الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا ظِلّها

يحيى علوان

2012 / 9 / 20
الادب والفن




بِدوشٍ بارِدٍ ، نَفَضتُ غُبارَ النُومِ .. غادَرتُ أَمسي ، أرتديتُ الصبحَ البَهِيَّ ،
وللخبّاز ، في الركن .. عندَ موقف الباص ، مشيتُ .
ناصِعاً كان الصبـاحُ .. مَغسولاً كأصباحِ طفولَةٍ هَارَبَةٍ ،
صبـاحٌ بشمسٍ مُتَبَرِّجةٍ تَتركُ الظِلَّ يُجرجِرُني وراءَ ه ..
صبـاحٌ باهِـرٌ ، لا يُشبه أَصباحَ برلينَ " المُتَقَلِّبَة "، بَعثَرَنـي ..
لَمْ أَعرفْ ما إعتراني .. أهوَ حُزنٌ أَم بَهجَـةٌ .. ولمـاذا ؟!!

ضريرَ الخطـوِ ، مَشَيتُ .. أَكرَعُ وهمَ العمـرِ ..
ساهماً ، والدربُ أَعمى ،
ما دَرَيتُ أَنّـي أَحمِل نَعشي داخِلَ صَـدري ..
أُدَندِنُ بلحنٍ لَـمْ يُفارقني مُـذْ صَحـوتُ باكِـراً ،
............................
عَثَرتُ بِحَصـاةٍ ، أَخَلَّتْ بتوازني .. إنحنيتُ أَلتَقِطُها ..
جَوزيَّةً ، مَلساءَ كانَتْ .. مثلَ بَشَرَةِ طفلٍ صغيرٍ ..
ظِـلٌ داسَ ظِلِّي .. رَفَعتُ حاجبي .... تَحَجَّـرَت الكلمـاتُ ، ولَمّـا هَمَمْتُ ،
تَقَطَّعَت حبالُ الصوت ، فسَقَطَ الكـلامُ بداخلي ، مثلَ صَخـرَة ...
ما الذي أَحضَرَكَ الآنَ سيدي النَّفري* ... ؟؟!!
كيفَ لي أَستنطِقُ الخَرَسَ عَمّـا يَتَمَنَّعُ عن التَوصيفِ .. ويَستعصي على التسمِيَةِ ..؟!!
وهَلْ خَبِرتَ ، سيدي ، كيفَ أَنَّ نَظرةً تَفي لِتُزهِرَ الدهشَةُ وُجومـاً .. ؟!

كـانَ ثوبـاً كأثوابِ المقاتلينَ الأغريقَ أو الرومان .. !
ثَوبٌ ماتَ بشَهقَةٍ ، ثُمَّ فـاحَ غوايَـةً .. !
أَسرَعَتْ بظِلهـا تَقرَعُ رصيفَ الوجَعِ لاهِيَةً ..
تَسبحُ في لُجَّةِ دهشَتي .. تُفَّاحتُها الضاحكةُ تَسخرُ منّي غامِزَةً ،
هَرَبَ الزمانُ .. لَمْ يُبقِ لدَيَّ ما أَحسِبُ بـه نَبضاً يصرَخُ ، فتَغلي شراييني ..،
لا وقتَ لحساباتٍ أُخَر ، فخرائطُ العمـرِ ظلَّتْ مُتخَمَـةً بلَهفَةِ عِشقٍ أَبكَمٍ ..
ولَمَّـا بانَ عَجزي عن إفلاتِ صرخةِ " من أَيَّةِ لُجَّـةٍ أتيتِ ..؟! "
قَرَّرَ ظِلِّي أَن يثأرَ لخيبتي .. ! أَبقى مسافَةً بينَنا .. أملؤهـا بما تَهالَكَتْ بـه المعاني ،
أُذيبُ بها حَسرَتي ، وأَصيحُ بداخلي .." من أينَ أَتيتِ بهذه الفِتنَةِ ، يا أمراة ؟
وَحدَكِ مَنْ يَقطَعُ عليَّ وحشتي ..!
بكِ تَصهَـلُ شراييني ،
أَما تَخافينَ ، يا أبنةَ الناسِ ، من نِبـالِ النُظّـارَةِ ..؟ تُشعِلينَ أَكبـادَنا ، وتَترُكينَ قلوبنا
ترقُصُ مثلَ سيوفِ غُزاةِ المَغـول ؟!
ما لَكِ تَسحَلينَ اللامُبالاة مثلَ جريدةِ نخلٍ يابسة ؟!"

آهٍ ! كمْ هيَ مُربِكةٌ دُروبُ الهـوى ، تُقيِّدُ خُُطـايَ ، كلّمـا حاوَلتُ أَنْ أَخُطَّ علـى
مراياها ما يَعِـزُّ على البوحِ ..

* * *

رُحمـاكَ ، يا ظِلَّهـا الشَفيفِ ، كَثوبهـا الشَحيحِ ، خَفِّفْ خَطوَهـا .. !
مَنْ سيتكَفَّلُ بنـا ، بعـدَما هَيَّجَتْ فينـا كُلَّ عـواصِفِ الرغبةِ ؟!
ومَنْ سينقِذُنـا من ضَجيـجِ جَسدٍ أصابنا برعشةٍ ، تَرَكَنَا نَتلَوّى ،
فَنَسينا غَزْلَ صوفِ اللهفَةِ ..!

كانت تمشي بغَنَجٍ فاضِحٍ .. إِستحلَبَ نَميمةَ النسوَةِ السميناتِ ،
يُمسِكُ بتلابيبِ العينِ ، يدُسُّ طلاسِمَه في مواقِدِنـا ،
حتى تَشبَّ الحرائقُ في مواضِع الوجَعِ ..
عندَ موقف الباصِ توقَّفَ ظِلُّها .. إستندَ إلى عمودٍ ، فَمالَ ،
فَـزَّ ظِلِّي ، يُجرجرُني ، مذعوراً .. كيفَ سَيَلُمَّ بَلّـورَهـا إنْ سَقَطَ ظِلُّها على قَفاه
وتناثَـرَ ..؟!
كنتُ ألتهمُهـا ، وأَشحنُ بهـا ذاكرتي النحيلة ،
لَمّـا وصَلَ الباص ، فتوارى ظِلُّها فيـه ..
وفيمـا كنتُ أَتَأرجَـحُ .. أَأَتبعُها أَمْ لا ؟! تَحرَّكَ الباصُ ، وحرَّكَ ما بداخلي ، حتى تَمَرَّدَ
بي لِحـاءُ السكونِ ، فَغدوتُ كعاشِقٍ هَـدَّه الوَسَنُ ، يؤَمِّلُ النفسَ بطيفها ، ذاتَ رؤيا !
.........................
إلتَفَتَ إليَّ ظِلّي مواسياً :" لا تَحزَنْ ! فقدْ فُزتَ بطيفها .. سَيُمَسِّدُ أحلامَكَ ، ويطردُ عنكَ
الكوابيسَ .. كَفاكَ مَكسَباً !! "

ـــــــــــــــــــــ

* "كُلَّما إتسَعَت الرؤيا ، ضاقَت العبارة " .. مقولَةٌ شهيرةٌ لأَهمِّ مُفَكِّرٍ صوفيٍّ بعدَ الحلاّج ، هو محمد بن الحسن النّفري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها


.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-




.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق


.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا




.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟