الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين سلطة الدولة مما يجري في ليبيا؟

محمد عبعوب

2012 / 9 / 18
الارهاب, الحرب والسلام


ظاهرة القتل والتصفية الجسدية والتعدي على سلطة الدولة وأخذ الحق باليد أصبحت ظاهرة ملازمة لليبيا ما بعد انتفاضة 17 فبراير، وما يلفت الانتباه هو تواضع رد فعل الدولة إزاء ما يجري بل انعدامه في بعض الحالات، فرغم عشرات الجرئم الخطيرة التي تقع يوميا في أكثر من مدينة ليبية والتي تتراوح بين السطو المسلح وبين الخطف والقتل، لم نر دورا فاعلا للدولة يحد من هذه الظاهرة، كما لم نشاهد تطبيقا حازما للقوانين على هذه الفئة الظالة التي تعبث بأمن البلاد والعباد وتدفع بنا إلى اتون فوضى أمنية شاملة تضعنا على أعتاب الصوملة او العرقنة..

وصلت ظاهرة القتل العبثي إلى ذروتها بقتل السفير الامريكي وثلاثة من موظفي القنصلية الامريكية في بنغازي ليل الثلاثاء الماضي، و قبلها لا يكاد يمر اسبوع دون أن نسمع عن قتل ضابط كبير في واحدة من الأجهزة الأمنية رميا بالرصاص او عن طريق قنبلة يتم تفجيرها عن بعد، أما ظاهرة السطو المسلح و الخطف فهذه جرائم لم يعد يتوقف أمامها الليبيون، بل اصبحت مادة دسمة للتحليل والتأويل في جلساتهم .. كل هذا يجري فيما تتمتع ليبيا بصفة دولة عضو في الامم المتحدة ولها حكومة بها أكثر من 20 وزير وتتمتع بتمثيل دبلوماسي في عدد كبير من دول العالم، وتستظيف عدد مماثل من ممثلي الدول كسفراء او قائمين بالاعمال لدولهم لدى هذه الحكومة.. رغم هذه المظاهر التي تشي بوجود دولة، إلا أن واقع الحال الذي سردته في هذه المقدمة لا يشي بوجود حتى سلطة انتداب او حكم ذاتي!!

قتل اللواء عبد الفتاح يونس في ظل مجلس انتقالي ضعيف وفي ظروف صعبة نتفهم ملابساتها في حينها.. وقتل القاضي المكلف بملف القضية بدم بارد، في رسالة واضحة من مقترفي الجريمة مفادها : من يفتح من هذا الملف سيلقى نفس المصير.. مر حتى الآن اكثر من سنة على الجريمة وتناوب على السلطة التشريعية في هذا البلد خلال هذه الفترة مجلس انتقالي ومؤتمر وطني لا زال في الحكم حتى الساعة، كما تناوب على سلطتها التنفيذية مجلس تنفيذي وحكومتان انتقاليتان آخرهما ستستلم السلطة في غضون ايام.. كل هذا ولا زال ملف الجريمة مجمدا، و لا زال المتهم الوحيد فيها قيد الاعتقال، فيما لا زال آخرون تحوم حولهم الشبهات أفراد وجمعات طلقاء!!

اكثر من عشرة من كبار ضباط الأجهزة الأمنية الذين عملوا في ظل النظام السابق في مراكز قيادية من الدرجة الثانية والثالثة قتلوا، ولا شك في أن قائمة القتل لا زالت مفتوحة وستأتي لنا الأنباء بالمزيد من عمليات القتل والتصفية تستهدف كوادر أمنية وعسكرية محددة مادمت الدولة تقف متفرجة على ما جرى ويجري وتكتفي بتصريح يلقيه أحد مساعدي وزير الداخلية لا يزيد عن توصيف للضحية وخلفيته الوظيفية وتعهد بمتابعة منفذي الجريمة يفقد معناه عندما يصل التحقيق الى مرحلة محددة، وكأن من يقوم بهذه الجرائم على درجة من الخبرة والاحتراف يصعب الوصول اليهم، رغم ما يتوفر من معطيات تحدد على الأقل ملامح لمنفذي الجرائم وبواعث اقترافهم لها والجهات التي قد تكون وراءهم، وهو ما يسهل الوصول اليهم ومحاسبتهم وكشف واستئصال كل الشبكات التي تقف وراءهم .

جريمة التعدي على مقابر مسلمين ونبش قبورهم وتدمير آثار إسلامية بالمتفجرات والجرافات في مشهد يعيد إلى الأذهان تلك الجريمة التي اقترفها ملالي طالبان بتفجير تماثيل تاريخية لبوذا تعود لآلاف السنين، تمت هذه الجريمة في طرابلس ودرنة وزليتن وغيرها من المدن تحت حراسة واحدة من الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية وبعلمها.. السلطة والحكومة ودار إفتائها المسؤولة عن الاوقاف الاسلامية إكتفت بالتنديد بالحدث دون التطرق للظاهرة و المبدأ الذي يستند اليه منفذيها، بل هناك من اكتفى بنقد توقيت تنفيذ هذه الجريمة، ما يعني أنه يباركها لو جرت في وقت آخر مناسب..

أحدث حلقة في مسلسل الجرائم، جريمة قتل سفير الولايات المتحدة وثلاثة من موظفي القنصلية الامريكية ببنغازي، وهي جريمة غير مسبوقة في تاريخ البعثات الدبلوماسية في ليبيا الحديثة، جريمة أخرجت السلطة والحكومة عن صمتهما، وسمعنا إدانة صريحة وغير مواربة للجريمة وهذا جيد، بل كنا نتوقع المزيد من الإجراءات على الارض لضبط الامن، مثل فرض الأحكام العرفية في بنغازي وقفل مداخلها أمام حركة التنقل إلى حين يتم القبض على كل من له صلة بالحادث، ومن ثم وضع خطة لتطهير كل المؤسسات الأمنية المشكلة حديثا من العناصر القيادية المشبوهة او المرتبطة بأجندات سياسية أو قبلية أو جهوية والعمل على إعادة تفعيل هذه الأجهزة ووضع قيادات محترفة على راسها تضمن تسييرها وفق رؤية وطنية غير متحيزة لأي انتماء ضيق .

هذا المسلسل الدامي الذي لم يتوقف، بل هو في تصاعد مستمر ، وعجز الحكومة عن وقفه او حتى الحد من تصاعده، يجعلنا نشكك في وجود دولة او حكومة في هذا البلد الذي انتفض شعبه وقدم تضحيات جمة لإزاحة القهر والفوضى والتخريب، فإذا به يقع في براثن فوضى وارهاب تكاد تفوق ما كان يقترفه النظام السابق من حيث نوعيتها وأهدافها .. وإذا لم تبادر الحكومة المقبلة وبكل جدية وحزم الى معالجة الملف الأمني ووضع حد للتشكيلات المسلحة التي ترتبط بأجندات سياسية وقبلية وجهوية وعرقية، والبدء في حوار وطني يستهدف تحقيق المصالحة الوطنية وتحقيق العدالة لكل مظلوم ، وإذا لم يتم تفعيل كل الاجهزة الأمنية والعسكرية وتطهيرها من العناصر القيادية التي كانت على صلة مباشرة بقيادات النظام السابق وكذلك تطهيرها من العناصر التي تنتمي لتيارات متطرفة تسللت الى مراكز قيادية فيها بعد التحرير.. إذا لم ينجز هذا الملف في وقت قياسي بدقة وحزم لايقبل الجدل أو المجاملة، فإن الدولة الليبية ستبقى دولة على الورق لا تتجاوز فاعليتها حدود فندق ريكسوس حيث مقر المؤتمر الوطني العام، أو مقر الحكومة في حي بن عاشور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناتور أمريكي لنتنياهو: نقف بجانب إسرائيل في حربها ضد حماس


.. نحو نصف الديمقراطيين يدعمون استبدال الرئيس الأمريكي جو بايدن




.. ناشط يوثق اشتعال النيران في مستوطنة -كفار عتصيون- شمال الخلي


.. فوضى في شوارع العاصمة الهندية جراء سقوط أمطار قياسية




.. منافسو الرئيس الموريتاني يتهمونه باستغلال موارد الدولة لتحقي