الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت في الحياة 1

حميد غني جعفر

2012 / 9 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


منذ نيسان – 2003 – وشعبنا العراقي الجريح يعيش الموت في الحياة – بكل ما لهذه العبارة من معنى – قلق وخطر دائم يهدد حياة المواطن – البريء – وكأنه محكوم بالإعدام وبانتظار التنفيذ في أية لحظة ... عند خروجه إلى عمله أو عند عودته منه لعائلته وأطفاله أو وهو يتبضع في السوق أو وهو جالس في مقهى أو مطعم ... وبوسائل شتى ... سيارة مفخخة .. عبوات ناسفة .. هجوم انتحاري بحزام ناسف .. أو بكاتم الصوت ، فهو لا يدري .. المهم تنفيذ الحكم ، كل هذا القلق من المجهول يضاف له هموم ومعاناة لا حصر لها .. من سوء وتردي أبسط الخدمات الضرورية للحياة الآدمية – كبشر – من كهرباء وماء صالح للشرب إلى أكوام القمامة التي تملأ الشوارع والساحات العامة ... هذا في العاصمة بغداد .. فكيف بالمحافظات الأخرى .. مع تفشي مختلف أصناف الأمراض .. وانعدام الرعاية الصحية ، ثم مئات المدارس آيلة للسقوط وحرمان الأطفال حتى من مناضد للجلوس عليها فهم يجلسون على الأرض ... التلكؤ في توزيع الحصة التموينية – قوت العوائل الفقيرة – يرافقها الارتفاع الفاحش في تكاليف المعيشة وارتفاع إيجارات السكن بشكل لم يسبق له مثيل ثم سوء الأداء الحكومي بكل مفاصله مع التشبث بالروتين السقيم بهدف العرقلة لمعاملات الناس وبالتالي ابتزازهم ... فليس من معاملة في أية دائرة حكومية تأخذ طريقها السليم – دون توريق – وباتت حالة اعتيادية يضطر لها المواطن لدفع الإتاوة لتمشية معاملته ، أما التعيينات في دوائر الدولة فهي للمقربين من الأحزاب والكتل المتنفذة - حصرا – وبالمحسوبية والمنسوبية أو بالدولار ، مع أن الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل وخصوصا الخريجين منهم ليس أمامهم سوى حالتان ، أما فرصة عمل في – البلدية – حاملا – المكناسة – لتنظيف الشوارع أو الالتحاق بخطة عسكرة المجتمع – التي يهدف إليها المتصارعين - بالتطوع في الجيش أو الشرطة أو الحرس الوطني والأجهزة الأمنية الأخرى ... أما شهاداتهم العلمية وسنوات الدراسة المضنية – في القمامة - ، أما من لم يحالفهم الحظ في الحصول على فرصة عمل – كهذه – يتسكعون في المقاهي يشغلون أنفسهم بلعبة الدومينو أو غيرها ، وهذا بطبيعة الحال بالنسبة للشباب الواعين ، أما غير الواعين فقد ينحدروا – بفعل الحاجة – إلى سلوكيات منحرفة لا تحمد عقباها وتشكل خطرا على المجتمع ، وهناك الرواتب الضئيلة المتدنية لصغار الموظفين والتي لا تتناسب إطلاقا مع مستوى تكاليف المعيشة وإيجارات السكن الباهضة والكثيرين منهم لا يتجاوز راتبهم – 200 – أو 250 – ألف دينار وهو أقل بكثير عن بدل إيجار السكن فكيف بتكاليف المعيشة وكيف بنفقات أولاده في المدارس أو حالات الطوارئ كالمرض أو الواجبات الاجتماعية الأخرى ، هذه بإيجاز الصورة الحية لواقع حياة العراقيين ومعاناتهم المرّة وهموم حياتهم اليومية وسوء أحوالهم المعاشية ، وكل هذا الواقع المأساوي – البؤس والفقر والحرمان – ناجم أساسا عن الصراعات بين – المتصارعين – على المال والجاه والنفوذ – دون اكتراث لمعاناة هذا الشعب الجريح ... هؤلاء الساسة من فطاحل وفرسان حملة راية الديمقراطية الأمريكية المسخ – من الليبراليين والإسلاميين – على حد سواء ، فؤلائك يتاجرون باسم الديمقراطية وهؤلاء باسم الدين والطائفة ، وكلاهما قد تربى في مدارس الغرب وكلاهما يسعى لتبييض وجه أمريكا القبيح ومعاداتها للديمقراطية بل والإنسانية عبر تأريخها الأسود الطويل ، فالديمقراطية التي تزعم أمريكا نشرها وتظليل الشعوب بها اليوم ، هي ديمقراطية رأس المال وهذا يتجلى بوضوح بالرواتب الضخمة – للرئاسات الثلاث – والمخصصات والامتيازات المغرية والمهولة لكل منهم ، مع فتح الأبواب على مصا ريعها للمختلسين واللصوص لسرقة أموال الشعب العراقي البائس المسكين بشتى الصور والأشكال – مشاريع وعقود وهمية أو تخصيص مبالغ هائلة بالمليارات هي أقل بكثير من قيمة التكلفة الفعلية ، ولا نريد الإطالة في الحديث عنها ... ويكفي ما تنشره مختلف وسائل الإعلام المرئية و المقروءة والمسموعة أو على لسان كبار المسؤولين – الفطاحل أنفسهم – وبشكل يومي عن فضائح كبرى في كل وزارات الدولة ومؤسساتها يعلنها المسؤولون بلا أدنى حياء ، والمواطن العراقي يعتصر قلبه الألم وهو يعيش المأساة التي ذكرناها وأمواله وخيراته تنهب وتسرق أمام عينيه ،وهو يعيش الفقر والجوع والحرمان وبلاده هي أغنى بلدان المنطقة ، وبذالك تهدف أمريكا إلى خلق طبقة جديدة من الرأسماليين في المجتمع العراقي ، وهذا ما يحصل الآن بالضبط فقد بات كبار المسؤولين في الدولة من الوزراء والنواب ووكلاء الوزراء وذووا الدرجات الخاصة – وكل الذين يتمتعون بهذه الامتيازات – من كبار التجار والمقاولين وتجار عقار وبتحويل أموالهم واستثمارها في الخارج في الشركات الكبرى – باختلاف أنواعها – وبدعم أمريكي – لتمكين هذه الطبقة – الجديدة – من الهيمنة على مركز القرار والتحكم بمصائر البلاد وبما يتفق ومصالح الغرب الرأسمالي ، وعلى غرار الديمقراطية – المزعومة – السائدة هناك أي في أمريكا وبريطانيا وعموم الدول الغربية ، حيث يتحكم هناك كبار أصحاب رؤوس الأموال وكبريات الشركات الاحتكارية ولذا فإن الانتخابات في أمريكا تجري بين الحزبين الرأسماليين – الجمهوري – والديمقراطي – وكذا في بريطانيا بين الحزبين الرأسماليين أيضا – المحافظين – والعمال – تلك هي ديمقراطية أمريكا – صراع من أجل البقاء – بالضبط كما نشاهده في أفلام عالم الحيوان – القوي يأكل الضعيف وفق شريعة الغاب – تلك هي الديمقراطية التي يتهافت على حمل رايتها القذرة هؤلاء الساسة ... الذين غابت عنهم تماما الوطنية والضمير والأخلاق ، وعلى العراقيين أن لا يستغربوا – أو يفاجئوا – بأن تكون الانتخابات – مستقبلا - بين الحزبين الرئيسيين الديمقراطيين – للكشر – حزب البعث الذي أخرج من الباب ليعود من الشباك بوجه جديد هو الصنديد علاوي ومن معه من المنبوذين ، وحزب الدعوة الإسلامية فهو من أتباع أهل البيت بقيادة المالكي أو الجعفري وشلة الطائفيين لتكريس الطائفية المقيتة وترسيخها ، وليس التحالف الكردستاني خارج إطار هذه المعادلة إذا ظلت كردستان جزء من العراق – أي أن يكون التناوب على الحكم بهذه القوى الكبرى الثلاثة ، أما إذا انفصلت كردستان عن الوطن الأم – وهذا ما لايتمناه كل الوطنيين المخلصين – فإن لعبة الانتخابات – كما تسمى في الغرب – ستكون هناك في كردستان أيضا ذات اللعبة في التناوب على الحكم وبين الحزبين الرئيسيين حزب مسعود وحزب الطالباني ، هذا هو واقع حال العراقيين أو بالأحرى واقع حال الطبقات الفقيرة الكادحة البائسة وهم الأغلبية الساحقة – وليس كل العراقيين – فؤلائك القابعين في المنطقة الخضراء المحصنة المرفهين المنعمين – بقوارير من فضة وحور العين – لا يمثلون العراقيين إطلاقا بل وليس لهم من ارتباط بتربة هذا الوطن الغالي .
هذه رؤوس أقلام عن الوضع الاجتماعي والمعاشي والاقتصادي ، أما الأوضاع السياسية نتناوله في الحلقة القادمة .

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -