الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الخلاف حول العراق إلى الخلاف حول الصين

عبدالله المدني

2005 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لم تكد الولايات المتحدة و المجموعة الأوروبية تتوصلان إلى تفاهم ينهي خلافاتهما حول المسألة العراقية ويجعلانها – بحسب تصريح المستشار الألماني غيرهارد شرودر – شيئا من الماضي ، حتى برز خلاف جديد موضوعه هذه المرة خارج منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، الأمر الذي يشي بمدى اتساع الهوة بين الجانبين حيال القضايا الدولية و سعي المجموعة الأوروبية إلى الاستقلالية عن رؤى واشنطون و سياساتها.

فالأوروبيون عازمون مع مطلع يونيو القادم على رفع الحظر عن مبيعاتهم العسكرية للصين و الذي فرض قبل نحو 16 عاما عقابا لبكين على مذبحة الديمقراطية في ساحة "تيان ان مين" في عام 1989 . و هم لهم في ذلك أسبابهم معلنة التي منها ان بكين حققت بعض التقدم في ملف حقوق الإنسان و بالتالي يجب مكافأتها بدلا من الإمعان في إغضابها. كما أن دولا مثل فرنسا ترى أن الحظر لم يعد مجديا في ظل وجود دول صناعية حليفة ككندا و أستراليا لا تطبق حظرا مشابها. أما الأسباب غير المعلنة فتشمل حرص الأوروبيين على دوام و تعزيز علاقاتهم التجارية مع العملاق الصيني و التي قد تتأثر سلبا باستمرار الحظر، لا سيما وان المجموعة الأوروبية فقدت اليوم موقع ثاني أكبر شريك تجاري للصين بعد الولايات المتحدة لصالح اليابان و صارت تقبع في المركز الثالث. و هناك بطبيعة الحال سبب آخر هو تعزيز الصناعة العسكرية الأوروبية، التي توظف عشرات الآلاف من المواطنين و تدر مداخيل ضخمة ، عن طريق الاستفادة من الميزانية الصينية الكبيرة المخصصة للإنفاق على برامج تحديث الجيش الأحمر.

على أنه يجب الاستدراك و القول بأن هذا لا ينطبق بدرجة واحدة على جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي. فمصنعو السلاح الصغار من أمثال هولندا و بلجيكا و البلدان الاسكندنافية كثيرا ما أعربوا عن رغبتهم في استمرار الحظر إلى أن تثبت بكين عمليا احترامها لحقوق الإنسان و تدشينها لعملية انفتاح سياسي ، قائلين ان أسباب فرض الحظر لا تزال قائمة. كما ان القطب البريطاني الأقرب إلى الرؤى الأمريكية غير متحمس لرفع الحظر في ظل علاقات التعاون و الشراكة القائمة ما بين الصناعتين العسكريتين الأمريكية و البريطانية. ذلك ان أي موقف مخالف لبريطانيا قد يتسبب في خسارة شركاتها. وليس أدل على هذا من موقف "بريتش ايروسبيس سيستمس" كبرى شركات التصنيع العسكري البريطانية الرافض للتعامل مع الصين حتى لو تم رفع الحظر. فالشركة المذكورة تستثمر ما قيمته 9 بلايين دولار في برامج التعاون مع الولايات المتحدة و تؤمن نحو 29 ألف وظيفة للبريطانيين.

أما الأمريكيون فيرون في الخطوة الأوروبية مناكفة لسياساتهم في آسيا وإخلالا بتوازن القوى في مضيق تايوان لصالح الصين. بل يقولون ان أية مساعدة أوروبية في تحديث قدرات الجيش الأحمر سوف يعطي للصينيين ثقة اكبر في استعادة تايوان بالقوة ، ووقتئذ سوف يستعمل السلاح الأوروبي ضد الولايات المتحدة التي ستضطر إلى التدخل تنفيذا لالتزاماتها العسكرية تجاه نظام تايبيه.

وهناك مخاوف أمريكية أخرى من احتمال ان تحصل الصين عبر أوروبا على التكنولوجيات الأمريكية المتقدمة أو ان تنتقل التكنولوجيات الغربية المتطورة عبر الصين إلى دول معادية أو مشاغبة مثل إيران التي لا يحتاج المرء إلى أدلة كثيرة لإثبات سعي بكين إلى بناء نفوذ قوي فيها عبر صفقات السلاح و التجارة و المقاولات و النفط و الغاز.

و يحاول الأوروبيون تبديد هذه المخاوف الأمريكية من خلال القول بأن خطة رفع الحظر تشمل وضع معايير و اشتراطات للحيلولة دون تسرب صادراتهم العسكرية من الصين إلى مناطق النزاع أو الدول المارقة أو إلى البلدان الفقيرة التي تضحي بمواردها القليلة من اجل التسلح بدلا من استثمارها في التنمية. لكن الأمريكيين ، وان قالوا أنهم سوف يدرسون هذه المعايير ، يشككون في فعالية مثل هذا الإجراء ، مشيرين إلى تجارب سابقة أثبتت جميعها انه بالامكان حدوث خروقات و التفافات.

و هكذا لم يكن غريبا أن تعترض واشنطون على الخطوة الأوروبية، وان يهدد أعضاء في الكونغرس الأمريكي بإمكانية فرض حظر على نقل التكنولوجيا الأمريكية إلى الحلفاء الأوروبيين. كما لم يكن غريبا ان تسعى واشنطون مبكرا إلى تشكيل لوبي داخل الاتحاد الأوروبي من هولندا و بلجيكا و ايرلندا و السويد بهدف إحباط مساعي رفع الحظر عن تصدير السلاح إلى الصين، و هو ما لم يثمر عن نتائج جيدة في ظل الدور المهيمن لفرنسا و ألمانيا داخل الاتحاد.

و لعل أكثر ما يغيظ واشنطون ان مواقف حلفائها الأوروبيين من الصين متخلفة بأشواط عن موقف حليفتها اليابانية التي أبرمت معها مؤخرا اتفاقية جديدة تهدف إلى تعزيز و تطوير التعاون العسكري و الأمني الثنائي. هذه الاتفاقية التي لئن فسرت على أنها رد على نووية كوريا الشمالية المعلنة حديثا، فإنها في الوقت نفسه رد على النمو العسكري المتسارع للآلة الحربية الصينية ، ولا سيما في المجال البحري ، و الذي بات يثير قلق واشنطون و طوكيو معا. فالاتفاقية بحسب الكثيرين ذات علاقة مؤكدة بالوضع في مضيق تايوان حيث تحشد بكين أكثر من 500 صاروخ موجه نحو تايبيه من تلك التي قد تصيب الأراضي اليابانية في حال إطلاقها. وأفضل دليل على صحة هذا الاستنتاج ان الاتفاقية اشارت دون لبس إلى ان تايوان تشكل بؤرة اهتمام امني مشترك. وهذا تطور لافت للنظر في موقف طوكيو التي حرصت سابقا على تجنب الإشارة إلى تايوان في بياناتها و اتفاقياتها الرسمية.

ان أكثر المتحمسين ضمن الاتحاد الأوروبي لفكرة رفع الحظر عن الصين هما فرنسا و ألمانيا. حيث تأمل باريس من وراء الخطوة تعزيز موقعها في سوق السلاح الدولي ، خاصة و أنها على خلاف بريطانيا ليس لديها ما تخسره في الولايات المتحدة في ظل عدم و جود شراكة أو تعاون ما بين الصناعتين العسكريتين الفرنسية و الأمريكية. أما ألمانيا فتأمل في الحصول على مكاسب جديدة تدعم بها صناعتها العسكرية المنطلقة بسرعة صاروخية و تؤمن لها الاستمرارية و الريادة ، خاصة وأنها توفر وظائف لنحو 90 ألف ألماني.

و الجدير بالذكر أن ألمانيا برزت في السنوات الأخيرة ضمن اكبر خمس دول أوروبية و اكبر عشرة أقطار في العالم لجهة تصدير السلاح ، و صارت تتعامل عسكريا مع نحو مائة بلد على رأسها جنوب أفريقيا و إسرائيل و اليونان و تركيا و الهند و اندونيسيا. ورغم وجود سياسات ألمانية رسمية بعدم تصدير السلاح إلى مناطق التوتر في العالم و بدء برلين في إصدار تقارير الشفافية السنوية منذ عام 2000 حول مبيعاتها من السلاح ، فانه كثيرا ما تم خرق هذا المبدأ بدليل استمرار تزويد إسرائيل بالمعدات العسكرية المتنوعة. على انه رغم هذا الصعود الألماني الذي تجسده ارتفاع أرقام مبيعاتها من السلاح إلى 3.2 بليون يورو في عام 2002 ، فان برلين لا تسيطر إلا على 5 بالمائة من إجمالي مبيعات السلاح في العالم ، كما ان دخلها من تصدير السلاح لا يشكل سوى 1 بالمائة من إجمالي مداخيل صادراتها. وهذا يفسر حماسها لرفع الحظر عن الصين كي تحصل على حصة مجزية من انفاقات الأخيرة الضخمة.

وأخيرا فان ما يجري دليل على ان جولة رئيس الحكومة الصينية وين جياباو في أوروبا في مايو المنصرم قد باتت تؤتي أكلها. فالمسؤول الصيني ركز خلال تلك الجولة على فرنسا و ألمانيا باعتبارهما قوتين مركزيتين ضمن الاتحاد الأوروبي ، ناهيك عن حماسهما لمشاغبة الولايات المتحدة ، و طالبهما برفع الحظر عن بلاده مع إيحاءات منه بان العلاقات التجارية المزدهرة ما بين الطرفين قد تتعرض للخطر في حال استمرار الحظر. و يقال ان محادثات جياباو شملت أيضا امتعاض أوروبا من إقصاء شركاتها الكبرى عن أعمال الإنشاءات الضخمة الخاصة باولمبياد 2008 في بكين ، ومن تساهل الصين حيال حماية حقوق الملكية الفكرية و التي يخسر الأوروبيون بسببه نحو 16 بليون دولار سنويا ، وانه طمأن نظيريه الألماني و الفرنسي بأن هذه الإشكاليات سوف تحل بما يرضي أوروبا ان هم ساعدوا في رفع الحظر و ساهموا في تحديث الجيش الأحمر.

د. عبدالله المدني
*باحث أكاديمي و خبير في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: 25 فبراير 2005
البريد الالكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في بريطانيا.. هل باتت أيام ريشي سوناك م


.. نحو ذكاء اصطناعي من نوع جديد؟ باحثون صينيون يبتكرون روبوت بج




.. رياضيو تونس.. تركيز وتدريب وتوتر استعدادا لألعاب باريس الأول


.. حزب الله: حرب الجنوب تنتهي مع إعلان وقف تام لإطلاق النار في




.. كيف جرت عملية اغتيال القائد في حزب الله اللبناني؟