الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابي افتقدك اليوم اكثر

ليندا منوحين عبد العزيز

2012 / 9 / 27
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير



يعمل العرب في اسرائيل بموجب نموذج للتعويضات يلقب "بعطوة عشائرية" حيث يدفع اولياء امور المعتدي مبلغا من المال لعائلة المغدور وبذلك تتحقق هدنة بين الطرفين المتخاصمين. هل يمكن ان نطبق هذا النموذج الذي طورته العشائر العريقة لفض النزاعات على اليهود اللاجئين من الدول العربية؟

اربعون عاما خلت على اختفاء والدي المحامي يعقوب عبد العزيز عشية عيد الغفران وهو في طريقه الى الكنيس للصلاة في بغداد. لكن الجرح لا يزال مفتوحا يأبى ان يندمل. موجة العنف التي تغمر الشرق الاوسط في اعقاب ما يسمى ب"الربيع العربي" تزيد في قلبي الجمر إلتهابا.

التاريخ يعيد نفسه
عندما شاهدت الفيديو الذي ظهر فيه الثوارالليبيون وهم يجرون السفير الامريكي في احد شوارع بنغازي بأقسى العنف الى منيته، وردت في مخيلتي صورة من ايام طفولتي في بغداد، مسقط رأسي. كان هذا الحادث في اعقاب ثورة 14 تموز 1958 التي اطاحت بالنظام الملكي وانا في الثامنة من عمري. القى جنود عراقيون القبض على رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد متخفيا بعباءة في حي البتاوين، قريبا من بيتنا ثم قاموا بسحله. قيل آنذاك انه استحق العقاب بسبب فساده وظلمه لشعبه. ولا تزال عالقة في ذهني صورة نورية، جارتنا، التي امسكت بقطعة قماش من العباءة السوداء التي التف بها نوري السعيد ووضعتها على جهاز الراديو وبدت عليها علامات الفرح وهي تردد :" الله انتقم منه".

ضحايا العرب من محبي العرب
هذه المرة لم استطع ان احافظ على سكوني ازاء العملية الوحشية في بنغازي. من الصعب علي ان اتقبل ان جمهورا غاضبا سواء كان منظما ام لا مستعدٌ لحصد ارواح اناسٍ ابرياء دون تردد. ومن المفارقة ان السفير الامريكي الذي كان يكن الاحترام لأبناء الشعب الليبي، ومتلهف على المساهمة في بناء ليبيا ودعم شعبها في المرحلة ألانتقالية وقع فريسة لعملية بطش عشوائية. وهكذا كان الحال مع والدي المحامي يعقوب عبد العزيز الذي ذهب ضحية كراهية عمياء. وما يزيد من المي ان والدي كان محبا لوطنه بل كان عراقيا فخورا. كان ملما بالقرآن اضافة الى التوراة وكان يحب الاستماع الى تلاوة الآيات القرآنية في الراديو كما انه أنشأنا على محبة واحترام الدين الاسلامي. كل ذلك لم يشفع له عندما اختطفه بلطجية حزب البعث الحاكم.
النظام الذي لا يحترم اقلياته لا يحترم نفسه
منذ اربعين عاما وانا اتساءل ماذا كانت دوافع نظام البعث للقضاء على والدي. كل ما نعرفه ان والدي تصدر ضحايا موجة اختطاف اليهود عام 1972 اي بعد ثلاثة اعوام على تنفيذ حكم الاعدام بحق عشرة يهود ابرياء علقت جثثهم في ساحة التحرير. في ذلك اليوم تم الاعلان عن يوم عطلة رسمية ليتسنى استقدام من هب ودب للمشاركة في "اليوم التاريخي" الذي انكشفت فيه "مؤامرة " تجسس لصالح اسرائيل بعد محاكمة صورية لفقت فيها التهم وكانت تبث من الراديو والتلفزيون.

الكراهية لا تتوقف عند قتل اليهودي
بعد اقل من عامين على هروبي انا واخي اولا ومن ثم والدتي واختى الصغيرة الى اسرائيل عن طريق ايران فٌقدت آثار والدي. لم نتمكن من الاستفسار عن مصيره ونحن في اسرائيل "دولة العدو". صحيح انني لم احاول ان اتعامل مع الخسارة نظرا لوجودي في بلد جديد يطرح تحديات لا حصر لها امامي في تلك الفترة. لكن لم اسلٌم ابدا بحقيقة انه تم القضاء على والدي فقط لكونه يهودي. غير ان مساعيٌ المنطقية للتوصل الى حلول لاختفاء والدي لم تسُكن روحي المعذبة.
في الاسبوع الاخير دق بابي أمر مهيب : مؤتمر يدعو للاعتراف باليهود الذين هُجروا او أُسقطت عنهم الجنسية كلاجئين. اي رسم معادلة متساوية في التعويضات اسوة باللاجئين الفلسطينيين. سألت نفسي أين أنا من هذه القضية. الحقيقة انني لم افكر ابدا في المطالبة بتعويض عن مقتل والدي وتجميد ممتلكاته القليلة. بل كانت هذه الفكرة مقززة في نظري .غير انه كلما مرٌ الوقت ونبشت في الرسائل القليلة التي استلمتها من والدي عشية اختطافه ، تزداد قناعتي بضرورة المطالبة بتعويض.

اهرب من قلبي اروح على فين؟
لقد دفنت الماضي سنوات طويلة، غير أنٌ التقلبات في الشرق الاوسط أبت ان تتركني وشأني، بل هزت كياني. وهكذا وجدت نفسي اكرر قراءة الرسائل القليلة التي استلمتها من والدي عشية اختفائه، تلك الرسائل التي تفاديت الاطلاع عليها سنين طويلة خشية ان تعكر صفو حياتي. وهكذا امسك بالورق البالي من النوع الخفيف في محاولة لاسترجاع ذكريات محتها يد الزمن. ويتضح من الرسائل، التذكار الوحيد الذي بقي لي من والدي، انه كان يسعى لترتيب اموره المالية لتحصيل ديون من موكليه وترتيب صرف مستحقاته من التقاعد عن المحاماة بعد خدمة طويلة. كما أنه كان ملتزما كأب بتوفير مهر ملائم لي وانا في الثانية والعشرين من عمري.
وبينما كان والدي ينتظر تأشيرة خروج من العراق والحصول على جواز سفر، نجح عدد قليل من معارفه في مغادرة العراق. وكما شاهدنا في سوريا فان نظام البعث العراقي انتهج آنيا طريقين متناقضين: ارخاء الحبل وشده تجاه اليهود. وهكذا استقر بي الفكر على ان عدم تمكن والدي من الخروج من العراق بغية جمع المال القليل كلفه في نهاية الامر بحياته.

التعويضات دلالة التسامح
هل يمكن دفع تعويض مالي على فقدان ألحياة؟ والدتي المرحومة كانت تقول كيف يمكن ان نقبل المال مقابل دم أعزائنا؟ صحيح ليس هناك اي مبلغ في العالم يرجع لي والدي غير انني ا شعر أنٌ تعويضا ماليا قادر ولو بصورة رمزية، ان يحقق لنا جُزءًا من العدالة. بل ان هذا التعويض يعكس نوعا من التسامح لبناء مستقبل افضل. يقول غاندي عندما تٌسامح من اساء اليك فانك تٌغير المستقبل.
اليهود والفلسطينيون كانوا ضحايا المعاناة. نحن يهود الدول العربية دفعنا ايضا ثمنا باهظا. لكن نشأنا على الكتمان. وقد افاجئ البعض عندما اقول اننا نتعاطف ايضا مع مقولة الشاعر الفلسطيني المرحوم محمود درويش:" وطني ليس بحقيبة وانا لست بمسافر".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اختنا لنداعبد العزيز المحترمة
علي عجيل منهل ( 2012 / 9 / 27 - 21:10 )
اتمنى لوالدك الكريم الرحمة والذكرى الطيبة- واتمنى لك الصبر والسلوان لهذه المصيبة- نعم ان التعويض مهم جدا لكل الشهداء وامل ان يحصل قريبا-- تحياتى واحترامى لك ولكافة افراد العائلة ولروح الوالد كل الاحترام والتقدير


2 - كثيرون يفتقدون اباءهم
عبد الله اغونان ( 2012 / 9 / 27 - 23:40 )
غريب
انت تطالب بتعويظات عن مقتل ابيك
وهؤلاء الالاف الذين فقدوا اباءهم وكل اقاربهم هم ايضا يفتقدونهم ويفقدونهم يوميا منذ سنوات والى الان ومستقبلا
تخل عن التبسيط الموضوع اكبر من افتقاد ابيك
لاتطالب بتعويضات حتى تسدد ماعليك من تعويضات

اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة