الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكاتب بين الابداع والأيديولوجيا

رمضان عيسى

2012 / 9 / 19
الادب والفن


حدث أن التقيت مع مجموعة من الكُتاب فقررنا القيام بمحاولة لتجميع الكُتاب في تجمع يضم عددا من الكُتاب من مختلف الأعمار في ملتقى يطرح فيه كل كاتب آخر إبداعاته ومنتجاته الأدبية من رواية او قصة قصيرة أو شعر .
ثم جاءت الخطوة الأولى , وهي اختيار اسم لهذا التجمع الجديد للكتّاب. فاجتمعنا في مبنى " جمعية الثقافة والفكر الحر " في مدينة خانيونس التي انتصر المسئولين فيها لهذه الفكرة وأبدوا استعدادهم لتهيئة المكان المناسب لهذا الغرض وتمويل الاجتماعات الدورية بما يهيء الجو المناسب لاجتماعات الكتاب .
كانت الجلسة الأولى لاختيار الاسم وتحديد المواعيد وتوضيح الهدف من هذا التجمع . وفعلا , جرى طرح عدة مسميات , اخترنا منها اسما للتجمع وهو " ملتقى الابداع " . ثم جرى الاتفاق على تحديد مواعيد الإلتقاء , واتفقنا على أن تكون نصف شهرية . ثم وصلنا الى الهدف الضمنى من هذا الملتقى وهو التعرف عن قرب على آخر الإبداعات الأدبية المتنوعة , وتشجيع الأقلام الشابة لعرض إبداعاتهم من شعر وقصة قصيرة ورواية وغيرها من فنون الأدب .
حتى هذه اللحظة , كل شيء سار على ما يُرام , واذ بأحد الحاضرين يطلب الاذن للحديث , ولما سُمح له قال : انا لي تنويه مهم في هذه الاجتماعات , فقال له مدير الاجتماع , ما هو ؟ قال : يجب على كل الكُتاب الالتزام بالدين في كل ما يطرح في هذه الجلسات .
وهنا سأله مدير الجلسة طالبا منه أن يوضح طلبه هذا ومقصده , بأنه هل يقصد فض الاجتماع وأداء الصلاة حينما يأتي ميعادها , أو أن يلتزم الكُتاب والشعراء بالدين في إنتاجهم الأدبي ؟
فما كان من هذا الشخص إلا أن قال : أقصد أن على الجميع أن لا يطرحوا في اجتماعات الملتقى أي إنتاج أدبي يتعارض مع الدين , أي يجب أن لا يتعارض مع النصوص الدينية .
فقلت في نفسي , إن هذا حُكم على الملتقى بالموت قبل أن يُولد , إن هذا يريد أن يسجن المارد داخل الزجاجة ويغلق عليه . فالإبداع كالمارد , لا يقبل بالقيود .
فأخذت الاذن للمشاركة لأنه لا بد من توضيح الموقف بجلاء قبل البداية , فقلت : إن للأنتاج الأدبي متطلباته الفنية لكل شكل من روافد الأدب التي لا يجب ان يحيد عنها كل ابداع أدبي , وبها يقاس قوة الإبداع وجزالته من ركاكته , وجاذبيته .
أما الموضوع الذي يختاره الأديب في إبداعه فهو حر طليق له الحرية أن يختار ما شاء من مظاهر هذا الكون المادي والميتافيزيقي , وحتى المجتمع ومكوناته الفوقية والتحتية .وحتى أدق مكونات المجتمع وهي المرأة وإنتباهاتها العاطفية . فكل شيء ممكن أن يلتزم بقيود إلا الأدب , إلا الإبداع الأدبي , فليس له قيود وليس له سقف , فإن حلّق في الفضاء فلن يعيقه حدود لتحليقه , وان دخل في كهف , فلن يرهبه الظلام , وان سار في التاريخ فلن ترهبه سيوف الغزاة , وان دخل دير فلن ترهبه أجراس الكنيسة وان دخل في مسجد فلن تخدعه عمامة شيخ . فالأدب لا يعترف بقيود دين ولا سلطة ولا ميراث ولا جغرافية . ان روعة الإبداع ومتعته في كونه خارج عن السيطرة , فهو خلاق يخترق كل الحدود ويدخل كل الميادين والحدائق الغناء ولا يعترف بظلمة السجن ولا بسوط الجلاد .
وبعد أن يطرح الابداع مقالته ، يسمح للآخر بالمناقشة والنقد ، وهذا هو المناخ الرحب لتلاقح الآراء وتفاعلها .
ان وضع سقف للإبداع ضمن دين أو أيديولوجيا هو قتل للإبداع الأدبي , هو تقزيم للأدب في الشكل والموضوع .
أما كيف تدخل الأيديولوجيا في الأدب , فإن الكتاب ينحدرون من أصول طبقية اجتماعية مختلفة , فكل كاتب يُسطر إنتباهاته وإبداعاته الأدبية متاثراً بموقعه الاجتماعي , وآماله وطموحاته تكون من خلال هذا الموقع . أما الأحلام فقد تسحب الكاتب الى مواقع شتى مختلطة وغير ملتزمة بحدود طبقته الاجتماعية .
وهذا التنوع والاختلاف في الإبداعات الأدبية يولد ليس غزارة في الانتاج الأدبي بل وجاذبية منقطعة النظير , بعكس لو كان الكاتب واقع تحت ضغط حاجة أو سلطة قهرية أو أيديولوجية دينية تجعله يشذب من إبداعاته , أما أن يكون المبدع أو الكاتب متأثرا بهذه الأيديولوجية او تلك بمليء إرادته ضمن إيماناته الثقافية , فمعنى هذا أنه هو من وضع نفسه ضمن هذا القالب وحدد مسيرته الأدبية من خلاله .
ان الغزارة والتنوع في الإبداع الأدبي تجعل الأيديولوجيات تتلقف ما يخدم أدبياتها من الإنتاج الأدبي . كما يحدث في الاختراعات العلمية والأحداث اليومية في الحياة الاجتماعية التي تتلقفها الأيديولوجيات وتنشرها لتدعيم الثقة بمنهجها أمام مؤيديها وأنصارها .
ولكن هل هناك فرق بين الكاتب والمبدع في الأدب ؟
الجواب : نعم , فليس كل كاتب , مُبدع . ولكن كل مُبدع كاتب . لماذا ؟ لأن الكاتب قد يكون نقلي , أي ينقل عدة أفكار من كُتاب آخرين ويحشرها في موضوع , ولا يزيد عليه غير أن يضع له اسما .فليس في كتابته أفكارا جديدة , إنها تكرار بمسمى مختلف . ولكن يوجهه في اتجاه معين , لخدمة غرض معين . كما يحدث في الكتابات الدينية .
أما المبدع , فأفكاره فيها تجديد وخلق وابداع , وتخلو من النقل , وقد تتشابه المواضيع عند المبدعين , ولكن بأساليب جديدة ولها رنين مختلف , وتلقى القبول والجاذبية والمتعة عند سامعيها .
والكاتب مقيد بالهدف الذي يكتب من أجله , وقد يخدم مصلحة أو جهة معينه يوجه كتابته نحوها ويسلط الضوء عليها .
أما المبدع الأدبي فلا هدف عنده غير الجمهور , غير المتعة الأدبية , فهو يُخرج لنا مقطوعته الأدبية بشكل لم يسبقه أحدا له , بحلة جديدة واتساق تناغمي جديد .
ولكن لا يمكن أن ننكر أنه لا يوجد فكر مجرد , منزه عن الغرض , غير هادف . فكل الكتاب سواء نقليين أو مبدعين , يكتبون ونستطيع أن نتلمس أن هناك غرضا ما من هذا ,وهو تأييد أو رفض لفكرة ما والنتيجة لصالح أو ضد , من هنا فالكتابة وإن لم يشعر بها الكاتب هي مع , وضد .
فاذا كان الموضوع يسير مع العلم والتطور الاجتماعي فهو مع التقدم والتطور واذا كانت النتيجة تصب في صالح الأصولية والغيبية فهي نقلية , قبليه ‘ خلفية هادفة الى عكس المسيرة الاجتماعية الى الوراء ، الى الماضي .
من هنا فهناك سبيلان لا ثالث لهما للكاتب والمفكر , هو وعيه أن يكون مع التحرر من كل أشكال ظلم الانسان لأخيه الانسان أو انه بكتابته هذه يكرس هذا المنهج في المجتمعات الانسانية . أما أن يقول كاتب أنه حيادي وليس مع هذا ولا ذاك فهو في هذا الموقف مع سيادة الخطأ ويقف في صف العفوية والسذاجة ولو لم يعترف صراحة بذلك , فالحيادية الكتابية إما جهل أو انتهازية تخفي مصلحة غير منزهة عن الغرض . فالكاتب يجب أن يعي نتيجة كتابته الى أين تصب . لأن الآراء يتلقفها الجميع وتؤثر في المجتمع , والأفكار اذا حملها الشخص وتعممَت في المجموع , تصبح قوة اجتماعية تضر أو تنفع في الحراك الاجتماعي فيجب عدم الخلط بين الوعي في الكتابة وبين عشوائيتها , أو بالأحرى سذاجتها .
وفي الفلسفة يجب عدم الخلط بين المنهج المادي والمنهج المثالي في الكتابة , وفي الحياة يجب عدم الخلط بين العلم والخرافة . وفي المجتمع ، يجب عدم الخلط بين طموحات الفقراء وآمالهم في مجتمع أفضل ، وبين مساعي الأغنياء لتضخيم ثرواتهم ونسيان الجماهير الغفيرة الكادحة من أجل لقمة العيش .
فمن العجب العجاب ان نري كاتبا ينعت نفسه بأنه مع العلم والعلماء وترى كتاباته محشوة بالخرافات والأساطير وقصص اختطاف الجن لبني البشر .
من هنا فالكتابة لها التأثير القوي في حياة الناس سواء كانت شعرا أو نثرا , ويجب أن تُوجه لخدمة قيم الحق والخير والجمال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن


.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع




.. سكرين شوت | الترند الذي يسبب انقساماً في مصر: استخدام أصوات