الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيوعية والديمقراطية- 3- اليسار والشغيلة

أنور نجم الدين

2012 / 9 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الشيوعية والديمقراطية- 3- اليسار والشغيلة
ولْنَعُد الآن إلى اليسار الماركسي ومحاولاته لإعادة الحياة إلى أساليبه البالية القديمة الشائخة لتوحيد الأعمال من جديد مع البرجوازيين، الديمقراطيين منهم أو الإسلاميين.

إن وحدة اليسار مع محيطه السياسي، تنطلق دائمًا من وجهة نظر الدولة، فاليسار يحاول إنشاء وحدة تكون الشغيلة خارجة عنها. فمحاولة اليسار هي أن يعلق نفسه بشريحة برجوازية سائدة في المجتمع لتحقيق مصالحه الخاصة من خلالها.
وهكذا، فالهدف ليس سوى جعل حركة الشغيلة ذيلًا هزيلًا للديمقراطيين البرجوازيين لتحقيق مصالح حزبية خاصة، مثلما قام اليسار الشيوعي في السابق بدفع البرجوازية الوطنية إلى العرش السياسي بأمل تقسيم الغنيمة معها.
وما كانت النتيجة؟ بالطبع، هزيمة الشغيلة في نضالاتها واستسلامها أمام البرجوازية.

كما هو معلوم، لا تملك الشغيلة في الوقت الحاضر ما يكفي من التجارب في انتفاضاتها في الشرق، وإلا لم تقع الشغيلة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، في قوقع البرجوازيين، الديمقراطيين منهم أو الإسلاميين.
أما اليسار المتمرس في السياسة الجبهوية مع البرجوازية وحكوماتهم، فيحاول من جديد احتواء الحركة المعاصرة، لمصلحة سادات المجتمع. فكافة كتل اليسار الماركسي والشيوعي يغتنمون الفرصة لكي يعيدوا جملهم الفارغة من المعنى كليًا لطبقة الشغيلة، فهم كما كانوا، ينطلقون من مصلحة البرجوازية الديمقراطية لا من مصلحة الشغيلة المستقلة عن الديمقراطيين والوطنيين والإسلاميين. وهم بهذا المعنى جزء من الديمقراطيين البرجوازيين، بعيدون كل البعد عن أي إجراء في مصلحة البروليتاريين الشيوعيين.

إن دور اليسار في الوقت الحاضر هو نفس دورهم منذ الاربعينات، فكل اليسار الماركسي يحاربون بعضهم بعضًا بشدة، ولكن يستهدفون من نشاطاتهم إقتسام الغنيمة مع الكتل البرلمانية في الدولة البرجوازية، مثال: الحزب الشيوعي العراقي- سواء في البرلمان العراقي في بغداد أو البرلمان الكردي في كردستان العراق، فهم بوصفهم ممثلي النظام الجمهوري والمدنية البرجوازية ودولتها العلمانية، يريدون إعادة نفس ترتيب الجلوس المتبع من قبل اليسار واليمين في البرلمان البرجوازي منذ ثورة 1789 الفرنسية البرجوازية، فهم يمثلون يسار البرلمان، وفي يمينهم، فيجلس الإسلاميون. فاليسار بهذا المعنى، نسخة مشوهة للتيار الديمقراطي البرجوازي الذي يسمى الاشتراكية – الديمقراطية. وهم كما يقول ماركس:

"يسعون وراء اجراء تغيير في الاوضاع الاجتماعية من شأنه أن يجعل المجتمع القائم محتملاً ومريحًا أكثر ما يمكن بالنسبة لهم. ولهذا يطالبون في المقام الأول بتخفيض نفقات الدولة عن طريق الحد من البيروقراطية والقاء الضرائب الرئيسية على كواهل البرجوازيين وكبار ملاكي الأراضي. ويطالبون، ثانيًا، بازالة ضغط الرأسمال الكبير على الرأسمال الصغير، مع سعيهم وراء انشاء مؤسسات حكومية للتسليف، الأمر الذي من شأنه أن يوفر لهم وللفلاحين امكانية الحصول على القروض، لا من الرأسماليين، بل من الدولة، ثم انهم يسعون وراء قيام العلاقات البرجوازية للملكية في الريف عن طريق القضاء التام على الاقطاعية. ولتحقيق كل هذا فعلاً، ينبغي لهم بنية للدولة، - سواء كانت دستورية أم جمهورية،- من شأنها أن تؤمن الاغلبية لهم ولحلفائهم-الفلاحين ..
وبعد، من الضروري، برأيهم، معارضة سيادة الرأسمال ونموه، وذلك جزئيًا عن طريق الحد من حق الارث، وجزئيًا عن طريق نقل أكبر عدد ممكن من الأعمال إلى يد الدولة. أما العمال، فلا شك أولا في انه يجب عليهم كما من قبل أن يبقوا عمالاً مأجورين، ولكن البرجوازيين الصغار الديمقراطيين يريدون في هذه الحال أن يكون للعمال أجر أفضل وعيش أكثر يسرًا؛ وهم يأملون في بلوغ هذا الهدف، وذلك جزئيا بتوفير الاشغال من جانب الدولة، وجزئيا بتدابير البر والاحسان، -خلاصة القول انهم يأملون في رشوة العمال بصدقات مموهة إلى هذا الحد أو ذاك وفي تحطيم قوتهم الثورية بتحسين وضعهم موقتا" (ماركس، رسالة اللجنة المركزية إلى عصبة الشيوعيين).

إذن، ما خطر اليسار الماركسي والشيوعي أمام مستقبل حركة الشغيلة؟
لو رجعنا إلى الأربعينات، نرى أن اليسار -كافة الأحزاب الشيوعية في الشرق- في المراحل البدائية من النضال الطبقي بدأ بتدريب البروليتاريين على ممارسة التعاون مع البرجوازية الوطنية، وأصبح الناصر وقاسم والبارزاني والطالباني، قادات سياسية ذات ثقة رفيعة بين جماهير البروليتاريين، فبدأ الشيوعيون في العراق مثلا بنسج حكايات حول نزاهة عبد الكريم قاسم، فقد مات ولم يكن في جيبه فلس واحد! وبهذه الطريقة يحاول اليسار في الوقت الحاضر، إعادة الشغيلة إلى أرض الميعاد، فالهدف لا يزال هو تحقيق حكومة نزيهة، فمات الآلاف من الأبطال لأجل تحقيق هذا الوهم البرجوازي.

ولكن رغم كل محاولات اليسار اليائسة والبائسة، فالمصادمات الطبقية، تساعد بشتى الأشكال على تطور حركة البروليتاريا. فما دامت البرجوازية في حالة الحرب دائما مع البروليتاريين، فلا بد أن تجر البروليتاريا إلى مضمار هذه الحرب الطبقية وتقدم لها بنفسها سلاح النضال وعناصر محاربتها. فعلى عكس اليسار الذي يحاول أن يسير دولاب التطور إلى الوراء من خلال الدفاع عن مصالح الفئات الاجتماعية المتوسطة، ثم المحافظة عليها عن طريق السلف الحكومية، فتحاول البروليتاريا تحصين نفسها لأية مجابهة مستقبلية محتملة، وكما يقول ماركس:

"فما أن تتوطد الحكومات الجديدة بدرجة معينة حتى يبدأ على الفور نضالها ضد العمال. ولكي يمكن العمل ضد البرجوازيين الصغار الديمقراطيين كقوة، يجب قبل كل شيء أن يكون العمال منظمين تنظيمًا مستقلاً وأن يكونوا ممركزين من خلال نواديهم" (ماركس، نفس المرجع السابق).

وهكذا، فان مطالب البروليتاريين تأتي دائمًا وفي كل مكان، ما وراء مطالب الديمقراطيين من ضمنهم مطالب الرجعية للفئات الاجتماعية الصناعية الصغيرة والتجار الصغار والحرفيين والفلاحين الذين يهلكون على الدوام وينتقلون إلى صفوف البروليتاريين مع تطور الصناعة الحديثة.

والسؤال إذن هو: إذا كان برنامج العمل اليساري الديمقراطي هو نسج المطالب الرجعية للفئات الاجتماعية المحافظة، فما برنامج العمل الشيوعي للبروليتاريين؟

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انتصار آخر لأحط برجوازية
طلال الربيعي ( 2012 / 9 / 24 - 22:11 )
عزيزي ألأستاذ انور نجم الدين
شكرا جزيلا على مقالك.
ان الحزب الشيوعي العراقي , كمثال, يرفع شعار العدالة الاجتماعية, وذلك كما هو معروف بوجود فساد مالى لا مثيل له للحكومة ومؤسساتها, والتي هي اشبه ما تكون عصابة مافيا منها كحكومة. ان شعار العدالة الاجتماعية هذا ينطبق عليه قول غسان كنفاني:
-يسرقون رغيفك ثم يعطونك منه كسرة ثم يأمرونك ان تشكرهم على كرمهم, يا لوقاحتهم!-.
ان رفع شعار العدالة الاجتماعية يسجل انتصارا آخرا لأحط برجوازية واكثرها رجعية وطفيلية ولاوطنية; البرجوازية العراقية.
حاله حال مبدأ الزكاة الذي يرفعه الاسلاميون, فان شعار العدالة الاجتماعية يعني ادامة الاستغلال, لربما بشكل ملطف, الى ابد الآبدين من اجل منع الاحتدام الطبقي ونشوب حركات التغيير.
مع المودة


2 - اليسار في بلدان الشرق
محمد المثلوثي ( 2012 / 9 / 24 - 23:02 )
لو نظرنا لليسار في بلدان الشرق فاننا بالفعل لا نجد له سوى أصداء مطالب الشرائح البورجوازية التي يطحنها نظام المنافسة العالمية والفئات الاجتماعية التي يدفعها كل تطور رأسمالي نحو الانحدار الى وضع البؤس البروليتاري، فمن مقولات -بناء الاقتصاد الوطني المستقل- الى -النضال ضدالامبريالية-الى -الاصلاح الزراعي- الى -انجاز المهام المسماة ديمقراطية- كجسر عبور نحو الاشتراكية الى -الحريات السياسية- و-الديمقراطية الشعبية-...الخ فنحن لا نعثر على مطالب البروليتاريا الا في شكل شعارات فضفاضة من نوع -التقسيم العادل للثروة- و-الجمهورية الاجتماعية-.. وهذا بالفعل ما يجعل من كل مطالبات اليسار مطالبات رجعية واصلاحية ويجعل من كل دعواته مسعى دائم لإدماج الشغيلة في حضيرة البورجوازيات المحلية ومحاولات جرها في حروب المنافسة الرأسمالية باسم الأمة والوطن..وفي الواقع فكل تطور للصراع الطبقي ضمن دول الشرق هو بمثابة اعلان الافلاس التاريخي لهذا اليسار، ومثلما انهارت دولته الحامية (الاتحاد السوفييتي) فقد تفسخت كل الشروط المادية التي طورت هذه التيارات البورجوازية والبورجوازية الصغيرة وستشهد الأعوام القادمة تلاشيها النهائي


3 - عزيزي الاستاذ طلال الربيعي
انور نجم الدين ( 2012 / 9 / 25 - 06:53 )

ان الفساد موجود أينما يوجد المال والسلطة. وهذا ما يجعل النضال ضد الفساد أوهام برجوازية. وان مبدأ الزكاة يعبر بالضبط عن مبدأ العدالة.
إذن ان النضال البروليتاري لا يمكن أن يكون نضالا ضد الفساد أو لأجل تحقيق مبدأ الزكاة والنزاهة. والعالم قد جرب كل الأوهام بخصوص مباديء الديمقراطية، أي الأخاء، وحقوق الإنسان، والمساواة السياسية أمام القانون، والضرائب. ولكن النتيجة هي الاحتدام المستمر للتناقضات الاجتماعية.
أما التيارات اليسارية الماركسية والشيوعية - واليسار ليس سوى يد اليسرى للبرلمان البرجوازي - تحاربون بعضهم بعضًا بشدة في كل مكان، لأجل تقاسم مقاعد البرلمان البرجوازي مع اليمين. فاليمين أو اليسار، تعبير دقيق عن الحركات الاصلاحية، فاليسار يحاول جر الشغيلة إلى ميدان الدفاع عن مصالح البرجوازية الديمقراطية.
تحياتي الخالصة


4 - العزيز المثلوثي
انور نجم الدين ( 2012 / 9 / 25 - 07:56 )

ملاحظاتك رائعة ودقيقة بخصوص اليسار الذي ساهم فعليًا في تحطيم كل المحاولات الثورية للطبقة البرليتارية اعتبارًا من النصف الأول من القرن الماضي. فشعارات اليسار عبارة عن أهداف تلحقها البرجوازية، فمات الآلاف من الابطال لأجل شعارات برجوازية وهمية مثل شعار (وطن حر وشعب سعيد)، فكان التحرر لدى اليسار، يعني طرد الاستعمار واستعاضة سيادتها بسيادة البرجوازية الوطنية. أما بعد السيادة الوطنية في الهند مثلا، فأصبحت الهند مركز الفقر في آسيا في ظل سيادتها الوطنية. واليوم، وفي عصر التفسخ النهائي لمباديء الديمقراطية، يحاول اليسار استخدام قوة البروليتاريا لإعادة سيطرة البرجوازية على المجتمع تحت عنوان: الديمقراطية، والمدنية، وحقوق الإنسان، والمساواة السياسية.
ولكن الوضع العالمي الراهن، الناتج من تعمق الأزمة الرأسمالية العالمية، سيجعل من اليسار قوة هامشية في الحركات البروليتارية في المستقبل. وعلى الشيوعيين في كل مكان التحضير للمجابهات المستقبلية بدل الانجرار وراء الشعارات الهزيلة لليسار.
تحياتي الرفاقية


5 - يا شغيلة اليد والفكر وكومونيوا العالم اتحدوا
فؤاد محمد ( 2012 / 9 / 26 - 00:41 )
الرفيق العزيز انور
لقد كانت التجربة في العراق خير دليل على بؤس السوفيت واذنابهم
المهم الان طرح برنامج التغيير الثوري وانا متاكد انه يمر عبر الكومونة
تخليل ثوري رائع ومبدع
اعانقكم


6 - العزيز الرفيق فؤاد محمد
انور نجم الدين ( 2012 / 9 / 26 - 05:42 )

بالفعل، ان التجربة التي مرت عليها العراق، تكفي لتعريف دور اليسار في الشرق، فكانت التضحية بحياة آلاف المناضلين لأجل مصلحة البرجوازية الوطنية ومصالح الامبراطورية السوفيتية، وبحجة معاداة الاستعمار، تعني التضحية بمصالح البروليتاريين الشيوعيين لأجل مصالح مضطهديها. واليوم يتقاسم نفس اليسار مقاعد البرلمان مع أعداء الشيوعية بحجة الدفاع عن مصالح الشغيلة.
كلا، انهم يدافعون عن أنفسهم ومصالحهم الشخصية لا مصالح البروليتاريين. فالبروليتاريين هم هؤلاء الذين تعودون لساحات النضال بين فترة وأخرى وتعلنون بأنهم في تعارض أبدي مع البرجوازية أية كان شكلها، فكان كل نشاط المالكي أو جلال الطالباني أو البارزاني ثلا، مكافحة الشيوعية، ولا يزال يوهمنا اليسار الشيوعي في العراق بأنهم بمستطاعهم استخدام هؤلاء الحقراء لمصلحة الشغيلة. أليست هذه محاولة جديدة لسحق الشغيلة قبل مد حركتها لمجابهة البرجوازية؟
تحياتي الخالصة

اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي