الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا تحصد زرعها..!

تميم منصور

2012 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


"شكراً لك يا إسرائيل".. ردد هذه الجملة احد كبار الإعلاميين الذين عرفتهم الإذاعات المصرية أثناء الحقبة الناصرية, أحمد سعيد. قالها بمرارة لكنه آمن بأن قيام إسرائيل بحد ذاته والنكبة التي أعقبت وجودها، إضافة إلى سياستها العدوانية المستمرة ضد الدول العربية المجاورة, كل هذا وغيره كان بمثابة الصور الذي أيقظ غالبية الشعوب العربية من سباتها. وجود إسرائيل من وجهة نظر هذا الإعلامي جعل الشعوب العربية وجيوشها تتحرك, كي تتخلص من حكامها وتبني نفسها وتدافع عن وجودها وكرامتها.
وبعد أن استفاقت وجدت نفسها غارقة في الجهل، تحكمها نظم فاسدة عاجزة, وإرادتها مصادرة من قبل الدول الامبريالية، خاصة بريطانيا وفرنسا. وأعقب هذه الصحوة هبوب رياح ربيع عربي حقيقي, تجسد باندلاع ثورات كانت بدايتها في مصر. ثم تلتها ثورات في كل من سوريا والعراق وجنوب اليمن وشماله, وثورة ظفار في عمان, والثورة الجزائرية، وآخرها الثورة الليبية. وكان من نتائج هذه الثورات تطهير العديد من الأقطار العربية من رجس التبعية للدول الامبريالية، غير أن هذه الأقطار لم تتحرر من هيمنة الأنظمة الدكتاتورية التي استعبدت شعوبها سنوات طويلة، سواء كانت ملكية أو جمهورية. لكن أحداً لا يستطيع الإنكار بأن هذه الثورات غيرت مبنى وصورة المجتمعات العربية، لأنها طرحت شعارات حملت براعم فكر متجدد. كما ساهمت بإقامة تنظيمات عمالية واطر نقابية لم تعرف الأقطار العربية مثلها من قبل. ولا أحد يستطيع الإنكار بأن الثورة, التي قادها عبد الناصر, كانت بمثابة مرحلة جديدة في تاريخ هذه الأمة الحديث، كما أنها ملأت فراغاً قومياً ووطنياً ثقافياً واجتماعياً.
واليوم نستطيع أن نقول, وبكل بساطة, بأن ما اعترف به الإعلامي المصري المذكور ينطبق على مخرج ومنتج الفيلم التحريضي ضد الرسول الكريم. كما ينطبق عليه المثل الشعبي الذي يقول: "دفعتني نفعتني", لأن الإساءة والمهانة التي حاول هذا العنصري أن يلحقها بالعرب والمسلمين, متستراً ومتلفعاً بوشاح الديمقراطية وأكذوبة حرية التعبير الأمريكية الموجه عن قصد للإساءة والاستخفاف بالشعوب, انقلبت على رأس أمريكا. فقد كشفت عن عمق الازدواجية في حرية التعبير الأمريكية، هذه السياسة التي تحرم التنكر للهولوكوست ومعاداة السامية وتجيز المس برموز الأديان وفي مقدمتها الدين الإسلامي.
لقد اعتقد خفافيش العنصرية في أمريكا بأن الفيلم, الذي شجعوا إنتاجه وإخراجه وعرضه, سوف يشعل فتيل العنصرية والطائفية بين المسلمين والمسيحيين. لكن اللحمة التي برزت بين اللبنانيين من مسلمين ومسيحيين, في استقبالهم للبابا أثناء زيارته للبنان, كانت أول صفعة في وجه كل الذين راهنوا على التفتت والدخول في حرب طائفية جنونية, تحرق الباقي من أخضر العلاقات, وتمزق آخر أثواب النسيج المتماسك. كما أن المظاهرات المشتركة, التي خرجت في شوارع الدول العربية وأبرزها في القاهرة التي تصدرت المظاهرات الإسلاميين مع المسيحيين، كانت الرد الطبيعي على هذا الفيلم, وأثبتت بأن الشخصية القومية تبقى هي السقف الذي يحميهم.
لقد نزع الفيلم القناع عن الوجه الأمريكي، وأمريكا ترتدي مئات الأقنعة وبين كل فترة وفترة ننزع قناعاً جديداً وتعري التقاسيم البشعة للوجه المليء بجدري المصالح الخاصة. إذ اثبت الفيلم انه لا يوجد لأمريكا أصدقاء، بل مصالح, وبأن الأمريكيين يمارسون السياسة بعقلية التجار، ويمارسون التجارة بعقلية اليهود.
وقبل عرض الفيلم كانت أمريكا غارقة بنشوة انتصارها ونجاحها، تقطف عبر مكوكية كلينتون وابتسامات اوباما وضحكات الدبلوماسية الأمريكية, التي تحنطت وتوقفت ساعات عملها على المؤشر المصري والعربي، هي الرابح الوحيد من هذه الثورات. فقد تضاعفت الخدمات المجانية التي يقدمها لها الحكام العرب، خاصة في السعودية ومشيخات الخليج, ومن قبل حكومة الأخوان في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن. لقد زرعت أمريكا في هذه الدول من خلال دعمها للحكام الفساد والإرهاب والطائفية والشبكات الجاسوسية، وقامت بتدمير مقومات الديمقراطية بواسطة أصابعها التي خنقت أحلام الشعوب العربية بالحرية وبأنظمة عادلة.
إن أمريكا تحصد قمحها الفاسد الآن على بيدر الكره، فهي التي دعمت الباكستان في إقامة تنظيم حركة طالبان في أفغانستان عام 1994, بغية السيطرة على الحكم فيها. وكانت تأمل أن تضرب الأصولية الأفغانية بأصولية اشد منها، عندها يسهل تطويع إحداهما لسيطرة الولايات المتحدة. وأمريكا هي التي كانت كالأعشى عندما أقيمت حركة حماس لزرع الفتنة بين الفلسطينيين- كما حصل, ولكي تجد البديل في الشارع الفلسطيني للحركات الوطنية القومية. وأمريكا هي التي نثرت بذور تنظيم القاعدة كي يكون سيفأ مسلطا على رقاب الأنظمة العربية، فعندها تبقى هذه الأنظمة مرتبطة مع أمريكا وبحاجة لها. وأمريكا هي من قدم الدعم للعناصر الإرهابية في ليبيا، لعلها تظفر في الحكم، لكنها حصدت ما زرعت بعدما قام من دعمتهم بسحل سفيرها في مدينة بنغازي. وأمريكا هي التي تصدّر ألإرهاب إلى سوريا من خلال دعمها للسلفيين القتلة، وهي التي قدمت الرشوات المالية للحكومة الاخوانية في القاهرة لشراء ذمم زعمائهم.
لم تتوقع أمريكا بأن الفيلم المسيء سوف يكشف عمق الهوة بين الحكام العرب وشعوبهم، فقد انطلقت الجماهير الغاضبة معبرة عن مواقفها ضد أمريكا نكاية بحكامها أيضا. وما المحاولات التي تكررت باقتحام السفارات الأمريكية, في كل من تونس والقاهرة والخرطوم وبنغازي, سوى التعبير الصادق عن عداء الشعوب العربية لأمريكا. وقد رأينا في الأسبوع الماضي كيف حوّلت الجماهير في أكثر من قطر عربي أمريكا إلى مجمع للنفايات, يلقون فوقه ليس فقط الغضب والرفض والصور والإعلام التي حرقت او داسوا عليها، بل التحذير للحكام الذين يتواطأون بالخفية مع أمريكا.
لقد اثبت هذا الفيلم بأنه يوحد الملايين مثل العراقي منتظر الزيدي, الذي لطم وجه بوش بحذائه حتى يكون بوش عبرة لأمريكا والتاريخ. والمخابرات الأمريكية تعرف أن مظاهرات رمي الأحذية ستطال يوماً قادة أمريكا. فعندما تم الهجوم على برجي التوأم في نيويورك سنة 2001, كشف هذا الحادث عن معدن حكام هذه الدولة الإرهابية. فقد أصيبوا وقتها بجنون الخوف والهلع وفقدان الذاكرة، وحاولوا دراسة الشخصية العربية المسلمة, ولم يعترفوا بأن سياساتهم هي السبب. هذا ما حدث بعد سحل السفير الأمريكي في مدينة بنغازي, ومعه أربعة من مساعديه. فهذا الحادث اظهر مرة أخرى حكام أمريكا على حقيقتهم. لم يعرفوا كيف يفسرون سياساتهم الفاشلة وخيبة أملهم من الرموز الموالية لهم داخل العواصم العربية ببلاطها وقصورها. وكانت الشمطاء كلينتون غير قادرة على وقف اللعاب الذي تدفق من فمها، إذ كانت تجتر كلماتها أشبه بمصاصي الدماء الذين يخرجون من أروقة استوديوهاتهم الهوليودية. إنها تعرف أكثر من غيرها ماذا زرعت يداها وأيادي بقية حكام البيت الأبيض. وكانت تعرف بأن أمريكا في حالة من الجزر السياسي, وإنها تمر بأوقات "حرجة"!! كيف لا, وسفراؤها ورعاياها في غالبية العواصم العربية قد لاذوا بالفرار, ودخلوا في جحور مظلمة خوفاً من الجماهير الغاضبة التي كانت تثأر للذل الذي زرعته في داخلهم بالتعاون مع حكامهم.
نعم, أمريكا تحصد اليوم زرعها، وإذا استمرت في زرع الفساد والدمار والإرهاب ودعم إسرائيل والأنظمة العربية الرجعية الفاسدة, فسوف تحصد المزيد من العداء. والشعوب, عبر التاريخ, قادرة على كنس من يذلها ويسرق كرامتها ويسلمها كالقطيع إلى مسالخ الحكام الفاسدين..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن