الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوفان الغضب والغل والحنق الإسلامي - محاولة للتفسير

طارق حجي
(Tarek Heggy)

2012 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


لسنوات عديدة كنت أظن أن إمتداد النقد لمناطق معينة من الأفكار أو النصوص أو الشخوص الإسلامية ستجعلنا (نحن دعاة الحداثة) نخسر بعض أو معظم من نتوخي مساعدتهم على الخروج من كهف البدائية والماضوية والتأخر . وأعترف اليوم أنني لم أكن على صواب . ورغم أنني كنت أردد ذلك الرأي بكل حسن نية ، إلا أن تجربة منطقتنا العربية خلال السنتين الأخيرتين حضتني على إعادة النظر فى هذه الفكرة (البرجماتية بشكل بحت) وأن أنته لأنها كانت فكرة خاطئة. فالعلم يحضنا على عدم إستثناء أي موضوع أو شخص أو فكرة من الفحص والنظرة النقدية. وحتى نظرتي (أو غايتي البرجماتية) التى كانت تحضني على الإعتقاد بإبقاء بعض المناطق فى "التجربة الإسلامية" بمنأي عن الفحص النقدي ، فقد رأيت بعيني أنها لا تفيد ، كما كنت أظن. فمن حق أي باحث أن يفحص أي موضوع أو فكرة أو شخص (بشكل علمي) وعدم قبول الزعم بأن التعامل النقدي مع ما يسميه البعض بالمقدسات هو أمر مضاره أكثر من نفعه. اليوم أقرر أن الإنسانية المتقدمة من حقها (بل من واجباتها) أن تجبر كل الثقافات على قبول أن الأفكار يرد عليها بالأفكار ، والكتابات يرد عليها بالكتابات .... وأن تسمية البعض لأفكار أو نصوص معينة أو أشخاص معينين بالمقدسات لا يبرر إعفائها (أي المقدسات) من أن تعرض على النظرة العلمية النقدية. فأولئك اللذين كنا نظن أننا سنخسرهم إذا تطرق النقد لمقدساتهم سوف يحاولون جذب الإنسانية الأكثر تقدما لكوخهم البدائي المشحون بالأساطير والخرافات والقواعد التى لا هدف لها إلا بقاء "سيطرة " البعض على أبناء وبنات مجتمعاتهم. ومن الحماقة أن نقبل أن نعاملهم كأطفال متهورين يثورون عند إقتراب أي أحد من دوائرهم المسماة بالمقدسات. وهذا ما يحدث الآن عندما تعلوا أصوات فى المجتمعات الأكثر تقدما تقول ما يعني فى جوهره ما يلي : إن بعض المسلمين يشبهون أطفالا عصبيين وعنيفين يثيرهم إقتراب أي أحد بشكل نقدي من مواضيع معينة ! وأنهم فى كل مرة يحدث فيها هذا الإقتراب فإنهم بدلا من التعامل العقلي معه ، فإنهم يبدأون فى الهياج وتكسير كل ما حولهم وإشعال النيران ... بل وقتل العديد من الأبرياء . يكتب سلمان رشدي "آيات شيطانية" ، فلا يتصدي له الرافضون لأفكاره بكتابة (أو بكتابات) مقابلة تستعمل المنطق والحجة والمعلومات الموثقة لإثبات أنه كان مخطئا ، وإنما يثورون ويحطمون ويقتلون ويتوعدون ! وهو مشهد تكرر مرات ومرات. ولعل أحدث هذه المشاهد مشهد رد فعل بعض المسلمين الهائج المائج على الفيلم الذى أعده البعض لإظهار أهم شخص عند المسلمين بمظهر يختلط فيه الهوس بالجنس بالدموية والعنف والقتل. فبدلا من كتابة المقالات التى تدحض مزاعم هذا الفيلم أو عمل فيلم مضاد ، فإن آلاف المسلمين ينفجرون فى مظاهرات قوامها الغضب والتهور والعنف ، بل والهمجية . وكما قال لي صديق أمريكي رأي الفيلم المشار له كعمل تافه وسطحي لأبعد الحدود (وهو بالفعل كذلك) ، فإن بعض المسلمين قدموا للعالم فيلما أسوأ ، هو فيلم مادته هى مشاهد غضبهم الذى إتسم فى كثير من الحالات بالحمق والغوغائية ، بل والإجرام الذى تسبب فى موت العشرات . ولا ينبغي أن يفهم أحد أنني أقترح أن يصمت المسلمون اللذين تغضبهم كتابات مثل "آيات شيطانية" أو أفلام مثل "براءة المسلمين" . بل انني أقترح أن يردوا على الكتابات التى تغضبهم بكتابات قوية المنطق وأن يردوا على الأفلام التى تجرحهم بأفلام مضادة قائمة على مادة علمية مناصرة لوجهة أو وجهات نظرهم. كما أنني أقترح على من يطالبون بمعاملة بعض المسلمين الهائجين (بالكيفية التى رأيناها منذ أيام فى باكستان وغيرها) معاملة تشبه معاملة الأبوين لطفل لهما شديد الحمق والنزق والثورة بأن هذه المعاملة ستضر بكل أطراف الموضوع ولن تفيد أحدا. ولا أستطيع أن أكتب عن هذا الموضوع الهام دون أن أؤكد أنني اليوم أميل للإعتقاد بأن ردود الفعل العنيفة مثل رد فعل عشرات الآلاف من المسلمين عندما صدرت "آيات شيطانية" لسلمان رشدي له جانب يغيب عن كثيرين. فمعظم المسلمين المعاصرين لا يعرفون أصل حكاية الآيات الشيطانية والتى ورد ذكرها فى العديد من كتب السيرة الأولي. وهذا الجهل يماثل جهل الشاب المصري الذى شرع فى ذبح أعظم الروائيين العرب المعاصرين "نجيب محفوظ" (1911-2006) بعد أن نال جائزة نوبل فى الأدب. فهذا الشاب المجرم قد قال فى التحقيقات أنه لم يسبق له أن قرأ أي عمل من أعمال نجيب محفوظ ! وف سنة 1992 عندما أطلق شاب إسلامي النار على المفكر المصري التنويري فرج فودة (1945-1992) فأرداه قتيلا ، فإن القاتل أيضا ذكر فى التحقيقات أنه لم يقرأ صفحة واحدة من صفحات كتب فرج فودة ! ومحور ما أريد أن أبرزه هنا ، أن ردود الفعل العنيفة والبركانية والدموية لبعض المسلمين عندما يكتب أحد شيئا يوصف بأنه يمس بالسوء مقدساتهم ، ردود الأفعال هذه ليست بسبب واقعة محددة (كتاب أو مقال أو رواية أو فيلم أو رسم كاريكاتوري) ، إنما تكون هذه الوقائع مجرد مناسبة لخروج دخان الغضب والحنق المختزن ... ولا أدل على ذلك من قيام إنسان بقتل إنسان آخر بسبب رواية كتبها القتيل ولم يقرأها القاتل !! ... ورغم إيماني بضرورة التعامل بشكل علمي مع هذه الظاهرة (أي الغضب الهائل المختزن) ، فإنني لا أعتقد (على الإطلاق) أن التعامل مع هؤلاء الغاضبين وكأنهم أطفال متهورون !! هو الأسلوب العلمي الناجع ... وفى إعتقادي أن مصدر هذا المخزون الرهيب من الغضب والحنق المدمر هو كالتالي : منذ ألف سنة ، توقف المسلمون عن المشاركة فى مسيرة العلم وتوقفوا عن إضافة أي جديد لمسيرة الإنجازات العلمية. هذا "التوقف" نجم عن إنتصار مدرسة النقل والنص والتقليد وتقديس السلف (وأبرز من يمثلها هو الفقيه الحنبلي إبن تيمية) على مدرسة العقل والإجتهاد والتجديد (وأبرز من يمثلها إبن رشد) . ولا شك عندي أن فى داخل معظم المسلمين شعور (ناتج عن هذا التوقف) بالفشل. وبدلا من إنتقاد الذات ، فقد كان الأسهل هو إنتقاد الآخرين ! فآخرون هم المتسببون فى وصولنا لحالتنا الراهنة ، حالة التوقف عن المشاركة فى مسيرة التقدم العلمي ، وآخرون (وليس "نحن") هم من يجب توجيه اللوم لهم ... فإذا جاء واحد من هؤلاء "الآخرين" وإنتقد واحدة من "مقدساتنا" ، إنفتح البركان وخرجت حمم الغضب المختزن والغل المكبوت !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وقعت جرائم تطهير عرقي في السودان؟ | المسائية


.. اكلات صحية ولذيذة باللحمة مع الشيف عمر ????




.. عواصف وفيضانات في العالم العربي.. ظواهر عرضية؟


.. السنغال: 11 مصابا في حادث خروج طائرة من طراز بوينغ عن المدرج




.. الجامعات الإسبانية تعرب عن استعدادها لتعليق تعاونها مع إسرائ