الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية وسياسة تبديد الفرص ... انسحاب تحت الضغط

محمود زعرور

2005 / 3 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أدى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري إلى تسليط الضوء على الهيمنة السورية في لبنان ، والمواقف المختلفة من تلك الهيمنة ، ويشير الوجود السوري وما يتسم به من استمرار التدخل في الشؤون اللبنانية ، عبر مصادرة سيادة واستقلال لبنان ، إلى عمق الأزمة التي تسم السياسة السورية .
تنتج هذه السياسة باستمرار معضلات متتالية ، ومتراكمة ، تؤسس إلى نشوء حالات معقدة على أكثر من صعيد ، مما يفاقم اضطراب الأوضاع بأبعادها المختلفة . ولا يشذأي جانب من جوانب السياسة السورية عن هذا التوصيف ، سواء تعلق الأمر بسياسة النظام الداخلية أو الخارجية .
فعلى الصعيد الداخلي ، اتسمت الحياة العامة في سورية بسيادة نظام حكم شمولي ، استبدادي ، يقوم على هيمنة الرأي الواحد ، وقمع الحريات الديمقراطية ، وممارسة الاضطهاد والتمييز .
ولئن نجا النظام السوري ، مرارآ ، في عقود سابقة من القرن الماضي ، من النقد والمساءلة والضغوط ، بسبب طبيعة العلاقات المحددة التي وسمت الوضع الدولي ، أنذاك ، نتيجة لتوازنات معروفة ، فالآمر بات مختلفآ في السنوات القليلة الماضية بفعل تغيرات داخلية وإقليمية ودولية .
وعلى الصعيد الخارجي ، ساهمت السياسة السورية في بلوغ الأزمات حدآ متوترآ ، بعد أن أخذت معالجتها لقضاياها الخارجية طابعآ جاذبآ لانتقادات إضافية ، أو مضاعفة .
من تلك القضايا تبرز قضية الوجود السوري الذي استمر منذ عام 1975 ، بعيد الحرب الأهلية اللبنانية وحتى الأن ، فارضآ وصاية شاملة ، جوبهت بمعارضة داخلية لبنانية ، وانتقادات دولية متعاظمة .
لقد وحدت المعارضة اللبنانية للوجود السوري ، العسكري والأمني ، قوى سياسية واجتماعية متنوعة ، وارتبطت بمحطات عديدة ، مثل مسألة تعديل الدستور الذي أفضى إلى التمديد الرئاسي ، حيث تأكد لدى معظم اللبنانيين بأن ذاك التعديل وبالتالي التمديد ، لم يكونا ليتكرسا دون تدخل سوري ، صريح ومكشوف .
وكان من نتائج هذا الأمر استقالة الوزراء الأربعة ، من ضمنهم النائب مروان حمادة الذي تعرض لمحاولة اغتيال في 6 تشرين الأول / أوكتوبر من العام الماضي ، ولم يكن الربط بين الاعتراض على فرض التمديد وبين محاولة الاغتيال يفتقر إلى فرضيات متماسكة .
ومع استقالة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 19 تشرين الأول / أوكتوبر 2004 واقتراب مواقفه من دعوة المعارضة اللبنانية إلى الانسحاب السوري من لبنان ، وبالرغم من الرغبة المعلنة بأن يكون هذا الانسحاب على أرضية تصحيح العلاقة مع سورية ، لتكون علاقة طبيعية ، تحافظ على مصالح البلدين ، إلا أن التعنت السوري بدد فرصة مهمة للخروج من مأزق كبير كان أحد مسبباته التمديد الرئاسي .
لم يكن أمام المعارضة اللبنانية ، بعد سلسلة تلك الوقائع ، كفرض التمديد ، ومحاولة اغتيال النائب مروان حمادة ، وكيل الاتهامات من قبل الحكومة وصولا إلى جريمة اغتيال الحريري إلا الإصرار على المطالب الأسلسية التي تعكس الاستجابة لمطمح أغلبية الشعب اللبناني وقواه المتعددة ، والمتمثلة باستقالة الحكومة وبالانسحاب
السوري ، العسكري والأمني ، وبضرورة تحرر لبنان التام من الرؤية السورية التي تصر على إبقاء لبنان ( ملفآ ) من ملفاتها في حساباتها الإقليمية والدولية.
لقد أدان المجتمع الدولي جريمة الاغتيال ، وكانت دعوة الرئيس الفرنسي جاك شيراك بضرورة إجراء تحقيق دولي قد لقيت تأييدآ واسعآ يعكس رفضآ لتمرير الجريمة وعدم ثقة بالأجهزة القضائية اللبنانية .
أعتقد أن إصرار المعارضة اللبنانية على فكرة التحقيق الدولي له ما يبرره ، وخاصة أن تاريخ الاغتيالات السياسية في لبنان شهد أمثلة على تحقيقات عديدة اتسمت بالغموض والشك من اغتيال ( رئيس الرؤساء ) كمال جنبلاط ، مرورآ باغتيال الرئيسين بشير الجميل ورينيه معوض ، ومن محاولة اغتيال النائب مروان حمادة وصولا إلى اغتيال الحريري أو ( السيد لبنان ) كما وصفه الإعلام الدولي .
لقد تزايدت مطالبات المجتمع الدولي بضرورة الانسحاب السوري ، عبر الإصرار على تنفيذ القرار الأممي 1559 ، بعد التأكد من عدم جدية السوريين في تنفيذ اتفاق الطائف .
إن بيان مجلس الأمن في 16 شباط / فبراير ، وسحب السفيرة الأمريكية من دمشق ، والتنسيق الفرنسي - الأمريكي ، والأمريكي - الأوربي يؤشر على جدية الضغوط الدولية .
إن المعارضة اللبنانية ، في إشهارها لانتفاضة الاستقلال السلمية ستجد ، بكل تأكيد ، دعمآ لبنانيآ وعربيآ ودوليآ ، مما سيسرع في تحقيق أهدافها ، وستكون وحدتها من الضمانات الأكيدة على هذا الطريق .
تكمن المفارقة بالنسبة للسياسة السورية ، في تبديدها الدائم لفرص الاستجابة لبدائل طبيعية ، وبناءة ، عبر عدم التعاطي بإيجابية مع دعوات المعارضة اللبنانية ، إلا أن النظام السوري سيجد نفسه مضطرآ للانسحاب تحت ضغط لبناني وعربي ودولي معآ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: قتلى فلسطينيين في عميلة للجيش الإسرائيلي بقرب


.. غزة: استئناف المحادثات في مصر للتوصل إلى الهدنة بين إسرائيل




.. -فوضى صحية-.. ناشط كويتي يوثق سوء الأحوال داخل مستشفى شهداء


.. صعوبات تواجه قطاع البناء والتشييد في تل أبيب بعد وقف تركيا ا




.. قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين