الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوثيق في الأعمال الإبداعية

سميح مسعود

2012 / 9 / 22
الادب والفن


كتبت مقالة بعنوان " وهج الذاكرة : ستون عاماً على النكبة الفلسطينية " تم نشرها في جريدة الإتحاد الحيفاوية ، بتاريخ 14 /1/ 2008 ، و في جريدة القدس العربي أيضاً … بحثتُ قبل كتابة المقالة عن معلومة موثقة لفترة طويلة من الوقت ، تتعلق برد فعل الصحف العربية على ذلك اليوم المشؤوم الذي شهد سقوط مدينة حيفا ( مسقط رأسي) بتاريخ 1948/4/22 … وجدت ضالتي في افتتاحية لجريدة الحياة البيروتية نشرتها في عددها الصادر غداة سقوط حيفا ، وجدتها مثبتة في ثنايا كتاب رشيد الحاج ابراهيم الموسوم " الدفاع عن حيفا وقضية فلسطين " سجلتُ تلك المعلومة في مقالتي بكل ما فيها من أحاسيس حزينة ومؤلمة لما حل بأهل بلدي ، وبينتُ مصدرها حسب أصول التوثيق المتبعة .

فوجئت بعد أربع سنوات من نشر مقالتي أن جزءاً كبيراً منها قد سجلته كاتبة مغمورة من معارفي في رواية لها أصدرتها مؤخرا ، سطت على معلومات مهمة وسجلتها حرفيا ًعلى عدة صفحات ، بكل مفرداتها وخط تتابع تفاصيلها ، دون ذكر لمصدرها… أقحمتها إقحاما ًفي الرواية بغيراتساق مع مضمون النص ومعانيه ، مما ساعد على إظهار أجزاء من روايتها كتقارير صحفية عادية تحمل في داخلها تراكيب لفظية بعيدة كل البعد عن الفضاء النصي للرواية .

و من دواعي الغرابة أن كاتبة الرواية قد سطت أيضا ً، على مقالة ثانية لي بعنوان " كندا تعتذر للسكان الأصليين ، من يعتذر للشعب الفلسطيني " تم نشرها في جريدة الاتحاد الحيفاوية بتاريخ 2008/8/1 ، أخذت عدة صفحات منها واقحمتها في نهاية مساحات سردية … فرضتها فرضاً بغير ترابط مع التركيب البنائي للرواية .

و يهمني أن أبين ابتداء ًبأنني كتبت هذه المقالة ، نتيجة أنشطة ساهمت فيها دامت أكثر من عامين ، لها علاقة بالسكان الأصليين في كندا ( الهنود الحمر ) ، زرت خلالها عدة محميات من محمياتهم ، وزرت مركزهم الثقافي في شارع أونتاريو في مونتريال ، و قرأت عدة كتب عنهم ، كما ساهمت في عرض فيلم وثائقي عن محمية كاينساتاكي المجاورة لمدينة أوكا ، مع فيلم وثائقي أخر عن قرية نعلين الفلسطينية ومسيرتها الأسبوعية ضد جدار الفصل العنصري ، وقد تم عرض هذين الفلمين معا ً للجمهور في احدى نواصي شارع سان لوران الشهير ضمن برنامج خاص للمركزالكندي لدراسات الشرق الأوسط ،استهدف التعريف بالأوضاع الحقيقية لقرية فلسطينية تحت الإحتلال ، ومحمية من محميات السكان الأصليين في كندا .

للأسف أن كاتبة الرواية زجت نفسها في موضوع لا علاقة لها به من قريب أو بعيد ، أخذت صفحات من مقالتي بلا مبالاة ، مع أن ما أخذته يختلف اختلافا ً بيناً عن موضوع روايتها ، ولا علاقة له بالتسلسل المنطقي للأفكار المتضمنة في نصها ، وأسلوبها هذا يؤكد مقدرتها الفائقة على نسخ ما يحلو لها من نصوص الغير حرفياً… باسلوبها هذا تتحول الكتابة الى فوضى … صف كلام ضار بالقيمة الحقيقية للإبداع ….نصوص بأسانيد مرجعية مختلفة غير مترابطة يتعذر فيها تحقيق الموضوعية .

بأسلوبها هذا حولت روايتها الى شظايا كتاب مليئ بحكايا كثيرة مختلفة في مواضيعها وتفاصيلها ، يخيم عليها لغة تقريرية مباشرة لا تصلح للحوار والسرد ، جعلت أجزاء ً كثيرة من الرواية مجرد تفاصيل مقالات صحفية.عادية... نسيج خال من التجانس ، بدون حبكة فنية ، وغير نابع من بواطن الإصالة الإبداعية .

قدمت ملاحظاتي هذه شفاهة لصاحبة الرواية ... لا يهمني هنا ذكر اسم الكاتبة ولا اسم روايتها … كل ما يهمني هو التأكيد على أن التوثيق على جانب كبير من الأهمية حتى في الأعمال الإبداعية ... في الرويات والقصص وحتى في الدواوين الشعرية ، وثمة شواهد كثيرة تشير الى أن الكثير من المبدعين الكبار قد اهتموا بتوثيق المصادر التاريخية وغير التاريخية التي اعتمدوا عليها في أعمالهم الإبداعية … ثبتوها بالحواشي في أسفل الصفحات بحرف صغير ، لتعزيز مصداقية أعمالهم الإبداعية …منهم : أمين معلوف وعبد الرحمن منيف وابراهيم نصر الله وصنع الله ابراهيم .

وعلى سبيل المثال لا الحصر ، أشار ابراهيم نصر الله في بداية روايته " قناديل ملك الجليل " إلى اسم صديقه الذي أهداه كتابا ً عرفه فيه على ظاهر العمر الزيداني الشخصية المحورية في روايته الشهيرة ، كما ثبت صنع الله ابراهيم ، نحو مائة حاشية في أسفل صفحات روايته المعروفة أمريكنلي ( أمري كان لي ) اشتملت على ذكر مراجع اعتمد عليها في روايته وعلى ملاحظات توضيحية ومعلومات اضافية ساهمت كلها في إثراء نص روايته واظهارها بمصداقية عالية .

وأما عن التوثيق في الأعمال الشعرية ، فيكفي ان أذكر مافعله الشاعر العالمي الكبير اليوت ، في قصيدته الشهيرة " الأرض الخراب " او " الأرض اليباب " إذ ذيلها ( بناء على ما جاء في كتاب الدكتور فائق متي الموسوم "اليوت " ، دار المعارف بمصر 1961 ) بعدة ملاحظات لتساعد القارئ على فهمها واعترف في مستهل هذه الملاحظات بانه استند الى كتابين هامين في كتابة القصيدة ، اقتبس منهما عدة اتجاهات ومبادئ رمزية .

عنوان الكتاب الأول " من الطقس إلى القصة الخيالية " لجسي وستون ، الذي " تتبعت فيه كاتبته المعتقدات الدينية الأولى ، ووصلت فيه الى منابعها وأصولها ، كما تتبعت أيضا ً حفلات الزرع وجني الكروم " وقد أوعز هذا الكتاب لأوليوت " عنوان قصيدته والكثير من رمزيتها العارضة ".

وعنوان الكتاب الثاني " الغصن الذهبي" لجيمس فريزر ، الذي تعرض فيه كاتبه لاّلهة القدماء , وأخذ عنه اليوت " أدونيس ، اّتس ، أوزوريس " … أشار لهم في قصيدته ، كما أشار أيضا ً الى حفلات الزرع المذكورة في هذا الكتاب .

إضافة الى كل هذا أشار اليوت ( حسب المصدر السابق ذكره ) الى مراجع اخرى كثيرة استخدمها في قصيدته المذكورة أنفا ً ، منها سفر حزقيال ، والكوميديا الالهية لدانتي ، ومسرحية " النساء يحذرن النساء " لتوماس ميديلتون ، وعظة بوذا أمام الجموع الغفيرة من النساك ، وقصيدة أدموند سبنسر عن حفل الزفاف ، والقصة المعروفة " قسيس ويكفيلد " لأولفر جولد سميث ، وأربعة أبيات اقتطفها من الفصل الأول لأوبرا " تريستان وإيزولد " لفاجنر ، وغيرها من المصادرالأخرى .

وتجدر الإشارة الى أن اليوت استخدم مصادر كثيرة في قصائده الأخرى ، استمدها (باعترافه وتسجيله لها ) من فلسفات وديانات كثيرة كالبوذية والهندوكية ومذهب كونفوشيوس ومعتقدات أهل بابل وأشور والفلسفة المسيحية وبخاصة في القرون الأولى بعد ظهورها ، ولهذا جاءت أشعاراليوت محملة بصور بليغة ، وأفكار فلسفية عميقة .

كما لعبت الرمزية دورا ً جوهريا ً في أشعاره ، واعتمد كمصدر له في هذا المجال الإبداعي ( باعترافه ) على المدرسة الرمزية الفرنسية كحركة أدبية لها قيمتها الكبرى في العالم أجمع ، وعلى وجه الخصوص اعتمد منها على بودلير ، ورامبو ، وفيرلان ، وبسسب اعتماده عليهم " نشأ الغموض في معظم أشعاره ، وبخاصة في الافتتاحيات الدرامية لقصائده التي تثير في القارئ عنصري الدهشة والفضول "

هذا ما يقوم به المبدع الحقيقي ، لا يغرف خلسة من نصوص الأخرين ، بل يوثق بشفافية ما يأخذه منهم … بهذا تتفاعل التجارب الإبداعية ، تتصل بعضها ببعض بكل مافيها من حصيلة وفيرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين