الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطبيقات القياسية للمفاهيم وانعكاسات الخطأ والصواب في التجربة السياسية العراقية...

كامل الدلفي

2012 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


المقدمة
ان سيطرة المفاهيم واندفاعها في العقل والعاطفة السياسيين يضاعف من دورها العملي ويجعل تفاصيلها في انتشار واسع وفي حالة تغطية عميمة لمساحات عريضة من الفضاء النفسي والاجتماعي للامة. فالمجتمع يتماهى لا اراديا مع الطروحات الايديولوجية المتاحة سواء منها التمهيدية (ما قبل الحدث) او التقريظية (ما بعد الحدث) والتي تتناغم مع مكنونات الباطن القلق في المركب الاجتماعي.. حتى العقائد الجامدة تتمكن من ان تأخذ مساحتها وتملأ فراغا ما في المركب النفسي الجمعي طالما ان الشعور بالأمان مفقود على طول الخط.
ليس كل قوة هي قوة للبناء وليس كل قوة هي قوة للهدم ، بين البناء والهدم تأرجحت مصائر العباد وتوزعت هوياتهم ومعالم صفاتهم ، ففي لحظات النعيم وتحقيق الرغبات والحاجات يأخذون صفة مواطنين ، وفي باقي الاوقات ما هم سوى رعايا. تلك سمة العيش في كنف الدولة منذ ان عرفت اشكالها الاولى في التاريخ في وادي سومر و الى ما شاء الله من عمرها المديد. والامر يبدو اكثر وضوحا في الزمن الحديث حين اختصرت الدولة معالمها في حدود الحكومة وغدت "الدولة ماهي الا ما تحققه الحكومة". ان القوة التي ينتظر منها الافراد تحسين وقائع حياتهم العملية تتصرف وفق طبيعتها الازدواجية العابرة للحس السليم بالاحتياج ، فهي اذ تدعي رعاية مصالح الجميع من جهة فأنها لا ترى غير تحقيق اهدافها ومصالحها من جهة اخرى ، وان كان ذلك يستدعي منها استخدام القهر بحق الاخرين او تغيير القوانين ، ومما يضفي على طباعها المزيد من النرجسية هو احتكامها على نظرة مغرورة الى خطواتها واعمالها والصاق صفة العصمة عن الخطأ بممارساتها واعلان أبوتها الساحقة الكليانية على الجميع فهي ليست ولي من لا ولي له فحسب بل هي ولي للأحياء والاموات من دون استثناء. فمن ازدواجيتها الواضحة انها تنسى ادعاءها بالعصرنة والحداثة والجماعية وإقرارها بسلطة الشعب في الرؤية الديمقراطية لتمعن بنزعات تقليدية موروثة وتقدمها على انها قوة قاهرة تنحصر في متناول القلة ، فهي لا تقلع عن ادمانها التاريخي في قمع الاحلام الشعبية والتغاضي عن سماع الانين العام ونداء الحرمان الجماعي فطالما تأخذ بقدميها غير آسفة احلام الناس الى وديان الطمر من دون ان يرف لها جفن، فهي تنظر الى ذلك السلوك على انه خطايا ضرورية مبررة وذنوب مغتفرة لا تولد وخزا في ضمير(الدولة).حين تهيمن الدولة وفقا لقراراتها وفيوضاتها القانونية على ثروات العباد فهي تحكم سيطرتها بإحكام ثم تعلن عن لعبة يانصيب الارزاق في ماراثون الوصول الى النعمة بطريقة القطارة والمرشحة ، وطالما تسمى ذلك بالمكارم والافضال ، ان نموذج الدولة الحديثة الذي نصل الى انتاجه يوما يختلف عن هذه التقديرات فحديثنا يجري عن تلك التي في ظهرا نينا والممعنة في صناعة الاختلال المستمر في توازن القوى بين الانتاج والاستهلاك . فأسوأ حالات الدولة هي تلك التي تدفع بالأفراد نحو مزيد من الاحجام عن مبادرات الانتاج و تصل بهم الى مستوى الكف عنه في حالة من عصاب مفرط وعدوانية مضادة لأية دعوة او نداء للانقطاع عن الاستهلاك الجنوني. فالحس الجماعي الاعم صار يرى في دعوات الانتاج عبارة عن دعوات مضادة للسعادة والنشوة والخدر اللذيذ المتحقق في خيمة الاستمتاع بالثروات المحققة غزوا كحقوق ممنوعة عن التناول كحرمان تاريخي . اشتغلت حرائق الاستهلاك في ذواتنا كطور جديد من اطوار تدمير هذه الذات بمراهقة آدمية يندر حصولها ضمن ضوابط العاب السياسة الدولية. الناس لم تستطع ان تحقق ثقتها بنفسها بل على العكس من ذلك اصبحت تعاني بشكل اكثر من مظاهر فقدان الثقة بالنفس. وذلك ينبع من العجز عن تحقيق الاهداف على الرغم من توفر الفرصة والظروف. فالدولة العراقية الحديثة منذ العام (1921) فصاعدا لم تكن محط ثقة الناس لأنها لم تحقق الحد الادنى من اهدافهم على الرغم من انهم لم يبخلوا عليها بالانتماء والولاء، فتحطمت احلامهم على مذبحها ودكات صلبها الكثيرة لتنتج في دواخلهم اضخم ظاهرة لفوضى الحواس. وتتغير الاحوال العامة بعد اشواط اليأس وتبرق فرصة منعشة مكيفة تدفع الى تطبيق الاحلام وانتاجها، وسادت ظروف لمأسسة افكار التعايش والمحبة والايثار والتعاون والجماعية، في احتمالية انبثاق نظام ديمقراطي جديد ، ودبت حركة الحياة في الهياكل الباردة والاعواد المتيبسة ومهدت ثقافة الديمقراطية الصاعدة الى المزيد من الحيوية والانتعاش في جهود فكرية تقريظية في ما وراء التجربة و مفاهيمها الحديثة التي لم نألف معايشتها من قبل ، كالتصويت على الدستور والانتخابات الحرة، والبرلمان التعددي ، والمجتمع المدني والهيئات المستقلة وفصل السلطات وغيرها من منتجات الديمقراطية ،فانتعشت فرص الحصول على حياة لائقة وعيش كريم مخالف عما في واحة الحرمان والاستبداد النفطي المليئة بطقوس البطريركية والاستبداد والتزمت والسلطوية الفاجعة ، فاتسعت حدقات العيون ناظرة الى ما لا يمكن النظر اليه من قبل. كانت فرصة مثالية لإعادة الثقة بالأشياء ، فحين ملئت الرئات بهواء التغيير لم تتمكن من ان تزفر الهواء المستهلك فعطلت آلية الشهيق والزفير لتعلن اصابتنا بالربو السياسي واعلان استهلاكنا النوعي، فالاستهلاك ماهو الا قدرات مهدورة على طول الخط، لقد فقدنا فرصتنا في التغيير وعجزنا عن ان نوافق ايقاعات العصر فاستهلكنا مفاهيمه واحدة تلو اخرى معتمدين على خربشاتنا الساذجة ، في واحدة من اكبر تجارب عدم الثقة بالنفس ، فلو نأخذ واحدة من تطبيقاتنا العملية ومديات التأثير الواقعية التي احدثها الاخفاق والفشل في التجربة، مثل الانتخابات ، فهي واحدة من اهم العمليات السياسية في تجربتنا الحديثة ، بل و أخطرها، وقد مورست بجماعية ناجحة كخطوة من خطوات العمل السياسي الجديد، لكنها تحولت الى خطأ تأسيسي فادح بعدم تمكنها من انتاج ثمرات العمل المرجو قطافها وعجزها عن الاقتراب من مساحة الحلم ، فعادت بالسلب الاجمالي على العملية الديمقراطية وانبثق عنها مضادات شعورية قاسية بالضد منها، بالشكل الذي اوصل الشعور العام الى القناعة بهشاشة الخيار الديمقراطي ، وحملته وزر جميع الخيبات ومظاهر الفشل ما اسفر عن عدوانية ومقت واستخفاف بكل ما هو ديمقراطي ، شكلا او مضمونا، واخيرا تصاعد دعوة القطيعة مع الانتخابات. لقد اظهرت جدلية متبادلة في المسار الانتخابي لمحورين متعامدين اولهما انقطاع الاتصال بين الناخب والمرشح فور اعلان نتائج الانتخابات والثاني فقدان الثقة بين الناخب والمرشح. واذا كان هذا ايجاز شديد عن واحدة من عمليات التأسيس السياسي الباعثة لليأس والمفجرة للخلافات والاشكاليات، فان البهجة بالحريات الدستورية قد أكلتها مظاهر التشدد والحنقبازيات القروسطية التي اندفعت شرهة تقضم ما يلوح لها من دسم التحرر والديمقراطية ، فاذا كان العنف والصراع المسلح قد ضيق ما امكنه من مساحة الحرية ودفع بانكماشها الى ابعد الحدود ، فان الاجتهادات الاصولية المتنامية ضد الحريات الفردية وانفلات شراهة الفتوى، قد أتت على البقية الباقية منها. نستطيع ان نتعقب اخطاءنا في السلوك ولنكن جريئين في تسميتها بالأخطاء حتى نتمكن من تصحيحها، ولا نستثني منها البسيط او المركب. ابتداء من السيطرات المنتشرة وسط المدن والتي تثقل حركة السير وتقلق راحة المواطنين وتبدد ثرواتهم الزمنية وتعطل وصولهم الى اعمالهم اليومية مرورا بكارثة الكهرباء المستعصية ، ومظاهر الفساد والمحسوبية والرشوة وانعدام الامن وهلم جرا من مبددات ومبيدات فرص التغيير والتحول الحضاري الحقيقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : ما جدوى الهدنة في جنوب القطاع؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حتى يتخلص من ضغط بن غفير وسموترتش.. نتنياهو يحل مجلس الحرب |




.. كابوس نتنياهو.. أعمدة البيت الإسرائيلي تتداعى! | #التاسعة


.. أم نائل الكحلوت سيدة نازحة وأم شهيد.. تعرف على قصتها




.. السياحة الإسرائيلية تزدهر في جورجيا