الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأس الحيّة في الانتخابات البلدية

فايز شاهين

2005 / 2 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


بعد الإعلان عن الانتخابات البلدية، خرجت أصوات سلفية وهّابية، والتي لم تؤمن يوماً بالانتخابات، خرجت تُطالب الناخبين بأن ينتخبوا "أتباع السلف" وأن يبتعدوا عن العلمانيين والشيوعيين والذين يستهزؤون بالدين، الخ تلك الديباجة. وعندما انتهت الانتخابات البلدية في الرياض، تبيّن بأن الفائزين في هذه الانتخابات هم "السلفيون أنفسهم". فهل تختلف الحالة الشيعية عنها في السلفية؟
في مقال سابق، رفضت شبكة راصد نشره دون إبداء أي سبب، وقد نشرته شبكة الحوار المتمدن وشفّاف الشرق الأوسط بعنوان: ترفّعوا تفلحوا، تحدّثت فيه عن عملية الضغوط التي مورست ضد بعض المرشّحين لحثِّهم على الانسحاب، والانتقاص من آخرين للهدف نفسه. ربما هذا المقال أيضاً لن تنشره شبكة راصد كسابقه. المطلوب كان ولا زال هو أن يترفّع هؤلاء الأشخاص و"المشايخ" عن هذه الأعمال وأن لا يقوموا بزيارات "لخيام انتخابية" لأشخاص بعينهم وتزكيتهم، كما كان السلفيين يُزكّون أتباعهم بقولهم "انتخبوا من نشهد له بالتدين الخ"، وكأن الآخرين كفرة أو مشركون. ما قام به بعض المشايخ من زيارات لمرشّحين بعينهم وتزكيتهم يضع أمامنا أكثر من سؤال له علاقة بنـزاهة العملية الانتخابية ونزاهة المرشح والداعم له. المطلوب كان ولا زال بأن يترفع المشايخ عن هذه الأعمال، فإمّا أن يمتنعوا عن تزكية أي مرشح، أو يُزكّوا الجميع ويتركوا الخيار للناس في انتخاب من يثقون به ويعتقدون بأنه سيوصل صوتهم إلى الجهات العليا ويعمل على خدمتهم بكلِ ما أوتى من قوةٍ وعزيمة.
إن تزكية الشيخ لشخصٍ ما تعني الكثير للناس البسطاء، وكأنه أمرٌ بالتصويت له في الانتخابات البلدية وأن الآخرين ليسوا أهلاً لهذه الثقة. وهذا يعني أيضاً أن هؤلاء المشايخ لم يلتزموا الحياد تجاه المجتمع، بل أنهم يعملون على تشويه منافسيهم لأسباب لن تكون نبيلة بدون شك. هذا لا يعني أن المرشّح الذي يدعمونه ليس أهلاً لهذه الانتخابات، بل يعني أنّهم قد دقّوا إسفيناً في وسط المجتمع، واستغلوا طيبة المجتمع وثقته فيهم لأغراضهم "الشخصية". إن تصرّفاتهم هذه، تُذكّرني بما يتحدّث عنه مشايخ السلف، بوجوب إطاعة ولي الأمر، لأنه من طاعة الرسول وطاعة الله كما قال تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، فأي مخالفة لطاعة ولي الأمر هي مخالفة لطاعة الله، وهذا استغلال للدين في أبشع صوره.
من المحبط حقاً قيام هؤلاء المشايخ بالمجازفة بسمعتهم والبعض منهم، بدينه لأغراض شخصية، في الوقت الذي لم يستطيعوا على مدى عقود أن يتّخذوا قراراً بتثبيت عيد الفطر، خوفاً من أن يكونوا مخطئين "ويتحمّلوا ذنوب الآخرين"، فعشنا سنوات كثيرة نحتفل بثلاثة أعياد في منطقة القطيف، بدل عيدٍ واحد. في الوقت الذي احتاجتهم الناس واحتاجهم المجتمع، كانوا أبعد البعد عنه وعن مصالحه، فبعضهم يعرفهم القاصي والداني حيث رفضوا استقبال الثقاة من الناس الذين رأوا ويروا هلال عيد الفطر كلّ عام، فحيناً يتهرّبون بالسفر وحيناً آخر بتوجيه الأشخاص الذين رأوا الهلال إلى مشايخ آخرين يعلمون رفضهم لهم. لقد عشنا ولا زلنا نعيش متاهات عيد الفطر المبارك لأن الشيوخ في كل مدينة يبحثون عن مصالحهم الشخصية فلا يستطيعون تثبيت رؤية الهلال إلاّ بعد أن يقوم بتثبيته من يحتكر الأوقاف ويُسيطر على تخويل غيره من المشايخ في إجراء عقود الزواج الخ، لكنهم لا يتحدّثون عن هذه المصالح، بل عن خوفهم على دينهم من أن يتحمّلوا ذنوب الآخرين كما أسلفت. فعند حاجة الناس والمجتمع لهم، يستخدمون "خوفهم من الله حتى لا يقعوا في الخطأ" ونسوا القول المأثور للإمام علي عليه السلام "الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس".
لكن ما أن أتت هذه الانتخابات "التافهة" والتي كلٌ ما فيها هو إثبات وجود فقط ليس إلاّ؛ تراهم قد تسابقوا إلى خيمة فلان وعلاّن، وتزكية فلان، وكأنهم يعملون على شكل عصابات، باستخدام رأس حربة في كل مدينة ليتم انتخابه، وكأنهم في مباراة لكرة القدم، دون النظر لمشروعية العمل القانونية والدينية والإنسانية، ودون النظر لمصلحة المجتمع الذي ينتمون إليه، وكأن مرشّحهم هو الأفضل، مع أنه لم تتم تجربته بعد. بعض من هؤلاء المرشّحين سمعته لا ترقى لمرشّحين آخرين، فقط لأن بعض هؤلاء المشايخ تربطهم بالمرشح صلة قرابة تارة، ومصالح "دنيوية" تارة أخرى، مثل مشاركته للمرشح في تجارة أو حملات حج أو عمرة الخ. في موضوع الانتخابات لم يتحدث هؤلاء المشايخ عن خوفهم على دينهم بسبب احتمال وقوعهم في الخطأ، بل لم يعيروا اهتماماً لمجتمعهم الذي هم جزءٌ لا يتجزأ منه، وانساقوا وراء رغباتهم الدنيوية واختاروا بدلاً عن الناس من يرونهم "أهلاً لهذه الوظيفة"، بدل أن يتركوا الخيار للناس، كما فعلوا مع أعياد الفطر كل عام.
لم يكتفوا بذلك، فأصبحوا أشبه بمشايخ الوهابية الذين يُزكّون بعضهم بعضاً ويُزكّون أتباعهم "المخلصين"، وكأن الآخرين هم "علمانيين" أو حتى "فسقة"، لا يستحقون احترام الناس ولا التصويت لهم. حتى مع انسحاب البعض من هؤلاء المرشّحين، أو حتى إسقاط أسمائهم من القائمة، فهؤلاء المشايخ لديهم "نسخة احتياطية" للتزكية، فاختفاء رأس الحربة أو رأس الحية من قائمة المرشّحين في مدينةٍ ما لا يعني أنه لا توجد حيّةً أخرى تحلُ محلّها، بالتنسيق مع مشايخ المدينة والمنطقة. وهذا ما حصل في أكثر من مدينة، حيث يفتخر فلان بأن الشيخ الفلاني زار خيمته الانتخابية أو مجلسه الانتخابي دون نظر الشيخ إلى تبعات استغلال الجانب الديني في هذه الأمور السياسية، وكأنهم أوصياء الله على خلقه، فأقوالهم تُصبح قرآناً وعلى الناس أن يلتزموا بذلك دون نقاش.
أحد الأخوة تساءل بحرقة، ما الفرق بين شيوخ الوهابية، مثل بن جبرين وغيره، عن مشايخنا؟ طبعاً هناك فروق كثيرة لا مجال لذكرها، لكن يبدو أن الصورة بدأت تختل بسبب الانتخابات البلدية التي أعطت صورة مختلفة عمّا كُنّا نعتقدُ، أو بالأحرى كُنّا نأملُ فيهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بيسان إسماعيل ومحمود ماهر.. تفاصيل وأسرار قصة حبهما وبكاء مف


.. إسرائيل تتوغل في جباليا شمالا.. وتوسع هجماتها في رفح جنوبا |




.. واشنطن: هناك فجوة بين نوايا إسرائيل بشأن رفح والنتيجة | #راد


.. الكويت ومجلس الأمة.. هل أسيء -ممارسة الديمقراطية-؟ | #رادار




.. -تكوين- مؤسسة مصرية متهمة -بهدم ثوابت الإسلام-..ما القصة؟ |