الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد الإداري.. مفهومه ومظاهره وأسبابه

عزام راشد العزومي

2012 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


تعتبر ظاهرة الفساد والفساد الإداري والمالي بصورة خاصة ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ إبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر. إذ حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون وعلم السياسة والاجتماع، كذلك تم تعريفه وفقاً لبعض المنظمات العالمية حتى أصبحت ظاهرة لا يكاد يخلو مجتمع أو نظام سياسي منها. وهنا نسلط الضوء على مفهوم الفساد، مظاهره، أسبابه والآثار والانعكاسات المؤثرة. ويأتي التعبير عن الفساد بمعانٍ عدة بحسب موقعه، فهو (الجدب أو القحط) كما في قوله تعالى "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" "سورة الروم الآية41" أو (الطغيان والتجبر) كما في قوله تعالى " للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً" "سورة القصص الآية83" أو (عصيان لطاعة الله) كما في قوله تعالى "إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً إن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم فى الأخرة عذاب عظيم" "سورة المائدة الآية33" ونرى في الآية الكريمة السابقة تشديد القرآن الكريم على تحريم الفساد على نحو كلي، وإن لمرتكبيه الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة.
مفهـوم الفساد
اما مفهوم الفساد الاداري اصطلاحا بحسب صندوق النقد الدولي في تقريره لعام 1996 فانه سوء استخدام السلطة العامة من اجل الحصول على مكسب خاص يتحقق حينما يتقبل الموظف الرسمي الرشوة او يطلبها او يستجديها او يبتزها.
وهناك اتجاهات مختلفة تتفق في كون الفساد هو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص. ويحدث الفساد عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب ابتزاز رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة. كما يمكن للفساد إن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب ضمن منطق (المحسوبية والمنسوبية) أو سرقة أموال الدولة مباشرةً. إن ظاهرة الفساد الإداري ظاهرة طبيعية في المجتمعات الرأسمالية حيث تختلف درجات هذا الفساد إلى اختلاف تطور مؤسسة الدولة. إما في بلدان العالم الثالث فإن لفساد مؤسسات الدولة وتدني مستويات الرفاهية الاجتماعية تصل إلى أقصى مدياتها، وهذا ناتج عن درجة التخلف وازدياد معدلات البطالة. فالفساد قد ينتشر في البنى التحتية في الدولة والمجتمع، وفي هذه الحالة يتسع وينتشر في الجهاز الوظيفي ونمط العلاقات المجتمعية فيبطيء من حركة تطور المجتمع ويقيد حوافز التقدم الاقتصادي.
إن الآثار المدمرة والنتائج السلبية لتفشي هذه الظاهرة المقيتة تطال كل مقومات الحياة لعموم أبناء الشعب، فتهدر الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل أداء المسؤوليات وإنجاز الوظائف والخدمات، وبالتالي تشكل منظومة تخريب وإفساد تسبب مزيداً من التأخير في عملية البناء والتقدم ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فقط، بل على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي، ناهيك عن مؤسسات ودوائر الخدمات العامة ذات العلاقة المباشرة واليومية مع حياة الناس. إن الفساد له آلياته وآثاره ومضاعفاته التي تؤثر في نسيج المجتمعات وسلوكيات الأفراد وطريقة أداء الاقتصاد وتعيد صياغة (نظام القيم) وهناك آليتين رئيسيتين من آليات الفساد:
الآلية الأولى هى دفع الرشوة والعمولة المباشرة إلى الموظفين والمسؤولين في الحكومة، وفي القطاعين العام والخاص لتسهيل عقد الصفقات وتسهيل الأمور لرجال الأعمال والشركات الأجنبية.
أما الآلية الثانية هى وضع اليد على المال العام والحصول على مواقع متقدمة للأبناء والأصهار والأقارب في الجهاز الوظيفي.
وهذا النوع من الفساد يمكن تسميته بالفساد الصغير وهو مختلف تماماً عن ما يمكن تسميته بالفساد الكبير المرتبط بالصفقات الكبرى في عالم المقاولات وتجارة السلاح، ويحدث مثل هذا الفساد الكبير عادةً على المستويين السياسي والبيروقراطي مع ملاحظة إن الأول يمكن أن يكون مستقلاً بدرجة أو بأخرى، عن الثاني أو يمكن أن تكون بينهما درجة عالية من التداخل والتشابك. إذ عادةً ما يرتبط الفساد السياسي بالفساد المالي حين تتحول الوظائف البيروقراطية العليا إلى أدوات للإثراء الشخصي المتصاعد.ومع تعدد التعاريف المتناولة لمفهوم الفساد، إلى أنه يمكن القول إن الإطار العام للفساد ينحصر في سوء استعمال السلطة أو الوظيفة العامة وتسخيرها لقاء مصالح ومنافع تتعلق بفرد أو بجماعة معينة.
مظاهر الفساد
والفساد من حيث مظهره يشمل أنواع عدة منها :1- الفساد السياسي ويتعلق بمجمل الانحرافات المالية ومخالفات القواعد والأحكام التي تنظم عمل النسق السياسي (المؤسسات السياسية) في الدولة. ومع أن هناك فارق جوهري بين المجتمعات التي تنتهج أنظمتها السياسية أساليب الديمقراطية وتوسيع المشاركة، وبين الدول التي يكون فيها الحكم شمولياً ودكتاتورياً، لكن العوامل المشتركة لانتشار الفساد في كلا النوعين من الأنظمة تتمثل في نسق الحكم الفاسد (غير الممثل لعموم الأفراد في المجتمع وغير الخاضع للمساءلة الفعالة من قبلهم) وتتمثل مظاهر الفساد السياسي في: الحكم الشمولي الفاسد، وفقدان الديمقراطية، وفقدان المشاركة، وفساد الحكام وسيطرة نظام حكم الدولة على الاقتصاد وتفشي المحسوبية.
2. الفساد المالي: ويتمثل بمجمل الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها ومخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية كالجهاز المركزي للرقابة المالية المختص بفحص ومراقبة حسابات وأموال الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة والشركات، ويمكن ملاحظة مظاهر الفساد المالي في: الرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي وتخصيص الأراضي والمحاباة والمحسوبية في التعيينات الوظيفية.
3. الفساد الإداري: ويتعلق بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية وتلك المخالفات التي تصدر عن الموظف العام أثناء تأديته لمهام وظيفته في منظومة التشريعات والقوانين والضوابط ومنظومة القيم الفردية التي لا ترقى للإصلاح وسد الفراغ لتطوير التشريعات والقوانين التي تغتنم الفرصة للاستفادة من الثغرات بدل الضغط على صناع القرار والمشرعين لمراجعتها وتحديثها باستمرار. وهنا تتمثل مظاهر الفساد الإداري في: عدم احترام أوقات ومواعيد العمل في الحضور والانصراف أو تمضية الوقت في قراءة الصحف واستقبال الزوار، والامتناع عن أداء العمل أو التراخي والتكاسل وعدم تحمل المسؤولية وإفشاء أسرار الوظيفة والخروج عن العمل الجماعي.
والواقع إن مظاهر الفساد الإداري متعددة ومتداخلة وغالباً ما يكون انتشار احدها سبباً مساعداً على انتشار بعض المظاهر الأخرى.
ومن ضمن مظاهر الفساد الإداري أيضا كأن يتم تعيين موظف حاصل على الشهادة الثانوية بامتيازات وعلاوات ومخصصات الموظف الحاصل على شهادة جامعية، وفي المقابل يحرم من كل ذلك الجامعي، أما بسبب صلة قرابة بين الموظف الثانوي والمدير، وأما بسبب صداقة الموظف الثانوي للمدير، وإما لاعتبارات «خاصة جداً» لا يعلمها إلا الموظف ، أيضاً صورة أخرى للفساد الإداري كاستبداد وتسلط ودكتاتورية المدير العام على الموظفين، فلا دورات ولا ترقيات ولا مكافأة إلا لمن يرغب ويحب فهو من يقرر من يستحق ومن لا يستحق، وهو من يتخذ القرارات وهو من يحدد ان كان هذا الموظف يستحق أم لا لدرجة، إن بعض الإدارات الحكومية أصبحت «عزبا» خاصة جداً للمديرين والمسؤولين وحتى الموظفين أصبحوا أتباعا لهم، أيضاً الواسطة تشكل نوعا من أنواع الفساد الإداري، فالمعاملة التي لا يجوز إنجازها تنجز بقدرة قادر فكل ما هو غير مسموح للبعض فهو مسموح للبعض الآخر حتى اننا أصبحنا نتعامل بالواسطات «عيني عينك» وعلى الملأ دون خوف أو ريبة .
4. الفساد الأخلاقي: والمتمثل بمجمل الانحرافات الأخلاقية والسلوكية المتعلقة بسلوك الموظف الشخصي وتصرفاته. كالقيام بأعمال مخلة بالحياء في أماكن العمل أو أن يجمع بين الوظيفة وأعمال أخرى خارجية دون أذن أدارته، أو أن يستغل السلطة لتحقيق مآرب شخصية له على حساب المصلحة العامة أو أن يمارس المحسوبية بشكلها الاجتماعي الذي يسمى (المحاباة الشخصية) دون النظر إلى اعتبارات الكفاءة والجدارة.
أسباب الفساد وانعكاساته
للفساد أسباب وانعكاسات عديدة يمكن ملاحظتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على أن هذا لا يعني أن الفساد مقتصر على وجود هذه العوامل الثلاث فقط ، ففيما يتعلق بالجوانب والأسباب السياسية الملازمة لظاهرة الفساد، يمكن القول أن عوامل مختلفة تقف وراء شيوع هذه الظاهرة تتناغم في شدتها ودرجتها طردياً مع تنامي ظاهرة الفساد منها عدم وجود نظام سياسي فعّال يستند إلى مبدأ فصل السلطات وتوزيعها بشكل انسب أي غياب دولة المؤسسات السياسية والقانونية والدستورية وعند هذا المستوى تظهر حالة غياب الحافز الذاتي لمحاربة الفساد في ظل غياب دولة المؤسسات وسلطة القانون والتشريعات تحت وطأة التهديد بالقتل والاختطاف والتهميش والإقصاء الوظيفي. وهناك عامل آخر يتعلق بمدى ضعف الممارسة الديمقراطية وحرية المشاركة الذي يمكن أن يسهم في تفشي ظاهرة الفساد الإداري والمالي ذلك أن شيوع حالة الاستبداد السياسي والدكتاتورية في العديد من البلدان يسهم بشكل مباشر في تنامي هذه الظاهرة وعندها يفتقد النظام السياسي أو المؤسسة السياسية شرعيتها في السلطة وتصبح قراراتها متسلطة بعيدة عن الشفافية، فضلاً عن حرية نشاط مؤسسات المجتمع المدني.كما يمكن لظاهرة الفساد أن تأخذ مداها وتبلغ مستوياتها في ظل عدم استقلالية القضاء وهو أمر مرتبط أيضاً بمبدأ الفصل بين السلطات إذ يلاحظ في معظم البلدان المتقدمة والديمقراطية استقلالية القضاء عن عمل وأداء النظام السياسي وهو ما يعطي أبعاداً أوسع فعالية للحكومة أو النظام السياسي تتمثل بالحكم الصالح والرشيد، فاستقلالية القضاء مبدأ ضروري وهام يستمد أهميته من وجود سلطة قضائية مستقلة نزيهة تمارس عملها بشكل عادل وتمتلك سلطة رادعة تمارسها على عموم المجتمع دون تمييز. وهنا فأن السلطة الرادعة هذه تعتبر من أهم مقومات عمل السلطة القضائية لتأخذ دورها في إشاعة العدل والمساواة بين أفراد المجتمع.هناك عامل آخر يمكن أن يسهم في تفشي ظاهرة الفساد متمثل بقلة الوعي (الوعي السياسي) وعدم معرفة الآليات والنظم الإدارية التي تتم من خلالها ممارسة السلطة. وهو أمر يتعلق بعامل الخبرة والكفاءة لإدارة شؤون الدولة.يضاف إلى تلك العوامل والأسباب السياسية المتعلقة بظاهرة الفساد عوامل أخرى اقتصادية منها: غياب الفعالية الاقتصادية في الدولة ذلك أن اغلب العمليات الاقتصادية هي عبارة عن صفقات تجارية مشبوهة أو ناتجة عن عمليات سمسرة يحتل الفساد المالي فيها حيزاً واسعاً، وهو ما سينعكس بصورة أو بأخرى على مستوى وبنية الاقتصاد الوطني، إذ ستؤثر هذه العمليات على مدى سير عملية تنفيذ المشاريع وبالتالي على عملية الإنتاج. من جهة أخرى، أن مستوى الجهل والتخلف والبطالة يشكل عامل حاسم في تفشي ظاهرة الفساد ذلك أن قلة الوعي الحضاري ظلت ملازمة أو ملتزمة بالرشوة. كما أن ضعف الأجور والرواتب تتناسب طردياً مع ازدياد ظاهرة الفساد.
ومن خلال هذه العوامل والأسباب الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لظاهرة الفساد، يمكن رصد بعض الآثار الاقتصادية المتعلقة بتلك الظاهرة عموماً منها:-
1. يساهم الفساد في تدني كفاءة الاستثمار العام وأضعاف مستوى الجودة في البنية التحية العامة وذلك بسبب الرشاوى التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيء توجيهها أو تزيد من تكلفتها.
2. للفساد أثر مباشر في حجم ونوعية موارد الاستثمار الأجنبي، ففي الوقت الذي تسعى فيه البلدان النامية إلى استقطاب موارد الاستثمار الأجنبي لما تنطوي عليه هذه الاستثمارات من إمكانات نقل المهارات والتكنلوجيا، فقد أثبتت الدراسات أن الفساد يضعف هذه التدفقات الاستثمارية وقد يعطلها مما يمكن أن يسهم في تدني إنتاجية الضرائب وبالتالي تراجع مؤشرات التنمية البشرية خاصةً فيما يتعلق بمؤشرات التعليم والصحة.
3. يرتبط الفساد بتردي حالة توزيع الدخل والثروة، من خلال استغلال أصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة في المجتمع وفي النظام السياسي، مما يتيح لهم الاستئثار بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادية التي يقدمها النظام بالإضافة إلى قدرتهم على مراكمة الأصول بصفة مستمرة مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين هذه النخبة وبقية أفراد المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة