الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة التونسية في مستنقع الحسابات الانتخابية... المسكوت عنه : على ماذا يراهن النهضويون للبقاء في السلطة ؟

يوسف بلحاج رحومة

2012 / 9 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


خلال الأيام الأخيرة، صرّح قادة حركة النهضة الإسلامية التي تسيطر على السلطة في تونس، أن حركتهم ستواصل البقاء في الحكم لسنوات عديدة، وقد بان إصرارهم على تحقيق هذا الهدف بكل ثقة في النفس. ولكن من يتابع الشأن التونسي يلاحظ انعدام التسلسل المنطقي والعقلاني بين سياسات حكومة النهضة وهذه التصريحات. فمن يرغب في البقاء طويلا في السلطة، عليه تحقيق إنجازات ثورية، وتقديم إشارات جريئة توحي بوجود مسار ثوري حقيقي في البلاد خاصة في هذه الفترة بالذات.
إذن، لماذا يقف "النهضويّون" ضد أهداف الثورة ؟ وإذا لم يراهنوا على الوقوف إلى جانب الجماهير الشعبية المسحوقة فعلى ماذا يراهنون ؟
تساؤلات منطقية وفي محلها، فالمنطق يقول أن الحكومات أو التيارات الحاكمة سواء كانت أحزاب أو ائتلافات، تراهن على الشعب وعلى تحقيق أقصى ما يمكن من طموحاته وتطلعاته من أجل البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة. لكننا اليوم نعيش حالة خروج عن هذه القاعدة، فسياسات حكومة النهضة ومشتقاتها أضحت مفضوحة، ولم نعد في حاجة إلى عبقرية لكشف تناقضها مع الأهداف الحقيقية التي قامت من أجلها للثورة، حتى أن الحلفاء في الائتلاف الحاكم أصبحوا يتنصلون ويتبرؤون من سياسات "النهضة الإسلامية" التي تسيطر على دواليب الحكومة. أمّا الأخصائيون والأكاديميون اللذين كانوا ينادون بإعطاء الفرصة لهذه الحكومة، وبعدم الحكم عليها من منطلق إيديولوجي أو تعصب حزبي، فلقد ضاق صبرهم وفقدوا الأمل ولم يعد أمامهم من خيار غير المصارحة بحقيقة تناقض هذه الحكومة "النهضوية" مع الأهداف الحقيقية للثورة.
ولكشف أسرار هذا التناقض الغريب، ولكشف الرهانات المسكوت عنها التي تعتمد عليها النهضة الإسلامية للبقاء في السلطة، علينا أن نبيّن عديد المسائل، وكذلك علينا توضيح عديد المغالطات والأفكار المسبّقة السائدة لدى الوعي العام، وبالأخص لدى الفاعلين السياسيين والإعلاميين، وخاصّة أصحاب الميولات الثورية. أوّلا، المغالطة السائدة المتمثلة في الحديث عن الشعب ككتلة سوسيولوجية متجانسة، كأن نقول أن الشعب قام بالثورة أو أن الشعب يريد كذا وكذا، والواقع أن الشعب هو خليط غير متجانس من حيث الانتماء الطبقي والمصالحي، وبالتالي فليس كل الشعب يريد تحقيق الأهداف الحقيقية للثورة، فهناك نسبة لا بأس بها من البرجوازية الكبيرة والصغيرة والمتوسطة يهمها الاستقرار (الذي يخدم مصالحها) وعودة الأمن، لا أكثر ولا أقل. ثانيا، التحالف المفضوح بين حكومة النهضة ومشتقاتها من جهة، وخُدّام النظام القديم والشبكات المتنفّذة في مفاصل الدولة وخاصة الأطراف المرتبطة بشبكات الفساد المالي والإداري، من جهة ثانية، وهذا المشهد يقدّم لنا مثالا نمطيا للتحالف والتآلف التاريخي الشهير بين الرجعية، والبرجوازية الانتهازية والسلطة والنفوذ. ثالثا، انتشار ظاهرة النكوص أو الارتداد والتقهقر في النشاط النفسي إلى مرحلة سابقة، ما يجعل الكثير من شرائح الشعب تنادي بالماضي لما تعانيه في الحاضر القائم لأنها تفتقد إلى الوسيلة الدفاعية من الواقع الحالي. رابعا، غياب الوعي الطبقي والسياسي والمجتمعي لدى نسبة كبيرة من أبناء الشعب الذين قاموا بالثورة والذين يهمهم المسار الثوري أكثر من غيرهم، فالأغلبية الساحقة من التونسيين غير مهتمة بما يدور على الساحة السياسية، بل مهتمة أساسا بالمشاغل اليومية والشؤون الشخصية والعائلية. خامسا، اعتبارات عقائدية مرتبطة بالوجدان العام الذي يميل إلى الخطاب الديني وينساق وراءه دون تفكير، فالإشكال في الحركات أو الأحزاب التي تتخذ الدين مرجعا، أو ما تسمى بتيارات الإسلام السياسي، أنها تستقطب على أساس عاطفي لا أكثر و لا أقل، فما يبحث عنه المتدينون العاطفيون (وهذا حال كل المتدينين) من هذه الحركات ليس سياسات اقتصادية و اجتماعية جديدة بقدر ما هو بحث عن الطمأنينة والراحة النفسية وتلبية رغبات روحية برؤية حاكم منهم ملتح ويردّد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية باستمرار، وهؤلاء المتدينون العاطفيون لا يهمهم المردود السياسي والإداري بقدر ما يهمهم رؤية واحد منهم في الحكم، ولا تهمهم السياسات المتبعة بقدر ما يهمهم بقاء هذا الحاكم في السلطة، فالمسألة نفسية روحية أكثر من أن تكون سياسية وبحثا عن واقع اقتصادي اجتماعي جديد. سادسا، ثبوت نجاح التجربة مع المال السياسي والمساعدات الاجتماعية الموجّهة خلال الانتخابات الفارطة، مما يضمن نجاح إعادة هذه التجربة في ظل استمرار نفس الظروف والعوامل المساعدة على ذلك. سابعا، الدعم المالي واللوجستي والإعلامي الضخم الذي تتمتع به حركة النهضة الإسلامية من طرف دوائر الرجعية العربية وكذلك من طرف رموز الكمبرادورا والدوائر المالية التي بقيت في حالة يتم سياسي بعد هروب بن علي والتي دخلت بيت الطاعة "الإسلامية" وتحصلت على صكوك الغفران، في مشهد يقدّم لنا مثالا نمطيا للتحالف والتآلف التاريخي الشهير بين الرجعية، والبرجوازية الانتهازية والسلطة والنفوذ، مثلما أشرنا سابقا. ثامنا، سياسة التسويف والمماطلة في صياغة الدستور الذي من دونه لا تمكن إقامة الانتخابات، "فالإسلاميون" لا يريدون تحديد موعد الانتخابات دون التأكد من ضمان الفوز بغنيمتها ثانية. وأخيرا، الورقة الشهيرة المتمثلة في استغلال الدين والمساجد، وتكفير الخصوم السياسيين وتخوينهم، وكذلك التوجيه المُمنهج للمسائل والقضايا الأساسية التي قامت من أجلها الثورة نحو صراع من أجل الدين والهويّة.
إن كل هذه العوامل وغيرها، تجعل التيار الإخواني في تونس والمتمثل في حركة النهضة الإسلامية، لا يراهن على الطبقة الشعبية وتحقيق الأهداف الحقيقية للثورة ،بل يراهن على مطبّات أخرى أكثر نجاعة وتضمن له أعلى نسب النجاح في الانتخابات القادمة.
يوسف بلحاج رحومة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس