الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت في الحياة -2-

حميد غني جعفر

2012 / 9 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ما ذكرناه في الحلقة الأولى – من هذه المقالة – هو صورة حية ومعاشة لواقع الحياة اليومية بكل مفاصلها للطبقات الفقيرة الكادحة المسحوقة – أمنيا واجتماعيا واقتصاديا – وليس بمقدور أي من المسؤولين إنكارها أو تجاهلها ، لكنهم جميعا يتاجرون بها وكل منهم يلقي اللوم على الآخر في تحمله مسؤولية هذه المعاناة وهذه الدماء الزكية التي تهدر يوميا من الضحايا الأبرياء ... وهذه المناكدات ليس إلا للتضليل والتخدير ومحاولة يائسة لتبرئة نفسه من المسؤولية ... لكنهم جميعا مسؤولون أمام الشعب والتأريخ .
أما من الناحية السياسية ...فقدت وجدت خير صورة معبرة عن صراعات المتصارعين في – حلبة العملية السياسية – هو قول امرأة عجوز – جارتنا - استذكرته وأنا أكتب هذه المقالة ، كانت تقول لكل من يحدثها بحديث لا يعجبها أو لم تقتنع به ( يمة هو هذا حجي ... خايب هذا خريط ... ببريط ) و كلام هذه المرأة العجوز هو أصدق تعبير عن واقع حال ساسة اليوم فطاحل العملية السياسية الذين صعدوا مع الزبد ليجدوا أنفسهم قادة يتحكمون بمصائر الناس ويتصارعون على المناصب والمغانم ... كلام هؤلاء الساسة وخطبهم وتصريحاتهم وشعاراتهم وكل ادعاءاتهم هي – خريط ... ببريط – كما قالت العجوز الحكيمة ، إذ لا يفهم منه المواطن شيء من الصدق يعبر عن حقيقة ، حتى سئم المواطن من سماع كلامهم ووعودهم الكاذبة ... ويبدو أن هؤلاء الساسة – المتصارعين – على ظن بأن الشعب العراقي من البساطة والسذاجة بحيث تنطلي عليه الشعارات البراقة والكلام المعسول ، لكنهم على وهم كبير ... فالشعب قد خبر جيدا عبر تجاربه الطويلة – في كل العهود – خصوصا هذه السنوات العشر من هيمنة هؤلاء الساسة ، من هو الوطني الصدوق والمخلص ... ومن هو المرائي والكذاب ، وقد أيقن اليوم تماما بأن كل هؤلاء المتصارعين في حلبة العملية السياسية - الأقطاب الثلاثة الكبار – هو من أجل مصالح ذاتية – دنيئة – أنانية شخصية كانت أم طائفية أم قومية أم حزبية ضيقة – كل يبكي على ليلاه – بعيدا كل البعد عن مصالح الشعب والوطن ، مهما حاول التستر بشعارات الوطنية والديمقراطية أو باسم الدين والطائفية المقيتة وكلهم – من عجينة واحدة – ولذا فإنهم سرعان ما يتفقون على تشريع أي قانون يخدم مصالحهم المشتركة – البقاء في الحكم واقتسام المغانم – أما عندما يصار تشريع قانون يخدم مصالح الشعب أو حتى شريحة صغيرة من شرائحه ... نراهم يختلفون عليه ويحاولون عرقلته بكل السبل والأشكال لأنه لا يتفق مع مصالحهم ... وتبدأ المعارك بينهم سواءا داخل البرلمان أو الاتهامات عبر وسائل الإعلام ... وتحتدم الصراعات داخل حلبة – العملية السياسية – حتى يتدخل السادة الحكماء في البيت الأبيض لحسم الصراع بدعم الأقوى ... والأقوى بطبيعة الحال هو الأقرب إلى مصالحها .
وحتى في حالة تشريع مثل هذا القانون وهو- نادر – لخدمة مصلحة شريحة معينة فلم يجد طريقه للتطبيق ذالك أنه وكما هو المعروف أن الوزارات هي ملك لهذا الحزب أو تلك الكتلة من الكتل المتصارعة ولذالك فإن الاجتهاد والمزاج الشخصي لهذا المسؤول أو ذاك هو الذي يحدد تطبيق القانون بكل الطرق المماطلة والتسويف لتمييع القانون وبالتالي لا تستفيد منه تلك الشريحة ،فالوزارات والمؤسسات وكل المسؤولين فيها يرى كل منهم نفسه حكومة بذاته وتطبيق القانون وفق مزاجه أو وفق توجهات الكتلة أو الحزب الذي ينتمي إليه ، إذ ليس من رقيب ولا حسيب على الأداء والمواطن المسكين هو الضحية في كل الأحوال .
وهناك نماذج كثيرة لعرقلة مثل هذه القوانين لا نريد إطالة الحديث عنها إذ سبق أن أوضحناها في العديد من مقالاتنا السابقة منها – عملية سياسية هجينية – أين حقوق الشعب من الدستور – ديمقراطية أم ضحك على الذقون – طريق ربيعكم يا عرب – ديمقراطيون بلا حدود – مؤشرات ودلالات – عدالة المنجل - وغيرها الكثير ، وليس من ضرورة لتكرارها ،ولكن ولتأكيد حقيقة أنهم يسارعون – بلا أي تحفظ – في التصويت على أي قانون يخدم مصالح الثلاثة الكبار حتى وإن كان بالضد من إرادة الشعب وقواه الوطنية المناضلة – من خارج الحكومة والبرلمان- فقد تجلى هذا بوضوح بتصويت – الأقطاب الثلاثة الكبار – على قانون مجالس المحافظات بكل ما انطوى عليه من ظلم وإجحاف ولصوصية ، والإبقاء عليه كما هو دون تعديل ، خلافا للدستور من جهة ، ومن جهة أخرى ضاربين عرض الحائط قرار المحكمة الاتحادية العليا التي ألزمت مجلس النواب بتعديل القانون مع أن قرارات المحكمة المذكورة ملزمة التنفيذ لكل السلطات ، فأين هو التزام الدستور وأين الديمقراطية التي يتشدقون بها ؟ وأين هي إرادة الشعب ؟ فالشعب لا ناقة له ولا جمل في كل هذه الصراعات ، في وقت يدفع الشعب دمه الطهور ثمنا لهذه الصراعات اللاوطنية على المصالح والمغانم – رغما عنه – ويهدف هذا القرار الظالم أساسا إلى تهميش دور القوى السياسية الحية الحريصة على الديمقراطية ومستقبل البلاد والتي لم تتلوث أياديها لا بالتزوير ولا بالاختلاس ولا بتوقيع عقود وهمية ، وهذا ما يعرفه جيدا – الثلاثة الكبار – قبل غيرهم ، ولذا يحاول هؤلاء الساسة بشتى الوسائل تهميش وإبعاد دور الوطنيين الشرفاء المخلصين ... لتبقى أبواب التزوير والاختلاس والسرقات والفساد مفتوحة أمامهم ، ونحن ندرك – مسبقا - مواقف الإسلاميين والليبراليين – علاوي وشلته فلم نستغربها ، لكن الغرابة كل الغرابة هو موقف التحالف الكردستاني ذات التأريخ العريق في النضال المسلح والتضحيات و الذي يرتبط بعلاقات وطيدة متينة وتاريخية مع تلك القوى الديمقراطية الحقيقية والأصيلة في كفاح طويل مشترك ، فكيف صوت معهم على مثل هذا القرار غير العادل وغير المنصف ؟ أقول هذا مع أني شخصيا لم أستغرب حتى موقف التحالف الكردستاني ، ذالك لأن الطالباني قال في كلمة له بعد الانتخابات الأخيرة وبعد الولادة العسيرة لحكومة المالكي الطائفية قال بأن الحكومة الآن هي حكومة الشراكة الوطنية وتمثل كل مكونات وأطياف الشعب ... وبذالك تناسى السيد الطالباني بأن الانتخابات قد زورت بعلم الجميع وبالاتفاق بين المالكي وعلاوي – بالذات - وبعثة الأمم المتحدة التي جاءت لمساعدة العراقيين – كما يزعمون – وإن الأصوات التي حصلت عليها القوى الوطنية الحية والممثلة الحقيقية لمصالح الشعب وهي أكثر من مليوني صوت قد سرقت ووزعت – بغير وجه حق وبطريقة لصوصية- على القوائم الكبرى ومنها قائمته ، لمنع وصول ممثلي الشعب إلى البرلمان ... ورغم ذالك يرى الطالباني أن الحكومة تمثل كل الشعب ، وهذا مجاف للحقيقة وتجني على الواقع . وقد واجه هذا القرار الظالم الاستهجان والاستنكار من القوى الوطنية والديمقراطية ومن منظمات المجتمع المدني التي بادرت إلى حملة كبرى لجمع التواقيع ضد هذا القرار المجحف المعادي للديمقراطية بحملة – لا تسرقوا صوتي – وجمعت آلاف التواقيع من مختلف قطاعات الشعب من الوطنيين الحريصين – حقا وصدقا – على الديمقراطية من قوى وأحزاب وطنية وشخصيات ديمقراطية مستقلة من المثقفين وأساتذة أكاديميين وحقوقيين وكتاب وشعراء وفنانين وعمال وفلاحين وكسبة وطلبة ، وحتى عدد من أعضاء مجلس النواب ولا زالت الحملة مستمرة .
وما ذكرناه في مقالاتنا – السابقة – وفي هذه المقالة إن هو إلا صورة مكثفة لواقع الحياة اليومية المأسوية – بكل مفاصلها – التي يعيشها المواطن العراقي في ظل الديمقراطية والعراق الجديد ، وهناك الكثير من الممارسات اللادستورية واللاديمقراطية لحكومة المالكي العتيدة في محاولاتها لفرض الهيمنة والتسلط على منظمات المجتمع المدني والتضييق على الحريات العامة والشخصية وبذات الطريقة البعثية ، نتناولها في الحلقة القادمة .




يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان