الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثابت والمتحول في المعارضة اللبنانية

معقل زهور عدي

2005 / 2 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لايمكن النظر للمعارضة اللبنانية بوصفها كتلة سياسية ثابتة ومنسجمة ليس فقط انطلاقا من مكوناتها الرئيسة المتباينة ولكن – ولعل ذلك هو الأهم – انطلاقا من السياق الذي تتحرك من خلاله ، فلبنان والمنطقة العربية من خلفه يودع مرحلة بكل معطياتها العالمية والاقليمية والداخلية ويدخل مرحلة أخرى ، ويكاد يصبح كل شىء معرضا للتغيير بما في ذلك المشاعر العامة والأفكار ، انه عصر التحولات الكبرى ، وأبرز الاشارات وأعمقها مغزى دخول مئات الألوف من الصامتين والنائمين ميدان السياسة عن طريق النزول الى الشوارع .
لقد قرر المواطن العادي أن يكسر حاجز الخوف والصمت وأن يصبح رقما في صنع الاحداث بدل ان يكون صفرا ، وقرر الشعب بصورة مفاجئة للجميع وأولهم المعارضة ذاتها أن يلعب هو لحسابه الخاص بدل ان يكون موضوعا للآخرين من أحزاب وقوى سياسية وحكومات . لقد اكتشف الشعب اللبناني ذاته في جنازة الحريري وعلى الفور قرر أن لايغيب بعد اليوم عن ساحة الفعل ، وحين دعت المعارضة لمسيرة ثانية بعد أسبوع لم يكن يخطر ببال أكثر المتفائلين فيها أن مئات الألوف ستنزل ثانية الى الشوارع ، اما اليوم فقد أصبح مؤكدا ان الشعب اللبناني مستعد للنزول الى الشارع ثالثة ورابعة وخامسة ، وأصبح هو القوة الكبرى المحركة للسياسة في لبنان .
انتهى زمن الأجهزة ، والقوى الخفية ، والمليشيات ، وأصيبت العصبية الطائفية بضربة في الصميم حين سار المسلمون والمسيحيون ( ربما لأول مرة في تاريخ لبنان ) بعشرات الألوف جنبا الى جنب باطمئنان وثقة . قبل استشهاد الحريري كانت المعارضة شيئا وبعد استشهاده أصبحت شيئا آخر ، وقبل الجنازة والمسيرة كانت المعارضة شيئا واليوم أصبحت شيئا آخر ، وبالتأكيد فان التحولات لم تنته بل بالكاد قد بدأت .
ليست المعارضة والحركة الشعبية الوليدة شيئين متطابقين وان ظهر الأمر كذلك حتى الآن فكل منهما يستعين بالآخر ليؤكد ذاته . الحركة الشعبية بحاجة لأطر تنظيمية ورؤيا سياسية وأهداف مرحلية ، والمعارضة بحاجة الى ساعد الحركة الشعبية لتصنع لها رصيدا من القوة يمكنها من فرض ارادتها في التغيير ، وشيئا فشيئا تدفع الحركة الشعبية المعارضة الى اعادة النظر في ذاتها وبرامجها ، بينما تدفع المعارضة الحركة الشعبية للتوسع ، في ظل واقع متبدل كهذا يغدو من الصعب تقييم المعارضة تقييما سكونيا يتصف بالتماسك والثبات ، ويغدو أكثر منطقية التعامل معها بشىء من النسبية بوصفها حركة معرضة للتغير المطرد .
اما الحركة الشعبية فهي أيضا في تبدل سواء في ذاتها أو في علاقتها بالمعارضة . تتكون المعارضة اللبنانية من كيانات سياسية غير منسجمة ، فالمارونية السياسية بفروعها الثلاثة ( التيار الوطني الحر ، الكتائب ، القوات اللبنانية ) تمتلك أجندة تقليدية تعود الى عصر قد انتهى ، وتصورها التقليدي للبنان التائه بين الشرق والغرب والملحق بالغرب لم يعد له وجود منذ زمن طويل ، حيث الهوية العربية أصبحت قدره المحتوم كما كانت دائما .
تحمل العولمة في سياق تدخلها في الوضعين اللبناني والسوري صورة استعادة لدور الغرب المنقذ لمسيحيي لبنان والمتحالف معهم وذلك هو أخطر وهم لل ( المارونية السياسية الجديدة ) ، ولكن الحقائق الثابتة الديمغرافية والاقتصادية والاقليمية تعمل على شطب ذلك الوهم أو تحجيمه ، وبصورة خاصة فان التفاعلات الداخلية الناجمة عن ولادة الحركة الشعبية تساهم في خلق ديناميكية تبادل التأثير والاندماج بين مكونات الشعب اللبناني وسوف تؤدي تلك التفاعلات في حال استمرار الحركة الشعبية الى اضعاف الروح الطائفية التي لاتنمو سوى بجو العزلة والتعصب وبالتالي انهيار تدريجي لجذور المارونية السياسية في طبعتها القديمة مما يفتح المجال لها لاعادة انتاج ذاتها لتنفتح على انتماء وطني – عربي – ديمقراطي .
ان السؤال الكبير الذي سيشكل مفتاح التحول للمسيحي اللبناني هو : لماذا الاستعانة بالخارج ؟ وضد من ؟ ولأن أشباح الحرب الأهلية ومآسيها مازالت ماثلة فلن يتردد المسيحي اللبناني في طرد تلك الفكرة المؤذية حين يجد الطريق مفتوحا امامه بالوسائل الديمقراطية للأندماج الوطني والتغيير .
أظهرت المارونية السياسية داخل المعارضة اللبنانية حتى الآن اتجاهين متناقضين :
الأول يدفع باتجاه شيطنة سورية واستبدال العدو ( الاسلامي ) بالعدو ( السوري ) وهذا يستبطن تقمص التعصب الطائفي للتعصب ( الوطني ) وكأن المارونية السياسية تحاول الهروب من الافلاس التاريخي للتعصب الطائفي نحو انتاج تعصب ( وطني – طائفي ) يضمن لها البقاء وربما السيطرة لاحقا عبر الدعم الخارجي ، وستبرهن الأحداث لاحقا فيما اذا كان مثل ذلك التعصب قادرا حقا على الحياة .
الاتجاه الآخر : يتضمن التحول نحو مارونية سياسية أكثر انفتاحا وتسامحا وأقل تسلطا تحت تأثير دروس الحرب الأهلية ، ووعي الحقائق المستجدة الديمغرافية والاقتصادية والاقليمية وتمثل ذلك الاتجاه النخب الأكثر ثقافة والأقل استئثارا بالسلطة والثروة .
ربما تعتقد المارونية السياسية اليوم أنها تتزعم الحركة الشعبية ، لكن ذلك لايعدو ان يكون مكرا للتاريخ ، فانخراطها بالحركة الشعبية الاسلامية – المسيحية سيؤدي الى احداث تغييرات كبرى في بنيتها وفكرها أكثر مما يؤدي الى استخدامها لتلك الحركة . وأول مثال على ذلك نلاحظه في ردود الأفعال السريعة والقوية من قبل النخب اللبنانية ( ضمنها المارونية ) على نداءات المثقفين السوريين الديمقراطيين بضرورة الابتعاد عن اهانة سورية وعمالها واخراج ذلك من أجندة الحركة الشعبية. وسيكون انعكاس ذلك في الشارع مؤشرا هاما للتغيير الذي تفرضه النخب عبر الحركة الشعبية ومقاومة انحدار الوعي نحو الغريزية والتعصب لدى البعض بصورة عامة .
تتسم زعامة وليد جنبلاط بقدر أقل من التماسك الايديولوجي بالمقارنة مع المارونية- السياسية كما تتسم بالقابلية لتعديل المواقف ، وتختلف في وعي الانتماء العربي . تلعب تلك الزعامة دورين هامين ضمن المعارضة اللبنانية فهي الزعامة الأكثر بروزا ( ويعكس ذلك حقيقة ضعف المارونية السياسية ) من جهة كما انها تقوم بدور المعدل لنزعات التطرف لدى بعض أطراف المارونية السياسية .
يشكل انضمام كتلة رفيق الحريري للمعارضة تغييرا جذريا في بنيتها سوف ينعكس لاحقا في سياسة المعارضة وبرنامجها ، وقد ضمنت المعارضة بانضمام كتلة الحريري الطابع الوطني وشعبية رفيق الحريري الواسعة.
القاسم المشترك اليوم للمعارضة اللبنانية هو انهاء تحكم الأجهزة الأمنية اللبنانية – السورية بالحياة السياسية وانهاء وجود القوات السورية الذي ارتبط بذلك التحكم واعتبر أساسا له ، والحقيقة التي يجب تذكرها ان الوجود العسكري السوري لم يكن في ذاته ليصبح عرضة للهجوم لولا سياسة الهيمنة والتحكم والمساوىء التي لايمكن تحملها التي رافقت ادارة العلاقة السورية – اللبنانية ولكن ذلك لايصلح الآن سوى كدرس للتاريخ .
وعلى اية حال فان طريقة تحقيق ذلك الهدف وتحجيم النزعات المتطرفة والتعصبية التي تريد تحويل التعصب الطائفي الى تعصب ( وطني ) موجه ضد سورية والانفتاح على الهوية العربية للبنان ( العروبة الديمقراطية ) والحوار الايجابي مع الآخرين خاصة المقاومة في الجنوب سوف يؤدي الى تحول المعارضة الى حركة تغيير ديمقراطي فاعلة وشعبية ، ولابد ان يمر ذلك التحول بالثقة بقدرة الشعب اللبناني الذاتية بدل النظر للخارج الذي يمتلك أجندة لاتتطابق مع مصلحة الشعب اللبناني ومستقبل استقراره.
وعلى النقيض من ذلك فان الاستسلام لوهم التحالف مع القوى الدولية ، والسعي لتحقيق أجندة استعادة عصر ذهبي مفقود للمارونية السياسية القديمة ، والتفكير بعقلية الاستئثار النابعة من نظرة عنصرية ضيقة ( حكم النوعية ) سوف يؤدي الى تمزق المعارضة أولا ، والعودة تاليا الى أجواء الانقسام والشحن الطائفي التي مهدت للحرب الأهلية ، ومثل ذلك الاحتمال غير وارد بالنسبة لأي عاقل في لبنان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس