الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات و - رياضيات - الباجه جي المغلوطة

خالد السلطاني

2005 / 2 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


شهدت انتخابات المجلس الوطني العراقي ، التى جرت في 30 كانون الثاني 2005 ، اهتماما واسعا ً قل نظيره ، سواء كان ذلك الاهتمام على النطاق المحلي ام الاقليمي ، ام الدولي . وأضافت الملايين المشاركة في الانتخابات ، رغم العمليات الارهابية المسعورة والجارية في البلاد ، اضافت بعدا درماتيكيا ً آخرا لحدث هذه الانتخابات ، والتى ابانت للكثيرين توق العراقيين وتطلعهم نحو نظام ديمقراطي ، وحرصهم الشديد على تحقيق ذلك النظام .
ويعزى مرد الاهتمام الواسع في الانتخابات العراقية الى" ندرة " الحدث السياسي الحاصل . اذ لم تشهد منطقتنا العربية على امتداد تاريخها الحديث ( وغير الحديث .. ايضا ) فعالية سياسية لانتخابات ديمقراطية بمعايير دولية متقدمة ، كتلك التى شهدتها الانتخابات العراقية الاخيرة .
واعقب نجاح تلك الانتخابات ، ظهور متابعات فكرية وتعقيبات تحليلية تهتم بوصف ما جرى ، مشيرة بان مسيرة الديمقراطية المفعمة بالامال التي بدأت في 9 نيسان 2003 الخالد ، وبالسقوط الشنيع للنظام الدكتاتوري البعثي الصدامي ، تسير في الاتجاه الصحيح ؛ وان المنطقة باسرها حبلى بتغيرات قادمة مباركة ، ستفضي لامحالة الى تمتع الشعوب المظلومة ، في النهاية ، باجواء الحرية والديمقراطية التى " برع " الحكام المستبدون التعساء في حجبها عنهم لعقود من السنيين .
لقد تمخض اجراء الانتخابات العراقية عن نتائج غير متوقعة ، في المشهد السياسي العراقي ، وادى ذلك الى بروز قوى سياسية معينة ، واختفاء وضمور قوى اخرى ، كانت تزعم قبل الانتخابات بانها ستحقق نجاحات مدوية ، بغياب اي من المعايير الموضوعية التى بمقدورها ان تمنح نوعاً من الصدقية لتك المزاعم .
وكنا ننتظر متابعات جادة لنتائج تلك الانتخابات ، من قبل جميع القوى السياسية التى ساهمت بها ، والتى لم تساهم ، وان نشهد حرصا ً شديدا ً لاستخلاص العبر،ومكاشفة صريحة وشفافة لوقائع حقيقية عن ما حدث ؛ كي يمكن ، اولا ً ، تحديد عوامل النجاح ، وتأشير بواعث الاخطاء ومسببات العثرات التى شابت التجربة الديمقراطية ، وثانيا ، ً تثقيف عموم الشعب بجدوى وفائدة العملية الديمقراطية، المتجلية بحدث الانتخابات وما يمكن ان يتلوها من خطوات اخرى تعمل في ذات الاتجاه ، لانتشال البلاد من احابيل وتداعيات النظام الدكتاتوري التوتاليتاري البائد . بيد ان ما نشهده الان ، من تعليقات منسوبة الى بعض السياسيين ، وما نسمعه من استنتاجات بخصوص مرحلة ما بعد الانتخابات ، لا يمكنه ان يبعث على الاطمئنان لجهة الاعتراف " بالاخر" ، والايمان بمبدأ التعددية وقبول الاختلاف !
ولعل التصريحات العديدة للسيد عدنان الباجه جي : رئيس تجمع الديمقراطيين المستقلين ، وحرصه الزائد على ترديدها ونشرها في وسائط اعلامية متنوعة تقع ضمن " نطاق " تلك المخاوف التى اشرنا اليها . ويبدو ان اطلاق تلك التصاريح العديدة والمكررة يبتغي من وراءه اثارة " زوابع " تشكيكية ومحاولة لطمس حقائق ، وكلا المرميين لايمكنهما ان يسهما ،في اي حال ، بتعزيز المسيرة الديمقراطية الناشئة في بلدنا ، او يدخل ضمن ادوات " لعبتها " المعروفة .
اذ كيف يمكن للمرء ان يتعاطى مع نوعية الاستنتاجات " الرياضية " التى خلص اليها السيد الباجه جي لنتائج العملية الانتخابية ؟ فهو يلح ، ويكرر اقواله بشكل ممل ، يبعث على السأم ، من ان " غياب " ثلاثة " < ؟ > ملايين عراقي عن الادلاء باصواتهم في الانتخابات ، انتج جمعية وطنية احتل فيها الشيعة والاكراد نسبة كبيرة من المقاعد ، واكد ، بان مشاركة هؤلاء الناخبين كانت ستقلص نسبة الشيعة في الجمعية الوطنية الى 30 في المئة ، والاكراد الى 18 في المئة .." ! .
بالطبع ، ان اللجوء الى " علم الرياضيات " ، وتسخير المعارف الحسابية لجهة اعطاء مصداقية للطرح المثار ، لهو امر في غاية الصواب والفعالية والتأثير ؛ ذلك لان الاساليب والطرق التى صاغها ، طيب الذكـر، " اقليدس " في القرن الثاني قبل الميلاد ، مابرحت تعمل بكفاءة وصدقية عاليتين ،. فلا يمكن ان يكون حاصل جمع " اثنين " مع " اثنين " الا "اربعة " . قالها اقليدس قيل نيف واثنين وعشرين قرنا ، وما برحنا نردد نظريته لغاية اليوم ؛ رغم ان < عمنا > " البرت انشتاين " ( 1879-1955 ) اتى بمفاهيم "النظرية النسبية " والتى دحضت بشكل وباخر نظريات المرحوم " اقليدس " في الحساب ،مانحا الانسانية بعدا اخرا وهو بعد "الزمن " الذي قوض المفاهيم الاقليدسية التى نثق بها ، كاشفا ، في ثنايا نظريته المعروفة الى " احتمالية " وجود " مسار زمني " في احد الاجرام السماوية ، التى يصل عددها بالمليارات ، مسار " يشتغل " عكسيا ً ؛ فبدلا من التعاقب الزمني المألوف ،والذي يبدأ بالولادة ثم النضوج والموت او الفناء ، سيكون مجرى تعاقب المسار ، وفق احد الاحتمالات "الانشتاينية " معكوسا !.
بيد ان كل هذا ليس موضوعنا ؛ موضوعنا هو " رياضيات " السيد الباجه جي التى تحاول سبر غمار طريق آخر ، طريق لا هو يتبع " الاقليدسيين " ، ولا هو من انصار " انشتاين " ؛ انها رياضيات " الطريق الثالث " ، المعتمدة على الاوهام والاحلام ، والتمنيات غير المتحققة ! . فرئيس القائمة التى " حصدت " < 302 23 > صوتا ً من مجموع ثمانية ملايين ونصف ، يفترض افتراضا ً ان " جميع " العراقيين غير المشاركين في الانتخابات التى جرت مؤخرا ً ، سيصوتون " ضد " الشيعة والاكراد بالمطلق ، وعند ذاك ستنخفض النتيجة الى 30 % للشيعة والى 18 % للاكراد ، كما حسبها السيد الباجه جي . اما كيف تسنى له ان يعرف " مزاج " المصوتين واتجاهاتهم بمثل هذه الدقة ، فهذا لا نعرفه ؛ الذي نعرفه بان غالبية العراقيين صوتوا ضد النظام الدكتاتوري ، ضد التسلط والظلم ، ضد الارهاب ، وضد التزييف ، مع الديمقراطية ، ومع التعددية ، هذا ما نقرأه من النسب العالية لاشتراك العراقيين في العملية الانتخابية . وسيكون الحال ذاته اذا قدر لبقية العراقيين الاخرين ان يصوتوا . واذا صدقت احدى تنويعات هذا "المعيار التصويتي " المفترض ، فعند ذاك سوف لا تجني قائمة السيد الباجه جي شيئا ً يذكر من اصوات الثلاث ملايين غير المشاركة ؛ فلم يكن لا هـو ، ولا غالبية اعضاء قائمته معروفين بمواقفهم المشهودة لهم ضد الدكتاتورية ، اومناداتهم الصريحة ضد القهر والتعسف والمظلومية الذي لحق بالعراقيين لعقود ، ابان العهد البعثي الصدامي البائد!
ان الافتراض بان جميع الذين لم يصوتوا هم " سنة " معادين للشيعة والاكراد ، افتراض خاطئ وغير حقيقي وظالم ، ولا ينبغي ان يصدر من شخص يزعم بانه فوق المحاصصة الطائفية وبعيدا عن مواقف الانتماء القومي المتعصب ، ويدعي بان ولائه للعراق باجمعه ! .
كما ان " اطروحة " المطالبة بوجوبية مشاركة " جميع " العراقيين ، او اشتراكهم بنسب عاليه ( فوق التسعين ، واذا امكن 100 % ، كما كان يحدث ابان النظام الصدامي المجرم ) ، حتى تكتمل " مشروعية : نتائج الانتخابات ، كما تطالب بها " رياضيات " السيد الباجه جي ، هي مطالبة جائرة وخاطئة وغير صحيحة ايضا ً ، ولا تمتلك مصداقيتها وفقا ً للمعايير الديمقراطية المعروفة عالميا ً . فعدم التصويت بنسب معينة ، لا تؤثر اطلاقا ً على مشروعية العملية الانتخابية وعلى نتائجها . بل وتعتبر " ممارسة " عدم التصويت ، او عدم الاشتراك في الانتخابات ، وجها ً من اوجه الممارسة الديمقراطية . واذ نذكر السيد الباجه جي بان نسبة 58 % ، التى اعتمدتها المفوضية المستقلة للانتخابات ، للمشاركين المصوتين ، والتى اعتبرت نسبة معقولة ومرضية وحتى عاليه ، ، فان نسبة المشاركين في اخر تصويت يجري في بلد اوروبي وهو اسبانيا ، لم يتجاوزعدد المشاركين حدود 42 % ، وعدت تلك المشاركة ، مشاركة ناجحة ومقبولة وشرعية من جميع النواحي ! .
ثمة " فرضية " اخرى ارتبطت ، (او اريد لها ان ترتبط ) بتداعيات نهج " رياضيات " السيد الباجه جي ، وهي " نغمة " تأجيل الانتخابات عن موعدها ، كاستحقاق اساسي ومهم من استحقاقات قانون ادارة الدولة العراقية ، التى اشتغل عليها اقطاب قائمة < تجمع الدمقراطين المستقلين > ، وعملوا الكثير من اجل تأجيلها او تغيير موعدها . وتبين لاحقا ً بان تلك الشكوك " والحسابات " كانت في غير محلها ، ودلت على قصر نظر سياسي شنيع ، ما كان جديراً باعضاء القائمة تبنى مثل تلك الفرضية ، والان يبدو واضحا للجميع من ان حدث اجراء الانتخابات " في موعدها " كان اجراءا صائبا وسليماً ، وحتى ضروريا ايضا ً ؛ اذ ارسل رسالة قوية الى جميع الارهابيين والصداميين القتلة وجميع مؤازريهم بان لا مستقبل لهم في العراق الديمقراطي ، وان مسارهم ، مسار مغلق ، كتيم ، لا يفضي الا الى مزيد من الخراب والقتل والارهاب الظلامي، ويرى اغلبية العراقيين اليوم ، بان عدم اجراء الانتخابات في موعدها ، كان يمكن ان يكون بمثابة كارثة سياسية ، قد توحي الى الارهابين القتلة بنجاح مسعاهم الخبيث لحرف تطلعات الشعب العراقي ، والنيل من اهدافه في تحقيق نظام ديمقراطي ، مما كان ليؤدي الى مزيد من العنف والارهاب والقتل اليومي ، التى انحسرت موجاتها نوعا ما ، في الفترة الاخيرة ، بسبب اجراء الانتخابات ذاتها في موعدها .
تطلق العرب على الرياضيات كلمة " الحساب " ، وجذر هذة الكلمة < حَسَبَ > ، يشي الى معانٍ اخرى غير رياضية – منها تراءى له ، او بدا له ، ظن او خال ، او حتى اعتقد ؛ ويبدو ان ثمة خلط مغلوط حدث في اقتران " حسابات" الرياضيات ، مع تمنيات " الحسبان " لصاحب النسب المئوية ، وظهر ان اللجوء الى العمليات الرياضية ، ليس دائما ، امرا ً محايدا ً او عقلانيا ً ، وانما قد يكشف نوعية التمنيات المريضة ،والمرفوضة من قبل غالبية الناس ، التى يراد لها ان تكون حاضرة في نسيج المجتمع العراقي .
وفي الختام ، فاننا، لا نود ان نصدق ، بان " حسابات " السيد الباجه جي باستخدام كلمات " العلمانية " ، و " النأي عن الطائفية " والابتعاد عن "المحاصصة المذهبية " ، " والديمقراطية المستقلة " التى يرفعها البعض من قائمة " تجمع الديمقراطيين المستقليين " ، هي محض " قناع " تلبس او تنزع ، تبعا لما توفرها او لا توفرها تلك الكلمات من فائدة تذكر لهذا التيار او لغيره ، فالاصل كما يبدو هو ما تضمره النفوس المتمترسة بخندق طائفيتها المقيتة ، وما ترغب لتحقيقه : مزيدا ً من المغالاة والاجهار علنا ً لتقسيم الشعب العراقي الى سنة وشيعة ، وعرب واكراد ، طمعا ً في اصوات اضافية ، لنيل مكاسب محرمة .
واذ نناشد الجميع بالترفع عن استخدام " رياضيات " السيد الباجه جي ، كنموذج لحالة ما بعد الانتخابات الاخيرة ، نطالب الجميع بقراءة عقلانية واجراء تحليل موضوعي لنتائج الممارسة الديمقراطية بكل ابعادها ، وتوظيف حدثها في مصلحة جميع اطياف الشعب ، التواقة لممارسة حقها الديمقراطي ، والمتطلعة نحو نظام عادل ، تعددي ، يعترف بالاخر ، ويقبل في الاختلاف . □□
د . خالد السلطاني
اكاديمي عراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة