الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نص.. قراءة في لوحة -بوهيمية- للرسام ويليام بوغيرو

محمد عبعوب

2012 / 9 / 20
الادب والفن


كلما تناولت مجلة الثقافة الجديدة القاهرية التي تتصدر غلافها الخارجي خِلتها قبالتي بدمها ولحمها، أكاد أسمعها تستأذنني بفرنسية رقيقة في العزف على تلك الالة التي تتعيش من ورائها، بل أجزم أنني اراها وهي تتمايل مع تقاسيم موسيقاها محاولة جذبي الى ركح الرقص الحر في ذلك الشارع، إنها ملهمة الرسام الفرنسي ويليام بوغيرو -عاش خلال النصف الاول من القرن التاسع عشر- في رسم رائعته "البوهيمية" .. جلست تعرض غذاء للأرواح المتعطشة للفرح على ناصية طريق عام، حافية القدمين في ظل شجرة حور على رصيف الشارع تتدثر بأسمال جمعتها كما اتفق لتقيها برد المدينة القارس، ترسل شعرها الغجري الأسود على كتفيها ليمنحها جمالا طبيعيا زاد وجهها الطفولي جمالا وإشراقا رغم حالة العوز والحرمان التي تبدو عليها.. تحتضن كمنجتها وقد تشابكت اصابع يديها منتظرة زبونا تعطشت نفسه لغذاء الروح.. الطريق محاذ لنهر انتصبت على حافته المقابلة قلعة تاريخية محاطة بمرج أخضر يعيدنا الى العصور التي كانت فيها الطبيعة هي سيدة المشهد.. نظراتها توحي بنوع من اليأس او التعب من المنادة على زبائن محتملين لم يأتوا، لكنها تفيض ايضا بالامل القادم .. أكاد اسمعها وهي تنادي :
- معي غذاء للروح.. معي لحظات فرح.. معي سفر في فضاء لا متناهي لاحدود له لا موانع امامه لا ضرائب عليه.. هل من مشتري؟

تستعرض بنظراتها نهر المارة المتواصل أمامها، كل يذهب في شأنه إلا هي لم تصادف شأنها الذي تبحث عنه في أعماق هذا الطيف البشري من مختلف المشارب والأذواق.. حدثت نفسها مستجدية الحظ عندما رصدت كهلا يمشي متعثرا :
- اعتقد ان هذا الكهل الذي يتوكأ على عكازه يحتاج الى لحظة فرح تعيد له ومضات من شبابه الذي ولَّى.. إنه ينظر الي .. هيا جد بقطع من نقودك التي حتما ستذهب كما غادرك الشباب، هيا يمكنني أن أرحل بك عبر الزمن الذي ولى .. وتطلق وهي تساير خطواته الوئيدة نغمات فرح وحبور من كمنجتها، تشاكس روحه.. تدغدغها علها تدفع يده الى جيبه.. لا يستجيب ربما هو أصم.. لكنه مؤكد انه ينظر ويراني .. لماذا لم يلق في يدي اي قطعة نقود؟ ربما هو ايضا فقير!!

تتركه لتلاحق عاشقين وقد احتضنا بعضهما وهما يحلقان في سماء الاحلام الوردية التي تفيض بها خيالات العشاق.. محدثة نفسسها :
- ياللعاشقين المشتبكين في لحظات وجد!! لو يدعياني لتزيين لحظاتهما بموسيقى من كمنجتي، حتما سيكون المشهد أحلى لهما ، واضمن أنا ثمن ما اسد به رمقي..
لاحقتهما متعثرة وهي تعزف مقطوعة راقصة تخاطب وجدانهما وتلامس شغاف قلبيهما.. التفتا اليها بابتسامة مجاملة وواصلا السير.. سبقتهما لتقابلهما وهي تصر على إثارة كرمهما عزفا شجيا تطلقه عبر كمنجتها .. توقفت الفتاة مبتسمة وشدت اليها عشيقها .. اجتهدت هي في العزف، إذ بدت البشائر مع تلك الابتسامة.. اكملت معزوفتها وتوجتها بابتسامة فرح للعاشقين، امتدت يد العاشق اليها ، ولامس كفها برودة قطعة نقد جادت بها يده مع ابتسامة رضا كانت هي زادها لمواصلة البحث عن قوتها في بيع الفرح لآخرين يلقي بهم الشارع أمامها..

جلست تتحسس قطعة المعدن الباردة في جيبها، وتنقل نظرها بين المارة علها تفوز بزبون آخر يؤنس وحدة تلك القطعة المعدنية اليتيمة في جيبها بأخرى.. لاح أمامها شخص في العقد الخامس من العمر تقريبا ممتلئ الجسم يشد بنطاله الى كتفيه بمشد يحمل حقيبة جلد ويرتدي بدلة سوداء تشي بمهنته كتاجر او مهني ثري .. اعترضته بخفة وهي تعزف والابتسامة تفيض على محياها، لعلها تفلح في بعث الحياة في اوصاله التي جردتها هموم الدنيا من الروح .. يواصل السير لكنه لم يكن موجودا هناك.. كانت تعزف لجثته!! فروحه تلك اللحظة تهيم بين البنوك واسواق المزادات ولم ولن تعرف للمسيقى طعما .. تركته بعد ان عرفت انه لم يكن هناك مطلقا، قائلة:
- يا له من جاحد يقتر على روحه ويحرمها من لحظة طرب ثمنها لا يوازي ثمن كاس جعة يحتسيها في لحظة.. لا بد أنه تاجر أعمته المادة عن الروح وفارق روحه ليتحول الى مادة متحركة..

لم يؤثر فيها هذا الجحود، إذ تقابل يوميا نماذج كثيرة من البشر منهم من يفوق حجود هذا المسكين.. عادت الى مجلسها تتفحص الشارع.. ثلة من أطفال مدرسة يتسابقون ويتشاغبون .. زرعوا فيها لحظة فرح .. عادوا بها الى سنوات البراءة والصفاء.. فاض الفرح على محياها بابتسامة مشرقة لهم وقابلتهم عازفة لهم على اوتار قلبها متراقصة أمامهم قائلة في قرارة نفسسها:
- تعالوا أحبائي الصغار انتم ملائكة الدنيا سَأُطرِب نفسي بإطرابكم.. هيا هذه لكم مجانا .. انتم أجدر بها من كل هؤلاء المارة ..
رقصت البراءة وضكحت ملئ شدقيها على وجوههم الملائكية وشاغبوها فزاد طربها عزفا فرائحيا وحلقت معهم بعيدا بعيدا حيث الفرح يعم الأجواء ولا مكان لنكد الدنيا وهمومها.. ودعتهم بعد عودتها بروح راضية .. لقد عوضوها ما لم تحققه من ذلك الجلف المنفصل عن روحه.. لعنت في نفسها كل تاجر تستعبده المادة .. شيعت ثلة البراءة بعينيها حالمة لو يعود بها العمر الى هناءات البراءة..

جلست الى ركنها في ظل شجرة الحور نظرت الى كمنجتها .. تبسمت لها في حنان وعشق.. اليست هي رفيقتها في توزيع الفرح والطرب على من لم تفارقهم أرواحهم، ثم سرحت بنظرها تلاحق الأمل الذي لم يفارقها وهي تطارد قوت يومها على تلك الناصية.. لحظتها كما يبدو لي كان الفنان المبدع وليام بوغيرو يقابلها على الرصيف يختزل في خياله كل خلجات نفسها وقسمات وجهها ليجسدها لنا في هذه اللوحة الناطقة التي قد تقدم عشرات اللوحات الناطقة لهذه الفاتنة البوهيمية، لكل من زاويته..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز


.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال




.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا