الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كائنات الموسيقى

فاطمة الشيدي

2005 / 2 / 27
الادب والفن


(!)
أم كلثوم : ساقية العشاق
صوت نصل ينغرس في أرواحنا واهبا لها رفعة الفرح ، وشجن الصمت كلما تهدج بالعشق ، العشق الذي تربى قويا حيا في مخاتل صوتها حتى جاء وارف الظلال ، عشق الله والوطن والناس والحبيب ، صوت مكتنز بالوعي ، مغمور بالفتنة حتى آخر شهقة ، رهيف بلمعان قادر على أن يدحرج شظاياه إلى أغوار الروح الهشة ليلقنها فتنة العبث على أوتار اللهفة ، صوت مخاتل في عذوبته ، غريب في أنوثته ، يلزمك أن تفك شفرته الخاصة جدا حتى تتربع على مقاعد الصف الأول منه ، لايهديك ذاته بسهولة ، مغلف بالكثير من الأوراق القوية ، الغير راغبة في إغراء كل العابرين ، صوت يبحث عن من يبحث عنه ، يبحث عن قارئ مشغول بالجمال ، مهووس باختراق الحجب ، مشتغل بوفرة على تشذيب وتهذيب روحه لترقى أن تكون في مستوى هذا الصوت الذي كورت السماء بحته بيديها بعناية فنان يتلمس المغايرة ويتوسل الاختلاف .
حين تستمع أم كلثوم فأنت هيأت نفسك سلفا للتخمة ، وقدّرت أنك مختلف وغير معني إطلاقا بالسريع والجاهز والمباشر من الأشياء ، وقررت أن تجلد نفسك لساعات في محراب الدهشة التي تمد أطرافها لتمسدك بكلك من روحك حتى آخر قدميك ، لتخرج من محرابها مغسولا بالدهشة ، منتشيا بالفتنة والجمال ، حاملا بين جنيك مايكفي لأن تقارع حواشي الأشياء ، وهوامش الفراغ المدجج باللاشيء ، خرجت حقيقيا بما يكفي لأن تعالج المسافة بين الجمال والقبح والحقيقة والزيف في زمن مصاب بالدوار .

(!)
عبد الحليم : آخر زواجل العشاق

صوتٌ حمامة مربوط في ساقها اليسرى ورقة صغيرة وهشة وصفراء كتب عليها(أحبك ) ، ورقة تسافر عبر الريح والمطر والظلام لتصل تماما إلى حيث عاشق وحيد ينتظر بلهفة ( بحلم بيك أنا بحلم بيك ) ، صوت جريح ترك نزفه يسافر في أرواحنا حتى نغتسل على أثره بالبكاء والحنين ، تركنا مدمنين لصوته الذي يدس خنجرا دافئا في ملامحه ليغرزه في الجهة اليسرى لكل من يستمع له بهدوء جم ، تركنا عشاقا أو حالمين بالعشق لمجرد أن نسمع منه لحنا يجعلنا نشتهي الألم والعشق والحزن ، صوت جعلنا نتقمص دور العشاق ونخبأ أغنياته تحت وسائدنا وبين جفوننا ، كأننا نخشى عليها من العواذل ، صوت قدّم للعشاق هدايا للخصام وللقاء ولأعياد الحب ، قدم لهم أدوية للوحدة ، وعلاجات للسهر ، وترياقات للذكرى والعشق الناضب ، صوت مثقوب لطخنا بنزف حنجرته الأحمر الجارح للنسيم وللصمت ، ولطخنا بحنينه الشجي الذي كان ولا يزال يختصر كل رسائل العشاق ، وكل هذيانات الشعراء والكتاب ، وكل دموع العذارى بأغنية واحدة .
(!)
فيروز: غيمة تستنزف الطهر
حنجرة وطن ، فرح / حزن أوسع من رئة ، حين تستمع لها لا يمكن إلا أن تدخل ذلك الوطن ، وعندما تدخله لا يمكن ألا أن يحتويك ذلك الصوت المشحوذ بالفتنة ، لايمكن إلا أن تلملمك أجنحته الطويلة جدا وذات الزغب الحاد لتكون متكوما بكلك فيه كطفل في رحم السديم ، لا إطار للصوت لذا تدخله بلا قدمين ، لاتحتاج إلا لمظلة تنزلك حيث هو تماما،و ربما لهذا فقط يمكنك أن تسكن هناك طويلا ، بحيث لاتخدشك حواف الأطر ، ولا يؤلمك شعور الخوف من الجدران .
فيروز شلال الضوء المتكسر على لحن مستوفي شروط الروحنة ، الحنجرة الخضراء التي تنمو فيها أعشاب البحر ، ويزهر فيها مرجان الدهشة الذي يسرقك عميقا منك ، ومن الكون ، صوت ممتزج بلثغة الشرق ورائحته ، وارتباكة العدو وراء جملة لحنية جديدة ، سهاد طويل من اللغة الملعونة كتفاحة خارجة للتو من بهاء روح شاعر أو من الجنة ، صوت له جاهزية انفجار لأرواح متمددة على فتنة المجهول وروعة السفر في البعيد .
هكذا فقط يمكننا أن نقرأ ذلك الصوت المتهدج بالفتنة كنشيج سماوي ، وكجناح حربة مترفة توغل بحدة في كبد جسد حي ،لتزرعها ألغاما ووروداا.
مشجب يعلق عليه النور ذؤاباته الحارقة لتشتعل ، مساءات معتقة بالحنين والرغبة في البكاء ، جوازات عبور للأرواح المنتسبة للجمال كرهان خاسر في زمن الحيف والجفاف .
(!)
مرسيل خليفة : جرح يتدفق وطن
جرح يحمل الوطن بين جنبيه ويغرد ، يغرينا بإثم التلصص على أعصابه التي تبرز لنا زرقاء / خضراء / حمراء ، يغرينا بلهفة الطيران والتحليق والرقص الخرافي .يدغدغ العود ، يجرحه ، و الجسد الوتري أبدا طيع بين يديه بشكل يدعو للدهشة فحينا يقسو علي أوردته فيئن وتارة يشتد عليه فيعوي وتارة يسامره بحنان فيكركر ، الامتثال بين يديه أجمل من معصية وألذ من امتثال بين يدي وهم ، حين تستمعه لا تملك من أمرك شيئا تطير / تحلق 00ينبت لك زغب 00 يستطيل وينمو قليلا قليلا حتى يتحول لريش يشكل أجنحة صالحة للطيران 00بعد فترة يصبح الجميع في الأعلى لا أحد على المقاعد 00 يتفاوت الجمع ارتفاعا حسب الانسكاب في اللحن وحسب ما ترتشفه الأرواح التي تسبح في الفضاء الهلامي كضوء القمر ، وثمة امرأة / جنية / حورية (خرافية ) خضراء تجمع حنين أجسادنا في الأسفل ، تتكلم لغتنا جميعا 00 نراها بلا عينين تخلع حذائها في وجه الصمت وتتكلم بفصاحة جسدها تدور كفراشة أصابها السكر 00 ترقص بهستيرية تارة وبغنج تارة أخرى ، تدور ، تتثنى ، تتهادي ، تتمايل ، ثم تشتد كصارية ، في ثوب أسود (إمعانا في جنائزية الرفعة ) أشبه بحمامة في لحظة عزاء تنقض حدادها وتحتج على الفقد ، امرأة يتقمصها كل جسد ليعلن حالة التمرد / التخلي / السخط بشكله الخاص .
وثمة فيلة صغيرة تتمشى على الجروح والمخيلات ، تدهسها ،و ساحرات صغيرات شبه عاريات، وحواة ، والكثير من سحر الشرق ، نساء يلبسن ثياب الأندلس ويتمايلن على الموشحات ، كائنات ساحرة تملك أظافرا من نحاس وأجساد من ياسمين ، تقتلك وتحفرك ترافق مرسيل في حله وترحاله .
مرسيل الذي يغني الشعر ، ويغنينا ونغنيه 00 يسرقنا منا بملء إراداتنا وكل ما يعني الجمع أن يعبأ تلك الدهشة في مفاصله وأوهامه وتهويماته زادا لمحل قادم لامحالة بعده .

(!)
خالد الشيخ : كمنجة لها لثغة العصافير وبلاغة الطفولة
تقاسيم الملح والفرح على أوتار الأجساد المسترخية على عشب الغابات الآدمية المطرودة سلفا من بهرجة الفوضى وصمت الأسئلة "لماذا كل هذا الثغاء والضجيج"؟؟ حنجرة ثرثارة بالخضرة الموغلة حد الجرح ، صوت قادم قادم لداخلك لايحتاج تأشيرة دخول ، يدخلك هو ، يسكنك من مسام الجلد حتى ياقات الروح .
يستوى بينك وبينك حد أن يعربد في خباياك هياما لتتلاشى فيه قطرة قطرة ، تمتزج به تماما حتى تصبح لحنا ، كلمة ، صوتا ، شيئا يجمعهما .
هكذا كلما استمعت إليها شعرت بالنصر ، شيء منك ينتصر على شيء منك ، صوته قهوة محلاة بكريمة ، كلما استمعت إليها أحسست بالانتعاش ، باليقظة ، تباغت سأمك اليومي بالجمال ، صوته شراع منتفخ ومهيأ تماما للإبحار ، في صوته غابة وكمنجة وبحر ، ورنين أصداف تشكل خشخشة عذبة كخلفية للصوت الذي يمتص منك الحنان والحنين ، ويجرفك على هاوية الفرح بقدمين عاريتين تتذوق بهما طعم الحياة ولذة الفرح ، ولثغة طفولة غادرتنا سريعا ولم ننتبه ، في صوته خلاخيل امرأة غجرية تسافر مع الريح وتفرد ظفيرتيها كشراع للقادم منها ، خالد الجديد كوجه البحر الأزرق كل يوم ، الصوت الذي يحولك لطفل في غمضة عين وانتباهتها تخلع حذائك وتهرول نحو البحر لتستمع لهسيس الشرعة ولصوت الموج ولتجمع الأصداف ولتتنفس بحرية ، صوت يعلمك كيف تتذوق الحرية والحياة والحب بلا ألم ، يجعلك تحب بلا ألم ، وتتألم بلا ألم ، صوت المستقبل المفتوح على الاحتمال والآتي ، لايقف ، ولايتشدق ، بل صوت مقامر بالحنين والرعشة ، وكبحار لاشيء لديه سوى أن يطلق روحه وأشرعته للبحر وللسماء يجيء خالد الشيخ فقط .

(!)
ماجدة الرومي : رفعة الحلم وصلوات الدهشة

ماجدة الصوت المعادل للحلم بأشكاله الراقية ، ولغاته المحنّاة بالطهر والجمال ، حين تستمع لصوتها المتصاعد صلوات ، تلمح فراشات بلون قوس قزح تؤثث الذاكرة وتملؤها بشيء من الرطوبة والفن والجمال
حين تستمع لها تتعتق الدهشة في قوارير الروح ، وتجبرك على الحلم وعلى الصمت ،الحلم الذي يمتد من خلال صوتها طويلا عميقا ليرخى على كتفيك وهجا كالصحراء ، صوت يمسد كل الوجع الممدد داخلنا ليجليه ويبرزه شهيا لذيذا.
صوت خرافي يتسع كلما أوغل النشيج في الامتداد ، صوت سحري يمتد عبرك حين تستمع ، يطالبك بها ( ابحث عني ) ، ليست قريبة ، لا سهلة ، تحتاج أن تحفر بأظافرك مكامن الجمال لتبحث عنها طويلا لتجدها.
حين تتلبسك تشعر أن ثمة طيور صغيرة تطير من الحنجرة الذهبية ، وحقول تفرد سماواتها الملأى بالزهور أمامك ، تتململ في زاويتك كأنك نغمة في مفاصل الأغنية ، شيء من اليقين بالجمال والفرح والعلو ، وشيء من الاستعداد التام للتحليق ، أو لعل كل ما يحدث صلوات صلوات.
(!)
محمد عبده : صداع في جبين اللغة

صوت خمري مغسول بالملح والحزن يجرحك00 يشطرك 00 يرفعك للأعلى ثم يهوى بك في واد سحيق 00 تفاصيل صوت شجي تبرز بحيث تلمحها ، تتصل بها ، تستحضرها كأوتار وتعزف ألحانه عليها ، محمد عبده الصوت الجنائزي الذي يتذوق اللغة بلذة شاعر وتسيل من فمه شهدا لا يجرؤ الجميع على تذوق لذته ، صوت مشحوذ بعناية في بهاء الشرق ، مشدود كوتر عود عربي أصيل ، مزين بتفاصيل الرائحة النفاذة التي تشبه القهوة المحلاة بالهيل ، صوت له رائحة خارقة تتصاعد إلى الرأس مباشرة كالسكر ، صوت يذوب في روحك ويذوبك في صوته حتى تتلاشى من شدة الخدر أو من شدة اليقظة ، صوت مستند بقوة إلى لغة خضراء مبهجة ، يعرف كيف ينتقي بهائها، كما يعرف كيف يدغدغ تقاسيمها لتأتي لينة مدهشة تتربع على عرش الروح بوفرة وجمال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-