الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة - طي صفحة الماضي- بالمغرب

علي بنساعود

2005 / 3 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


هراف سعيد، شيخ أهانه الجلادون:
أجلسوه على "القرعة" وأشعلوا النار في جسده!!!


منذ حوالي سنة، انطلق بالمغرب مسلسل "طي صفحة الماضي"، ولهذه الغاية، شكل إطار أطلق عليه اسم: "هيأة الإنصاف والمصالحة"، ورغم ما يمكن أن يؤاخذ على هذه الهيأة، فالمهم أنها شرعت في عملها، بل كادت تنهيه، والعبرة بالخواتم...
وفي هذا المقام، نود التوقف عند واحد من الملفات العالقة، من خلال أحد ضحاياه، وهو ملف أحداث عيد الأضحى لعام 1981* بكلميمة الذي لم يبث فيه حتى الآن، وضحاياه منهم من قضى، ومنهم من ينتظر...
ومعلوم أن أحداث عيد الأضحى 1981* بكلميمة (الجنوب الشرقي المغربي) خلفت عدة ضحايا تجرعوا مرارة التعذيب، ووشمت السياط أجسادهم دون جرم ارتكبوه، أو إثم اقترفوه... كانوا ضحايا لآلة البطش النظامي المتلهفة للدم البشري وقيح الجراح المتعفنة وصديد الكدمات، الآلة التي لا تعترف بالمبدأ القائل: "البراءة هي الأصل" فتنسب الجريمة للمتهم قبل إدانته، وتفتك بالضحية دون رحمة، وكل همها أن تنتزع منه اعترافا يثبت نجاعتها وطول يدها.

*ضحايا شبه أحياء
ما زال بعض هؤلاء الضحايا أحياء أو شبه أحياء، يصارعون جراحهم النفسية والجسدية، ويحملون عاهاتهم كما يحمل الجمل سنمه. لم يستمع إليهم أحد، فأحرى أن ينصفهم أو يعتذر لهم، ولم يتلقوا "تعويضا" يخفف بعض معاناتهم.
ومن هؤلاء الضحايا: "هراف سعيد بن أحمد أباسو" الذي كان نصيبه من التعذيب والإذلال وفيرا...
يبلغ هذا الرجل اليوم من السن عتيا، حيث يتجاوز السبعين عاما، وهو أب لثمانية أبناء، فلاح فقير يصارع ظروف الطبيعة القاسية...، يقضي يومه بين الحقل والمسجد حيث كان يتولى مهمة الأذان، وكان معروفا بالاستقامة وحسن السلوك لدى سكان "قصر الحارة" حيث يقطن (جماعة تاديغوست، دائرة كلميمة، إقليم الرشيدية).

*تعذيب وإذلال
لم توجه له أية تهمة في ذلك العام (1981)، لكن بعد مرور أربع سنوات (شتنبر 1985) وضعته آلة القمع بين فكيها، بعد أن أشفت غليلها من ابنه "موحى" الذي ظل تحت التعذيب لمدة أحد عشر يوما فقد خلالها أسنانه وأفرج عنه جثة متحركة بعد أن أنقذته شهادة إدارية من قيادة "تالوين" تثبت أنه قضى عيد الأضحى عام 1981 بالقيادة المذكورة.
لكن بعد هذا الإفراج بيومين فقط، أي يوم الأربعاء 28 غشت 1985، توجه "هراف سعيد" إلى مسجد "تيزرار" ب"تاديغوست" لينادي لصلاة العصر، وبعد الصلاة، وجد نفسه محاطا بثلاثة رجال شرطة: المفوض عبد النور بوعزة، والمفتش علي نايت الحاج، والجلاد لحبيب مشكور. قيدوا يديه بسرعة ونقلوه إلى المخفر بكلميمة، وهناك، أكرموا مثواه وبالغوا في "حسن ضيافته"، أذاقوه "الفلاقة" و"الشيفون" والضرب المبرح والصدمات الكهربائية. لم يكفهم ذلك فأمعنوا في إذلاله وتعذيبه، وجردوه من كرامته وآدميته، بإجلاسه على "القرعة" (القنينة) المشؤومة، وعاودوا هذه الفعلة المشينة، التي تعد بحق جريمة ضد الإنسانية، ثلاث مرات!!!

*خيال حد الهوس
كان خيالهم السادي خصبا وواسعا جدا، كانوا عباقرة لا يشق لهم غبار في مجال اختصاصهم، فبعدما لم يشف غليلهم ما فعلوه به، لجأوا إلى وسيلة جهنمية للتعذيب، إذ صبوا عليه كحول الحريق وأشعلوا النار في جسده... وكان فريق هذه العملية، حسب شهادته، يتكون من الجلادين: عبد النور بوعزة وخمسة من رجال الشرطة يتزعمهم لحبيب مشكور.
لم يكن الرجل يتحمل تلك الوجبات الدسمة، كان يفقد وعيه خلال كل حصة، ويحس أن صلته بهذا العالم قد انقطعت، بل خيل إليه ذات يوم أنه في رحاب الدار الآخرة، دار البقاء، وأن شخصا يقوم بغسله وتحنيطه، ولم يستعد وعيه، بعد هذا الإغماء الخطير، إلا حين تدخل الطبيب وأجرى له عملية إنعاش.
كان الاستنطاق عنيفا حد الغثيان، بل حد الهوس والجنون، ودام هذا الجحيم أحد عشر يوما. كانت عصيبة، مفعمة بالألم والعنف والأنين والدم والسياط والإغماء...، وكان الزبانية الشداد الغلاظ وحوشا تمشي على قدمين. وبعد انصرام المدة المذكورة، قدم ملف الضحية إلى النيابة العامة بالرشيدية، وتضمن المحضر مغالطة بشعة وكذبا صارخا، فقد تحولت الحراسة النظرية من أحد عشر يوما إلى ثلاثة أيام فقط!!! وقضت عليه المحكمة الابتدائية بثلاث سنوات سجنا نافذا، خفضت في المرحلة الاستئنافية إلى سنتين قضاهما في السجن القديم بالرشيدية. والتهمة: إهانة المقدسات!!!

*عاهات متأخرة
غادر "هراف سعيد" الجحيم الأرضي بمجموعة من العاهات الجسدية والنفسية هي ما فضل له في شيخوخته المتأخرة. فقد احدودب ظهره بشكل أثر على مشيته، وتكسرت ضلوعه، وتحطمت أسنانه، وشلت يده اليسرى، وصمت أذناه، وضعف بصره... وامتدت آثار التعذيب إلى باقي أفراد أسرته. فابنته "عائشة" البالغة من العمر بضعا وثلاثين سنة أصيبت بصدمة نفسية أدت إلى شللها شللا تاما عندما سرب إليها خبر زائف مفاده أن والدها قد قضى نحبه من جراء التعذيب.

*نبرة حزينة
لم يكن "هراف سعيد" مذنبا رغم كل هذا العذاب والألم، وبنبرة حزينة يقول: "مازلت أصرح علانية أنني بريء براءة تامة من هذه القضية (...) إني مظلوم وأطالب بإنصافي ورد الاعتبار لي".
لكن، كيف توجهت إليه أصابع الاتهام إذن؟
يقول "هراف سعيد": " لقد تم اتهامي من طرف المسمى: "سكو واعلا" الذي توجد خصومة قديمة بيني وبينه بسبب الحد الفاصل بيننا في الحقول..." لفت انتباه الشرطة إلى هذه العداوة خلال التحقيق، لكن لا أحد أعار كلامه اهتماما. كان غريمه يتحين الفرصة للإيقاع به، فقدم "وشاية كاذبة" ضده حسب تصريح هراف!!!.
تقدمت السن الآن بهذا الرجل, ومازال -وهو في آخر سنوات العمر- ينتظر الإنصاف ورد الاعتبار، وقد راسل هيأة الإنصاف والمصالحة، فهل تراها تنصفه وترحم وهنه وشيخوخته؟!


*هامش: عاش المغرب خلال سنة 1981 جفافا حادا هلك معه الزرع والضرع، وماتت الماشية، وهزل ما بقي منها على قيد الحياة، وأصبح البحث عن ماء صالح للشرب معاناة يومية في مناطق كثيرة من المغرب...
في ذلك العام العصيب، صادف عيد الأضحى شهر أكتوبر، فتدخل ملك البلاد آنذاك (الراحل الحسن الثاني)، مقررا الإمساك عن نحر الأضاحي حفاظا على ما تبقى من رؤوس الأغنام.
وقد كان من الممكن أن يمر ذلك العيد في أجواء عادية، ولكن سكان قصر ?لميمة فوجئوا بجثتي جروين مذبوحين معلقتين بمدخل الباب الجنوبي للقصر وإلى جانبهما كتبت جملة بصباغة سوداء لم تحترم فيها قواعد اللغة العربية: "دبح كبشان وانتم كلبان"...، فقامت قيامة النظام وكان ماكان...

*علي بنساعود








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث إسرائيلي عن استمرار علمية رفح لمدة شهرين.. ما دلالات هذ


.. مجلس الأمن الدولي يعرب عن قلقه إزاء التقارير بشأن اكتشاف مقا




.. سلسلة غارات عنيفة تستهدف عدة منازل في شمال غزة


.. الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في رفح




.. الجيش الإسرائيلي يطالب بإخلاء مناطق جديدة في رفح وشمال غزة