الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقد الأدبي النسوي

معين جعفر محمد

2012 / 9 / 24
الادب والفن



النقد الأدبي النسوي:
توسيع اللائحة فيما يخص الرواية

كتابة: سربل تونش أوبرمان
ترجمة: معين جعفر محمد / بابل
الحلقة الأولى

مقدمة :

يعد انبثاق النقد الأدبي النسوي أحدى التطورات الكبرى في الدراسات الأدبية إبان السنوات الثلاثين الماضية أو نحو ذلك . و هذه الدراسة محاولة إجمالية للنقد الأدبي النسوي، بما في ذلك اكتشافه نساء روائيات أول و قراءات نسوية مبكرة. و بما إن النقد الأدبي النسوي قد اكتشف مجددا نصوصا منسية ، من القرن السابع عشر فصاعدا ، كتبتها نساء يتعذر إنكار مساهمتهن في انبثاق جنس الرواية ، و شملتهن التقييمات النقدية ... فإن من الأهمية بمكان تقديمهن من خلال المنظورين التأريخي و النقدي كليهما . وهكذا فإن القسم الأول من هذه المقالة مكرس , بدرجة كبيرة , للإنجازات الأدبية لهذه النساء الأديبات الأول.
أما الجزء الثاني من هذه المقالة , فيركز بصورة رئيسية على أحدث طور من أطوار النقد النسوي ، و ذلك من طريق محاولة ٍ لعرض منظور نظري من أجل تزويد القارئ برؤية واسعة عن تطوراته. و على أية حال ، فلو أقصينا القراءات النسوية عن دائرة النقاش ، لكانت مناقشة المنظورات الأدبية النسوية ناقصة . لذلك فإن القسم الثالث من هذه المقالة يتعامل مع قراءات نسوية لبعض النصوص ، مبينا اختلافات هذه القراءات الحاسمة ، عن قراءات الذكور . إن إستراتيجيتي الكبرى في هذا الجزء هي أن أشير إلى منظور شامل وذلك باستعمال مقاربة نقدية تفكيكية. في الحقيقة , تلعب المقاربة التفكيكية دورا هاما في كل نقطة من هذه المقالة , ليس في مناقشة كيفية تحدي و تعطيل الخطابات المهيمنة فحسب, بل و في إيضاح تعذر وجود معان و قيم كونية و ذات امتياز في التقاليد الأدبية.. أيضا. بدلا من ذلك, ليس هنالك سوى معان متعددة فقط . و بغية طرح أمثلة لهذه الرؤية, تنتهي المقالة بقراءة تفكيكية للنص ما بعد الحداثي.

1- نساء كاتبات: منظور تأريخي
من أجل فهم طبيعة النقد الأدبي النسوي و مقاربته البدائلية للأدب , يجب فهم تأريخه الطويل.. أولا. و على الرغم من أن ناقدات مثل سيمون دي بوفوار ,ميري إليمان , و كيت ميليت .. كن من بين الأول في الكشف عن التأريخ الأدبي للصور المجازية النسوية ’ و في مناقشة الصور المجازية المقولبة السائدة لدى شخصيات قصصية نسوية.. فإن تأريخ النقد النسوي يرجع في الماضي مسافة مئات السنوات في الزمان. و يمكن تعقب آثاره حتى بالرجوع إلى إعلان أرسطوطاليس أن " الأنثى هي أنثى بمقتضى افتقار معين إلى بعض الطباع", و إلى اعتقاد القديس توماس الأكويني بأن المرأة هي " رجل منقوص" . و من بين النماذج الأولى للنقد النسوي , نصوص ترجع في الماضي إلى كوميديا " ليسستراتا" لأرستوفانيس ( التي تدور حول نساء حققن تغيرا اجتماعيا بكبح جماح رغباتهن الجنسية عن رجالهن) (روثفن- 16 ) ؛ و ثلاثية أسخيلوس "الأوريستيا" , حيث تفوز أثينا بمحاجة أبوللو بأنه ما كل أم والدة لطفلها. كذلك يذكر رامان سيلدن مأثرة جون دن " هواء و ملائكة" حيث يلمح دن إلى نظرية أكويني القائلة بأن الشكل مذكر و المادة مؤنثة: " الذكر الألمعي , الخارق , المؤله.. يترك بصمة شكله على المادة المؤنثة الطيعة و الهامدة"(134) . أما شارون سبنسر فيستشهد بسافو ( الذي هو من القرن السادس قبل الميلاد) , ك" أعظم شاعر غنائي في العصور القديمة " , و يعد عمل كريستين دي بيزان " أول عمل كبير في مجال النقد النسوي" (157) . تستقطب بيزان المولودة عام 1364 الإنتباه بسبب " انتقادها وصف طبيعة المرأة كما رسمها جان دي ميون في ( رومانس الوردة) " (سبنسر:157) . لقد كتبت بيزان (إبستر بصحبة إله الحب) (Epistre au dieu d amours ) 1399 ضد المزاعم المتحاملة على النساء الواردة في عمل دي ميوين . وفي مؤلفها التالي ( مدينة السيدات ) ( La cite des Dames ) 1405 , حاججت بيزان , أيضا, بأن الله خلق الرجل و المرأة كائنين متساويين. و لكن ميري وولسنكرافت هي من أشرت أول إدراك حديث لكفاح المرأة من أجل المساواة في الحقوق و ذلك في كتابها ( دفاع عن حقوق المرأة) الصادر عام (1792 ) , و لذلك يعد هذا العمل أول علامة دالة على طريق المساواة بين الجنسين . لقد تأثرت وولسنكرافت بأفكار الثورة الفرنسية فيما يخص المساواة في الحقوق بين الأفراد . تعلق كي.كي. روثفن قائلة بأن :"التناظر مع العبودية الماثل في كتاب وولسنكرافت , يصبح هو التعبير المجازي السائد في الكتابة النسوية إبان القرن التاسع عشر , و ذلك دون شك بسبب إشراك النساء في الحركة المناهضة للرق " (29 ). في أعقاب ذلك بسبع و سبعين سنة , في كتاب ( إخضاع النساء ) (1869 ) , عبر جون ستيوارت مل عن هذا الموضوع بقوة شديدة : " كافة الرجال , باستثناء أشدهم همجية , يرغبون في أن يجدوا في النساء تابعا شديد الإرتباط بهم , لا كعبد مجبر بل عبد راغب في عبوديته, لا مجرد عبد بل عبد مفضل . و لذلك فقد وضعوا كل شيء قيد التطبيق لاستعباد عقولهن"( أنطولوجيا نورتن – مجلد 2 , 991 ) , و في أعقاب ذلك بستين عام , طورت فرجينيا وولف هذه الرؤى و عززتها بحساسية و نقد أنثويين قويين , و ذلك في مؤلفها ( غرفة خاصة بها ) ( 1929 ) . لقد أصبحت ( غرفة خاصة بها ) سلفا هاما لنقد أدبي نسوي . هنا تحاجج فرجينيا وولف بأن الأفكار الذكرية السائدة في المجتمع البطرياركي , منعت النساء من إدراك ملكتهن الإبداعية و كفاءتهن الحقيقية:
" في المقام الأول , يعد امتلاك المرأة غرفة خاصة بها – إذا تجاوزنا توخي غرفة هادئة أو غرفة ذات جدران كاتمة للصوت – أمرا مستحيلا ما لم يكن أبواها ثريين على نحو استثنائي أو نبيلين للغاية , ينسحب ذلك حتى على مطلع القرن التاسع عشر... كانت صعوبات مادية كهذه تعد مرعبة ؛ و لكن الصعوبات غير المادية كانت أسوأ بكثير. إن عدم المبالاة بالعالم الذي كان كل من كيتس و فلوبير و رجال عباقرة آخرون , قد وجدوه شاقا إلى حد لا يطاق ... لم يكن ,بالنسبة لما هي فيه , عدم مبالاة بل عدوانية." ( 52 )
و كما كانت فرجينيا وولف تؤكده على نحو خاص , كان على النساء الكاتبات العمل ضد أمزجتهن من أجل أن يكتبن . ومع ذلك كانت الكتابة هي الطريقة الوحيدة المتبقية للنساء لتحقيق الذات و الاستقلالية . و بسبب إقصائهن عن الكثير من الأنشطة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية ... فقد اتجهت النساء نحو الكتابة . و لكن هذا لم يكن أمرا سهلا . في مقالتها ( مهن للنساء ) تصرح فرجينيا وولف بأنها كانت ملزمة بقتل " الملاك الذي في المنزل " من أجل أن تكتب رواياتها و أعمالها النقدية :
" لو لم أكن قتلتها لقتلتني , لاستمدت الشجاعة من كتابتي . ذلك لأنني – كما اكتشفت – أضع قلمي على الورقة مباشرة , لا يمكنك حتى مراجعة رواية من غير أن تمتلكي ذهنا هو ذهنك أنت , من غير تعبير عما تعتقدينه الحقيقة بشأن العلاقات الإنسانية , الأخلاق , و الجنس . و كل هذه المسائل طبقا ل( الملاك الذي في المنزل ) , لا يمكن التعامل معها بحرية و انفتاح من قبل النساء . لقد بات قتل (الملاك الذي في المنزل ) جزءا من مهنة المرأة الكاتبة."(إيغلتن/52 )
غب قراءة هذا المقطع , يمكننا تفهم الصعوبات التي ينطوي عليها كونك كاتبة أنثى . فالفكرة واضحة : من الخطورة , بالنسبة لأية امرأة تكتب , أن تظن نفسها كائنا سلبيا و خاضعا للآخر في المنزل. لكي تكوني كاتبة , يجب عليك تحطيم الصورة المقولبة لربة البيت و الأم. بتعبير آخر , إن النساء الكاتبات أمامهن المهمة الهائلة لتحدي هامشيتهن و تدميرهن , لا في المنزل فقط , بل و في المجتمع , أيضا . إن رسالة السيدة غاسكل في 25 آب , 1850 , المتعلقة بالأحوال التعيسة التي عاشتها شارلوت برونتي ... تعطينا مثلا رائعا لكفاحات كهذه خاضت غمارها كاتبات إناث على نحو ما كانت فرجينيا وولف تؤكده باستمرار . تكتب السيدة غاسكل قائلة إن الفتيات برونتي لم يتأت لهن تعلم أي شيء من والدهن , بل كانت الخادمة هي التي علمتهن القراءة و الكتابة, وإنهن عشن في أحوال تعيسة للغاية. و على الرغم من خلفيتها التعليمية البائسة و الظروف المقيتة التي عاشتها , فإن "شارلوت" بحسب ما تقوله السيدة غاسكل " تمتلك اتحادا ساحرا من البساطة و القوة ؛ و شعورا قويا بالمسؤولية تجاه الموهبة..." و تواصل السيدة غاسكل رسالتها على النحو الآتي :
" في الواقع , لم يسبق لي أن سمعت عن حياة شاقة و تعيسة كهذه : فقر مدقع يضاف إلى محنهن .. و لم يكن ( أي الفقر) محنة حتى أصيبت شقيقاتها بأمراض لازمتهن طويلا. هذه الفتاة هي الحقيقة بعينها , و ذات طبيعة نبلائية جدا لم يحدث أن نوديت بشيء من العطف أو اللطف.. فهي صامتة جدا و خجولة للغاية : و إذ تتكلم فكلاما لافتا للنظر بسبب الاستعمال الرائع بالدرجة الأولى , الذي تحققه من كلمات بسيطة , و بسبب الطريقة التي بها تجعل اللغة تعبر عن أفكارها " (128 – 129 ).
بالطبع ليست شارلوت برونتي الشخصية النموذجية الوحيدة التي استطاعت تحدي أوضاعها الإجتماعية و التعبير عن نفسها في روايات مكتوبة بتألق من نحو : (جين آير) ,( شيرلي ) و ( فيليت ) . فهي مجرد واحدة بين عدد كبير من نساء كن لديهن شيء هام يتوخين قوله في أدب قصصي . هنالك كاتبات كثيرات مثلها , أجبرن على تحمل صعوبات شديدة و مع ذلك استطعن إنتاج أعمال أدبية دائمة البقاء . لا عجب في أن معظم الكاتبات الأناث في القرن التاسع عشر وضعن المرأة في مركز الصدارة موضوعا لرواياتهن , أو عبرن عن التجربة النسوية في ثورتهن الأدبية ضد تهميشهن المتعمد كنساء و ككاتبات على حد سواء. في القرن التاسع عشر , عادة ما كانت الكاتبات النساء ينفذن مادة ممركزة للقوة , على الرغم من تعارض ذلك مع هدفهن لخلق خطاب مقاوم- بكسر الواو- . كانت المادة الممركزة للقوة هي الخطاب الذكري السلطوي , . ومع ذلك فقد كن مضطرات على تطبيق هذه الطريقة أو تلك من بما يتفق مع السلطة و الثقافة من أجل ضمان قبول ما يكتبنه للنشر . و لكن إمكانات الكفاءة الآثمة كانت دائمة المثول في كتابتهن . تعد رواية آن برونتي ( نزيل قصر وايلدفل ) (1848 ) , مثالا صارخا على ذلك , كما تعتبر أول إعلان لتحرير النساء . هنا , تجبر هيلين هانتنغدن على هجر زوجها المتهتك ابتغاء وجود مستقل. لقد عد تحديها للقوانين السائدة حينذاك , صدمة للأعراف الإجتماعية في يومها . في العام 1848 كانت الزوجة و الأطفال تحت سيطرة الزوج , و كان محالا على الزوجة هجر زوجها دون تسبب بمشكلات قانونية و فضيحة اجتماعية . مع هذا كله , فإن بطلة آن برونتي , بعد محاولات عديدة لإصلاح وضع زوجها , تهجره مصطحبة ابنها معها , من خلال ما يأتي يتبين كيف يعبر آرثر هانتنغدن ( الزوج ) عن الأفكار التي كانت شائعة بشأن الزوجات : مهما تبلغ الطريقة التي يتصرف بها الأزواج من السوء ... ينتظر من الزوجة طاعة الزوج و إمتاعه بلا تذمر: " هل قسم الزوجية مزاح ؟ و هل هو أمر هين لتتخذ من الحنث به لعبة ...؟ " هذا ما تسأله هيلين بعد أن تصدم بزوجها و هو يغازل زوجة صديقه. فيرد عليها هانتنغدن بإجابة نموذجية : " ها أنت نفسك تحنثين بقسمك كزوجة " قال هذا بسخط متصاعد وهو يسير جيئة و ذهابا " لقد وعدت بأن تشرفيني و تطيعيني , و ها أنت الآن تحاولين أن تتوعديني و تهدديني و تتهميني ناعتة إياي بأسوأ من قاطع طريق ... لن أسمح لامرأة أن تملي علي أوامر حتى لو كانت زوجتي " ( 248 ) . و مع ذلك , تصر هيلين على تبيين الظلم في سلوكه و تطلب منه أن يتخيل نفسه في مكانها : أفكان سيشرفها و يثق بها عندئذ في ظل ظروف كهذه ؟ و مرة أخرى تأتي الإجابة محملة بالمعايير المزدوجة لتلك الأيام : " شتان ما بين الحالتين " أجاب " إنه لمن طبيعة المرأة أن تثبت على حال ... أن تحب رجلا واحدا , واحدا فقط, حبا أعمى , رسميا , وإلى الأبد " (248 ) . هذا الواقع المزدوج هو الذي يجبر هيلين هانتنغدن على نشدان استقلاليتها . كما إن هذا المعيار المزدوج – في التعليم على نحو خاص – نجده جليا في معظم الكتابة النسوية في القرن التاسع عشر. على سبيل المثال , في الرواية الأخيرة للسيدة غاسكل " زوجات و بناتهن " (1866 ) نجد الأب الشديد الحنان و الحرص على حماية ابنته , السيد جبسون , الذي هو نفسه مفكر و يعمل في حقل الطب , يقف ضد حيازة ابنته مزيدا من التعليم . فيما يأتي تعليماته التي يمليها على مربية ابنته , مولي , فيما يخص تعليمها :
"لا تسرفي في تعليم مولي : يجب أن تخيط , وتقرأ و تكتب , و تحل مسائلها الحسابية ؛ و لكنني أريد إبقاءها طفلة , و إذا ما وجدت أن زيادة التعليم مرغوب فيها لها , فلسوف أفكر في إعطاء ذلك لها بنفسي . مع أنني لست واثقا من أن القراءة و الكتابة ضروريتان . في حالات كثيرة , تتزوج المرأة الصالحة و ليست معها إلا صليب ( كختم توقع به عند الضرورة – المترجم ) بدلا من كتابة اسمها؛ التعليم في الواقع إضعاف لذكائها الفطري , في ظني ؛ و لكن , على أية حال يجب علينا الإذعان لأهواء المجتمع , آنسة آير , و لذا يمكنك تعليم الطفلة القراءة . " (46 ) .
و على الرغم من أن مولي تحب أباها و تطيع كافة أوامره و تنفذ كل طلباته ... فإنها تدرك غريزيا أنه ظلم منه أن يحجب عنها عالما غنيا من التعليم . لهذا ( لم تجد أمامها سوى الشجار و الكفاح الشاق وسيلة أقنعت بها أباها , بالتدريج , كي يسمح لها بأخذ دروس في الفرنسية و الرسم ) (46 ) . غير أن السيدة غاسكل تكتب قائلة : " كان دائم التوجس خشية أن تصبح متعلمة أكثر مما ينبغي " (46 )يعد هذا الموقف من قبل شخصية الذكر , أنموذجا للإدراك البطرياركي المعترف به على نطاق عام تجاه النساء في المجتمع و ذلك من أجل السيطرة على سلطتهن و الحد منها . كذلك يشير هذا إلى المقاومة الذكرية لتطور هوية الأنثى , لأن امتلاك هوية قوية يعني امتلاك سلطة أيضا .
معظم الروايات التي كتبتها نساء في القرن التاسع عشر , استعملت المنزل بصفته الصورة المجازية المركزية , وذلك لأن الكاتبات الأناث , مثل بطلاتهن , محتجزات في المنزل بما يشبه الحجر عليهن . و لم تكن تجاربهن واسعة كتجارب نظرائهن الذكور , لأنهن كن معزولات عن الحياة العملية على نحو خاص . لذلك تعرض الروايات طريقة للحياة عالية الستاتيكية ( السكونية – المترجم ) . و على الرغم من تفضيل الكاتبات الأناث للصوت الذاتي في أدبهن القصصي , بسبب خبرتهن المحدودة عن العالم ... فقد كن مدركات للأضرار الناجمة عنه . لعل من أسباب ذلك , أولا و قبل كل شيء , أن الصوت الذاتي يوحي برد فعل ضد الأخلاق المعيارية في عالم تعتبر فيه المرأة المفعول , لا الفاعل القادر على الساهمة في شئون ذلك العالم . لقد كانت الكاتبة النسوية مجبرة على التكيف مع هذه الأخلاق من أجل أن تضمن قبول نتاجها للنشر . مع ذلك , و على الرغم من هذه الصعوبات , فقد طورت الروائيات النسويات الصوت الذاتي في أدبهن القصصي , باعتباره الشكل الحيوي الوحيد الصالح للتعبير عن الفاعل قيد السيرورة . تكتب إيفا فايجس قائلة : " إن وضع النساء , المعزولات داخل أسر فرادى , قد يسر تطور الصوت الذاتي في أدب قصصي يركز على المحيط العائلي " (151 ) . إن مغزى مساهمتهن في المؤسسة الأدبية يكمن في حقيقة أن النساء الكاتبات رأين هوية الأنثى كعملية مستمرة من " المواءمة " و على هذا النحو انعكست مرونتها. يمكن أن يعد هذا منهجا بديلا لرسم الشخصية , وقد استهلته مؤسسات جنس الرواية المنسيات في القرن الثامن عشر .
إن الإنجازات الأدبية لكل من : إليزا هيوود , أفرا بن , ديلاريفيير مانلي , سيرا فيلدنغ , فاني بيرني , إليزابث إنكبالد و ماريا إيجورث – على سبيل الاستشهاد ببضع أسماء فقط – قد رسخن تقليد " الفاعل قيد السيرورة " الذي واصلت تطبيقه روائيات لاحقات مثل : جين أوستن , الأخوات برونتي , و جورج إليوت . تعطينا مقاربة شارلوت برونتي الديالكتيكية للتجارب النسوية , مثالا لا يضاهى لتقليد " الفاعل قيد السيرورة " . إن التوتر ما بين حالة انعدام القوة الشخصية , و الرغبة في القوة و السيطرة في شخصياتها الأناث , ينتج عملية تمكن الشخصيات من إعادة النظر في الآيديولوجيات السائدة في ذلك العصر . في روايتي (جين آير) ( 1847 ) و ( فيليت) (1853 ) , نجد البطلة قادرة على مقاومة الحجر الاجتماعي و التقييدات الإجتماعية و ذلك بعقليتها المستقلة التي تجمع بين الرغبة القوية و الكمال الأخلاقي . تبدي بطلة برونتي , بعقليتها القوية , ذاتية أنثوية متكاملة . تعبر لوسي سنو في " فيليت " عن هذه الحالة بحدة تامة إذ تقول : " يعن لي أن آخذ عامدة مكان خادمة المنزل , أشتري زوج قفازات قوية , أكنس حجر النوم و السلالم , و أنظف المواقد و شعور الرؤوس , بسلام و استقلالية "( 382 ) . كذلك البطلات الأقل قوة , مثل كارولين في شيرلي ( 1849 ) .. كن مدركات لهذه المعلومات عن الذات . نجد هذا جليا في بحث كارولين في قرارة نفسها عن هوية ووجود لهما معنى : " أتساءل لأي شيء خلقت ؟ أين هو مكاني في العالم ؟ " (190 ) . إن طرح أسئلة من هذا النوع , يفترض عادة اعتقادا بوحدة الذات , بحثا عن ذات متماسكة تريد أن تعرف نفسها و تتحكم بها . كما يعد هذا , أيضا , تمردا للوعي الأنثوي ضد الصور التي يحملها الذكر عن هوية الأنثى و خبرتها . و كما تشير جودث كيغان غاردنر فإن " مفهوم هوية الأنثى يبين لنا كيف تتحول التجربة الأنثوية إلى وعي أنثوي , و غالبا ما يحدث ذلك كرد فعل للنماذج الذكورية تجاه التجربة الأنثوية . ( 190 ) . إن رغبة إليزابث بينيت في التكامل الذاتي , في التحكم و العاطفة , في رواية جين أوستن ( كبرياء و هوى ) (1813 ) تشير , هي الأخرى , إلى " الفاعل قيد السيرورة " : " إليزابث من جانبها لديها الكثير مما ينبغي عمله . فهي تريد التأكد من مشاعر كل واحد من زائريها , تريد تنظيم مشاعرها هي , و جعل نفسها مقبولة لدى الجميع " ( 281 ) . أما جوليت ميتشل فتزعم أن النساء الكاتبات , الأول على نحو خاص , أكدن عملية اللياقة النسوية في نطاق مجتمع برجوازي جديد :
[ لقد كتبن روايات لوصف تلك العملية .. روايات كانت تقول : " ها نحن هنا : نساء . ما الغاية من حياتنا ؟ من نكون ؟ حياة منزلية , علاقات شخصية , صداقات سرية , قصص ... " إن الرواية هي ذلك الإبداع الذي تنجزه المرأة التي في داخل المرأة , أو ينجزه الفاعل الذي هو قيد سيرورة أن يصبح امرأة , عن امرأة ترزح تحت نير النظام الرأسمالي . ] ( إيغلتن / 100 ) .
في القرن التاسع عشر , نجد إدراك عيوب النظام الاجتماعي في ظل الرأسمالية واضحا على أتم وجه في أعمال الكاتبات الأناث . ذلك أن الروائيات النسويات , كالسيدة غاسكل مثلا , بدأن بمساءلة النظام الاجتماعي و التعليق عليه في أدبهن القصصي . إن وضعهن إنساني في جوهره . تحاجج إيفا فايجس قائلة إن الحل الذي طرحته الروائيات الأناث كان يتمثل في (تأنيث المجتمع ) :
" حين بدأت النساء بالتعليق على النظام الاجتماعي في أدب قصصي , كانت نظرتهن الإستشرافية إنسانية في جوهرها . و إذا ما تركنا جانبا التصريحات الفرادى بشأن وضع جنسهن , التي ترد في كتابات كافة النساء , بدءا من جين أوستن و حتى ميري وولسنكرافت ... فقد كن ميالات إلى الوقوف على مبعدة عن النظم و الحلول السياسية , و في الحقيقة كن في ريبة منهما , و يتفحصن المشكلات التي كن يصفنها , بلغة العلاقات الإنسانية. و في محاولة لتحليل تعطل العلاقات الإنسانية و فشلها , فقد اتجهن نحو لوم السلوك الذكوري , ورؤية الحل في نطاق تأنيث المجتمع " (152 ) .
إن مساهمة النساء الكاتبات في القيم الإنسانية تتمثل في هوية الأنثى التي توازي في الثقل ما رأينه موقفا و مركزا ذكريين في المجتمع هما في جوهرهما تخريبيان و مضادان للإنسانية . لذلك يجري تمثيل هوية الأنثى كفاعل قيد السيرورة – أي : فاعل هو دائما في حالة حركة تقدمية .
و على الرغم من أن النساء الكاتبات قد رأين هوية الأنثى سيرورة و أكدن مرونتها ... فإنهن لم يستطعن تحاشي تعرضهن للمطالبات غير المبررة بتأكيد قواهن الفكرية . و هكذا فقد أقصين على الدوام من التيار الرئيس للأدب و المجتمع . في القرن التاسع عشر على نحو خاص , جرى الحط من شأن النساء بسبب ما يسمى ب " دونيتهن الفكرية " . كان الإعتقاد السائد أن الفنانات الأناث لا يمتلكن ملكات إبداعية و فكرية تضارع تلك التي هي ل( رجال عظام ) من نحو موزارت , مايكل أنجلو و ملتن و آخرين عديدين غيرهم . لقد كن قادرات على تحقيق المساواة مع الرجال بمعنى واحد فقط هو : قدرتهن على ( الموت " بهيبة " و بفن يضارع فن ملتن ) . هذه هي الموهبة الكبيرة في النساء المعترف بوجودها بلا تحفظ , المقدرة على الموت كالرجال , و ذلك ما أشاد به دي كوينسي بمرح على حد ما أشارت إليه أنجيلا لايتن (160 ) . تعد مقالة دي كوينسي ( Joan of Arc ) شاهدا نموذجيا على نفاذ البصيرة المنحازة لدى الذكور و محاولات مدروسة لبناء و ترسيخ المعارضات الثنائية للترتيب ذكر / أنثى في النظام الاجتماعي :
" أيتها المرأة الأخت , ثمت أشياء لا تحسنين أداءها كأخيك الرجل , و لن تحسنيها على الإطلاق . اعذريني إذا شككت بإمكانية أن تنتجي شاعرا كبيرا من جوقتك , أو موزارتا , أو فيلسوفا عظيما , أو باحثا عظيما ... مع ذلك , أيتها الأخت المرأة ... أقر لك بقدرتك على القيام بشيء واحد كأفضلنا نحن الرجال – شيء هو أعظم حتى مما يعرف عن ملتن أنه قد أنجزه أو عن مايكل أنجلو , ألا وهو : أن تموتي ميتة مهيبة " ( لايتن 160 ) .
و على الرغم من كل هذه الهجمات و بخس ملكتهن الإبداعية و ذكائهن و كفاءتهن ... فإن النساء الكاتبات " كن يشعرن بأنهن مكرهات على إثبات كونهن معولا عليهن و قدرتهن الجسمانية على التحمل " ( شوالتر / 78 ) و أنهن قد رسخن الشكل البارز سلفا للسرد الأدبي – الرواية . لقد انبثق جنس الرواية من التجارب الأدبية النسوية في القرن السابع عشر , الذي كان عصر انتقال إلى مجتمع رأسمالي زاخر بالشكوك . ومع ذلك فقد جرى إقصاء الروائيات الأناث بترو عن دائرة الإعتبار النقدي . إن ناقدا مشهورا مثل ولتر ألن يستهل كتابه ( الرواية الإنجليزية ) ( 1954 ) بالتصريح الآتي : " إن الظهور المفاجئ نسبيا للرواية في منعطف القرن السابع عشر كما نعلم , كان إعلانا عن تغير ملحوظ في اتجاه اهتمامات الرجال" ( 21 ) . إن السبب الذي يجعل ألن يعطي علانية أولوية للرجال و اهتماماتهم يعد ذا مغزى كبير . و بما أن " الأغلبية الواسعة من الروايات الأولى " حسب ما تقوله جولييت متشل " كتبتها أعداد كبيرة من النساء " ( إيغلتن / 100 ) فكيف يمكن لناقد تجاهل وجودهن على هذا النحو ؟ من الواضح تماما أن ألن يتعمد إقصاءهن من اللائحة و ذلك بعدم سوق أية إشارة إلى مساهمتهن في تشكيل جنس الرواية . إن نساء كاتبات من نحو الليدي ميري روث , آن ويرنيز و مارغريت كيفنديش ( دوقة نيوكاسل ) قد أقصين عن أعمال نقدية كثيرة كتبت عن انبثاق جنس الرواية . يناقش ديل سبندر هذا الأمر قائلا بأنه لا أحد يستطيع إنتاج معيار مزدوج كهذا في تراثنا الأدبي سوى ذلك المصر على الإنحياز:
" إن رجال الأدب قد أقصوا النساء و كتابات النساء عن لائحتي المشاركة و الاعتبار ضمن الحلقة الأدبية , و لقد فاقموا أخطاءهم في الحكم بفشلهم في أن يذكروا وجود قواعد مختلفة للنساء اللواتي لم يشملوهن . و ليس إلا الأفراد المصممون على التحزب من كانوا بوسعهم لقرون تطبيق معيار مزدوج , حكم على المرأة الكاتبة كامرأة حقيقية , و على الرجل الكاتب ككاتب حقيقي ؛ و ليس إلا الأفراد المسيطر عليهم و الذين هم راغبون البقاء على ذاك النحو ... من كان يمكنهم بثبات الإقرار بالدور الذي كانوا يؤدونه في إبقاء النساء خارج حدود عالم الأدب " ( 46 )
و لأن الرواية إبداع كاتبات إناث , فإن إقصاء هذا العدد الكبير من النساء الروائيات من اللائحة , قد سبب رد فعل هائل الدرجة من قبل الناقدات النسويات . و لذلك , فإن إعادة بناء و إعادة تقييم اللائحة فيما يتعلق بجنس الرواية قد أصبح إحدى المهام الكبرى للنقد النسوي .
بدءا من القرن السابع عشر فصاعدا , وجد عدد بالغ الأهمية من النساء اللواتي اعتدن على الكتابة على الرغم من الأضرار القاسية المترتبة عليها ( لأن بيع بضاعتهن الأدبية كان يعامل بنفس البذاءة و الإزدراء اللذين يعامل بهما البغاء) (سبندر /14) لذلك كانت فكرة الكتابة و النشر تعتبر قضية بالغة الخطورة لأسباب أخلاقية . مع ذلك , و على الرغم من كل العوائق , حاولت النساء الكاتبات المساهمة في التقليد الأدبي , و استحدثن جنسا جديدا هو الرواية . تعد الليدي ميري روث , المولودة في العام 1586 , أول كاتبة كبيرة و هامة . لربما أفادها , في المقام الأول , كون عمها السير فيليب سدني و عمتها كونتيسة بمبروك. ولكن إنجازها لم يكن إلا بفضل موهبتها الأدبية فحسب . قامت الليدي ميري بمهمة راعية للأدب لفترة امتدت حتى وفاة زوجها و ابنها عام 1644 . على سبيل المثال , يصرح ديل سبندر بأن بن جونسن أهدى لها كثيرا من أعماله , و بضمنها ( الكيميائي ) عام 1610 (12 ) . بعدئذ , من أجل تسديد ديونها و تدبير معيشتها , كتبت ( يورانيا ) في العام 1621 , التي هي رومانس رعوي كما تعد نسخة جديدة لمأثرة سدني ( أركاديا ) . تتأتى أهمية ( يورانيا ) من تقنيتها المبتكرة . ذلك لأنها المرة الأولى التي تستعمل كاتبة إحالة مباشرة إلى الواقع توخيا للتمثيل الواقعي مع مراعاة التشابه ما بين شخصياتها القصصية و الشخصيات الإجتماعية في زمانها . و على الرغم من كون هذا النص تحريفا لأعراف المدونة الرعوية , فإنه وثيق الصلة بتطور جنس الرواية . و على الرغم من فنطازيتها الرعوية و أسلوبها البلاغي المنمق , تنأى ( يورانيا ) في الحقيقة عن الأعراف الفنطازية للرومانس الرعوي و ذلك بواقعية مضمونها و الوصف الواقعي لشخصياتها القصصية . في هذا الجانب , فإن مضمونها الواقعي و تقديمها للحوار الواقعي يفصلان ( يورانيا ) عن الخيال الفنطازي و يجعلانها سلفا للأعراف الواقعية . و على هذا الأساس , تعد ( يورانيا ) أول نموذج لتضييق الفجوة بين الحقيقة و الأدب القصصي .
لم تكن الليدي ميري روث المرأة الكاتبة الوحيدة التي خرقت الحد الفاصل بين الفنطازيا و الواقع . فما أكثر من حذوا حذوها . و على الرغم من أن حقل الأدب كان محتلا من قبل "رجال الأدب " في القرن السابع عشر , فقد باشرت النساء – إبان النصف الثاني من هذا القرن على نحو خاص – بتدشين أشكال جديدة قربت الأدب القصصي من الواقع . لقد استهللن ظهور أشكال من البايوغرافيا ( السيرة الذاتية – المترجم ) و الأوتوبايوغرافيا ( سيرة الكاتب بقلمه – المترجم ) و الرسائل و ذلك بالكتابة في نطاق هذه الأشكال حصريا . من ضمن الأسماء الأكثر جدارة بالاعتبار , بين هذه النساء : آن كليفورد , لوسي هانتشينسن آن فان شاو ثم مارغريت كيفندش . لقد كتبت هذه النساء مسودات تراجم حياة أعلام تعد جديرة بالاعتبار بسبب تفاصيلها الواقعية الخاصة بعصرها . ينسحب هذا بشكل خاص على مارغريت كيفندش , دوقة نيوكاسل ( 1624 – 1674 ) التي قدمت المذهب الواقعي للأعراف الأدبية . علاوة على ذلك , فقد عبرت بجرأة عن آرائها بشأن وضع النساء . في ( مقدمة للقارئ ) التي هي جزء من كتاب ( كشكول عالمي ) ( 1655 ) زعمت كيفندش أنه لو أعطيت النساء التعليم نفسه الذي يحظى به الرجال , لما كن ضحايا , و لأصبحن عندئذ – في رأيها – مساويات فكريا للرجال : " لو كنا تربينا في مدارس لإنضاج عقولنا و تخصيب ملكات فهمنا , لتأتى لنا أن نجتني ثمار المعرفة " . و في ( مقدمة ) لكتاب آخر , عنوانه ( تعليقات على الفلسفة التجريبية ) ( 1666 ) واصلت محاجتها قائلة : " لن أقول سوى إن كثيرات من بنات جنسنا قد يتمتعن بذكاء جم , و سعة مقدرة على التعلم مثلما الرجال : و لكن بما إنهن بحاجة إلى إرشادات , يتعذر عليهن إحرازه : ذلك لأن التعليم مصطنع أما الذكاء ففطري " ( سبندر / 38 ) . و في كتابتها سيرة حياتها ( السرد الحقيقي لميلادي : النشأة و الحياة ) ( 1656 ) وثقت , بإسراف في التفاصيل , الصعوبات التي كانت هي و زوجها كيفندش قد خاضا غمارها إبان وجودهما في المنفى . تشكل هذه السيرة الذاتية جزءا واحدا فقط من كتابها ( صور الطبيعة مرسومة للحياة بقلم الخيال ) ( 1656 ) الذي هو مجموعة حكايات و خرافات و حوارات . فيما يأتي مثال على استعمالها الحوار الواقعي و التعبير عن آرائها هي بشأن وضع النساء :
( ثمت مسؤولة رزينة حضرت لزيارة العذراء الشابة التي سألتها عن سبب لعدم زواجها سيما و إنها بالغة سن الزواج . " في الحقيقة " قالت الفتاة " أنا راضية خير رضى بحياتي عازبة . " " ماذا ؟ " ردت المسؤولة " أتريدين قيادة القردة في الجحيم ؟ " قالت الشابة بأن قيادة القردة في الجحيم خير من العيش عيشة الشياطين على الأرض , ذلك لأنني , و القول للشابة " قد سمعت بأن أي اثنين متزوجين قلما ( أو لا ) يتفقان أبدا , فالزوج يعربد ثملا , و الزوجة توبخ في سورة غضبها , الخدم يتشاجرون , الأطفال يتصارخون , و كل شيء فوضى طاغية ؛ كل هذا أسوأ من فكرتنا عن الجحيم , و أكثر هرجا و مرجا ". قالت المسؤولة " يصح هذا على البؤساء فقط , الشريحة الوضيعة من الناس الذين يعيشون على هذا النحو ؛ أما النبلاء و الأغنياء فإنهم , حين يكونون ثملين , يحملون مباشرة إلى السرير و يسجون عليه ليخلدوا إلى النوم , بينا زوجاتهم يرقصن حتى يصبح أزواجهن في حالة اتزان " قالت الليدي : " إن يرقصن حتى يصبح أزواجهن في حالة اتزان , فلسوف يرقصن حتى الملل " ردت المسئولة : " هذا ما يفعلنه ") ( بريجيد مكارثي ) .
إبان مرحلة عودة الملكية في إنكلترا , سبقت امرأة كاتبة واحدة كل الآخرين في الزمان و ذلك بمذهبها الواقعي الموثق , تلك هي : أفرا بن ( 1640 – 1689 ) . تحيي فرجينيا وولف هذه المرأة بالمطالبة الآتية : " يجدر بكافة النساء مجتمعات أن يدعن الزهور تتساقط على ضريح أفرا بن ... فقد كانت هي من منحتهن حق التعبير عن أفكارهن " ( 66 ) ... في أعقاب أفرا بن أتى عدد من الكاتبات الأناث اللواتي دفعن الأدب القصصي خطوة إلى الأمام . إن ديلاريفيير مانلي ( 1663 – 1724 ) و إليزا هيوود (1693 – 1756 ) يجب أن تتبوءا مكانتهما المناسبة في تأريخ تطور الرواية . فقد قدمت مانلي شكل الرواية الرسائلية , و حققت استفادة من الهجاء السياسي , كما أدخلت في الاستعمال " ترجمة فنطازية لوقائع الحياة اليومية "( سبندر / 73 ) . أما هيوود فقد رسخت الرواية الرسائلية , و لهذا فهي تعد السلف لريتشاردسن . لقد كتبت أليزا هيوود روايات واقعية و عاطفية , أيضا . إن عملها ( تأريخ بسي الطائشة ) ( 1751 ) يؤشر الظهور الحقيقي للرواية بحبكتها و شخصياتها و حوارها . قدمت هيوود العالم بمنظور نسوي و عبرت عن الخبرات النسوية . لقد أصبحت ( بسي الطائشة ) مصدر إلهام لروائيات أتين لاحقا مثل فاني بيرني و جين أوستن . إن " إيفلينا " ( إحدى شخصيات بيرني ) و إليزابث بينيت ( من شخصيات جين أوستن ) , قد رسمتا على غرار شخصية بسي . بناء على ما تقدم تعد بسي الرائدة في تأريخ الشخصيات القصصية التي تتعلم من أخطائها . كانت أليزا هيوود , كما يقول سبندر , " قوة فعالة بدرجة كبيرة ( بل أعظم قوة جدليا ) في تشكيل الرواية مثلما كان دانييل ديفو و هنري فيلدنغ " ( 107 ) .
و هكذا فإن كلا من أفرا بن ( دوقة نيوكاسل ) و ديلاريفيير مانلي كانتا في الحقيقة أول كاتبتين استهلتا ظهور الرواية و ذلك بتجاربهما في مجال التقنيات الواقعية , و أصبحت أليزا هيوود , لا قوة فعالة في ترسيخ الأعراف فحسب ... بل و أنموذجا يحتذى به في هذا الجنس الأدبي , أيضا . إنهما أول شخصيتين ممثلتين للنساء الروائيات اللائي أعطين الأدب القصصي شكله الشائع في القرن الثامن عشر. لقد ساهمت كل من : أليزابث إنكبالد , شارلوت لينكس , شارلوت سميث , فاني بيرني , ماريا إيجورث , أميليا أوباي , ميري برنتن , سيرا فيلدنغ , ميري وولسنكرافت و ميري هيز ... بنصيب في تعزيز الرواية و ضمان أن تحظى بإعجاب و إدراك شعبيين . و كما يلاحظ شوالتر " منذ العام 1750 فصاعدا , قامت النساء الإنكليزيات بغارات مطردة على ساحة السوق الأدبية , كروائيات بصورة رئيسية " (16 ) . و بفضل الأبحاث المنظمة و الشاملة المكرسة لوضع هذه النساء الروائيات تحت الأضواء , تأتى لهذه النساء المؤسسات الأول لجنس الرواية , أن يتبوأن مكانتهن في لائحة السنن الأدبية في أيامنا هذه . و يعد هذا أحد الإسهامات الهامة جدا للنقد الأدبي النسوي . إن التقييم الأدبي للنصوص الأولى من وجهات نظر مناهج عديدة شتى , سلط ضوءا منشطا للذاكرة على الدراسات الأدبية بصورة عامة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل الامتحانات.. خلاصة مادة اللغة الإنجليزية لطلاب الثانوية


.. احتجاجات في جامعة ديوك الأميركية ضد الممثل الكوميدي جيري ساي




.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال


.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما




.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم