الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيمة والقيمة التبادلية ٤

حسقيل قوجمان

2012 / 9 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



ارسل لي قارئ عزيز من بغداد رسالة وجه لي فيها سؤالين طلب مني الاجابة عليهما.
السؤال الاول: "كيف يتم احتساب فائض القيمة في مصنع لا يوجد فيه عمال بسبب المكننة والتطور التكنلوجي ؟"
الجواب على هذا السؤال ينبغي تقسيمه الى شقين. الشق الاول هو هل هناك امكانية بلوغ الانتاج البشري الى درجة من التطور التكنولوجي بحيث لا حاجة فيه الى تدخل الانسان في الانتاج وهو الحالة المفروضة في السؤال؟
الجواب على هذا حسب رايي خيالي ومستحيل التحقق. فمهما تطورت وسائل الانتاج لا يمكن ان تعمل بدون تدخل الانسان الذي هو صانعها ومنتجها وهو من يوجه عملها في الانتاج. ففي مصنع السيارات التي تقوم فيه الروبوتات بكافة عمليات الانتاج وبدقة تفوق مقدرة الانسان على تحقيقها والموجودة حاليا لا يمكن ادارة المصنع بدون عدد مهما كان ضئيلا من المهندسين وخبراء الكومبيوتر والفنيين الذين يوجهون عمل الروبوتات ويشرفون على دقة عملها ويتأكدون من دفة عمل الروبوتات ويصححون المشاكل التي قد تحدث خلال العمليات. الروبوت مهما بلغ من التطور يبقى نتاج عمل الانسان على الطبيعة لتحويلها الى روبوت ويبقى الانسان السيد الذي يوجه الروبوت الى عمله. ثم ان الروبوت ينبغي ان يجد الاجزاء التي يقوم بتركيبها مهيأة له لكي يتناولها ويقوم بتركيبها وهو عمل انساني. الروبوت مهما تطور لا يمكنه ان يصبح انسانا.
الشق الثاني من الجواب هو موضوع انتاج فائض القيمة في مثل هذا المصنع الذي ليس فيه عمال وكيفية حسابه. والجواب يفترض جدلا امكانية وجود مثل هذا المصنع رغم ان الحقيقة هي عدم امكانية وجوده.
يتكون الراسمال المستخدم في انتاج اي مشروع ضناعي راسمالي من جزأين، راسمال ثابت وراسمال متغير. الراسمال الثابت هو كل الراسمال الذي يوظف في اعداد المصنع للعمل. بناية المصنع والمكائن بما فيها الروبوتات والوقود والمواد الخام اللازمة لانتاج السلعة التي يبتغي الراسمالي انتاجها في مصنعه. وهذه المواد كلها قيم كانت قد انتجت بعمل انساني على الطبيعة يشتريها الراسمالي كمقدمة واعداد لانتاجه. فهي كلها مواد تختزن عملا انسانيا. هذا الراسمال راسمال ثابت لانه اذا جمع كله في المصنع لا يستطيع ان ينتج شيئا جديدا. وهو راسمال ثابت لانه لا يمكن ان يضيف الى الانتاج الذي يجري الانتاج به قيمة جديدة الى السلع المنتجة. كل دور هذه المواد هي ان تنقل القيمة المختزنة فيها الى السلعة المنتجة بدون اضافة وان تستوعب القيمة التي تضاف اليها اثناء العمل الانساني عليها. قسم من قيمة هذه المواد ينتقل كليا الى السلعة الجديدة والقسم الاخر من قيم المواد ينتقل جزئيا الى السلعة الجديدة مثل الاستهلاك الذي يجري على المكائن ومنها الروبوتات والاندثار الذي يجري على العمارة. ولكن جميع هذه القيم تنتقل الى السلعة المنتجة كما هي لا تزداد دقيقة عمل واحدة. انه راسمال ثابت لا يستطيع الراسمالي تحقيق الانتاج بدونه.
الجزء الثاني من الراسمال هو الراسمال المتغير، الراسمال الذي يوظفه الراسمالي في شراء قوة عمل العمال. هذا الراسمال هو راسمال متغير لان الراسمال الذي يوظفه الراسمالي في شرائه يختلف عن الراسمال الذي يحصل عليه من استعماله. ان عملية شراء قوة عمل العمال وعملية استخدام قوة عمل العمال عمليتان مختلفتان كما في كل سلعة اخرى. فعند شراء قميص يدفع الشاري القيمة التبادلية للقميص متمثلة بالمعادل العام النقود. وعملية استخدام القميص هي عملية اخرى لا علاقة لها بشراء القميص او بقيمته التبادلية. لان العملية الاولى تتعلق بتكاليف انتاج القميص اما العملية الثانية فتتعلق باستعمال القميص بلبسه، فقد يلبس الشاري القميص مرة واحدة او يلبسه لعدة اشهر او يلقيه ويهمله لانه لا يلائم مقاييسه ولا يغير ذلك من قيمة القميص او قيمته التبادلية.
قوة العمل تشبه القميص بان قيمتها وقيمتها التبادلية، عملية شرائها، تختلف عن عملية استعمالها. لكي يستطيع العامل العمل وعرض سلعته، قوة عمله، للبيع عليه ان ينتج قوة عمله. وانتاج قوة عمله تعني ان ياكل ويشرب وينام ويسكن ويربي عائلته لينتج قوة عاملة جديدة ولذلك فان قيمة قوة عمله هي تكاليف انتاج قوة عمله، وعملية شراء قوة العمل هي ان يدفع شاريها قيمتها التبادلية بالمبادل العام، النقود.
وكما يفعل شاري القميص يقوم شاري قوة العمل باستخدامها. ان عملية استخدامها كما هو الحال في القميص لا علاقة له بالقيمة التبادلية التي دفعها الشاري ثمنا لشرائها. يستطيع الشاري ان يستخدم السلعة التي اصبحت ملكه بالشكل الذي يراه مناسبا له.
الفرق الوحيد بين القميص وقوة العمل هو ان استخدام القميص يؤدي الى استهلاكها والقائها بينما يؤدي استخدام قوة العمل واستهلاكها الى خلق قيمة جديدة. هذه هي القيمة الاستعمالية التي يتوخاها الراسمالي من شراء قوة العمل. انتاج قيمة جديدة هي هدف الراسمالي من شراء قوة العمل. لان سلعة قوة العمل هي السلعة الوحيدة التي يؤدي استعمالها واستهلاكها الى انتاج قيمة جديدة.
نشأ الانتاج الراسمالي فقط لان الراسمالي شعر ان القيمة التبادلية التي يدفعها في شراء قوة العمل تختلف عن القيمة التي تستطيع انتاجها قوة العمل عند استخدامها واستهلاكها. الفرق بين القيمة التبادلية التي يدفعها الراسمالي عند شراء قوة العمل والقيمة الجديدة التي يحصل عليها من استعمال واستهلاك قوة العمل هو مصدر ارباح الراسمالي، وهو ما اطلق ماركس عليه اسم فائض القيمة لانه الفائض الذي يخلقه استخدام قوة العمل على القيمة التي يدفعها الراسمالي عند شرائها. ولولا هذا الفرق، فائض القيمة، لما نشأ الانتاج الراسمالي اطلاقا.
الان نستطيع الاجابة على سؤالك: "كيف يتم احتساب فائض القيمة في مصنع لا يوجد فيه عمال بسبب المكننة والتطور التكنلوجي؟"
في مصنع لايوجد فيه عمال، وهو المصنع الذي افترضنا جدلا امكان وجوده وهو مستحيل الوجود، ليس هناك عمل انساني على الطبيعة وبما ان القيمة هي اتحاد العمل الانساني والطبيعة التي يعمل عليها فليس في هذا المصنع اية قيمة اضافية. لو امكن وجود مصنع كهذا فان الانتاج فيه يحتوي على القيم المختزنة في المواد المستخدمة والمواد المستهلكة جزئيا في انتاجه. وبما ان احتساب فائض القيمة يفترض وجود القيمة الجديدة فليس في هذا المصنع قيمة جديدة ولذلك لا وجود لفائض القيمة وليس هنا ما يمكن حسابه كفائض قيمة.
السؤال الثاني إن تكرمت علي بالاجابة وهو في "قول لكارل ماركس يقول : إن الدولة اداة قمع متى ما امتلكت المال والسلاح" فمثلا سويسرا دولة مدنية غير قمعية ويتمتع مواطنيها بكافة حقوقهم المدنية والديمقراطية . فكيف نطبق مقولة ماركس على مثل هكذا دول؟
اولا وقبل كل شيء ان اقتباس قول كارل ماركس ليس مقتبسا من النص الاصلي ولذلك لا استطيع اتخاذه اساسا للجواب على سؤالك. ولكن النظرية الماركسية حول الدولة معروفة استطيع الاستناد اليها في الجواب على سؤالك.
الدولة وحدة نقيضين، الدكتاتورية والديمقراطية، لا يمكن فصلهما عن بعضهما. فلا ديمقراطية بدون دكتاتورية ولا دكتاتورية بدون ديمقراطية. هذا يصدق على كل دولة كانت في الماضي وموجودة حاليا وستوجد في المستقبل. وجود الدولة مرتبط ارتباطا تاما بالمجتمعات الطبقية. ففي المجتمع الشيوعي البدائي لم تكن دولة وفي المجتمع الشيوعي الذي يحلم الانسان في تحقيقه لا توجد دولة.
المجتمع الطبقي في كل العصور هو مجتمع تسيطر فيه طبقة على سائر الطبقات لغرض الحصول على منتجاتها ولذلك تحتاج الى قوة تستخدمها من اجل اخضاع مقاومة هذه الطبقات المستغلة ومن اجل استمرار سيطرتها على المجتمع.
تختلف الدولة الاشتراكية عن سائر الدول السابقة بانها دولة طبقية مهمتها ليست السيطرة على الطبقات بل مهمتها هي ان تنقذ الطبقات من مستغليها. ومع ذلك تحتاج الى الدكتاتورية من اجل احباط مقاومة الطبقات المستغلة المدحورة وصراعها من اجل استرجاع سيادتها.
والدولة من الناحية الثانية ديمقراطية بالنسبة للطبقة التي تمثلها. تحقق الديمقراطية للطبقة التي تمثلها عن طريق الدكتاتورية التي تفرضها على الطبقات المستغلة. ولذلك فان تاريخ المجتمعات الطبقية هو تاريخ الصراع الطبقي كما جاء في البيان الشيوعي باستثناء المرحلة الشيوعية البدائية التي لم يكن فيها دولة.
ولكن الصراع الطبقي يؤدي الى حصول الطبقات المستغلة على بعض الحقوق نتيجة اضطرار الطبقات المتسلطة على التنازل عنها نتيجة لاشتداد الصراع على ان لا يؤدي ذلك الى تهديد استمرار دكتاتوريتها. وتاريخ الدول الراسمالية كلها شهود على ذلك اذ حصلت الطبقات المستغلة في نضالاتها على بعض الحقوق مثل تحديد ساعات العمل اليومي وتحديد الحد الادنى للاجور وغيرها مما نراه في الدول التي تطلق على نفسها الدول الديمقراطية ولا نجدها فيما يدعى في دول العالم الثالث مثلا.
الدولة السويسرية دولة دكتاتورية وديمقراطية شأنها شأن كافة الدول في العالم. ولكن لها ظروف خاصة تختلف عن جميع الدول الراسمالية الاخرى. ففيها تحظى الطبقات المستغلة على مزيد من الحقوق لا تحظى بها الطبقات المستغلة في غيرها من الدول التي تدعى الدول الديمقراطية. ولكن ديمقراطيتها هي الاخرى مشروطة ببقاء النظام الراسمالي فيها وتظهر دكتاتورتها باشد اشكالها اذا تحول الصراع الطبقي فيها الى خطر زؤال نظامها الراسمالي.
نشأت ظروف سويسرا الخاصة نظرا الى ان دول العالم الراسمالية وجدت من مصالحها ابقاء هذه الدولة الصغيرة محايدة وتجنيبها خطر الدخول في الحروب المستعرة بين الدول الراسمالية. فسويسرا كانت بعيدة عن الاشتراك في اية حرب محلية او عالمية حتى يومنا هذا. العالم الراسمالي كله كان بحاجة الى دولة صغيرة كهذه كمركز عالمي لغسيل الاموال ولاخفاء الاموال المسروقة في ارجاء العالم. كان العالم الراسمالي بحاجة الى مثل هذه الدولة كمركز للمؤامرات التي تجري في العالم في ايام السلم وفي ايام الحرب. وكونها مركز لاخفاء الاموال المسروقة في العالم كله ولغسيل الاموال جعل بامكانها ان تتنازل عن جزء من هذه الارباح الهائلة وتتصدق بها على طبقاتها المستغلة وهذا هو ما نراه في ظروف الدولة السويسرية من نطاق اوسع من الديمقراطية عما نجده في الدول الراسمالية الاخرى على ان لا تؤدي هذه الديمقراطية الى تهديد النظام الراسمالي في الدولة السويسرية.
وبما ان الماركسية ترى حقيقة ان الدولة، كل دولة، هي وحدة نقيضين، الدكتاتورية والديمقراطية. وبما ان الماركسية ترى ان الدكتاتورية هي الشرط الاساسي لتحقيق الديمقراطية فقد اطلقوا على الدولة الاشتراكية اسم دكتاتورية البروليتاريا وليس ديمقراطية البروليتاريا رغم اختلاف دكتاتورية البروليتاريا وديمقراطيتها عن دكتاتورية الراسمالية وديمقراطيتها اختلافا جوهريا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النسبية
Almousawi A. S ( 2012 / 9 / 22 - 10:05 )
لاشك ان الخلاف يأتي من موقع الرؤيا للامور فعالم الرأسمالية من حيث الجوهر هو نفسة سواء بعلاقتة مع العمال او البيئة او الالة وهذا ثابت والمتغير يعود فقط لمن انهى عقدة مع الشيوعية بعد ان رشف من زهورها ما استطاع تحويلة الى عسلا بطعم الرأسمالية التي يتظلل بافيائها منتهزا الازمة الاقتصادية ليجند نفسة بعقد جديد متوهما خلود هذا النظام مدعيا برائتة وبراعتة في الخروج من ازمة كان سسببا في حدوثها ناسيا ان ما يمنح لة من مساعدات اجتماعية وضمانات اخرى هي من جهود العامل الكادح الذي يدفع اليوم لهولاء الدعاة من رزق اطفالة اليسير
شكرا لك لفضح كذبة الجنة في بلدان اللجؤ
دم متالقا لتوعية الاجيال


2 - الانتروبي
محمد فيصل يغان ( 2012 / 9 / 22 - 11:31 )
سبق و أن أشرت في مقال سابق لي إلى تأثر ماركس بقوانين الديناميكا الحرارية و نموذج الآلة البخارية في زمانه. و الحالة المثالية لمصنع مؤتمت بالكامل يمكن شرحها باللجوء لهذا النموذج حيث تمثل قيمة الفائض الطاقة المفيدة المنتجة من الآلة و قيمة العمل الضروري تمثل الفاقد, و بذلك يكون دور المكننة هو رفع كفائة العامل لزيادة القيمة الأولى على حساب الثانية ولكن و حسب القانون الثاني للديناميكا الحرارية هناك حد للكفاءةلا يمكن تجاوزه من قبل أية آلة حرارية لانتاج طاقة مفيدة و هذا ينطبق على عملية الانتاج الرأسمالي حسب ماركس, فلا يمكن انتاج فائض قيمة دون انتقال جزء من العمل إلى عمل ضروري و هذا يعرف بقانون استحالة الحركة الذاتية اللانهائية
perpetual motion


3 - للرفيق حسقيل ألف تحية
رفيق عبد الكريم الخطابي ( 2012 / 9 / 23 - 13:38 )
تحية خاصة للرفيق حسقيل على الجهد وعلى التفنن الرائع في الدفاع عن الماركسية اللينينية ومبادئها وقوانينها العامة بأسلوب غاية في اليسر والوضوح تعميما أو سعيا لتعميم فكر المؤهلون لتحويله إلى قوة مادية أغلبهم يرزح تحت نير الجهل والأمية ..مررت فقط لتحية الرفيق حسقيل وللتأكيد أن مقالاته تزيد رؤيتنا النظرية وضوحا وأننا بحاجة دائمة للتعلم من خزان نظري وعلمي إسمه الرفيق حسقيل دامت له الصحة والعافية ودام أستاذا ومعلما لنا ولكل الطامحين إلى اكتساب معارف الماركسية اللينينية

اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو