بين القوى المؤتلفه ضمن هذه القائمة. فالتحدي الاقوي للجعفري يأتي أولا من داخل الجبهة التي ينطلق منها و يمثلها. هذه القائمة الاسلامية التوجة و التي تضم العديد من الاطراف الاسلامية التي تريد أن يكون الدين و حتى ولاية الفقية أسلوبا للادراة. هذا التوجه لهذه الاطراف الاسلامية ستؤثر سلبا على تحركات الجعفري و ستكون حجر عثرة في طريقه. فهذه المطالب الدينية ستصطدم بالفيتو الامريكي و الاعتراض الكردي و لباقي القوى الديمقراطية العراقيه. الجعفري رئيس لحزب اسلامي و يمثل قائمة غالبية ممثليها من الاسلاميين. أن يتمكن الجعفري من لعب دور محايد بين الاسلاميين و العلمانيين أمر صعب جدا تفقده مصداقيته المبدأية و الحزبية و كذلك مصداقية الائتلاف الذي يمثله.
ففي عهد الجعفري ستوضع جميع النقاط على الحروف و تحدد الامور بأسماءها. بعكس الجعفري الذي يتاحاشى وضع النقاط على الحروف ويريد أن يعطي المواطن حرية التأويل حسب أدراكه. فالعراق سيكون أما أسلاميا أو علمانيا أو اسلامعلمانيا. و النظام الادراي في العراق أما سيكون فيدراليا أو غير ذلك. وهذه الفدرالية سيحدد شكله في حين كان لحد الان غامضا و كل طرف يفسره بالطريقه التي تعجبه. كركوك أما ستكون تابعة اداريا لكردستان أو غير ذلك و الاف القضايا الاخرى. هذه ليست بالتحديات الهينة و تحمل في داخلها تناقضات حادة.
عدم تأييد القائمة الكردية للجعفري لحد الان، تعني بأنه أي السيد الجعفري لم يستطع أو غير مستعد لتلبية مطالب الكرد و التسيق معهم. و توجة الجبهة التركمانية للتوحد مع قائمة الائتلاف قد تكون محاولة من هذه الجبهة لتعميق الخلاف بين قائمة الائتلاف و القائمة الكردستانية وممارسة منها لسياسة فرق تسد.
التحدي الاخر هو مدى أمتلاكه للقوة اللازمة للحفاظ على الامن و محاربة الارهابيين. هذا الامر يتطلب أمتلاكة لقوة عسكرية مخلصة مستعدة لتنفيذ الاوامر. ما يضعف هذه الجبهة هو عدم أمتلاك الجعفري لهذه القوة العسكرية وربما حرمانة من قيادة وزارة الدفاع و الداخلية و الامن و أجبار الجعفري من خلال التوافقات و التحالفات المفروضة على أعطاء الوزارات لوزراء لا يأتمرون بأوامر الجعفري و يعملون كدولة داخل الدولة. فالى الان أستحوذ الشعلان و علاوي على هذه الوزارات و أستطاعوا بناء جيش و قوى أمن موالية لهم أكثر من ما هي موالية للحكومة. لكي يتغلب الجعفر ي على هذا التحدي وجب عليه تنصيب أشخاص أخرين على وزراة الداخلية و الدفاع و هذا الامر صعب جدا وأمتحان ينتظر الجعفري قبل البدء بعمله، خاصة أن لم يحصل علاوي وقائمتة على منصب مهم في الدولة وصعوبة تقبل علاوي التنازل عن هاتين الحقيبتين.
التحدي الاخر هو طابور الوصوليين و الانتهازيين الذين ما أن عرفوا ان قائمة الائتلاف العراقي ستحكم العراق،حتى بدأوا بالتقرب من هذه القائمة من أجل الحصول على جزء من الكعكة. هذا التقرب لم يأتي من ايمان و لكن بعد أن جربت بعض الاطراف حظها العاثر و بعد أن خسرت المعركة الانتخابية. لذا نراهم يتقربون من هذه القائمة و من السيد الجعفري. هؤلاء كانوا سيفعلون نفس الشئ مع علاوي أو غيره لو فاز في الانتخابات. الكثير من هؤلاء كانوا يغنون للدكتاتور ايضا فهم عبد للمأمور و مستعدون لتقديم الخدمات من أجل الفوز بشئ معين. خطورة هؤلاء تأتي من سهولة تغلغلهم في الاوساط الادارية و قدرتهم الفائقه على تمويه أغراضهم الدنيئة. هؤلاء سيلعبون دور الطفيليات التي تخرم البنيان من الداخل و تحاول توجيه مسيرة النمو و محاربة الارهاب بأتجاه أخر. وأخطر ما ينتظر الحكومة المقبلة هي محاولة أمثال هؤلاء على تغذية بذور الخلاف بين قوى الشعب العراقي و ضرب الشيعة بالكرد. هؤلاء الوصوليون سيحاولون نقل تناقضاتهم مع الاطراف الاخرى الى داخل الحكومة و بهذه الطريقه سيغيرون مسار الحكومة و يقفون حجر عثره في طريق أتخاذ القرارات الكفيلة لحل القضايا الحساسة.
السيد الجعفري المشهور بعقلانيته و تأنيه و حذره من أتخاذ القرارات الصعبة خاصة التي عليها خلاف، سيجد نفسه أمام أماني وشروط الاطراف المختلفه. تلك الاماني و الشروط التي لم يتمكن علاوي و لا أمريكا من أيجاد الحلول لها بل أتبعوا سياسة تأجيل الغوض في الامور الحساسة. ولكن بعد مرور سنتين على سقوط النظام و بعد أجراء الانتخابات في العراق لم يعد هناك مجال كبير للتأجيل. أي شخصيه لا تتمتع بالمواصفات الاخلاقيه للجعفري سوف لن يستطيع تهدئة الامور في العراق المغلي أصلا.
فالجعفري سيكون أمام أمتحان صعب للغاية. فسياسة التوافقات التي قال بأنه سيطبقها و من المفروض الالتزام بها حسب قانون أدراة العراق، هو سلاح ذو حدين، تعطي التوازن الى التعاملات و الاتفاقات من ناحية و لكنها في نفس الوقت تشل القائد و تمنعنة من أتخاذ القرارات في الاوقات الصعبة وفي الامور التي تتطلب الحسم. أتخاذ الديمقراطية كأسلوب للادراة أتى بعد عدم تمكن الانظمة الاخرى قيادة المجتمع. الدستور العراقي و المشاكل القومية المؤجلة و التي تنتظر الحل تدخل في صلب التوافقات و العقلانية في حل المشاكل بينما أدارة العراق يحتاج الى قرارات ديمقراطية.
هذا التناقض من الصعب حله في ظل الشك الموجود بين الاطراف. و العامل الايجابي في وجود شخص محاور في السلطه هو تهيئة الاجواء السياسية التي تساعد على فهم الشعوب العراقية لبعضهم البعض. حيث بدون هذا الفهم من الصعب الاتفاق على شئ. فحتى سياسة التوافق مرتبطة بفهم المقابل وأستعداد الجميع للتحاور بدلا من البنادق. أن أستطاع الجعفري تهدئة الاجواء السياسية المشحونة بين العراقيين فأن ذلك نصر كبير للسلام و الاخوة بين الشعوب العراقية. فبعد سقوط صدام تحول الصراع الذي كان موجودا بين السلطة و العراقيين ممثلين بالكرد و الشيعة و الاطراف الاخرى، الى صراع بين العراقيين أنفسهم. هذا الصراع أن أستمر لفترة طويلة فسيكون قادرا على تحويل الصراع الى صراع بين القوميات المختلفة بعكس ما كان سائدا في وقت صدام.
هذا التحدي و التناقض المخفي و الموجود داخل المجتمع العراقي خطر كبير يواجة العراق و قيادة العراق الجديدة. قد يكون الجعفري ببرود أعصابه وهدوءه السياسي و نزوحه للسلم، الماء الذي سيطفئ ذلك النار و لكنه في نفس الوقت قد يتحول الى عامل سلبي في تأجيج تلك المشاعر بعدم المبادرة و التأخر في أتخاذ القرار في الوقت المناسب.
اي حكومة قادمة سوف لن تستلم عراقا هادءا و خاليا من المشاكل. فالارهابيون يشكلون جبهة معادية للحكومة و سيعملون المستحيل من أجل أفشال السيد الجعفري في مهمتة. سيما أنه شيعي و لا يوالي الارهاب و لم يضع في برنامجة جدولا لأنسحاب أمريكا من العراق و حتى لو فعل ذلك لوجد الارهابيون الاف الحجج لاستمرارهم في حربهم التدميرية ضد الشعب العراقي بحجة مواجهة الامريكيين. وما الهجمات التي يقومون بها على الحسينيات في كافة أرجاء العراق الا دليلا على عدائهم الطائفي و نواياهم الدنيئه ضد الشعوب العراقية.
اذن بالاضافة الى التناقضات الموجودة أصلا داخل العراق سيكون هناك الارهابيون الواقفون بالمرصاد ضد ايه عملية ديمقراطية و ضد اي حل يتوصل الية العراقيون. هذا الارهاب المدعوم من الدول المجاورة المذعورة من تحول العراق الى بلد ديمقراطي حقيقي.
بكل المقاييس فأن مهمة الجعفري ليست بالسهلة و الهينه ومن الصعب نجاحه فيها، أن لم يحصل على الدعم اللازم من السعب العراقي و أن يستند هو على الشعب في تحركه و ليس على القوى السياسية التي أتت الى السلطة ووصلت اليها عن طريق المضاربات السياسية و التحالفات المشبوهة والفساد الادراي و النهب العلني.
على الجعفري أن يكون حاسما و حازما مع هذه القوى و أن يكون عقلانيا و هادئا ومحاورا كعادته مع باقي القوى الاصيلة و مع الشعوب العراقية. هذا أول أمتحان لشيعة العراق كي يحكموا العراق بعدالة. فعلاوي حسب الكثير من المحللين على الرغم من كونه شيعيا الا أنه لم يكن يمثل الشيعة و لم يستطع أن يحل مشاكل العراق بل كان طرفا مراوغا في تعاملاته و حاول الاستفراد بالسلطة و على نفس طريقة الحكومات السابقة واستغل السلطة من أجل أغراضة الخاصة.
من الطبيعي أن لا يتمكن السيد الجعفري القتال وتنفيذ القانون بقوة موالية لشخص أو أشخاص أخرين. ومن الطبيعي أن تحاول القوى الاخرى الطامعة في كرسي الجعفري أعاقة نجاحه. ومن الطبيعي أن يحاول بعض الانتهازيين الذين التفوا حول علاوي و مكنوه من الحصول على 40 كرسي، التقرب من الجعفري أيضا بهدف الاستفادة الذاتية أو التأثير السلبي. هؤلاء لو تعامل معهم الجعفري فسيلحقون الضرر بمسيرته و لو وقف ضدهم و حاربهم تحولوا الى قوة لا تستهان بها تقف في وجة الجعفري و تمنعه من المضي قدما الى الامام.
المتوقع من السيد الجعفري بعد استلامه لرئاسة الحكومة هو أنحايزه الى العراق و الى الموضوعية في التعامل مع الامور و الى محاولة أحقاق الحقوق و ليس التقوقع و الانجرار وراء مصالح ذاتيه و حزبية ضيقه.
كذلك يمكننا القول و من منطلق الوحدة الوطنية التي يصبوا اليها العراقيون و من منطلق أنهاء مسلسلات القتل وأستتباب الامن و الامان وتغليب صوت العقل وضمن قوانين الديمقراطية و الفوز و الخسارة فأن السيد الجعفري قد يستطيع لعب دور مهم لتهدئة العراق في هذه المرحلة الحساسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا