الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطن - الكاتب - الإغتراب

ربحان رمضان

2005 / 2 / 28
الادب والفن


لمّـا كان الوطن هو الأنا الأعلى في العقل الباطن للكاتب المنفي أو المهاجر ، فقد جعله الرمز في كتاباته وذكرياته الجميلة رغم كل ما كان قد تعرّض فيه الى قسـوة وعنف نتيجة إستبداد الأنظمة القمعية في البلدان المسـتعمرة وشـبه المسـتعمرة.. بل حتى المتخلصة حديثا من الإستعمار حيث التقسيم الجغرافي الإعتباطي ، والتداخل الاثني والديني ، مع استمرار وجود بقايا مخلفات المسـتعمر وتبعيته له إقتصاديا وفكرياً .
والحقيقة أن هناك بوناً شاسعاً بين الوطن "الرمز"وبين الحاكم الظالم ، لذلك فأنا لاأعتقد أنه يمكن للكاتب الوطني أن يتخذ موقفا إزاء وطنه بسلبية نتيجة لقمع نظامه واستبداده .
وفي هذا المجال فإن العراقيون وبكافة تشكيلاتهم القومية والدينية مثال واضح على ذلك حيث أن أغلبهم يستنكر الحصار الاقتصادي الذي تفرضه هيئة الأمم المتحدة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية بمعنى أو بآخر رغم كل القمع والاستبداد الذي يمارسه النظام الديكتاتوري المتسلط على رقاب العراقيين داخل وطنهم .. أو ملاحقتهم ومطاردته خارجه ..
والكتّـاب السوريون الذين تعرضوا للاعتقال أو الملاحقة أو التعذيب نتيجة مواقفهم السياسية أو الفكرية ، سيما الأكراد منهم الذين يعانون اضطهادا مزدوجا في الوطن ، إضافة إلى قسوة التشرد في بلاد الاغتراب . ورغم افتقاد أكثر من 150 الف من أبناء جلدتهم للجنسية السورية ورغم سياسة التعريب والتهجير بموجب قانون الحزام العربي الصادر في الخامس من تشرينالثاني لعام 1966 م ، إلا أن الوطن يبقى رمزهم المقدس الذي لايجوز المساس به أبدا.
فالكاتب ونتيجة لتعلقه بوطنه وشعبه وأهله يبقى متغربا ومنفيا خارج بلاده مهما حاول وحش الغربة أن ينسيه أحباءه الذين يشاطرونه الحب .
ففي حين أنه قد يتابع أخبار البلد المضيف ، وربما يجاري أهله في بعض الحالات الإجتماعية .. ربما يصادق بعضاً من جيرانه أو زملاءه في العمل إلا أن الشعور بالغربة يكتنفه ويجعله يحلم بالعودة اليه ، ليصونه من أي شائبة أو دعاية تسئ إليه .
العيش في بلاد الإغتراب "وبشكل خاص في البلدان الأوربية وأمريكا" يتطلب أولا وقبل كل شئ الإختلاط بالسكان الأصليين من أجل التكيف مع المجتمع الجديد ولتصحيح اللغةالغريبة عليه كغربته في بلاد الاغتراب في محاولة من أجل أن تصبح طليقة لا بد من بناء علاقات انسانية بشكل أو بآخر ، الا أن الأوربيين لهم حياتهم الخاصة ، وعادات وتقاليد يصعب على الشرقيين تشربها وتقبلها بوقت قصير مما يضطر بالكاتب ذو الحس المرهف والشعور المرتبط بتاريخه الشخصي على الأقل أن ينكفئ على نفسه ، ويتقوقع في بيته الذي قد لاتتجاوز مساحته أكثر من عشرين مترا مربعا يهاتف "منه" أهله أحيانا ، ويكتب عن "عذاباته" أحيانا أخرى .
ولا ننسى مدى الظلم والإهانة التي تلحق بالكاتب في شطب شخصيته ، وقمع ابداعه في تلك المجتمعات حيث الأولوية فيها للعمل الذي لايناسب طبيعته المرهفة سيما الكتاب الحديثي العهد في بلاد الاغتراب " عمال بناء – تنظيفات – غسـالي صحون في الحانات – متسكعون على أبواب دائرة المساعدات في البلدية .. " يزيد في كآبتهم النفسية ويحرمهم من الاستزادة من المعرفة المقروءة .
الكاتب ذلك الغريب البائس الذي يرجع من عمله متأخرا .. تعب ، مرهق ، ولأنه يفضل أن يجالس عائلته .. ليداعب أطفاله ويسامر زوجته لايجد ذلك الوقت لا لإمرأته ولا لأولاده ، ولا للقراءة أو الكتابة حتى . إلا إذا رفض العمل في الأساس ، ليعاني حينها من طامة أخرى هي الفقر المدقع لاعتماده على الإعانات التي "قد" تقدم له من دائرة المساعدات الاجتماعية ، والتي هي وبكل الأحوال شحيحة ترد عنه غائلة الموت جوعا ليس إلا . أمـّا الملابس فهي من أسواق البالة المنتشرة في كل بلاد العالم تباع فيها الألبسة المستهلكة للأجانب والفقراء .
إزاء كل ذلك ماذا تتصورون أن يكون شعور الكاتب ؟
يشعر الكاتب الشرقي بالخيبة والإحباط حالما يتخطى حدود البلد المضيف قادما اليها ، ويشعر بأنه ُصنف مقدما في الدرجة الثالثة أو الرابعة من قائمة المقيمين .
فالأوربي ( الماني – فرنسي – انكليزي ..) في الدرجة الأولى مهما كانت درجته المعرفية ،حتى ولو كان أبلها أو مجنونا ..
ثم الأوربي القادم إلى الغرب ( روسي – بولندي – صربي .. )
ثم الشرقي عموما ..

مكان الكاتب هو وطنه .. وطنه فقط يحفظ كتاباته وأحاسيسه ، وشعوره ، ويحفظ له تاريخه وتاريخ عائلته وشئ من تفاهاته ..
الوطن مرجعه وبئر أسراره .. أي مغامرة غامرها فعلا أو كتبها بوحي من جني عقله يساعده فيها الوطن لتكتمل وتصبح أسطورة ، ألا تصدقون أن الوطن يدفع أبنائه للنطق الصحيح ؟؟
ولذلك يرتبك أولاء الأولاد في غربتهم ويعانون من عقد سميت بمسميات مختلفة تدل على أن لاشئ يعدل الوطن ..

مابيننا عطر الغصون الخضر
عطر الزعتر البري ، عطر الإنتظار
مابيننا تواصل .. ودهشـة
مابيننا عطر الوطن
ياصاحبي :
هب جنة الخلد اليمن
لاشئ يعدل الوطن "

لاأنصح أي مستطيع بتكييف نفسه مع واقع بلده أن يغادرها ، " الحجر في مكانه ثقيل " هكذا علمتني الحياة، ولو سألتموني أعزائي القرّاء : وأنت ، لماذا تتحمل كل هذا وتبقى في الغرب منفيا ؟ سأقول لكم :
" مرغم أخاكم لابطل " اخترت أحد الأمرين اللذان أحلاهما مرّ .. ولسان حالي يردد ماقاله الدرويش :
وأعد أضلاعي فيهرب من يدي بردى
وتتركني ضفاف النيل مبتعدا
وأبحث عن حدود أصابعي
فأرى العواصم كلها زبدا .. "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا


.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR




.. الفنانة نجوى فؤاد: -أنا سعيدة جدًا... هذا تكريم عظيم-


.. ستايل توك مع شيرين حمدي - عارضة الأزياء فيفيان عوض بتعمل إيه




.. لتسليط الضوء على محنة أهل غزة.. فنانة يمنية تكرس لوحاتها لخد