الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محفوظ: المجامل على حساب الحقيقة!

باسم النبريص

2012 / 9 / 23
الادب والفن


يتوجّب عليّ القول, منذ البداية, أنني لم أرتح لنجيب محفوظ كشخص. لم أجده فناناً, كما وجدث مثلاً توفيق الحكيم ويحيى حقي. بل وجدت نفسي أمام "أستاذ وأب وموظف عريق تليد". بل أمام رمز من رموز البيروقراطية المصرية, التي لعلّها _ من يدري- أول بيروقراطيات التاريخ.

حضرت له جلسات كثيرة, وكان واضحاً مدى ميله للمجاملة على حساب الحقيقة. وهو الأمر الري نفّرني منه غير مرة.

وقد أكون, في كل ما سبق, أسير نظرة ضيف لا يعلم بواطن الأمور, ويحكم عليها من خارجها .. أو شيء قريب من هذا. لست متيقناً. في الحقيقة لست متيقناً. فثمة من المصريين الأصلاء من كتبوا عنه, بعد موته, فخالفوني تلك النظرة. بل أتوا بنقيضها التامّ.

عموماً سأكتب عما رأيته وسمعته, وللقرّاء مهمة التأويل, من قبل ومن بعد.

ذات يوم قابلته, وكان الحضور قليلاً على غير المألوف. قدّمت نفسي إليه كقارئ معجب لا أكثر, أتى على جميع ما كتب, حتى على مقالاته العادية الضعيفة بالأهرام, قال:
_ الأخ عربي؟
قلت:
_ عربي فلسطيني. فجفل.
وحاول أن يتجاهل الموضوع, بالانتقال لحديث آخر مع شاب مصري. أوغل في مديح ما سمعه منه من قراءةٍ لقطعة أدبية دون المأمول.

لقد كانت هذه عادته: خلط الحابل الأدبي بالنابل.
ولكَم فعلها في مقابلاته الصحفية!
حين يُسأل عن أهم التجارب الشابة, يخلط المهمين بالتافهين. لمَ؟ لا أعرف. كان هذا طبعه, ولم يرقني هذا في يوم من الأيام.

شكوت لأحد الأدباء المحترمين, ما سمعت فضحك, وقال قولة لا أنساها ابدأ
_ لسا ياما تشوف وتسمع!

رحمك الله يا أصلان!

كان نجيب في لقاءاته بالأدباء في ريش وغيره, معروفاً بصفات ثابتة. منها الجبن, والتحفظ والكلام بحساب وحتى البخل. وكان أخشى ما يخشاه غضب السلطة عليه. لذا, كان يتهرّب لو سئل عن قضايا سياسية راهنة. عن هموم طاحنة يعاني منها المجموع.

لم يكن صريحاً مع حاله وحالنا إلا عندما يكتب. خارج الكتابة هو الصورة النمطية للموظف البيروقراطي. أو شيء قريب من هذا.

لذلك أفضل لك أن تقرأ نجيباً من أن تجالسه. أو كما يقول أهل العراق: تسمع بالمعيدي ولا تراه!
كان يبدو في جلساته, رجلاً متوسط الحال, ثقافة وسلوكاً, لا ذلك العبقري الذي تبهرنا كتابته.

وأظن أنه برع في وضع حواجز لا حاجز بين نصه وشخصه.
إن خيبتي بلقائه, ليست جديدة, فلطالما خاب ناس من قبلي. لكنّهم لم يكتبوا ذلك, خوفاً من المسّ بالأيقونة, أو اكتفاءً بأنهم كلّموه, وفي هذا ما فيه من مجد, وكفى.

الوحيد, فيما قرأت, الذي كتب دون خشية وحساب, هو الشاعر التونسي خالد النجار.

نجيب كان في السنوات التي اقتربت منه فيها ( 81, 82, 83) متواطئاً مع سلطة السادات. هذه هي الحقيقة. كان شديد الحرص, على ألاّ يختلف معها. على طلب ودّها. ومن يقرأ مقالاته الأسبوعية في تلك الفترة بجريدة الأهرام, سيعرف دون تمحيص وتعب.

ولعلّه يذكّرني بمحمود درويش, في هذه الناحية.
كلاهما من نفس الطينة. كلاهما حريص ألا يغضب السلطة. كلاهما, يصدر في ذلك, عن تربية تقليدية, ومنظور بطريركي رجعي. كلاهما نظر للسلطة, بوصفها الأب الأرضي الأعلى!

قابلته عدة مرات. ولم يبلّ ريقي في مرة.

كان يبدو دائماً, متوازناً, راضياً, لا ينقصه شيء. وهذه السيكولوجية مضادّة لطبيعة الفنان.
هل كان كل هذا قناعاً برع في وضعه على وجهه ولسانه؟ ربما لا وربما نعم.

لكن الأكيد, أنك لن ترى في جلسته مهما طالت, شبحَ الفنان أو نزق الفنان, أو ضعف الفنان, كما رأيت ذلك أنا عند حقي والحكيم رحمهما الله.

نجيب غيرهما.
نجيب له حسابات وتوازنات .

قد أكون مخطئاً.
قد أكون مصيباً.
قد أكون نصف نصف.
لكن هذا هو انطباعي الأخير عنه, حتى وهو ميت منذ سنوات.

طبعاً, كل ما سبق لا يقلّل قيد أنملة من قيمة أدبه الخالد. تلك الثلاثية الأجمل في الأدب العربي. والتي ما زالت الأجمل. تلك الحرافيش التحفة. وسواهما وسواهما.

رحم الله نجيباً النجيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تطرّقْ إلى فكر نجيب محفوظ لا إلى شخصه وكفى
ليندا كبرييل ( 2012 / 9 / 24 - 09:13 )

يتوجّب علي أنا أيضا القول منذ البداية أنني لم أرتح إلى عنوان مقالك، فلما قرأت رأيك استهجنته
نحن يا أستاذ نبريص نحتاج إلى نقد مدروس يفتح المغلَق من الأبواب
حضرتك مع إعجابك بمحفوظ إلا أنك نتاج بيئة تتبنى الرعونة في الحكم والنقد عندما تتطرق كما
فعلت إلى أمور شخصية لا تهمّ القارئ من قريب أو من بعيد
ليس محفوظ فحسب حتى حسنين هيكل عُرف بأنه لا يجيد النقاش في جلساته كما في مقالاته
فإذا وجدتها براعة من محفوظ أنه استطاع وضع حواجز بين نصه وشخصه، فإنها تُحسب له لا عليه، لأنه وضع أدبه في منأى عن نقاط الضعف
والذي يتكلم كثيرا يخطئ كثيرا لذا كان متحفظا عن ذكاء ، لا كما يفعل هيكل فعرّض نفسه للملامة
ولأن محفوظ يحمل مسؤولية الكاتب الباهظة، فإن عليه أن يكون صريحا مع حاله وحالنا من خلال إنتاجه الأدبي كما تفضلت وقد فعل ولم يجاملنا في كتاباته ولا يهمني كقارئة وضعه خارج الكتابة
وليس متاحا للجميع مثلك أن يجالسوه
وإذا أتيح لهم وجالسوه فلا يعني رأيك أن يكون رأيهم أيضا

أرجو السماح بتعليق ثان وشكراً


2 - تطرّقْ إلى فكر نجيب محفوظ لا إلى شخصه وكفى 2
ليندا كبرييل ( 2012 / 9 / 24 - 09:16 )
كما لم أعلم أن هناك سيكولوجية معينة يتسم بها الفنانون جميعاً دون استثناء
هل لا بد أن يكون نزقاً أو يحمل سمات معينة للتدليل على أنه فنان ؟
ألا يمكن أن يكون فناناً بلا قناع من نوع غير مألوف لحضرتك؟
هذه إمكانياته النفسية، التي لا تتيح له أن يتصرف خارج إطارها بجرأة ، ولا أحسب أن هذا يؤاخذ عليه، فكل إنسان لديه قدر معيّن من المعين النفسي قد يكون متواضعاً على مستوى كاتب أو فنان لكنه انطلق رحباً في تجلياته الأدبية
فعلامَ المؤاخذة؟
والحقيقة أني حاولت أن أفهم شيئاً من قصتك معه التي عرضتها علينا فلم أصل إلى شيء
فلمَ جفل لمجرد أنك فلسطيني؟
أشمّ رائحة التحامل الشخصي يا أستاذ نبريص والتنقيب في أمور لا علاقة للقارئ بها
مع التحية


3 - مقالة أم هرطقة ؟
سيلوس العراقي ( 2012 / 9 / 24 - 10:45 )
يا سيد باسم
من أين أتيت بحكمك (السيكولوجي) الغريب بأن التوازن هو سيكولوجية مضادة لطبيعة الفنان ؟ هل برأيك على الفنان أن يكون غير متزناً لترضى عليه سيكولوجيتك أنت، وليكون الفنان طبيعياً حين يفقد التوازن؟
رفقاً بنجيب محفوظ الانسان والكاتب الكبير والمدافع الكبير عن السلام،
الا إذا كان رأيه في السلام مع اسرائيل قد جرح شعورك وخدش انتماءك ورأيك الوطني ؟
أكنت تريده أن يهتف بالروح بالدم نفديك يا فلسطين لحظة جعلته يجفل من هويتك ؟؟
على كل حال لا يجوز أن نُسَقّط سيكولوجيتنا الشخصية ونفسياتنا أو رؤانا الخاصة بموضوع سياسي معين على الآخرين،
إن محفوظ الكاتب (الكبير) كان من القلة من المتواضعين (الكبار) ممن أنجبتهم أمٌ عربية، تحية

اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية