الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة واليسار المغربي

حميد المصباحي

2012 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


اليسار تاريخيا,هو المعارضة,وعندما انتصرت الرأسمالية,وصار لها معبر
سياسي عن وجودها,ادعت أنه فكري وحتى
ثقافي,ليبرالي,صار الفكر الإشتراكي بالضرورة المعبر الفعلي عن اليسار,له
مقوماته وأهدافه وحتى تاكتيكاته,وقد كان ذلك قبل الثورة
الروسية,بأروبا,التي ظهر فيها الفكر الإشتراكي,وكان من المفترض أن يبدأ
من هناك ويمتد إلى كل بقاع العالم,لكن مكر التاريخ,عرج بالأحداث نحو
قارات أخرى,اعتقد أنها لم تكن مؤهلة اقتصاديا لهذا النوع من الثورات,كان
ذلك نقاشا عميقا بين الإشتراكيين في العالم,ومن هناك حاول الفكر العربي
البحث عن اشتراكيته الخاصة,التي سماها بالعربية,وجد ليجد لها جذورا في
تاريخه,فاعتبرها البعض في الديانة الإسلامية,وقربها الآخرون من فكر
الخوارج وادعى غيرهم أن المعتزلة هم ممثلوا الفكر الإشتراكي في التاريخ
العربي القديم,هنا وقع التداخل بين التاريخي والسياسي والثقافي في معركة
نشطت الفكر,وزودته بعدة منهجية ومعرفية سمحت بمراجعة الكثير من
القيم,وجعلت الفكر اليساري في العالم العربي يتبوأ الصدارة في النقاشات
العامة وحتى السرية منها,وبذلك صار اليساري مرادفا للمثقف,والمثقف
بالضرورة ثوري وفاعل سياسي,أي حسب عبارة لينين,المثقف الثوري,وحسب
اغرامشي المثقف العضوي,المنخرط في الصراعات الطبقية,والمعبر عنها ثقافيا
وسياسيا,انخرط المغرب مبكرا في هذه الصراعات,بحيث اكتشف مثقفوه الفكر
الإشتراكي أثناء الإستعمار الفرنسي,وتفاعلوا معه,بل اعتبروه المحرر,ليس
لهم فقط,بل حتى للشعوب الأروبية,التي تتعارض قيمها مع فكرة الإستعمار
التي فرضت عليها من خلال السيطرةالإقتصادية والسياسية للبرجوازية,التي
تسعى لتحقيق مصالحها ولو على حساب مصالح الشعوب,والمجتمعات ,التي
تحكمها,أي الغربية نفسها,فصار المثقف في المغرب,يساريا وليس مجرد مناصر
لقيم اليسار أو مدافعا عنها,واستمر في ذلك ردحا من الزمن,إلى أن جدت في
العالم مستجدات,وتحولات كبرى,امتد تأثيرها لليسار المغربي نفسه,أولها أن
التغيير يمكن تحقيقه بمعية السلطة السياسيية وليس ضدها بالضرورة,وهنا
وجدت ثقافة جديدة في فكر المغرب السياسي,وهي أن العنف ليس دليلا على صحة
أطروحات اليسار,وأن التغيير الثقافي والحضاري,لا يمكن فرضه على المجتمعات
بالقوة,كما حدث مع الثورة الثقافية بالصين,ولا حتى الثورة السياسية
بروسيا,هنا بدأت ثقافة العنف تتراجع لصالح ثقافات التوافق,والتسامح
والتعاون,وتجنب تحاملات التخوين,الموروثة عن الحركة الوطنية,وما بعدها في
الفكر الطبقي الضيق,والذي أله البروليتاريا ليتحكم فيها لا ليحررها من
الإستغلال والخنوع بل ليمارس بها السيطرة,وربما تشكيل ما عرف بطبقة
الدولة,التي يصير المجتمع في خدمتها بدل أن تكون هي في خدمة المجتمع
والمواطنين,
وساهمت ثقافة الإختلاف,والعلوم الإنسانية والأنتروبولوجية ذات المنحى
الأنجلوساكسوني,في الكشف عن مركزية الفكر الغربي,واتجاهه نحو
العموميات,التي جعلت اتجاه التاريخ واحدا ومطلقا,دون استحضار متغيرات
المجتمعات البشرية,وخصوصياتها العميقة,التي تتطلب المزيد من التفكير في
الوجود الإنساني بعيدا عن النماذج الجاهزة,والمحنطة,والتي أعادت اروبا
نفسها النظر فيها,بنقدها للعقلانية الكلاسيكية واتجحاهاتها الجامدة,في
الفكر والسياسة وحتى الفنون والعلوم الإنسانية,هنا وجد اليسار المغربي
نفسه حبيس معرفة لم تجدد نفسها,بل بقيت حبيسة العقلانية المنغلقة,تلك
التي تنظر للصيرورة البشرية نظرة أحادية وواثقة حد الجمود الفكري,مما فرض
على ثقافة اليسار الإنكماش والعودة للذات بغية إعادة النظر فيما جد في
الفكر السياسي,الذي لم يعد حبيس التأويلات الشكلية للقوانين,أو استحضار
العلوم السياسية وقواعدها البائدة,التي كانت عبارة عن اجتهادات فكرية
سياسية لمرحلة تأسيس الدولة الوطنية كما عرفها التاريخ الأروبي,وكما تم
تعلمها من طرف النخبة المغربية,ذات الميولات اليسارية,والتي كان اليسار
داعما لها في مختلف صراعاتها النخبوية لانتزاع اعتراف الدولة بها
والإستعانة بخبراتها النظرية والسياسية,قبل أن تهدد بجعل هذه المعارف في
خدمة المعارضة السياسية,التي لم تكن إلا قوى اليسار,بكل اجتهاداته
وتوجهاته اللأيديولوجية المعروفة في المغرب.
أمام هذا الزخم الثقافي,انشغل اليسار بتجميع السياسيين,أي الضامنين للفوز
له في الإنتخابات,ومنه حركات انفتحت على ذوي المال والنفوذ,وحتى مقاولي
العمل الإنتخابي المختصين في رسم خرائط الفوز الساحق,بما راكموه من خبرة
في معرفة ميولات المصوتين واتجاهاتهم وحتى نوعية الوعود التي تلائم أصناف
الناس حسب الطبقات والنفسيات والتوجهات العامة والخاصة,مما فرض على
رجالات الثقافة التراجع عن الفعل,خصوصا بعد ترشح العديد منهم,فكانت
الخسارة مدوية ضد مرشحين لا نصيب لهم من الثقافة والسياسة إلا النذر
القليل,مما دفع ببعض الحركات اليسارية,التي ظلت تقاطع الإنتخابات,إلى
التمسك بموقفها,لأنها أدركت طبيعة الإنتخابات والناخبين,وأن حجمها لا
يؤهلها لخوض غمار الصراعات الإنتخابات,التي تتطلب إمكانات مادية وبشرية
هائلة,وهنا ظهرت ثقافة أخرى,مفادها أن المعرفة غدت تقنية بما تعنيه من
خبرات ودراسات متخصصة في التواصل والتأثير على الناخب والمشتري لسلع
الإستهلاك والفوز أيضا,أي الماركوتينج بكل اجتهاداته وتوجهاته.
حميد المصباحي كاتب روائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدبابات الإسرائيلية تتوغل في حي الشجاعية وسط معارك عنيفة مع


.. إسرائيل تطلق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة وعشرات السجناء الآ




.. الديمقراطيون يدعمون بايدن رغم أدائه السيئ في المناظرة أمام ت


.. الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده بمعارك جنوب قطاع غزة




.. مستشفى فريد من نوعه لكبار السن بمصر| #برنامج_التشخيص