الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤامرات وحقائق

منعم زيدان صويص

2012 / 9 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


لا اتصور أن هناك أمة تتحدث عن المؤامرات وتؤمن بها كأمتنا العربية، فكل حدث أو تصرف، خاصة من قبل دول الغرب، يفسر على أنه جزء من مؤامرة تحاك ضدنا. فالمذابح التي ترتكب في العراق، والثورة في سوريا، والفلم المسي للإسلام، وتنظيم القاعدة، والهجوم على أمريكا عام 2001، والرسوم الكرتونية -- والقائمة لا تنتهي -- كلها مؤامرات. وتُتّهم الولايات المتحدة باستمرار بأنها تحيك المؤامرات في منطقة الشرق الأوسط، ويذهب البعض إلى القول بأن هذه الدوله ومخابراتها تعلم كل شي، وترصد كل ما يحدث، حتى في بيوت الناس، وتستطيع عمل كل شيء، ويتجاهل هؤلاء أن ما صنعته الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، فقط على سبيل المثال، يدل على كثير من الغباء وسؤ الإدارة، وها هي تنسحب، تجرجر أذيال الخيبة، بعد أن هزت الحروب إقتصادها وشوهت صورتها في العالم. ولا أدري إذا كان الروس أو الألمان أو الصينيون أو الهنود أو البرازيليون يؤمنون أيضا بنظرية المؤامرة، وسأكون في الحقيقة مستغربا جدا إذا لم يكونوا كذلك لأن الولايات المتحدة، تعتبر أن هذه الأمم ستشكل خطرا إستراتيجيا عليها في المستقبل، ومن المنطقي، والحالة هذه، أن نقول ان هذه الدول الصاعدة تنافس وتهدد بقاء الولايات المتحدة كأقوى إقتصاد في العالم. ولكننا لم نسمع أي جهة، أو حتى المعارضة في أي من هذه الأمم، تتحدث عن مؤامرات. والسؤال الآن: لماذا لا تتآمر "الإمبريالية الامريكية" على غيرنا من الدول والشعوب؟ لماذا لا تشكو هذه الشعوب من تآمرأمريكا عليها كما نشكو نحن؟ لماذا تصدّر فنزويلا للولايات المتحدة 15 بالمئة من إحتياجاتها النفطية برغم حملة هوغو تشافيز الإعلامية المستمرة عليها؟ ماذا نملك نحن من الأدوات لنهدد أمريكا بها، الآن أو في المستقبل، بشكل إستراتيجى أو غير إستراتيجى، ليستحق كل هذه المؤامرات الأمريكية؟

إن الشعوب العربية المحيطة بإسرائيل، والعديد من قادة الرأي فيها ، هم الأكثر إيمانا بنظرية المؤأمرة، والسبب هو التجربة المرة مع القوى الأستعمارية -- وعد بلفور وسايكس- بيكوه -- وربط تصرف الساسة الأمريكان بدعم إسرائيل، العدو الأكبر لهذه الشعوب، وهذا يبدو منطقيا تماما، فلا يستطيع أي سياسي في الولايات المتحدة أن ينجح أو يُنتخب لمجلس النواب أو مجلس الشيوخ إذا لم يكن يؤيد إسرائل تأييدا مطلقا، وهذه حقيقة وليست مؤامره، وعلى العرب، وقادة الرأى عندهم، أن يبحثوها ويقيّموها بصفتها حقيقة لن تتغير، فالساسة الأمريكان لا يُخفون هذا الدعم ولم يحاولوا أن يُخفوه أبدا، فهم يتبارون في تأييد أسرائيل، والسبب، ضمن أسباب أخرى، واضح وهو سيطرة اليهود على قطاع كبير من الإقتصاد، ومن هنا، الإعلام الامريكي، وهؤلاء الساسة لا يخجلون من ذلك، ويقنعون الشعب الأمريكي أن تأييده لإسرائيل يخدم مصالح الولايات المتحدة. فقط الأمريكان اليهود يستطيعون أن ينتقدوا إسرائيل دون أن يلحقهم ضرر. إن الولايات المتحدة لا تخسر من تأييد إسرائيل سوى تكسير أو حرق سفارة هنا أو قنصلية هناك أو قتل بعض المواطنين الأمريكان، فليس هناك تهديد لمصالحها. فتأييد إسرائيل لا يتم بالسر، فهو واضح. هل يستطيع العرب أن يقنعوا الأمريكان بأنه من المفيد لأمريكا أن تؤيدهم؟ هل يستطيع العرب المقيمون داخل الولايات المتحدة أن يضغطوا على الساسة والمسؤلين الأمريكان لتأييد مصالح العرب ويبرهنوا لهم أن من مصلحتهم تأييد الحقوق الفلسطينية؟ إن الملايين من العرب يحملون الجنسية الأمريكية ولكنهم غير فعّالين لأسباب كثيرة سوف لا ندخل في بحثها الآن.

ومن سؤ الحظ أن الدول العربية المحيطة بإسرائيل لا تملك الوسائل للضغط على الولايات المتحدة، لأنها دول فقيرة بشكل عام ولا تستطيع أن تعيش من مواردها بدون دعم خارجي لأن شعوبها تتكاثر بدون توسع موازي للإقتصاد. أما الدول الغنيه في الخليج فهي تبيع النفط لتعتاش منه ولو إنقطع تصدير نفطها لماتت جوعا لأنها لا تملك بديل للنفط، ولذلك فإن تهديد الغرب لا يخطر على بالها -- وقد جربت أن تهدده عام 1973 وانعكس لاحقا ضدها -- ولا ترغب بأن تتعاون مع الدول العربيه الواقعه إلى الشمال منها لأنها ببساطة تثق بأمريكا أكثر مما تثق بهذه الدول، ولن تنسى هذه الدول ماحصل للكويت بعد أن فرغ صدام حسن من حربه مع ايران، ولن تنسى شعوبها وحكامها الإنتقادات الجارحة التي توجهها شعوب الهلال الخصيب وإعلامه وشعراؤه لهم -- نزار قباني ومظفر النواب مثلا -- واتهامهم ب "العماله" و "الفسق" والخضوع للغرب، ناهيك عن خوف هذه الدول من سيطرة إيران عليها وعلى نفطها، فلذلك تتمسك هذه الدول بالوجود العسكري الأمريكي في الخليج.

إن دول العالم ترسم سيساتها لخدمة مصالحها، فليس هناك عواطف في السياسة، ولا تُهمِل أية دولة مصالحها لخدمة دولة أخرى، ولكنها تنافسها، احيانا في العلن وأحيانا في السر، وتعمل على رفعة شعوبها ولو على حساب الدول الأخرى، فهذا مبرر. إن كل ما تقوم به الولايات المتحدة وكثير من الدول الغربية تجاه المنطقة هي خطط تخدم مصلحتهم وليس مؤامرات تحاك في السر، كما توحى كلمة مؤامرة، فمصلحتهم هي بقاء إسرائيل وتأمين تدفق النفط من هذه المنطقة إلي العالم، وخاصة إلى الغرب الصناعي المتقدم، وهم مستعدون أن يدفعوا ثمنه مهما كان مرتفعا لأنهم سيستردونه عندما يبيعون لدول المنطقه أسلحة، وسيارات، وأليات، وحتى أغذية. لا تستطيع أية دولة أن تعيش لوحدها بدون منافسة الدول الأخري، ومن ضمنها الدول المجاوره لها، فالتنافس موجود بين الدول كما هو بين الأفراد، والمرونة مطلوبه لكي تستطيع الشعوب، أو الدول، أن تعيش وتزدهر وتبقى جزءا من البشرية على هذا الكوكب، فكثير من الشعوب إندثرت عبر العصور لأنها لم تكن مرنه بما فيه الكفاية في تعاملها مع الدول المنافسة الأخري، وخاصة القوى الكبرى.

والدول تتحالف مع دول أخرى وتتبادل معها المنفعة، وهذا ليس عيبا، ونحن نذكر كيف كانت الدول الصغيرة تتحالف مع الإمبراطوريات القديمه فتسلم من الدمار، وكيف كانت هذه الإمبراطوريات أحيانا تسحق شعوبا بكاملها وتمحوها من الوجود ولم يشفع لها شجاعة واستبسال ووطنية رجالها. خلال الحرب الباردة بين الشرق والغرب، ساد سلام نسبي في العالم، واصطفت بعض الدول مع الغرب وبعضها مع الإتحاد السوفييتي وساد ما يسمى بتوازن الرعب والهدوء الذي لم تعكره سوى حرب فياتنام. ولكن، كما قلنا، الأفكار والمواقف والسياسات تتتغير حسب المصالح، وفياتنام الآن صديقة للولايات المتحدة التي سبق والقت عليها ملايين الأطنان من القنابل أثاء الحرب الباردة. كوريا الشمالية تحالفت مع الإتحاد السوفيياتي، فازداد فقرها وتعمقت عزلتها، وكوريا الجنوبيه أصبحت "عميلة" لأمريكا وصارت قوة إقتصادية كبرى. كان المسؤلون السوريون وإعلام سوريا في السبعينات والثمانينات يكرر في كل مناسبة وفي كل تعليق سياسي تصميم سوريا على تحقيق "التوازن الإستراتيجي مع العدو الصهيوني،" ولكن حافظ الأسد، السياسي الذي لا يشق له غبار، ألغى هذه العباره نهائيا من القاموس السوري بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي عام 1990 وصمم على محاربة إسرائيل بالنيابه على حساب لبنان.

يجب النظر إلى الأمور بواقعية. إن تفسير كل حدث على أنه مؤامره ليس مفيدا على الإطلاق بل هو مظلل في بعض الأحيان، والتمسك بالرأى، مهما كان هذا الرأي، ليس دائما فضيلة. قبل عدة سنوات، القى الدكتور يعقوب زيادين، الزعيم السابق للحزب الشيوعي الأردني، محاضرة في جمع من المثقفين، وبعد أن أنهى محاضرته وقف أحد الحضور وقال له: هذا ليس الدكتور يعقوب زيادين الذي يتكلم، لقد تغيرت يا دكتور، فأجابه المناضل الشيوعي الكبير: نعم، لقد تغيرت، هل التغيير يعيب الإنسان؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: أحزاب وجمعيات وشخصيات تطلق -الميثاق الجمهوري- لحماية ا


.. بايدن شارد الذهن وترامب يلوح لشبح. ما صحة هذه الادعاءات؟ • ف




.. مسؤول إسرائيلي: لن نناقش أي مقترح لوقف إطلاق النار غير مقترح


.. الجيش الإسرائيلي يقر خطط عمليات وهجمات في لبنان | #غرفة_الأخ




.. الرئيس الروسي يؤكد دعمه الدائم لبيونغ يانغ | #غرفة_الأخبار